هل نجحت برامج التخسيس في إبعاد شبح السمنة عن البدينين؟

قلة منهم يتلقون توجيهات علاجية واضحة من الأطباء

TT

الخبر الذي نقلته وكالة رويترز للأنباء في الرابع عشر من أغسطس (آب) الماضي، حول دراسة باحثي مايو كلينيك لم يكن فقط لافتاً للنظر، بل لخص مجمل نتائج الدراسة وحال كثير من البدناء مع وسائل معالجة سمنتهم. وكان العنوان «قلة من البدينين البالغين تتلقى خطة علاج من الأطباء»، ذلك على الرغم من ثبوت فائدة نجاحهم في إنقاص وزنهم حتى ولو بكميات متوسطة. من جهتهم لاحظ الأطباء من جامعة كنتاكي أن البدينين الذين يتخلصون من حوالي 50 كيلوغراما أو أكثر نتيجة الخضوع لبرامج تخسيس مكثفة، يُمكنهم النجاح في المحافظة لفترات طويلة على أوزانهم الصحية التي وصلوا إليها. وذلك طالما استمروا في اتباع أنماط صحية في سلوكيات الحياة. وهو ما يرد على الشكوك التي يُثيرها البعض حول عدم جدوى برامج التخسيس، وأن الأفضل اليوم اللجوء إلى عمليات المعدة لإنقاص الوزن.

* اهتمام طبي مفقود وراجع الباحثون من مايو كلينيك في روسشتر بولاية مينيسوتا الأميركية ملفات حوالي 10 آلاف من المرضى المتابعين في ما بين نوفمبر 2004 إلى أكتوبر من عام 2005. وتبين أن أكثر من 2500 منهم مُصابون بالسمنة.

وبالتدقيق أكثر في ما تم تدوينه بملفاتهم الطبية من معلومات حول معالجة وكيفية متابعة الأطباء لهم، تبين للدكتور وارن طومسن، الباحث الرئيس في الدراسة، أن لـ 20 في المائة منهم تم توثيق إصابتهم بالسمنة بصفة رسمية. أي تم لخُمسهم فقط التعرف والنظر بطريقة سليمة إلى سمنتهم كمشكلة صحية، وتوجهت الرعاية الطبية نحو معالجتها!.

ووفق ما تم نشره في عدد أغسطس من مجلة تطورات مايو كلينيك فإن الرجال والبالغين على وجه العموم أقل نيلاً لتوثيق الأطباء لحالة السمنة لديهم. في حين أن من لديهم سمنة عالية أو مرض السكري أو إعاقة التنفس أثناء النوم، هم أكثر نيلاً لتلك الخدمة الطبية. ما يعني أن الالتفات الطبي لمشكلة السمنة لا يكون بالشكل المطلوب إلا حينما تتفاقم المشكلة وتصل إلى حدود ظهور تداعيات ومضاعفات تلك المشكلة الصحية على المعانين منها. أما حينما تبقى المشكلة كسمنة فقط، خاصة لدى كبار السن والذكور منهم، فإن التوجه الطبي من الملاحظ أنه ضعيف في الاهتمام بها. على الأقل فيما يجرى داخل أروقة مايو كلينيك. هذا ولا يزال يرى الباحثون، كما أكدوه في دراستهم، أن تحسين نوعية معالجة السمنة بلا شك سيكون ذا أثر ضخم على مستوى الصحة لعامة الناس في المجتمعات. بل حتى الخفض المتوسط، وليس الكبير، في وزن جسم منْ لديهم سمنة، سيكون وسيلة مهمة في ضبط الانفلات لظهور تداعيات ومضاعفات السمنة. مثل ارتفاع ضغط الدم والنوع الثاني من السكري واضطرابات الكولسترول وأمراض شرايين القلب والدماغ.

