لا جدوى من الزنك في تخفيف أعراض نزلات البرد

بالرغم من أهميته الحيوية للجسم

TT

بعد مراجعتهم لأربع عشرة دراسة تم إجراؤها حتى اليوم حول مدى جدوى استخدام حبوب المص المحتوية على الزنك لتخفيف أعراض نزلات البرد، قال الباحثون من كلية الطب بجامعة فيرجينيا: إنه ليس ثمة إثبات علمي على فائدتها.

ويتم اليوم تسويق أدوية على هيئة حبوب المص أو "جل" للأنف لتخفيف المعاناة من الأعراض الموضعية المصاحبة عادة لنزلات البرد في الأجزاء العلوية من الجهاز التنفسي، مثل ألم الحلق وصعوبة البلع أو سيلان الأنف وغيرها. وهي تلقى رواجاً لأسباب منطقية تتعلق باحتمالات مساعدتها على تحسين الشكوى من تلك الأعراض نظراً للتأثيرات المهمة للزنك في مناطق شتى من أنظمة الجسم، خاصة جهاز المناعة.

وثمة مشكلة في مدى تقبل المرضى لمستحضرات الزنك هذه، لأن الجِل أو البخاخ الأنفي، يتسببان في إحساس بالحرقة أو الوخز داخل الأنف، إضافة إلى تقليل قدرات الشم فوق ما تسببه أصلاً نزلة البرد بذاتها. وفي بعض الحالات يستمر فقد أو ضعف الشم لمدة طويلة جداً بعد الشفاء من نزلة البرد، لأن تعرض خلايا الشم في الأنف للزنك، قد يسبب لها التلف، الذي ربما يبقى دائماً لدى بعض المرضى. وليس هناك وسيلة لتوقع منْ سُيصاب به ومنْ لن يُصاب به، في حين تبقى لأقراص المص مشكلة طعمها المر في الحلق إثارتها للقيء، ما يُؤدي إلى عدم تقبل الكثيرين لها. إضافة إلى أن استخدامها من قِبل الحوامل أو المُرضعات لم تتم دراسته بشكل واف حتى اليوم.

* الزنك عديم التأثير ووفق ما سيتم نشره في عدد سبتمبر القادم من المجلة الإكلينيكية للأمراض المُعدية، فإن مراجعة نتائج 14 دراسة، فحصت تأثير تناول الزنك إما على هيئة حبوب مص وإما بخاخ للأنف وإما جل لترطيب الأجزاء الداخلية للأنف، مقارنة مع تأثير نفس الاشكال الدوائية المحتوية على مواد وهمية زائفة لا فاعلية لها placebo ، لم يثبت منه تلك تحقيق التأثيرات العلاجية المرجوة.

وكانت نتائج نصف هذه الدراسات تقول للناس إن أدوية الزنك هذه مفيدة في الحد من الاستمرار الطويل لأعراض نزلات البرد، فيما النصف الآخر منها يقول خلاف ذلك، ولا جدوى لها. لكن حين التدقيق العلمي في كيفية إجراء الدراسات الطبية هذه ومدى موافقتها للمعايير البحثية، تبين أن أربع منها فقط تستوفي معايير الضبط النوعي المسبق في إعدادها وفي إجرائها وفي استخلاص النتائج منها.

وبمراجعة الدراسات الأربع التي يُمكن الاعتماد على ما تقوله لنا من نتائج، تبين للباحثين أن ثلاثاً منها تُؤكد على أن لا جدوى في حال الإصابة بنزلات البرد من استخدام حبوب المص لتخفيف الأعراض التي تعتري الحلق، ولا جدوى من بخاخ الأنف المحتوي على الزنك في تخفيف تلك الأعراض الأخرى التي تظهر على الأنف. وبالرغم من أن دراسة واحدة فحصت جدوى جل الأنف المحتوي على الزنك أثبتت جدواه في تخفيف أعراض نزلات البرد المصاحبة وتقصير مدة المعاناة منها، إلا أنها لا تكفي لتعميم النصح الطبي باستخدام هذه النوعية من الجل في معالجة حالات نزلات البرد، وفق ما قاله الدكتور جاك غوالتني، الباحث الرئيسي في الدراسة من كلية الطب بجامعة فيرجينيا. والذي قال صراحة إنها فقط دراسة وحيدة!.أما فيما يختص بحبوب المص فإن الدكتور غوالتني أكد على أن ثمة ما يكفي من دراسات طبية في هذا الشأن، وأنها تُظهر بوضوح أن احتواءها على الزنك واستخدامها لتخفيف تلك الأعراض غير مُجد.

