الأمية الصحية أهم عوامل خطورة ارتفاع الوفيات

الكثيرون لا يعلمون عن أضرارها

الفحوصات الطبية الدورية .. مهمة للوقاية من الامراض (كي آر تي)
TT

الرسالة الواضحة التي حاول الباحثون من شيكاغو توصيلها عبر دراستهم المنشورة في عدد 23 يوليو من مجلة "أرشيفات الطب الباطني" كانت، ببساطة شديدة ومقلقة، تقول إن كون المرء قادراً على قراءة وفهم المعلومات الصحية يُسهم في إمكانية عيشه لمدة أطول في الحياة! وتحديداً كانت ملاحظتهم العلمية مكونة من شقين. الأول أن الذين يمتلكون معلومات صحية أفضل عن الأمراض ووسائل معالجتها وغيرها من الجوانب الصحية هم بالفعل أقل عرضة للوفيات مقارنة بمن هم أقل في مستوى ثقافتهم الصحية والطبية. والثاني أن أكثر من ربع كبار السن لديهم معرفة ضعيفة بالمعلومات الصحية والطبية.

* الأمية وخطورة الوفاة وما توصل إليه باحثو كلية فينبيرغ للطب التابعة لجامعة نورثويست في شيكاغو، هو أن امتلاك ثقافة صحية غير كافية، مرتبط بتدني المعرفة بالأمراض المزمنة حال الإصابة بأي منها. وهو ما يُؤدي إلى تدني مستوى مهارات العناية بالنفس لدى مرضى ارتفاع ضغط الدم والسكري والربو وأمراض شرايين القلب وضعف عضلة القلب.

وتبدت هذه النتيجة للباحثين حينما قابلوا وحاوروا حوالي 3300 مريض، ممن أعمارهم تجاوزت سن 65 سنة، عبر مجموعات من الأسئلة المتعلقة بالصحة والأمراض والوفيات وغيرها من الجوانب الديموغرافية. كما أجروا في نفس الوقت عليهم اختبارات لتقييم معرفتهم بالجوانب الصحية والطبية لتحديد مستوى الأمية الصحية لديهم. وتراوحت نقاط اختبار التقييم ما بين صفر إلى مائة. واعتبروا أن تسجيل أقل من 55 نقطة مؤشر على وجود معرفة غير كافية بالجوانب الصحية، وأن تسجيل ما فوق 67 نقطة يُصنف بأنه معرفة كافية. وتبين لهم أن بين أفراد المجموعة التي شملتها الدراسة، كان 25% متدني المعرفة في جوانب الصحة والأمراض. لكن هذا لم يكن مهماً لأن النسبة ستختلف من مجتمع إلى الأخر على حسب عوامل عدة ومتشعبة. بل المهم هو ما لاحظوه من أن متابعة جميع المشاركين في الدراسة لمدة حوالي ست سنوات ومتابعتهم على وجه الخصوص وفق معلومات المؤشر القومي للوفيات بالولايات المتحدة لمعرفة من منهم تُوفي خلال تلك الفترة من المتابعة.

وما أدهش الباحثين وغيرهم من المتابعين الطبيين في النتيجة هو أن حوالي 40% ممن لديهم مستوى متدن في المعرفة الصحية تُوفوا خلال تلك الفترة، بينما تُوفي فقط 19% من بين منْ لديهم مستوى كاف من المعرفة الصحية تلك! وقال الباحثون إن من يفتقرون إلى المعرفة بالأمراض وغيرها من الجوانب الصحية لديهم درجة عالية من خطورة الوفاة مقارنة بمن يملكون ما يكفيهم من تلك المعرفة اللازمة للعناية بأنفسهم ومعالجة حالاتهم المرضية التي يُعانون منها. والأهم أيضاً هو أن خطورة الوفيات من تداعيات أمراض القلب، لدى المفتقرين إلى الثقافة الصحية اللازمة، كانت الأعلى من بين أسباب الوفيات على الإطلاق.

