فشل القلب .. 1500 حالة يوميا

أبحاث ودراسات حديثة للعلاج في مؤتمر الجمعية الأوروبية للقلب في فيينا

نمط الحياة السليم والتغذية الصحية.. يحميان القلب (كي آر تي)
TT

اختتمت مساء يوم أمس الأربعاء، أعمال مؤتمر الجمعية الأوروبية للقلب ESC في مدينة فيينا عاصمة النمسا، الذي استمر خمسة أيام. وحضر المؤتمر عدد كبير من الأطباء المتخصصين في أمراض وجراحة القلب من كافة أنحاء العالم. ركز المؤتمر على الأبحاث الحديثة التي أجريت في مختلف أنحاء العالم للتعرف على أهم أسباب أمراض القلب والشرايين، وما تم التوصل إليه من أنسب الحلول. كان شعار مؤتمر هذا العام 2007 "فشل أو عجز القلب".

ومما صرح به رئيس الجمعية الأوروبية للقلب البروفيسور كيم فوكس إنّ اختيار موضوع عجز القلب رمزاً لمؤتمر هذه السنة، تم لكونه موضوعا مهما إضافة الى نمو عدد المرضى بعجز القلب بمعدل متزايد. لقد تم طرح الحديث جدا في وسائل التشخيص، آخر التطوّرات في الخيارات العلاجّية في حقل العلاج الطبي، العلاج بالأدوات المساعدة مع آخر المستجدات في الجراحة القلبية الوعائية. وقدمت كلّ جمعيات القلب الأوروبية البيانات الأكثر أهمية في ابحاثها، كما قدمت نتائج دراسات القلب الأوروبية المختلفة في جلسات خاصّة، تم تقييم أنماط العيادة الحالية، وتأثير تطبيق التعليمات على نتيجة المرضى. وأضاف البروفيسور فوكس، أن المقالات التي قدمت في المؤتمر تجاوزت كلّ التوقّعات في عددها وقوة مواضيعها. عموما، كان المجموع الكلي 3501 ملخّص دراسة أو بحث، قدّمت بعضها في الجلسات العلمية الـ 125 أو وضعت في منطقة الملصقات. وشارك في المؤتمر عدد كبير من شركات التجهيزات الطبية والأدوات والآلات، وشركات الدواء.، كان من أبرزها في هذا المؤتمر "سانوفي أفنتس" العالمِية في مجال الصيدلةِ، التي تطور ادوية في سبعة مجالات علاجّيةِ رئيسيةِ: القلب والأوعية الدموية، التخثّر، علم الأورام، أمراض أيضية، والجهاز العصبي المركزي، والطبّ الباطني، واللِقاحات. كما شاركت "بريستول مايرز سكيب" لمُنتَجاتِ الرعاية الصحيةِ الصيدلية.

دعمت هاتان الشركتان المسح الطبي الذي أجري مع 1259 طبيب رعاية صحية أولية في 17 دولة حول علاج ضغط الدمِ العاليِ والذي نشرت نتائجه في مجلّةِ البحث الطبي الحالي في شهر ديسمبر عام 2006 ضمن مساهماتهما الشاملة في مجال البحث العلمي.

* فشل الـــقلب أصبح فشل القلب من أكثر أمراض القلب انتشارا في العالم، حيث يشخص الأطباء 1500 حالة من حالاته يوميا في العالم. ويحدث فشل القلب عندما لا تستطيع عضلة القلب ضخ كمية كافية من الدم بسبب أذية في القلب ناجمة عن جلطة في القلب، أو ارتفاع في ضغط الدم، أو ضرر في عضلة القلب (اعتلال العضلة القلبية) أو غير ذلك.

صرح لـ "الشرق الأوسط" الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا، استشاري أمراض القلب في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة وزميل الكليات الملكية للأطباء في لندن وأيرلندا وغلاسكو زميل الكلية الأميركية لأطباء القلب، أن فشل القلب مرض يصيب أكثر من 20 مليون شخص في العالم أجمع، ويزداد هذا الرقم سنويا بشكل مريع. وفي الولايات المتحدة وحدها، يصيب فشل القلب حاليا خمسة ملايين أميركي، كما أن أكثر من نصف مليون حالة جديدة من حالات فشل القلب تشخص سنويا هناك، وتضاف إلى الملايين المصابين بهذا المرض.

ويعاني من هذا المرض كبار السن في أغلب الأحيان، إذ تتراوح النسبة ما بين 6-10% ممن هم أكبر من 65 سنة. وحيث إن معدل الوفيات عند المصابين بجلطة القلب قد قل كثيرا عن ذي قبل، فإن عددا من هؤلاء المرضى المصابين بجلطة كبيرة في القلب يمكن أن يكون أكثر عرضة للإصابة بفشل القلب.

ويعتبر فشل القلب أحد الأسباب الرئيسة لدخول المستشفى عند المرضى المسنين فوق الخامسة والستين من العمر. وتشير الإحصاءات إلى أن حوالي مليون شخص أميركي أدخل المستشفى في العام الماضي بسبب فشل القلب. ويعتبر هذا الرقم ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عشرين عاما.

