دواء للسكري.. قد يسبب أمراضا قلبية

تقرير هارفارد «أفانديا » خير مثال على العقاقير غير المجربة جيدا

التمارين الرياضية افضل وسائل علاج السكري.. راكب الدراجات الاميركي فيل ساوثرلاند يقيس مستوى الغلوكوز في دمه خلال التدريبات (خدمة «نيويورك تايمز»)
TT

في مايو الماضي ظهر للملايين من الناس الذين يشكون من مرض السكري امر آخر يقلقهم، وهو امكانية ان العقار الذي يتناولونه للسيطرة على سكر الدم قد يضر بقلوبهم، وذلك استنادا الى تقرير نشر في مجلة نيو انغلاند الطبية الذي اثار زوبعة في وسائل الاعلام. وكان التقرير قد اشار الى ان عقار "افانديا" Avandia rosiglitazone يزيد من احتمالات الاصابة بالنوبات القلبية، او الوفاة من امراض الشرايين والاوعية الدموية. وهذا ما حدا بالعديد من الناس الاتصال بأطبائهم مستفسرين.

وسلامة مثل هذا الدواء والادوية الاخرى هي مسألة مهمة لكون الامراض القلبية هي اكثر الاسباب شيوعا للوفاة بين المصابين بالسكري. وهنالك اكثر من 16 مليون اميركي يعانون من هذا الداء، والعدد في تزايد مستمر. واشارت الاستقصاءات الاولى الى ضرورة التماس نوع من الحذر في ما يتعلق بهذا العقار.

* التحكم بسكر الدم يبدأ السكري من النوع الثاني عندما تشرع انسجة الجسم بالتكاسل في الاستجابة الى الانسولين، فهذا الهورمون يقوم بفتح مغاليق وابواب الجزيئات التي منها ينفذ سكر الدم الى الخلية. والمناعة للانسولين تعني ان السكر يشرع في التجمع في مجرى الدم بعد تناول وجبة غذائية، او وجبة خفيفة. وبدلا من امتصاص السكر هذا بسرعة وبشكل فعال من قبل الخلايا لتلبية متطلبات الطاقة، يستجيب الجسم عن طريق انتاج المزيد من الانسولين في محاولة لفتح هذه الابواب المغلقة.

ويقوم "افانديا" بجعل الكبد وخلايا العضلات اكثر حساسية للانسولين. وكانت وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية FDA قد اقرت هذا الدواء في عام 1999 اعتمادا على التجارب السريرية التي اظهرت انه يخفض مستويات السكر في الدم لدى الاشخاص الذين يعانون من السكري النوع الثاني. وهذا امر جيد، لانه الهدف الاول والمباشر لعقاقير السكري. لكن لم يدم أي اختبار من الاختبارات التي اجريت على الدواء لفترة كافية، لاظهار ما اذا كان "افانديا" يحول دون حدوث الامراض القلبية وتلف الشرايين والاوعية الدموية والاعصاب، وهي الحالات التي تهم المصابين بالسكري.

وألمحت اولى الاشارات الى وجود مشكلة مع العقار، فهو قد يزيد من الكوليسترول السيىء ذي اللزوجة الخفيفة LDL بنسبة 15 الى 25 في المائة، كما انه يخفض قليلا من الهيموغلوبين الناقل للاوكسجين. ونظرا للازعاج الذي سببته هذه المعلومات قام باحثان من عيادة كليفلاند بتمشيط نتائج اختبارات وتجارب 42 عيادة طبية، التي قامت بتجربة "افانديا" مقابل اقراص وهمية، لمعرفة ما يسببه من مشكلات قلبية وشريانية ووعائية. وبعد دراسة العمر، ومستوى السكري في الدم، والفترة التي انقضت على تناول العقار، والعوامل الاخرى قرر الباحثون ان اولئك الذين تناولوا "افانديا" كانوا اكثر تعرضا للنوبات القلبية بنسبة 43 في المئة، وللوفاة من امراض الشرايين والاوعية بنسبة 64 في المئة.

وينبغي الأخذ في الاعتبار ان هذه المخاطر هي نسبية، فقد قارنوا مشاكل "افانديا" مع مشاكل الاقراص الوهمية. لكن الاخطار المطلقة كانت اكثر، فمن بين 15,560 متطوعا من الذين تناولوا "افانديا" عانى 86 (0.55 %) منهم من نوبات قلبية و39 (0.25 %) قضوا اجلهم. اما من بين الـ12,283 الذين تناولوا اقراصا وهمية، عانى 72 (0.58 %) منهم من نوبات قلبية، في حين توفي 22 (0.18 %). والجدير بالملاحظة هنا ان أي واحدة من هذه التجارب التي شملتها الدراسة لم تكن مصممة لتأخذ تأثيرات الدواء على القلب في الحسبان.

