الفضة نافعة أحيانا.. لكنها تكسبك اللون الأزرق

استخدمها الطب القديم لمكافحة الميكروبات.. وتسوق اليوم عشوائيا على شكل مكمّلات علاجية

الفضة لها منافع علاجية وتوظف لمكافحة الميكروبات.. قسطرات مغطاة بالفضة بدلا من الانواع المصنوعة من السليكون لمنع العدوى داخل المستشفيات (كي آر تي)
TT

* الفضة اقل سمية من بعض المعادن الاخرى... ولكن هل تبدو جيدا حين يميل لونك الى اللون الازرق؟

كتب احد القراء سائلا ما اذا كان هناك "سبب مشروع" لتناول الفضة الغروانية colloidal silver، وكان الجواب السريع والقصير هو: لا. اما الجواب المطول فسيأتيك هنا.

عليك ان تتذكر من مادة الكيمياء التي درسناها في المدارس الثانوية ان المواد الغروانية colloids هي خليط تنقسم فيه احدى المواد الى اجزاء صغيرة لتتشتت وتتوزع في مادة اخرى، أو عبرها. وتكون هذه الاجزاء من الصغر بحيث انها تقاوم الجاذبية وتظل معلقة حيث هي. وتتألف الفضة الغروانية من اجزاء فضية صغيرة منها عالقة في الماء.

وتستخدم الفضة الغروانية كعلاج ضد البرد وكمزيل للاحتقان ولمقاومة الجراثيم وكمادة علاجية تشفي الكثير. وهي مصنفة كمادة غذائية مكملة بحيث لا تحتاج ان تفي بالمستويات الخاصة بمتطلبات السلامة والفعالية التي وضعتها ادارة الاغذية والعقاقير الاميركية بالنسبة الى الادوية. وكانت هذه الادارة قد حذرت بعض المواقع الالكترونية على الانترنت من ترويج مزاعمها حول الجوانب الطبية الخاصة بغروانية الفضة، لكن لا يوجد مانع غير شرعي يحول دون بيعها. ولا يمكن شراؤها من مختلف المواقع غير المشهورة على الانترنت فحسب، بل ومن بعض البائعين المعروفين على الشبكة ايضا مثل موقع www.drugstore.com

* الفضة والطب وللفضة تاريخ حافل في الطب، فلقرون ظل الاطباء يصفون لمرضاهم ابتلاع كميات منها لان من شأنها علاجهم من امراض شتى تتراوح بين داء الصرع والامراض العقلية، وبين قرح المعدة وغيرها. ورغم وجود بعض المزاعم الاخرى التي تتعلق بالفضة الغروانية، فانه يمكننا ان ننفيها هنا على كونها "قلة عقل او ادراك" تعود الى الماضي، وقد تشكل خطرا.

لكن الفضة تقتل الجراثيم. وحسب بعض الروايات كانت نترات الفضة العامل الاول الفعال ضد البكتيريا. وفي اواخر القرن التاسع عشر تحول الاطباء من الطلب من مرضاهم ابتلاع الفضة، نحو استخدامها في المراهم التي توضع على الجروح. وكان وليام هالستد ابو الجراحة الحديثة يضع رقاقات الفضة والشاش على الجروح منعا لتلوثها.

والفضة هي اقل تهييجا وسمية من المواد المعقمة الاخرى، مما كان غالبا يستخدم في علاج التهابات العين والانف. والـ "أرغيرول" Argyrol هو مركب من الفضة والبروتين المستخلص من الحنطة كان رائجا بشكل خاص ومستخدما في مختلف العلاجات، من مرشات الرذاذ الى التحاميل. (ويبدو ان القليل من الناس سمعوا بـ "أرغيرول" اليوم، لكنه ترك انطباعا دائما في عالم الفن. وكان الدكتور البرت كومبس بارنس قد جمع ثروة كبيرة كمالك لشركة تبيع الـ "أرغيرول"، كما وان مجموعة التحف الفنية التي تحمل اسمه مشهورة عالميا).