* التشخيص والعلاج أوضح الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا أن تشخيص فشل القلب يعتمد على القصة المرضية والفحص السريري للمريض، إذ لابد من التأكد من وجود أي مرض عضوي في القلب أدى إلى حدوث فشل القلب. كما تعطي أشعة الصدر فكرة هامة عن شدة المرض ووجود تضخم في القلب، ويخبرنا تخطيط القلب الكهربائي عن وجود أي جلطة في القلب أو اضطراب في نظمه وضرباته.

ومن أهم الفحوصات التي تساعد في التشخيص: تصوير القلب بالأشعة فوق الصوتية (الإيكو)، وهو إجراء مهم جدا يتم من خلاله رصد حركة جدران القلب وتشخيص وجود جلطة في القلب أو خلل في صماماته أو تسمك في عضلة القلب وغير ذلك.

ويستطيع فحص "الإيكو" كشف حالات من فشل القلب يكون فيها انقباض عضلة القلب طبيعيا تماما، إلا أن الخلل يقع في عدم قدرة العضلة القلبية على الانبساط، وهذا ما نطلق عليه اسم "فشل القلب الانبساطي". وهو مفهوم حديث نسبيا يفسر لماذا يشكو هؤلاء المرضى من ضيق النفس والأعراض الأخرى لفشل القلب رغم أن تقلص (انقباض) القلب عندهم سليم تماما! وهناك فحوص دم مهمة أيضاً مثل خضاب الدم، والسكر، والكولسترول، ومعايرة هرمون الغدة الدرقية، وغيرها. وهناك اختبار للدم يدعى ( BNP) يؤكد وجود فشل في القلب.

ويذكر الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا أن العلاج المعتاد لفشل القلب يشمل المدرات البولية ومثبطات آيس مثل الكابتوبريل واينالوبريل وأشباهها، ومثبطات الأنجيوتنسين II مثل فالسارتان ولوسارتان وأمثالهما، إضافة إلى الديجوكسين، وأنواع من حاصرات بيتا. ورغم كل الأدوية المتوفرة لدى الأطباء حاليا، فإن بعض مرضى فشل القلب يعيش حياة بائسة متأثرا بأعراضه من ضيق في النفس عند القيام بأقل جهد، وصعوبة في التنفس عند الاضطجاع في السرير، ووذمات في الأرجل، وربما انتفاخ في البطن وغيرها من الأعراض.

وكثيرا ما يضطر البعض من هؤلاء المرضى إلى دخول المشافي مرة بعد مرة تتحسن خلالها حالتهم العامة، لتسوء من جديد وهكذا دواليك.

ولمواجهة هذه الآفات التي أدت إلى هدر أموال طائلة وصرف الملايين في مجال علاج هذا المرض وتطوير أدوية حديثة فعالة، تم استحداث عيادات متخصصة لهذا المرض في الدول المتقدمة.

* بطارية للقلب

* وحول بعض الحالات التي لا تتحسن رغم تناول كل الأدوية المعروفة، أوضح الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا أنه قد يفيد فيها تركيب "بطارية" في القلب تقوم بإحداث تناغم وانسجام في تقلص البطينين الأيسر والأيمن. ولا بد من توفر شروط خاصة عند المريض، إذ إن حوالي 30% من المرضى الذين تغرس عندهم هذه البطارية لا يستفيدون من هذا الإجراء، إضافة إلى أنها مكلفة الثمن.

وتزرع هذه البطارية عادة في غرفة القسطرة القلبية في أعلى الصدر تحت عظم الترقوة. ويدخل سلك البطارية عبر الوريد إلى البطين الأيمن وسلك آخر إلى الجدار الجانبي من البطين الأيسر تحت مراقبة جهاز الأشعة. ويغلق الجرح فوق البطارية بعد التأكد من أنها تعمل بشكل صحيح.

وينبغي إجراء فحص دوري لبطارية القلب بانتظام للتأكد من سلامتها وإعادة برمجتها حسب الحاجة.

وثمة حالات محددة من فشل القلب الناجم عن جلطة كبيرة في الجدار الأمامي من القلب ربما تستفيد من إجراء عملية جراحية خاصة للقلب يتم فيها إعادة تكوين شكل البطين الأيسر فيعمل بصورة أفضل. وهناك أبحاث تجرى في مجال زراعة الخلايا التي تؤخذ من نقي العظام والجنين، وقد أثبتت فعاليتها مبدئيا في تحسين العمل الوظيفي للقلب.

