زيارة المزارع والتعرض لأوساخها.. يحمي الأطفال من التهابات الأمعاء

الباحثون الألمان يطرحون فوائد جديدة لها

العودة الى الطبيعة.. تقلل من حدوث الامراض (كي آر تي)
TT

قد يرى البعض أن القدماء كانوا أكثر حكمة منا حينما عودوا أطفالهم الصغار على حياة المزارع والبراري بأخذهم إليها بانتظام، أو من آن لآخر، في حين أننا نحن منْ لا نعرف الأهمية الصحية لذلك بعزل أطفالنا عن التعرض والعيش في تلك البيئات الريفية التي نراها في نظرنا غير مناسبة لهم لأنها ملوثة وغير نظيفة. والحديث أتى من ألمانيا هذه المرة، إذْ يقول الباحثون من ميونخ إن الأطفال الصغار جداً حينما يأخذهم ذووهم إلى المزارع ويتعرضون لكل متغيرات الحياة فيها، حتى الأوساخ منها، فإن أمعاءهم تُصبح أفضل. والدليل على ذلك أن احتمالات إصابتهم بأمراض التهابات القولون ستقل بمقدار 50% في المراحل التالية من أعمارهم! وهذا بالمقارنة مع الأطفال الذين لا يذهبون إليها.

وتُعتبر الدراسة الألمانية هذه واحدة من أوائل الدراسات التي حاولت مقارنة معدلات الإصابات بأمراض التهابات القولون لدى من تعرضوا منذ حداثة سنهم، وخاصة الرضع منهم، لحيوانات المزارع وحياة المزارع بشكل عام. لكنها أيضاً في نفس الوقت من الدراسات التي يجب قراءتها بتأن ويجب عدم القفز المستعجل في استخلاص نتائج عملية منها.

* نظرية النظافة وتأتي نتائج هذه الدراسة، المنشورة في عدد أغسطس من مجلة طب الأطفال الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، في إطار البحوث والدراسات التي يطرحها الخبراء الطبيون مؤخراً حول ما يُسمى بـ " نظرية النظافة " "hygiene hypothesis". وهي النظرية التي يُعتقد أن لتطبيقها دورا في فهم أسباب الإصابة بأمراض التهابات القولون inflammatory bowel diseases (IBDs)، مثل مرض كرون Crohn"s disease ومرض التهابات القولون المتقرح ulcerative colitis ، وبأمراض الحساسية والربو وغيرها من تلك المرتبطة بتفاعلات جهاز مناعة الجسم. وقالت الدكتورة كاتجا رادون، الباحثة الرئيسة في الدراسة من جامعة ليدويغ - ماكسيميليانز في ميونخ، بموجب ملاحظة هذه النظرية فإن الأطفال الذين يعيشون في بيئات منخفضة المستوى للميكروبات يتعرضون بشكل أقل لها، وهو ما يُؤدي بهم إلى ارتفاع احتمالات إصابتهم بالأمراض المرتبطة بالحساسية واضطرابات تفاعلات جهاز المناعة.

وقال الدكتور جويل روش، رئيس شعبة الجهاز الهضمي لقسم أمراض الأطفال في مستشفى غورايب للأطفال بموريستاون في نيوجيرسي، إن مرض كرون والتهابات القولون المتقرح هما من أمراض اضطرابات المناعة الذاتية، أي التي فيها يُهاجم جهاز المناعة عن طريق الخطأ أنسجة الجسم نفسه. ومن المحتمل أن الاختلال الوظيفي هنا ينشأ، على الأقل في جانب منه، نتيجة لاضطرابات في الكيفية التي تتطور فيها تفاعلات جهاز مناعة الجسم خلال المراحل المبكرة من الحياة.

وبالرغم من إشارته إلى أن معدلات الإصابة بأمراض التهابات القولون لا تزال ثابتة في الدول النامية، إلا أنه أكد على أن المعدلات آخذة في الارتفاع المستمر وبشكل حاد في دول العالم الأكثر تطوراً. وأضاف قائلاً: إن هذه النتيجة هي شيء نصنعه نحن بأيدينا. والفكرة هي أنه حينما لا تتم مواجهة جهاز مناعة الجسم بتحديات، متكررة ومتنوعة، أي بالتعرض للميكروبات، وفي أوقات معينة خلال الحياة، فإن جهاز مناعة الجسم سيرتكب مجموعات من "الحماقات" لاحقاً.