وأشار الدكتور طومسن في تصريحه لوكالة رويترز الى أن من الممكن تحقيق تلك الفوائد فيما لو نظر الأطباء إلى السمنة كمشكلة طبية مرضية تستوجب التشخيص الطبي لها، واعتبروها بالتالي جديرة بالمناقشة مع المصابين بها في مختلف طرق معالجتها كمشكلة.

وليس من المستغرب، على حد ملاحظته، أن ما بينته الدراسة من اهتمام الأطباء فقط بحالات من لديهم درجات عالية من السمنة في كل من التشخيص والمعالجة، يُوجب أن على الأطباء النظر أكثر إلى منْ لديهم سمنة قبل حصول المشاكل الصحية المترتبة عليها لديهم.

* المحافظة على خفض الوزن ومن جانب آخر، أكدت دراسة للباحثين من جامعة كنتاكي أن منْ لديهم سمنة مرضية، أي بلغت مراحل متقدمة من الضرر على المصابين بها، ويفقدون حتى أكثر من 50 كيلوغراما عبر أحد برامج التخسيس المركزة، يُمكنهم المحافظة على ذلك.

والمعلوم أن الشائع في سلوكيات اتباع برامج لحميات تخسيس الوزن هو فشل منْ يتبعوها في المحافظة على ما فقدوه من كيلوغرامات لإهمالهم الاستمرار في اتباع ما كان فاعلاً في خفض أوزانهم. وبالتالي تظل الحالة تتقلب بين الفقد للكيلوغرامات وعودة امتلاء الجسم بها.

لكن ما توصل إليه الباحثون من متابعتهم المشاركين في برامج التخسيس هذه لمدة خمس سنوات، أن النساء والرجال ظلوا محافظين على تخلصهم من 30 كيلوغراما في المتوسط مقارنة بما كان عليه وزنهم قبل البدء ببرنامج التخسيس. كما لاحظ الدكتور جيمس أندرسون، الباحث الرئيس في الدراسة، ان استمرار المحافظة على النقص المهم والمفيد في وزن الجسم أدى إلى خفض قوة عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب. وتحديداً تقليل نسبة الكولسترول الخفيف، الضار، في الدم، ونسبة سكر الدم، ومقدار قياس ضغط الدم. وهي مؤشرات إيجابية يهدف تخفيف وزن الجسم التوصل لخفضها كي تقل مخاطر السمنة والمضاعفات على الجسم وأعضائه وأنظمته.

ووفق ما تم نشره في عدد أغسطس من المجلة الأميركية للتغذية الإكلينيكية قال الدكتور أندرسون: على الرغم من صعوبة تحديد مدى إيجابية التحسن في تلك المؤشرات على نسبة الإصابات بأمراض شرايين القلب إلا أن مجمل تقليل نسب عوامل الخطورة تلك قد يتجاوز تأثيره نسبة 50 في المائة في خفض نسبة الإصابات بأمراض الشرايين القلبية.

* بين الجراحة وبرامج التخسيس ويلقى الخيار الجراحي اليوم قبولاً واسعاً ويُوصف بأنه العلاج الحالي الأمثل لحالات السمنة المفرطة Severe Obesity. وهي الحالة التي يتجاوز فيها مقدار مؤشر كتلة الجسم Body Mass Index (BMI) حاجز 40 في المائة. والمعلوم أن الطب يعتمد مؤشر كتلة الجسم في تشخيص حال وزن الجسم. ويكون الوزن طبيعيا حينما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم ما بين 18.5 في المائة و24.4 في المائة. وما بين 25 في المائة و39.9 في المائة هو حالة زيادة وزن الجسم. وما فوق 40 في المائة هو سمنة مفرطة. وما دون 18.4 في المائة هو نقص الوزن. ويتم حساب نسبة مؤشر كتلة الجسم بقسمة الوزن بالكيلوغرامات على ناتج مربع الطول بالمتر.

لكن تظل العملية الجراحية مُكلفة مادياً وذات معدلات عالية من المُضاعفات، كما أكده الباحثون في دراستهم وأكده كثيرون غيرهم.