وكانت قد اجريت تجربة كبيرة في عام 2000 لتقييم هذا العقار بالنسبة الى القلب لإدارة مؤشر السكري في الدم RECORD التي نظرت بشكل خاص على تأثيراته على الاوعية والشرايين. لكن اثر صدور التقرير باسبوع في مجلة "نيو انغلاند"، نشرت المجلة تحليلا لإدارة مؤشر السكري في الدم اشرف عليه مجلس مستقل يرصد التجارب لأغراض سلامتها. ولم يشر التحليل الى اي مخاطر تصاحب تناول هذا العقار، لكنه لم يشر ايضا الى اي منافع تجنى منه على صعيد القلب.

* قصص مماثلة والقصص المماثلة من هذا النوع عديدة، فظهور مشاكل الدواء ومخاطره بعدما يكون قد اقر من الدوائر الصحية، ويكون الملايين من البشر قد استخدموه، ليست بجديدة. بل هي شائعة جدا. ومنذ اوائل الثمانينات اكتسب نحو 10 في المائة من جميع الادوية الجديدة التي جرت الموافقة عليها ، في النهاية تحذيرا يتعلق بسلامتها. كما ان نحو اكثر من عشرين دواء جرى سحبها من الاسواق، بما في ذلك مسكنات الالم "فيوكس" و"بيكسترا"، و"بايكول" (من زمرة "ستاتن")، و"سيلداين" ("انتي هستامين" ضد الحساسية)، و"بوسيكور"(لعلاج الضغط الدموي).

ولكن لماذا يحصل ذلك؟ السبب الاهم هو ان اختبارات الادوية الجديدة هذه هي صغيرة وقصيرة المدى تنتهي عادة في قيام الملايين من الاشخاص بتناول الدواء لمدة سنوات. والمشكلة الاخرى هي ان مثل هذه الاختبارات تستثني عادة الاشخاص من اعمار معينة، او الذين يعانون من حالات معينة، لكن غالبا بعد اقرارها وشمول الجميع بامكانية تناولها.

ومن الصعب حاليا التكهن بماذا سيحصل مع "افانديا". لكن في الوقت الذي كان فيه هذا التقرير يهيأ كي يعلن على الملأ، اعلنت وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية انها تشترط وضع تحذيرات على عقار "افانديا" والعقاقير الاخرى المشابهة مثل "أكتوس" Actos pioglitazone من احتمال حصول مشاكل تتعلق بالفشل القلبي. وحول ما اذا كانت مثل هذه التحذيرات تمتد لتشمل النوبات القلبية، تبقى امرا ينبغي النظر فيه.

وتقدم سيرة عقار "افانديا" مرة اخرى درسا مهما بالنسبة الينا والى الاطباء. وعليك ألا تكون متشوقا ابدا لتجربة العقاقير الجديدة في الوقت الذي يمكن فيه استخدام البديلة منها التي توازيها في الفعالية، والتي هي قيد التداول لفترة من الزمن. وهناك العديد من ادوية السكري في السوق. وغالبيتها تخفض سكر الدم بفعالية "أفانديا" من دون التعرض الى المخاطر الضارة للكوليسترول السيىء والتغيير في طبيعة الهيموغلوبين. اما ما اذا كان "اكتوس" هو اكثر امانا بالنسبة الى نظام الاوعية والشرايين من "افانديا" فان ذلك وقف على الدراسات المستقبلية.

ان الاكتشافات الجديدة توضح تماما ان "أفانديا" ليس صالحا للقلب، وهو امر اشار اليه الباحثون على اساس انه احتمال لا اكثر ولا اقل، عندما كان قيد التطوير. والادوية القديمة مثل "ميتافورمين" metaformin لها سجل افضل في السلامة والامان والمنافع الممكنة لامراض الاوعية والشرايين. واذا كنت تتناول "افانديا" لا تتوقف عنه من تلقاء ذاتك، لان زيادة مخاطر امراض الاوعية والشرايين اذا كانت موجودة هي صغيرة وضئيلة بالنسبة الى الفرد العادي. واذا رغبت في التوقف عن الدواء من دون ان يكون له بديل، يعني ان الزيادة الدائمة في سكر الدم والانسولين ستكون وبالا عليك اكثر بكثير من مخاطر ضئيلة او نظرية يسببها دواء "أفانديا".

تحدث الى طبيبك حول منافع الادوية البديلة ومخاطرها، فكل دواء هو مختلف عن الآخر. بعضهم على افضل حال مع "ميتافورمين" او دواء آخر من ادوية السكري. والبعض الاخر بحاجة الى دعم اضافي. وعلى الرغم مما تقرره انت وطبيبك لا تتغاضى عن تنفيذ التمارين الرياضية التي هي افضل علاج فعال ضد السكري.

* خدمة هارفارد الطبية – الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز – كلية هارفارد