وهو ما يعني بعبارات أخرى أن العيش في بيئات نظيفة جداً، وصحية في نفس الوقت من جهة أخرى، ليس شيئاً مثالياً مفضلاً فيما يختص بشأن الوقاية من الأمراض المرتبطة باختلال وظائف جهاز مناعة الجسم.

* دراسة ألمانية وللاستقصاء عن المعلومات المتعلقة بأولادهم وبناتهم، طرح الباحثون مجموعة من الأسئلة على كل من آبائهم وأمهاتهم. وبلغت مجموعة المشمولين بالدراسة أكثر من 2200 طفل ومراهق. وكانت أعمارهم تتراوح ما بين 6 إلى 18 سنة. وبالفحص تبين أن 13% منهم لديهم التهاب القولون التقرحي، و20% مُصابون بمرض كرون، والبقية أصحاء.

وبتحليل نتائج المعلومات ظهر للباحثين أن الأطفال المصابين إما بمرض كرون أو التهاب القولون التقرحي، كانوا قبل ظهور الإصابات المرضية هذه عليهم أقل عيشاً ووجودا في المناطق الريفية، وأقل احتكاكاً ببيئات المزارع، وذلك على وجه الخصوص في السنة الأولى من عمرهم. وعلى العكس من هذا كانت نتائج المقارنة فيما بين الأطفال، إذْ تبين أن الذين يقومون بزيارة المزارع بانتظام، ويُمضون أوقاتا للعيش فيها، خلال السنة الأولى من حياتهم، أقل عُرضة بنسبة 50% للإصابة بمرض كرون حينما يكبرون في السن. وأقل عُرضة للإصابة بالتهاب القولون التقرحي بنسبة 60% في السنوات التالية من أعمارهم أيضاً. وعلى وجه الخصوص، لاحظ الباحثون أن التعرض المبكر للأبقار يُساعد في إبعاد شبح الإصابة بالأمراض من تلك النوعية لاضطرابات تفاعلات جهاز مناعة الجسم. وكانت الاحتمالات أقل بنسبة 60% للإصابة بمرض كرون وبنسبة 70% للإصابة بالتهاب القولون التقرحي عند ثبوت التعرض لتلك الأنواع من الحيوانات في السنة الأولى من العمر. وهو ما يعني أن التعرض للأبقار أقوى في التأثير الإيجابي من عيش الأطفال في منازل توجد بها حيوانات أليفية، كالكلاب أو القطط.

* أنواع من الحيوانات والواقع أن موضوع تعرض الأطفال الصغار للقطط والكلاب المنزلية من جهة احتمالات أن تكون لذلك تأثيرات إيجابية في رفع مناعة الأطفال لا يزال محل نقاش ومجادلات بين الباحثين والخبراء الطبيين، إذْ بعيداً عن حالات الحساسية وحالات العدوى بالميكروبات وحالات العض وغيرها من الإصابات، ثمة من يرى جدوى من وجود القطط أو الكلاب في المنازل، وذلك كي تمنح الأطفال نشاطاً في جهاز مناعة الجسم عبر التعرض لعدد من الميكروبات من خلالها.

لكن الدراسة الألمانية الحديثة حينما نظرت في الأمر، وجدت أن فائدة دور تعرض الأطفال الصغار للقطط ضئيل جداً بالمقارنة مع تعرضهم للبقر. وبلغت نسبة تقليل عُرضة الإصابة بمرض كرون بين الأطفال الذين تعرضوا في صغرهم للقطط هي 20%. وهو ما يُوصف بحسب المعايير البحثية للدراسات الطبية المقارنة بأنه "درجة أهمية على الحافة" "borderline significance". في حين أن الأمر بالنسبة للتعرض للبقر يصل إلى 60%.

وهذا التفاوت فيما بين القطط والبقر لم يُفاجئ الباحثين. ووصف الدكتور روش الأمر بأنه يبدو كما لو أن الحيوانات غير متساوية في التأثير. وأن المهم هو ليس مجرد التعرض للحيوانات بحد ذاتها، بل هو عن أي الحيوانات نتحدث. واستطرد بالقول إن القطة المنزلية التي تجلس، بكل تهذيب، في زاوية الغرفة كي تُنظف نفسها طوال اليوم لن تكون "متسخة" بشكل كاف وكما يجب كي تحمي الأطفال. وبناءً على نظريته فإن الذي يُفيد ليس الحيوانات النظيفة بل الماشية وغيرها.

