الحساسية تجاه الكاجو.. تفوق أحيانا مثيلتها للفول السوداني

الباحثون يُقارنون بين نوعين من المأكولات الشعبية

.. والفول السوداني انتشر في مختلف المنتجات الغذائية (كي آر تي)
TT

إن كان الفول السوداني "سيئ السمعة" عند الكثيرين، كونه يتسبب بالحساسية لدى نسبة من الأطفال، فإن الباحثين البريطانيين يقولون إن الكاجو ربما بالمقارنة هو أسوأ في درجة تفاعل الحساسية التي يُمكن أن يتسبب بها لدى الأطفال.

ومن خلال نتائج دراستهم المنشورة في عدد أغسطس من مجلة "الحساسية"، تابع الباحثون أكثر من 140 طفلا يُعانون إما من الحساسية تجاه الفول السوداني أو تجاه الكاجو. ووجدوا أن التفاعلات التي تبديها أجسام الأطفال كانت أشد خطورة حال تناول الكاجو من تلك التي تظهر مع تناول الفول السوداني.

وقام الدكتور أندرو كلارك، الباحث الرئيس في الدراسة من مستشفى أدنبروك في كمبريدج، بمقارنة 47 طفلا لديهم حساسية للكاجو مع 94 طفلا لديهم حساسية من الفول السوداني، أي مقارنة واحد لاثنين تقريباً. وما أثار دهشتهم أن لدى تفاعلات الأطفال المتحسسين للكاجو كانت احتمالات ظهور صفير في الصدر تبلغ ثمانية أضعاف تلك التي تظهر لدى المعاناة من نوبات الحساسية عند الأطفال المتحسسين من الفول السوداني. أي صوت الصفير الذي ينشأ أثناء خروج هواء الزفير من الرئة عبر الشعب الهوائية التي تعتريها تغيرات تفاعلات الحساسية.

والمعلوم أن أحد مظاهر الحساسية نشوء تفاعلات في الأغشية المبطنة للشعب الهوائية وفي مستوى انقباض العضلات المحيطة بتلك الشعب الهوائية على هيئة حلقية. وهو ما يُؤدي إلى انتفاخ تلك الأنسجة واحتقانها بالسوائل و تمدد الأوعية الدموية، ويتسبب بضيق مجرى الهواء من خلال تلك الشعب. وما يزيد الطين بلة هو تفاعل العضلات المحيطة بالشعب الهوائية عبر انقباضها. وهما ما يُؤديان مجتمعين إلى صعوبات في التنفس وسماع صفير لخروج الهواء من الرئة أثناء تلك العملية التنفسية.

* تفاعلات الحساسية وتبين للباحثين أن احتمالات حصول التفاعلات التنفسية كانت أكبر وبنسبة عالية عند منْ يُعانون من حساسية للكاجو بالذات، مقارنة مع منْ لديهم حساسية للفول السوداني.

كما لاحظ الباحثون أن التفاعلات الأكثر خطورة، والتي قد تطال الجهاز القلبي الدوري للأوعية الدموية، كانت أعلى في احتمالات حصولها بنسبة 14 ضعفا لدى منْ يُعانون من حساسية للكاجو. وذلك بالمقارنة مع احتمالات حصول تلك التفاعلات في الجهاز الدوري لدى منْ يُعانون من حساسية للفول السوداني.

والمعلوم أنه ونتيجة لإثارة تفاعلات جهاز مناعة الجسم حال تعرفه على مواد كيميائية يعتبرها بشكل خاطئ بأنها "مواد ضارة بالجسم"، فإن جهاز المناعة يُفرز مواد كيمائية أخرى مضادة قد تتسبب بخلخلة انضباط الجهاز الدوري، وذلك من خلال ظهور ارتفاع في نبض القلب كمحاولة للتعويض نتيجة لهبوط مقدار ضغط الدم. وثمة عدة آليات تتسبب بالمحصلة في هبوط مقدار ضغط الدم أثناء تفاعلات الحساسية.

ومن بين مجموعة الأطفال الذين لديهم حساسية من الكاجو، لاحظ الباحثون أن لدى حوالي 25% منهم ظهرت تفاعلات تُصنف بأنها عنيفة. أي تحديداً مواجهة صعوبات في التنفس أو فقدان الوعي، وذلك مقارنة بحوالي 1% فقط ظهرت لديهم هذه التغيرات العنيفة في ما بين مجموعة منْ لديهم حساسية من الفول السوداني.

