تحذيرات حول سلامة تناول الأطفال أدوية نزلات البرد

المراجعات العلمية حولها لا تزال مستمرة

الاطفال الصغار يعانون اكثر من الكبار من مضاعفات الادوية (كي آر تي)
TT

أعلنت السلطات الصحية بالولايات المتحدة الأميركية في منتصف شهر أغسطس الحالي لقاء طبيا لإعادة تقييم تناول الأطفال، في شتى مراحل أعمارهم، لأدوية معالجة السعال ونزلات البرد، سيُعقد في أكتوبر القادم، وذلك استجابة للتساؤلات المتنامية حول أمان وفاعلية تناولها من قبل الصغار. وقال المسؤولون الفيدراليون إن استخدام الأنواع التي تُباع دونما الحاجة إلى وصفة طبية منها، يبدو انه السبب في حصول العديد من التفاعلات العكسية لدى أكثر من 1500 طفل، ممن هم دون سن الثانية من العمر، خلال العامين الماضيين، ما تطلب معالجتهم في أقسام الطوارئ بالمستشفيات. وقد اكد مركز السيطرة على الأمراض والوقاية حصول ثلاث وفيات نتيجة لذلك.

والمعلوم أن هذه الأدوية حينما تُؤخذ بكميات عالية، قد تتسبب باضطرابات في أنظمة كهرباء القلب. وهو ما يُؤدي إلى الخفقان، نتيجة اضطرابات إيقاع النبض. وبعضها قد يُؤدي إلى اضطرابات في الأوعية الدموية، وهو ما يُؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحالات السكتة الدماغية. بل ان ثمة تقارير تتحدث عن مضاعفات حتى عند تناول الكميات المسموح بها طبياً.

وما يُثير الدهشة استخدامها الواسع من قبل الأمهات والآباء في معالجة نزلات البرد وحالات السعال التي تُصيب أطفالهم الصغار. هذا مع أن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال والكلية الأميركية لأطباء الصدرية، قد أصدرت العديد من الإرشادات والتوصيات العلاجية، والتي تضمنت تحذيرات من إعطاء مثل هذه الأدوية للأطفال الصغار.

* تساؤلات مطروحة

* واستجابة لالتماس تقدمت مجموعة من أشهر أطباء الأطفال والمسؤولين الصحيين بالولايات المتحدة في مارس الماضي بمطالبة إدارة الغذاء والدواء الأميركية منع تسويق أدوية السعال ونزلات البرد للأطفال دون سن ست سنوات، وذكروا في التماسهم بأنها لا تُفيدهم وقد تتسبب بأضرار عليهم. إلا أن الإدارة أعلنت آنذاك أنها ستراجع موضوع أمان تناول الأطفال لأنواع أدوية السعال ونزلات البرد التي تُباع دونما حاجة إلى وصفة طبية. وهو ما سيتم في أكتوبر كما صرح الدكتور تشارلز غانلي، مدير مكتب المنتجات "غير المتطلبة لوصفة طبية" بالإدارة. وأضاف بأنها تنظر في الأمر منذ منتصف العام الماضي. وقالت إدارة الغذاء والدواء الأميركية ان التساؤلات المطروحة تدور حول ما اذا كانت مخاطر تناول الأطفال لها، تُوازي الفوائد المنسوبة إليها، خاصة حينما يتم ذلك من قبل منْ هم دون سن الثانية من العمر.

وتضمن تصريحها أن اللجنة الاستشارية لـ "الأدوية غير المتطلبة لوصفة طبية" ستُراجع في 18 أكتوبر القادم معلومات السلامة حول المواد التي تحتويها تلك الأدوية، ومستويات كمياتها فيها. وقالت ان التقارير التي تحدثت عن آثار عكسية إنما كانت ناجمة عن إعطاء جرعات عالية من هذه الأدوية، وهو ما لا يتناسب مع عمرالاطفال ولا حجم أجسامهم، وبالتالي ليس بمقدور أعضائهم التخلص منها لتنقية الجسم من مفعولها الكبير. والمعلوم أن هذه الأدوية، وغيرها، وإن كان بالإمكان الحصول عليها دونما الحاجة إلى وصفة طبية، إلا أنها قد تتسبب بالضرر حال تناول كميات أعلى مما يجب منها أو تكرار تناولها أكثر مما هو منصوح به، أو حال تناول نوعين مختلفين من تلك الأدوية لكنهما يحتويان على نفس المادة أو المواد الكيميائية. هذا ولم تكن السلطات الصحية في بالتيمور فقط، سباقة في حث إدارة الغذاء والدواء على ضرورة مراجعة الموضوع والخروج بتوصيات واضحة، بل اتخذت موقفاً متقدماً برفعها للإدارة اقتراحاً بضرورة وضع تحذيرات صحية على عبوات تلك الأدوية مفادها القول لعموم المستهلكين بأن الأدوية هذه لم يثبت أمان استخدامها من قبل الأطفال دون سن السادسة من العمر. ولعل السبب وراء ذلك رصد السلطات الصحية وفاة أربعة أطفال دون سن الرابعة خلال الأعوام الستة الماضية نتيجة لتناول أنواع منها. ومعلوم أن أربعة وفيات أطفال تعكس أن ثمة مئات الحالات التي تطلبت المعالجة في أقسام الطوارئ جراء تناولها. وقالوا انهم يعتقدون أن مادة "ديكستروميثورفان"، الموقفة للسعال، ربما تكون هي السبب الرئيسي.