ووافقت الدكتورة رادون على هذا بقولها إنه قد ثبت بالنسبة لحالات الحساسية عموماً أن التعرض لحيوانات المزارع كاف، لتقليل خطورة الإصابة بتلك الحالات مقارنة بالتعرض للحيوانات المنزلية الأليفة. ولذا لم يُدهشني، على حد قولها، أن الفائدة تطول أيضاً تقليل خطورة الإصابة بالتهابات الأمعاء المناعية. وأضافت أن السبب قد يكون في التعرض لمعدلات عالية من البكتيريا والفطريات التي تنشرها الحيوانات في بيئات المزارع بشكل يفوق تلك التي تنشرها فيما حولها الحيوانات المنزلية الأليفة.

* النظافة هي الأصل ويقول الدكتور بيتر مانون، رئيس قسم أبحاث أمراض التهابات القولون في المؤسسة القومية الأميركية للحساسية والأمراض المُعدية، انه لا يُمكن لأحد القفز لاستنتاج نصيحة مفادها أنه في سبيل حماية أطفالنا من الإصابة بأمراض اضطرابات المناعة الذاتية فإن علينا أن نأخذ أطفالنا إلى المزارع، ونلوثهم بما في حيواناتها، لأننا لا نعلم ما هو مقدار "التعرض" لتلك الحيوانات الذي يُوفر الحماية لهؤلاء الأطفال. وأضاف، السؤال هو هل علينا أن نتعرض لقش التبن أو أنواع معينة من الحشرات أو الفئران في حظائر الماشية. وأجاب إنه من الصعب للغاية الإجابة بنعم عن علم ويقين، لأنه وإن كان لا يُوجد سبب في منع جلب الأطفال الرُضع إلى بيئات ريفية ورعوية، إلا أن ذلك لا يزال من غير المضمون أن يكون وسيلة لإضافة أي نوع من الحماية الصحية لهم.

وهو ما تتفق معه الدكتورة رادون، الباحثة الألمانية للدراسة، بقولها حتى هذه اللحظة لا يُمكننا إعطاء نصيحة مباشرة لأحد الوالدين، بأن أخذ الأطفال وتعريضهم لملوثات بيئتها هو شيء صحي عليهم فعله، لأن الدراسة لم تُظهر علاقة أكيدة من نوع السبب والنتيجة، بل أثبتت أن ثمة رابطا فيما بينهما، أي بين تعريض الأطفال في سن مبكرة لأجواء المزارع وبين انخفاض الإصابات بتلك الأنواع من أمراض اضطرابات المناعة الذاتية. وأضافت إن حرص واهتمام المجتمعات بالنظافة ليس بلا جدوى وفائدة، لأننا، على حد قولها، يجب أن لا ننسى أن تحسين مستوى النظافة ساهم في رفع مستوى الصحة في الدول الصناعية.

* العودة إلى الطبيعة لا تعني التخلي عن النظافة

* حينما يطرح الباحثون دراسات طبية من هذا النوع، حول الفوائد الصحية لتعرض الأطفال لأجواء وبيئات المزارع وما فيها من حيوانات، فإنه يجب الحذر من القفز لاستخلاص نتائج من نوع: علينا أن لا نهتم بنظافة أطفالنا، وعلينا أن نسمح لهم باللعب أو لمس الحيوانات المتسخة، لأن هذا بلا شك، ليس ما يقصده الباحثون أولاً، ولأنهم ثانياً حتى لو قصدوه فإن الأدلة العلمية والعقلية والواقعية تتناقض مع ذلك. ومثل هذه الدراسات لا تُجرى للتشويش على الناس في ضرورة اتباعهم الإرشادات الصحية في مجال النظافة للوقاية من الأمراض، بل تُجرى من أجل فك رموز كيفية نشوء أمراض معينة وعلاقتها بالمتغيرات البيئية من حولنا وفي مجتمعات دون أخرى.