وشرعت مركبات الفضة سواء التي توضع على الجروح او غيرها تفقد اهميتها في الثلاثينيات والاربعينيات نظرا الى ظهور مضادات الحيوية كالبنسلين مثلا. ومثال واضح على هذا التغيير هو ان اطباء التوليد كانوا يغطون عيون المولودين حديثا بنترات الفضة للحيلولة دون قيام العدوى بامراض السيلان والكلاميديا في التسبب في عماهم وفقدان نظرهم. اما اليوم فهم يستخدمون القطرات المضادة للحيوية مثل الـ "إيرثرومايسين" بدلا عن ذلك.

وللفضة استخدامات متعددة في الطب التقليدي. فـ "سلفا دايازين" الفضة Silver sulfadiazine وهو عقار "سلفا" مصنوع مع الفضة يستخدم في علاج الحروق الخطرة من الدرجة الثانية والثالثة. اما الاقمشة النسيجية المشبعة بالفضة فتستخدم احيانا كرباط للجروح والالتهابات الجلدية وما بعد الجراحة. كما تستخدم نترات الفضة احيانا لمعالجة الثآليل ومسامير الرجل.

ومع الفضة الغروانية يبدو اننا أتممنا دائرة كاملة، عندما عاد الناس الى استخدام الفضة في الاغراض الطبية. وتقترح الملاحظات والاشارات الموضوعة على منتجات الفضة الغروانية المسوقة التي نشاهدها الآن، ان نتناولها بكميات ضئيلة بمقدار اونصة ونصف (الأونصة 29 غراما تقريبا)، او اقل يوميا. وتوجد الفضة في هذه المنتجات بتركيز يبلغ اجزاء من المليون، ويصل الى عدة مئات من الميكروغرامات في الاونصة الواحدة. وهذا ما يوازي عشرة اضعاف توجيهات وارشادات وكالة الوقاية البيئية بالنسبة الى الفضة في مياه الشرب.

وهناك كميات ضئيلة جدا من الفضة في البيئة المحيطة بنا مما يعني التهامنا لها قسريا. واستنادا الى احد التقديرات فان ما يدخل منه عن طريق افواهنا عبر وجبة عادية نموذجية من الطعام يبلغ 27 الى 88 ميكروغراما في اليوم الواحد.

ولكن اذا اخذنا في الاعتبار تاريخ الفضة المقاوم للميكروبات والواقع المخيف للبكتيريا المقاومة لمضادات الحيوية فانه من الواضح ان يعيد الناس التفكير بالفضة الغروانية كمضاد حيوي متفوق، لكن لا توجد اي اشارة قط تدل ان ذلك سيحصل او يفيد.

اما في ما يتعلق بالأذية فان الفضة هي اقل سمية من الرصاص والزئبق وبعض المعادن الاخرى. ورغم ان بعض التجارب على الحيوانات اشارت الى ان الفضة قد تجتاز الحاجز الفاصل بين الدم والدماغ، الا ان التلف الحاصل من جراء ذلك بالنسبة الى الدماغ والاعصاب هو نادر جدا. والتعرض الى الفضة في اجواء العمل ليس بمشكلة كبيرة، نظرا الى ان معدن الفضة لا يجري امتصاصه بشكل جيد، كما انه يطرح من الجسم بسرعة. ومع ذلك حذر المركز الوطني للطب المكمل والبديل من ان الفضة الغروانية قد تسبب تلفا في الكلى واضطرابا في المعدة وصداعا وغيرها من المشكلات.

* ازرقاق الجلد غير ان اكثر المشاكل شيوعا لدى التعرض الى الفضة هو "التفضض" argyria عندما يتحول الجلد الى اللون الازرق الرمادي بسبب تجمع حبيبات الفضة في الجلد التي تكون عادة على شكل كبريتيد الفضة. ويبدو ان الفضة تقوم بتنشيط انتاج الميلانين بحيث ان مناطق الجلد المعرضة الى اشعة الشمس تصبح داكنة بشكل خاص. وقد تتأثر ايضا الملتحمة (الغشاء الشفاف الذي يغطي الجزء الابيض من العين) والاعضاء الداخلية. وحالما تترسب الفضة في الجسم، لا توجد طريقة ابدا لاخراجها بحيث يصبح انحسار اللون الطبيعي ثم زواله، امرا دائما.