* اهتمام طبي

* وفي محاولة تجنب حصول مثل هذه الأضرار الصحية، كانت إدارة الغذاء والدواء تنصح دوماً عموم الأمهات والآباء باتباع التعليمات الخاصة باستخدام هذه الأدوية بعناية، وهي التعليمات المذكورة ضمن قائمة "حقائق الدواء" المكتوبة على عبواتها. والتي تتضمن:

- عدم إعطاء أدوية السعال ونزلات البرد للأطفال دون سن سنتين ما لم يتم ذلك تحت إشراف طبي واتباع توجيهاته.

- عدم إعطاء الأطفال أدوية مُعدة لتناول البالغين، بل استخدام أدوية معدة لاستخدام الأطفال فقط وعلى حسب سنهم.

- أدوية السعال ونزلات البرد تتوفر ضمن أنواع مختلفة القوة في محتواها من المواد الكيميائية. وهو ما يتطلب التأكد من الطبيب حول مدى مناسبتها لأحد الأطفال المحددين.

- حين إعطاء الطفل أكثر من نوع من الأدوية، فإن من الضروري مراجعة الطبيب والتأكد من عدم تعارض أو تكرار أي من مكوناتها.

وكانت إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة قد سمحت فقط بتناول أدوية السعال ونزلات البرد التي تباع من دون وصفة طبية لمن هم فوق سن الثانية من العمر. وأعلنت مراراً أن الدراسات الطبية لم تثبت أن ثمة جدوى لتناولها من قبل منْ هم دون الثانية من العمر. وأقدمت في يونيو من عام 2006 على اتخاذ إجراءات لمنع إنتاج أدوية تحتوي على مادة كاربينوكسامين (المضادة لمفعول مادة هيستامين) في تهيج حساسية الجسم، والتي تُضاف خطأ إلى أدوية الأطفال الصغار. وطالبت الإدارة في ذلك الحين جميع الشركات، ابتداءً من سبتمبر الماضي، عدم إنتاج وتسويق الأدوية المحتوية على تلك المادة في أسواق الولايات المتحدة نظراً لأضرارها. هذا بالإضافة إلى نجاح جهودها التي أدت في مارس من عام 2006 إلى منع مبيعات الأدوية المحتوية على مادة زيدوإفيدرين من بين الأدوية التي تُباع بدون الحاجة إلى وصفة طبية، ما أدى إلى إزالة غالبية الشركات لهذه المادة من أدويتها المنتجة للبيع بدون الحاجة إلى وصفة طبية.

وقال الدكتور غانلي إن هذه الأدوية نالت موافقة الإدارة على بيعها وتناولها قبل عدة عقود. وأنه آنذاك لم يكن من الواضح جدواها بالأصل ولا ما هي الجرعات المناسبة بأمان للأطفال منها لأن غالبية المعلومات حولها كانت مستقاة من دراسات تمت على البالغين. وأنه حتى اليوم لا نعلم ما هي الجرعات المناسبة لمن هم دون سن الثانية من العمر. وأضاف بأنه يأمل أن تتوصل المراجعة التي ستتم بعد عدة أشهر، التي ستعقد في أكتوبر، إلى وضع إرشادات واضحة حول هذا الأمر.

* خلفية للقصة

* وكان ملحق الصحة بـ "الشرق الأوسط" قد عرض في عدد 18 يناير الماضي أن الباحثين من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية CDC بالولايات المتحدة قد أعلنوا في عدد 12 يناير الماضي من التقرير الأسبوعي للمراكز أن ثمة مخاطر حقيقية لتمادي الأمهات والآباء في إعطاء أبنائهم هذه الأدوية. وذكروا أنه بمراجعة حالات عام 2005 ، فإن ثلاثة أطفال ممن هم سنهم دون الستة أشهر لقوا حتفهم في منازلهم جراء تناولهم أدوية السعال ونزلات البرد. وجميعهم احتوت أجسامهم على نسبة عالية من زيدوافيدرين pseudoephedrine، المضادة للاحتقان، تتراوح ما بين 9 إلى 14 ضعفا ما يُنصح به الأطفال دون سن 12 سنة. وقال الدكتور أدم كوهين، الباحث الرئيس في الدراسة من قسم خدمات معلومات الأوبئة في إدارة المراكز، إن أدوية السعال ونزلات البرد قد تكون ضارة، وربما قاتلة، ويجب استخدامها بحذر لدى الأطفال ممن دون سن الثانية من العمر. وعلق الدكتور مايكل ماركوس، رئيس قسم طب الرئة والحساسية والمناعة للأطفال بمستشفى ميامونيديس للأطفال والرضع بمدينة نيويورك، بالقول إن أدوية السعال ونزلات البرد، خاصة منها ما يحتوي مادة زيدوإفيدرين، لم يثبت لها أي فائدة علاجية للأطفال دون سن الثانية من العمر، بل على العكس من ذلك فإن ثمة مؤشرات واضحة على أن لها تأثيرات سلبية عليهم. وكان الدكتور غوين ويرم، رئيس قسم طب أطفال المجتمع بكلية ميامي ميللر للطب، قال انه لا توجد دراسات طبية تدعم تناول الأطفال دون سن السنة، لأدوية نزلات البرد. وما يجب استحضاره في الذهن هو أن نزلات البرد سرعان ما تزول، وأن الأطفال سيستفيدون من وضع وتشغيل جهاز ترطيب الهواء بجوار سريرهم وأيضاً من قطرات الماء الطبي المملح في أنوفهم. وهذه الأشياء البسيطة لو قُدمت بكل محبة للأطفال لكفتهم، لأنها هي كل ما يحتاجون إليه.