والقول بأن علينا أن نُعرض أطفالنا للميكروبات كي يُسهم ذلك في جعلهم ينشؤون أصحاء ولا يُصابون بالأمراض، يتطلب أن نتخلى لا محالة عن كل النصائح الصحية حول النظافة ووقاية الأطفال من الميكروبات. وهي نصائح ثبتت فائدتها في تقليل الإصابات وتقليل الوفيات فيما بين الأطفال وفيما بين البالغين أيضاً.

والدراسة العلمية هذه قارنت في جزئية معينة، وهي مدى الإصابة بنوعين فقط من أمراض تفاعلات جهاز مناعة الجسم التي تصيب الجهاز الهضمي، وتحديداً القولون. وأثبتت أن لتعرض الأطفال الصغار جداً إلى بيئات المزارع والحيوانات فيها، خاصة العجول، أثرا إيجابيا واضحا في تقليل تلك الإصابات فيما بينهم عند الكبر.

لكنها لم تُقارن فيما بين مدى السلامة من الأمراض عموماً، سواء أثناء البقاء في تلك البيئات أو في مراحل تالية من العمر. ولم تتحدث عن حالات الأمراض البيئية المنتشرة في أرياف ومزارع مناطق دون أخرى من العالم كالبلهارسيا أو الملاريا أو غيرها. ولم تتحدث عن الحشرات ودورها في نقل الأمراض. بل لم تتطرق إلى مقدار الدرجة التي كان الأطفال يقتربون فيها من تلك الحيوانات بأنواعها في المزارع. ولم تتحدث عن مستوى النظافة بالأصل في تلك المزارع، لأننا نتحدث عن دراسة تمت في ألمانيا، وفي مزارع تخضع من عدة جوانب لضوابط وأنظمة تضبط الحالة الصحية والبيئية فيها وفيما هو موجود فيها من حيوانات أو غيرها.

* التعود على بيئة المزارع سلوك صحي متعدد الجوانب

* من أفضل التعليقات على الدراسة قول الدكتور روش: إن من الممكن أن تكون ثمة فائدة من تعريض الأطفال لشيء من القاذورات، وهو ما قد لا يضر غالبيتهم. لكن لا أعني أن علينا تناول أشياء متسخة. واستطرد بالقول، لو أمكننا نظرياً تحديد ما هو المفيد في هذا، فإنه ربما يكون معالجة أفضل لحالات التهابات القولون، لأن هذه الأبحاث وغيرها تُجرى لكشف أسرار معينة في فهم تلك الأمراض، وهو ما نحتاجه من أجل معالجة أفضل لها.

وحينما يتعرف الباحثون على وجود ارتباط ما فيما بين نسبة الإصابة بأحد الأمراض وبين أحد السلوكيات، فإن معرفتنا بأسباب ذلك المرض ستتحول نحو الأفضل. لأننا نتحدث عن مرضين من أنواع اضطرابات المناعة يُصيبان أجزاء من الجهاز الهضمي، ونحن لا نعلم حتى اليوم ما أسباب ظهور الإصابات بأي منهما، ونُحاول أن نعالج أي منهما إما بأدوية تمت تجربة استفادة المرضى منها، أو بأدوية خفض مستوى تفاعلات جهاز المناعة بطريقة عامة، والتي تُفيد فيها وتُفيد في حالات حصول نفس الاضطرابات في المفاصل أو في الجلد أو في الكبد أو غيرها.