وأضافوا في نتائجهم جانباً مهماً آخر، وهو أن مقدار عدد السنوات الدراسية التي أتمها الشخص بنجاح في حياته لا علاقة لها البتة بمستوى الثقافة الصحية ولا علاقة لها بالتالي بارتفاع أو انخفاض معدل خطورة الوفيات، بمعنى أن ارتفاع المستوى التعليمي لا يعكس ارتفاع المستوى الثقافي الطبي، وبالنتيجة لا يعكس تأثيراً على معدل الوفيات. وما توصلوا إليه في هذا الجانب ليس من باب طمأنة منْ لم يُحالفهم الحظ بتلقي مستويات جيدة وعالية من التعليم، بقدر ما هو تنبيه قاس للمثقفين ومنْ أتموا مراحل متقدمة من التعليم بأن لا يعتقدوا أن ما حققوه يعني أن لديهم ثقافة صحية جيدة مقارنة بمنْ هم أقل تعليماً منهم.

* الأمية الصحية وتقول مؤسسة الصحة بالولايات المتحدة إن كثيراً من البالغين يُواجهون صعوبات في فهم المعلومات الصحية والتفاعل الصحيح معها. ومجموعات كبيرة من المعلومات الصحية، مثل نماذج التأمين الصحي والدعايات الطبية، تحتوي على عناصر معقدة من المعلومات. وحتى ذوو المستويات العالية من التعليم يُواجهون تلك الصعوبات في الحصول والفهم والاستخدام لتلك المعلومات الصحية. ومثلاً قد يصعب على الطبيب الجراح فهم معنى عناصر نموذج التأمين، ومدرس العلوم في الجامعة قد يجد مشقة في فهم المعلومات المتعلقة بأحد اختبارات تقييم وظائف الدماغ، في حين قد لا تعلم المسؤولة عن الحسابات في إحدى الشركات الوقت الذي يجب أن تُجري فيه فحص الثدي بالأشعة كأحد عناصر الفحص الدوري لها.

وعرفت المؤسسة معنى مُصطلح المعرفة الصحية بأنه مستوى المعرفة الذي يُمكن الناس من الحصول على، وتحليل، وفهم المعلومات الصحية الأساسية. ومعرفة نوعية الخدمات التي يحتاجونها لتمكينهم من أخذ قرارات صحية مناسبة. وأضافت بأن الأمر يتجاوز أفراد الناس وجهودهم. بل يعتمد أيضاً على مهارات واختيارات وتوقعات من يُقدمون المعلومات الصحية مثل الأطباء والممرضين وبقية العاملين في الوسط الطبي والعاملين في وسائل الإعلام وغيرهم.

وكانت لجنة المعرفة الصحية التابعة للمؤسسة الصحية قد أصدرت أول تقاريرها في ابريل من عام 2004 بعنوان " المعرفة الصحية: العمل مع الوقت لإنهاء الارتباك". وحاول واضعو التقرير البحث في جوانب هذا الفرع الجديد من العلوم الصحية واقترحوا إنشاء مجمع متخصص في المعرفة الصحية.

وكانت الرابطة الأميركية للطب الباطني قد ذكرت مؤخراً أن الإحصاءات الحكومية الطبية الحديثة تشير إلى أن ثمة حوالي 90 مليون شخص من البالغين لديهم مستوى محدود من المعرفة الصحية، في الولايات المتحدة وحدها. وأضافت بأن المشكلة تطال الأشخاص على وجه العموم في المجتمعات. أي من مختلف الأعمار أو الأصول العرقية أو تفاوت الدخل المادي أو المستوى التعليمي.

وطرحت بعداً آخر لتداعيات المشكلة، وهو الكلفة الاقتصادية العالية التي تنتج عن تدني مستوى التثقيف الصحي بين الناس. وأن ثمة هدراً يُقدر بمليارات الدولارات في كل عام نتيجة لذلك، مثل طول البقاء بلا داع في المستشفيات أو الإكثار من زيارة الأطباء بلا داع أو عدم الذهاب إليهم عند الضرورة، وغير ذلك. وقالت بأنها كانت السباقة في إثارة هذا الجانب الصحي المهم لأول مرة عام 1998.