وكان التفضض امرا شائعا عندما كانت مركبات الفضة تستخدم على نطاق واسع في الطب. وفي العام 1935 نشرت مجلة جمعية الطب الاميركية مقالا تعرفت فيه على 70 حالة منه، لا سيما بين الاطفال. وعزى المقال "الزيادة الخطرة" في التفضض الى العقاقير التي اساسها الفضة، واشار بالتحديد الى "ارغيرول" وسائر المنتجات الاخرى. وقبل ظهور جماعة الانسان الازرق بزمن طويل، كان هناك بارنوم و"الرجل الازرق" في "سيرك بايلي" الذي كان جلده ازرق داكنا، من دون اي طلاء لكي يبدو كذلك. وبعد وفاته في العام 1923 قدر الاطباء الذين شرحوا جثته ان جسمه كان يحتوي على 100 غرام من الفضة، فكيف وصلت هذه الكمية الكبيرة الى جسده؟ لم يكن ذلك واضحا رغم ان صديقا له ابلغ الاطباء انه عمل ردحا من حياته في مناجم الفضة.

وحالة التفضض هذه استمرت في الظهور حتى بعد زوال العقاقير التي اساسها الفضة، ففي اوائل الثمانينيات ابلغ عن حالة امرأة تحول جلدها الى اللون الازرق بسبب تدخينها اقراص (لوزينجات) تحتوي على خلات (أسيتات) الفضة. كما ان الاستخدام المفرط للابر الصينية المصنوعة من الفضة ترك بقعا زرقاء على اجسام مستخدميها رغم ان الابر الصينية اليوم مصنوعة من الفولاذ الذي لا يصدأ. وكجزء من سلسلة مقالاتها "غوامض طبية" التي نشرتها مجلة "نيو انغلند جورنال اوف ميديسن" نشرت تقريرا في العام الحالي عن موظف مصرف تحول لون رؤوس اصابع يديه فجأة الى اللون الاسود. وتبين ان اوراق النقود التي كان يعدها كانت مغطاة بمادة جيلاتينية بترولية مع نترات الفضة التي تدخل في الجلد عادة، والتي تستخدم للتعرف على اللصوص.

ولكن هل منتجات الفضة الغروانية الموجودة حاليا في الاسواق تحولك الى اللون الازرق؟ اذا كنت تستخدمها لفترة قصيرة جدا بكميات موصى بها، فان هذا الامر لن يحصل. لكن الناس تبالغ في استخدامها، واخبار التفضض الناجم عن الاستخدام المفرط لها شرعت تشق طريقها الى المجلات والنشرات الطبية.

وفي اواخر العام الماضي على سبيل المثال تعرض الاطباء في شمال ولاية كاليفورنيا لحالة شخص في التاسعة والخمسين من العمر جرى نقله الى دائرة الطوارئ في المستشفى لان لونه بدا مائلا الى الزرقة، وهو اللون الازرق الذي يظهر على الناس عندما لا يستطيعون الحصول على كمية كافية من الاوكسجين. وتبين انه تناول الفضة الغروانية مرتين الى ثلاث مرات في السنة خلال العامين اللذين سبقا الحادث، وذلك كلما شعر انه سيصاب بالبرد، او الانفلونزا. وتبين انه صنع تحضيره الخاص من هذه المادة لكون الموجودة منها في السوق غالية الثمن. وقد استخدم سلكا من الفضة ابتاعه من محل لبيع المأكولات الصحية وماء وصودا خاصة بالطهي، وعالج كل ذلك بالتيار الكهربائي!

* خدمة هارفارد الطبية – الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز – كلية هارفارد.