ولعل الأمر أشبه بما هو ملاحظ طبياً من خلال الدراسات أن المُدخنين حينما يتوقفون عن التدخين فإن حالات التهابات القولون التقرحي تزداد سوءا وتضطرب حالة القولون ووظائفه لهم. ولا يُمكن بالمنطق الطبي السليم استخلاص نتيجة مفادها النصيحة بأن يُقبل مرضى التهابات القولون التقرحي على التدخين أو لا يمتنعوا عنه في حال ممارسته. بل هي دراسات مفيدة في القول لنا إن ثمة ما يُوجد في أحد المركبات الكيميائية التي تدخل إلى الجسم حال التدخين ما يُمكنه الإفادة في ضبط نشاط جهاز المناعة واضطراباته التي تطول القولون في تلك الحالات من تقرح القولون بالذات. كما أن للإنسان أن يتأمل الأمر برمته من زاوية أخرى لا علاقة لها بالبقر ولا بالقاذورات التي قد تُوجد في المزارع. وذلك بالنظر إلى المزرعة بحد ذاتها كبيئة يتم تعويد الأطفال عليها وعلى ما فيها، ودور ذلك في تعويد الإنسان منذ الصغر على تناول الأطعمة الصحية المفيدة في الوقاية من أمراض القولون أو المريء أو المعدة أو بقية أجزاء الجسم. ولعل من الأمثلة ما سبق لملحق الصحة الحديث عنه في جانب التغذية في عدد 19 إبريل من العام الحالي. وفيه عرض دراسة الباحثين من جامعة أوتاه في سولت ليك بالولايات المتحدة الذين قالوا بأن أكل منتجات نباتية من خضار وفواكه مصدرها حصاد زراعة حدائق المنازل أو من المنتجات المحلية التي تتوفر في المزارع القريبة من المدن والتي يجلبها الوالدان أثناء النزهة فيها في عُطل نهايات الأسبوع، هو سلوك صحي، لأنه يرفع من معدلات تناول الخضار والفواكه من قبل جميع أفراد الأسرة. ووفق نتائج دراستها، المنشورة في عدد إبريل (نيسان) من مجلة الرابطة الأميركية للتغذية، أكدت الدكتورة مارلين نانني بأن هذه النتيجة صحيحة وتنطبق على إقبال الآباء والأمهات وأطفالهم، حتى الصغار الذين لم يذهبوا إلى المدرسة بعد، على تناول الخضار والفواكه. إذْ تبين للباحثين أن الأسر التي ذكر الوالدان فيها بأن أفرادها يتناولون في "غالب الأيام" إنتاجاً منزلياً من الخضار والفواكه، هم أكثر بنسبة 320% في اتباع النصائح الطبية بشأن تناول الخضار والفواكه، حيث إنهم يتناولون خمس حصص غذائية يومياً من الفواكه والخضار. هذا بالمقارنة مع الأسر التي قال الوالدان فيها إن أفرادها "لا يتناولون الخضراوات مطلقاً" أو "يتناولون في النادر" إنتاجاً زراعياً منزلياً من الخضار والفواكه. وهذا يعني أن وجود منتجات الخضار والفواكه المنزلية المنشأ، سهل على تلك الأسر تحقيق تناول أفرادها الكميات الصحية منها يوماً، كما جعل من السهل تعويد أفراد الأسرة على تناولها والبحث عن توفيرها، سواء من إنتاج المنزل أو من إنتاج خارجه. وعليه فإن ما كان الآباء والأجداد يعمدون إلى فعله بزراعة بعض من الخضار والفواكه في حدائق المنازل، ربما هو دليل على اهتمامهم بالصحة مقارنة بما نفعله نحن جيل آباء اليوم. ودليل أيضاً على سلوكهم طرقاً متقدمة في جدواها وأثرها على تنشئة الأبناء والبنات نحو اكتساب واتباع عادات صحية في التغذية، وفي ترغيبهم بتناول الخضار والفواكه. وهو ما يعني أن إقبال الأطفال في هذا السن الصغير على تناول الفواكه والخضار كان بسبب الجو العام في الإقبال عليها من قبل الأسرة نتيجة توفرها في متناول أيدي أفرادها بوفرة. وهو ما عبرت عنه بالضبط الباحثة نانني بقولها: إن الأسر التي تتناول كميات أكبر من تلك المنتجات المزروعة في المنزل لديها كميات أكبر من الخضراوات في متناول يد أفرادها. وتفضيل الأطفال تناولها كان بسبب تفضيل الوالدين لتناولها، وهو ما يُؤكد دور القدوة في الاختيار. وأضافت انه في عصر يشهد أن لسلوكيات الحياة في نمط الأكل دورا أساسيا في تفشي أمراض تمس الصحة على مستوى الأمة في انتشارها، في إشارة منها إلى السرطان والسمنة وأمراض القلب وغيرها من الأمراض، فإن تلمس أفضل السبل لتحسين نوعية الأكل ونمط سلوكياته هو أمر حيوي. واستطردت بأن رفع مستوى الزراعة المنزلية وفي غيرها من الأماكن كالمدارس أو الحدائق العامة أو أسواق المزارعين، قد يُسهم في تحسين نوعية الأكل لدى الناس، بكلفة مادية أقل.