* تنشيط عضلة القلب وحول المستجدات في العلاج الجراحي لفشل عضلة القلب صرح إلى الـ«الشرق الأوسط» رئيس قسم جراحة القلب للكبار، ورئيس وحدة جراحة القلب بالتدخل البسيط بمستشفى الملك فهد العسكري بجدة الدكتور وليد بن عبد الكريم بن عبد العزيز أبو خضير والحاصل على البورد والزمالة الكندية مع تخصص دقيق في زراعة القلب، مؤكدا أن فشل عضلة القلب من أهم أمراض القلب شيوعا في العالم، ويعد الفشل القلبي من الأمراض المزمنة التي تصرف عليه الدول ملايين الدولارات لعلاج المرضى والأبحاث المتعلقة بهذا الخصوص.

وهناك أسباب عديدة لفشل عضلة القلب، من أهمها مرض تصلب الشرايين التاجية ومضاعفاته، التي تشكل أكثر من 80% من المسببات، والتي تتجاوز الذبحة الصدرية المستقرة وغير المستقرة الى جلطة القلب وما تسببه أحيانا من موت مفاجئ وفشل القلب الذي ينجم عن اصابة عضلة القلب بالتندب والتليف بسبب انسداد الشرايين التاجية.

إن معظم حالات فشل القلب تنجم عن جلطة القلب ومضاعفاتها، ومنها ما ينجم عن اصابة صمامات القلب بأمراض مختلفة أو بسبب تضخم عضلة القلب بسبب ارتفاع ضغط الدم غير المعالج جيدا وأمراض أخرى نادرة. ومن المعلوم طبيا ان الفرصة الذهبية في علاج جلطة القلب هي في الساعات القليلة الأولى بعد حدوث الألم الصدري المفاجئ، لكن لسوء الحظ كثيرا ما تفوت هذه الفرصة الذهبية لسبب من الأسباب وينتهي الأمر باصابة المريض بتندب وتليف القلب الذي يؤدي بدوره الى توسع وتضخم أجواف القلب وبالتالي ظهور اعراض فشل القلب وهي ضيق التنفس أثناء الجهد والتعب والاعياء.

تعالج تضيقات الشرايين التاجية المصابة بالبالون ووضع الدعامات أو قد يحتاج المصاب لجراحة ترقيع الشرايين التاجية دون مقاربة الجزء المتندب والتالف من عضلة القلب.

* علاجات متعددة

* يقول الدكتور وليد أبو خضير إذا بحثنا في طرق علاج فشل عضلة القلب الموجودة هذه الأيام، فهناك علاجات دوائية وعلاجات جراحية. ومعظم العلاجات الدوائية تعتبر مؤقتة لهؤلاء المرضى الذين يعانون من هذا النوع من فشل القلب وتكون فترة الحياة المتوقعة لهم 50% خلال سنتين الى ثلاث في الحالات المتوسطة والمتقدمة.

واذا نظرنا الى العلاجات الجراحية فإن من أهمها وافضلها هو زراعة القلب، حيث ان فترة الحياة المتوقعة لهؤلاء المرضى اكثر من 50% خلال عشر سنوات.

أما بقية العلاجات الجراحية، مثل أجهزة دعم عضلة القلب وأجهزة القلب الصناعي فهذه كلها ما زالت لم تظهر جدوى ثابتة وواضحة.

* أمل جديد

* يضيف الدكتور وليد أبو خضير، إن هنالك بوارق أمل جيدة في عملية "اعادة ترسيم العضلة القلبية وتشكيلها وتقليل حجمها" وقد يكون لها فوائد كبيرة، حيث انها حتى الآن اثبتت كفاءة عالية في تحسين حياة المرضى الوظيفية وتقليل أعراضهم وتحسن فترة الحياة المتوقعة لهم.

لقد تطورت الطرق التشخيصية والوسائل العلاجية تطورا كبيرا في كافة الاختصاصات الطبية لا سيما في أمراض وجراحة القلب. وفي السنوات الأخيرة أصبحت تجرى عملية جراحة القلب لاستئصال الجزء المتندب (المتليف) من العضلة القلبية وتوضع رقعة اصطناعية وبذلك يتم تصغير حجم القلب المتضخم الى ما يقرب الحجم الطبيعي.

لقد اظهرت الدراسات المتوفرة حتى الآن ان هذه الجراحة تخفف الأعراض وتحسن الأداء الوظيفي للمريض مع تحسن ملحوظ في وظيفة العضلة القلبية يسبق اجراء مثل هذه العمليات تصوير القلب بـ"الايكو" المتطور وقسطرة القلب وتصوير الشرايين التاجية، بالاضافة الى التقنية الحديثة نسبيا وهي تصوير القلب بالرنين المغناطيسي الذي يتم بواسطته تحديد الجزء المتليف من عضلة القلب والذي يجب استئصاله جراحيا.

ويعتبر مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة من أوائل المراكز الطبية في المملكة الذي طبق تقنية تصوير القلب بالرنين المغناطيسي، كما انه من المشافي الرائدة في اجراء عملية ترميم عضلة القلب المتليفة، غالبا ما يتم ترقيع الشرايين التاجية مع استئصال الجزء المتليف من القلب، وفي بعض الأحيان يضاف لذلك ترميم قصور الصمام المترالي الذي قد يصاحب فشل القلب.