* الزنك والجسم أهمية الزنك في الجسم نابعة من تعدد وظائفه الكيميائية واختلاف طبيعة العمليات الحيوية والبنائية التي يُسهم بها داخل أعضاء شتى من الجسم. ويحتوي الجسم على كمية قليلة منه، تتراوح ما بين 2 إلى 3 غرامات. وهي موزعةً في العظم والأسنان والشعر والجلد والكبد والعضلات وخلايا المناعة والخصيتين. لكن لا يستخدم الجسم أياً من هذه الأعضاء كمستودع تُختزن فيه كميات من الزنك. ولذا فإن الجسم يعتمد بشكل رئيسي على ما يتناوله المرء يومياً من وجبات الطعام لتأمين احتياجاته من الزنك.

والزنك في الجسم عنصر محفز أو مساعد على إتمام مجموعات من التفاعلات الكيميائية الحيوية. وثمة أكثر من ثلاثمائة انزيم ذي أهمية حيوية، تعتمد على توفر عنصر الزنك لأداء وظائفها التفاعلية. كما أن الزنك مطلوب على مستوى الخلية لعمليتي انقسام الخلايا وحماية جدرانها من التحلل، وأيضاً في بناء الحامض النووي وإنتاج بروتينات حفظ الصفات الوراثية، بل إن الحمض النووي نفسه يعتمد على الزنك في حماية تراكيبه من التلف أو التغير.

هذا بالإضافة إلى أن ثلاثاً من حواس الإنسان الخمس تحتاج إلى توفر الزنك، وهي التذوق والشم والبصر. وكذلك تحتاج الغدد الصماء والهرمونات للزنك في جوانب شتى من عملها. مثل الهرمونات الجنسية المتحكمة في إنتاج البويضات، وعمليات إنتاج الحيوانات المنوية في الخصية، والمحافظة على صحة البروستاتا ووقايتها من التضخم، إضافة إلى إفرازات البنكرياس من الإنسولين، وتحويل هرمون الغدة الدرقية إلى مركبات فاعلة.

وتحتاج مجموعة خلايا المناعة والدفاع عن الجسم للزنك في اكتساب القدرات الدفاعية والهجومية كخلايا "تي" ، الليمفاوية وخلايا سي دي 4 المساعدة، والخلايا القاتلة الطبيعية وغيرها. ولذا فإن الزنك يسهل التئام الجروح والقروح عبر حمايتها من الميكروبات وعبر تسهيل سرعة تكوين الأنسجة الجديدة.

هذه التأثيرات الإيجابية في الجسم دفعت الباحثين إلى محاولة الاستفادة بشكل طبيعي من الزنك ليس فقط في معالجة حالات نقص مستواه في الجسم، بل كذلك كوسيلة علاجية لبعض أنواع الأمراض. لكنها لا تزال تحت البحث في مدى جدواه ومدى تقبل المرضى له. والدراسات تناولت دوره في تخفيف أعراض نزلات البرد، وتقليل تدهور تلف نقطة شبكية العين لدى كبار السن، وتسهيل التئام الجروح ورفع مناعة الجسم، بالإضافة إلى اضطرابات التركيز وفرط النشاط لدى الأطفال. وكان ملحق الصحة بالشرق الأوسط قد عرض في عدد 11 مايو من عام 2006 الأطروحات العلمية حول جدوى استخدام الزنك في تخفيف ومعالجة نزلات البرد. وتمت الإشارة آنذاك إلى أن احتمالات الفائدة منه لا تزال ضعيفة، لأنه وبالرغم من كثرة الدراسات التي بحثت في الأمر، إلا أن النتائج غير حاسمة. والدور المحتمل للزنك في علاج نزلات البرد يعتمد على فرضية أن الزنك يعمل على تقليل نفاذ الفيروسات من خلال جدران خلايا أغشية الأنف، دون التسبب بأي تلف فيها. وكذلك في رفع قدرات الشعيرات الدموية هناك على التقليل من حركة بروتينات بلازما الدم إلى خارج الشعيرات، وبالتالي تقليل نشوء الالتهاب والانتفاخ في أغشية الأنف وإفرازات المخاط المعتادة في نزلات البرد . ومن المعلوم أنه حينما تُصيب أغشية أنف الإنسان فيروسات رينو، المتسببة في غالب نزلات البرد، فإنها تلتصق بأحد المركبات الكيميائية لخلايا الأغشية الأنفية. وهو ما يُؤدي إلى أمرين: الأول تمكن الفيروس من استيطان الخلية والتكاثر بداخلها، والثاني إثارة جهاز المناعة وبدء ظهور أعراض نزلة البرد في الأنف من احتقان وزيادة إفرازات الأنسجة المخاطية. وما يُطرح هو أن الزنك ينافس الفيروس على الالتصاق بهذا المركب الكيميائي داخل الخلية، وبالتالي يمنع استقراره في داخل الخلايا الأنفية والتكاثر فيها، كذلك يخفف من عمليات الالتهاب وتداعياتها. لكن هذه الفرضية لم يثبت صحتها.