وبالرغم من أن تفاعلات الحساسية من المكسرات الطبيعية، كالكاجو أو الجوز، من المعلوم أنها يُمكن أن تتسبب بنوعية خطرة من درجة تلك التفاعلات. إلا أن الدراسة البريطانية التي بين أيدينا هي الأولى في محاولة المقارنة بين نوعية تفاعلات الحساسية للمكسرات الطبيعية وتلك التفاعلات عند تناول أحد أنواع البقول كالفول السوداني. والتي طرحت ضرورة الالتفات بجدية إلى نوعية ما قد ينشأ من تفاعلات للحساسية من المكسرات لدى الأطفال على وجه الخصوص. ومما تجدر الإشارة إليه أن الفول السوداني لا يُصنف من ضمن المكسرات، بل ضمن مجموعة البقول.

وبالرغم من أن استهلاك الكاجو في ارتفاع مستمر خلال السنوات القليلة الماضية نتيجة لعوامل شتى، إلا أن الإشكالية ليست في توقع إقبال الأطفال على استهلاكه مباشرة. بل هي في استهلاكهم له أو دخوله إلى أجسامهم بطرق غير مباشرة، وباحتمالات أكبر من تلك في حال الفول السوداني.

والأسباب متعددة في هذا، لعل أهمها أن تنبه الآباء أو الأمهات أو الأطفال، ولو شئت حتى الأطباء أنفسهم، أعلى تجاه الفول السوداني كسبب محتمل لنشوء تفاعلات الحساسية، وذلك مقارنة بالكاجو الذي قلما يتنبه له الكثيرون كسبب محتمل لذلك. ولذا نجد غالبيتهم يبحث عن مدى وجود أي كميات من الفول السوداني في ما يتناوله أطفالهم من مأكولات أو حلويات، بينما لا يخطر الكاجو على البال غالباً. ولذا نلحظ توسعاً في تناول الأطفال للكاجو أو غيره من المكسرات في الحلويات أو المعجنات أو كثير من أطباق الأطعمة الآسيوية، كالهندية أو الصينية أو غيرهما.

ومما يخفى أيضاً، احتواء بعض من أنواع الصلصات أو وجبات الحبوب المتنوعة للإفطار أو حتى انواع الشامبو أو الصابون أو الكريمات أو العطور على مستخلصات من المكسرات بأنواعها. وهو ما قد يتسبب بنشوء تفاعلات الحساسية. والمعلوم أن لدى البعض تنشأ تلك التفاعلات من تناول أو ملامسة كميات قليلة منها لجسم الإنسان المُصاب بالحساسية. ولعل من أوضح الأمثلة ما سبق لملحق الصحة بـ"الشرق الأوسط" الحديث عنه في حالة الشاب الذي تُوفي جراء تقبيله فتاة كانت قد تناولت للتو قليلاً من الفول السوداني. وهو ما يتطلب معرفة مدى وجود الحساسية تجاه أمر ما ومحاولة تحاشي التعرض لها بالمطلق، ما لم تتم معالجة الحالة عبر وسائل معروفة يتبعها الأطباء عادة في مثل هذه الحالات.

وقد تظهر لدى البعض تفاعلات الحساسية إما عند تناول الكاجو من دون ظهور هذه الأعراض لدى تناول أنواع أخرى من المكسرات، وتحديداً الجوز والفستق، أي حساسية للكاجو فقط. أو لدى تناول الكاجو وغيره من المكسرات. لكن من المهم ملاحظة أنها حالة نادرة مقارنة بالحساسية لبقية أنواع المكسرات، كما أنها قد تصيب البالغين والأطفال بعد سن الثانية من العمر. حتى لدى أول مرة يتناولونها. بمعنى أن الحساسية ليست فقط بالضرورة نتيجة لتكرار التناول. لأنه حينما راجع الباحثون حال منْ يُعانون من حساسية للكاجو، وجدوا أن واحداً فقط بين كل خمسة أطفال يتحسسون من الكاجو كان قد سبق له تناولها، والأربعة الباقين ظهرت الحساسية لديهم لأول مرة مع أول تناول لها. وأن حوالي 35% من هؤلاء أيضاً لديهم حساسية مصاحبة لدى تناول الفستق.

وتتفاوت أعراض الحساسية. إذْ لدى حوالي 50% منهم تبدو كحساسية على الجلد، مثل الاحمرار أو الحكة. و25% تظهر على هيئة صعوبة في التنفس نتيجة تأثير عمليات الحساسية في الشعب الهوائية للرئة. و17% كأعراض في الجهاز الهضمي مثل القيء أو الإسهال. وهناك حالات نادرة من التفاعلات الشديدة التي قد تهدد الحياة نتيجة إصابة الجهاز الدوري القلبي.

وكان قد سبق لملحق الصحة بـ"الشرق الأوسط" عرض جوانب واسعة تتعلق بالكاجو في 13 يوليو 2006.