أمراض الميكروبات المُعدية تنتشر بسرعة لم يسبق لها مثيل

منظمة الصحة العالمية: 10 أنواع من الأوبئة تجتاح مناطق العالم اليوم

باحثة اميركية تدرس الميكروبات مختبريا (كي آر تي)
TT

لخص التقرير السنوي لمنظمة الصحة العالمية (WHO) ، الصادر من جنيف في الثالث والعشرين من شهر أغسطس الماضي، حال العالم مع الأوبئة اليوم. وقال فيما يُشبه رسم صورة قاتمة، لكنها حقيقية، إن أمراض الميكروبات المعدية تظهر اليوم بشكل أكبر في مناطق العالم، وتنتشر بطريقة أسرع في أرجائه، وأصبحت أكثر صعوبة على محاولات معالجتها.

وتتحكم في حدوث الأوبئة أمور عديدة، وكذلك في استمرارها. وثمة منظومة متتالية من حالات الانتشار المتكرر وبشكل متصاعد تبدأ ببطء ثم تشتد وتيرتها لتبلغ قمة التهيج إلى أن تخبو شيئاً فشيئاً. والأمر أشبه بتلك المنحيات البيانية التي يعرضها خبراء سوق المال في توقعاتهم الصعود والهبوط والارتداد وجني الأرباح وغيرها.

ولم يخل العالم في أي وقت من أوبئة تظهر ثم تخبو، وتستمر ثم تعاود الظهور وهكذا دواليك. والميكروبات، منها ما هو قديم ومنها ما هو جديد. لكن المهم معرفة أن كل نوع منها يحتاج إلى أن تتهيأ له ظروف كي يظهر وينتشر من خلالها على هيئة حالة وبائية. واليوم هناك عشرات الأوبئة التي تجتاح مجتمعات البشر، في أماكن متفرقة من العالم، منها ما هو مستوطن في مناطق معينة، ومنها ما هو منتشر في كافة أنحاء العالم. ولا فرق في هذا بين الدول المتقدمة أو غيرها. وحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية فإن إصابة البشر بالميكروبات سببها انتقال العدوى من إنسان إلى آخر في 65% من الحالات كالإيدز والإنفلونزا التقليدية والدرن، وفي 22% من الحالات يكون انتقال الميكروب إلى الإنسان من الطعام أو الماء أو التربة كالكوليرا أو التيفوئيد، وفي 13% من الحالات يكون هناك حشرة تنقل المرض إلى الإنسان كالملاريا وحمى الضنك، أما الحيوانات فلا تشكل سوى أقل من 1% من حالات الانتقال المباشر إلى الإنسان كداء الكلب.

* انتشار غير مسبوق

* وحذرت المنظمة الأممية، التابعة للأمم المتحدة، من أن ثمة احتمالات قوية في أن تظهر خلال السنوات القليلة المقبلة ضربات كبيرة أخرى مثل التي حصلت بظهور الإيدز أو الـ"سارس" أو حمى إيبولا، مع قدرات لها في قتل ملايين من الناس. وقال التقرير نصاً، الأمراض المُعدية تنتشر اليوم جغرافياً بطريقة أسرع من أي وقت مضى خلال التاريخ. وأضافت بأنه كان من الحيوي استمرار مراقبة ظهور مخاطر جديدة كتلك التي طرأت عام 2003 عند انتشار حالات سارس، المتسببة في التهابات رئوية حادة، والتي انتشرت آنذاك من الصين إلى حوالي 30 دولة. وحصدت نتيجة لذاك أرواح 800 شخص. وحذر التقرير قائلاً إن من أقصى درجات السذاجة افتراض أن أمراضاً أخرى مثل إيدز آخر أو سارس آخر أو إيبولا أخرى لن تظهر إما عاجلاً أو آجلاً. وهو ما يُعيد إلى الأذهان تعليق الدكتور جيلي غربردنغ، مدير المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية، عام 2003 بقوله إن ما نقوم به هذه الأيام للحيلولة دون انتشار مرض سارس سنقوم به لاحقاً مرات ومرات.

وذكر التقرير بأنه ومنذ سبعينات القرن الماضي ظهرت مخاطر صحية عالمية جديدة أمكن التعرف بوتيرة غير متوقعة، في إشارة منه إلى ظهور حوالي 40 مرضاً وبائياً لم تكن معروفة من قبل. أي أنه وخلال سنوات جيل واحد ظهر مرض أو أكثر في كل عام! وينتشر اليوم ما يربو على عشرة أنواع من الأوبئة في مناطق عدة من العالم.

* أوبئة عالمية

* وأكثرها انتشاراً اليوم هو التهاب الكبد الوبائي من نوع سي ومرض الإيدز وطفيليات كربتوسبوريديم المعوي، المتسببة في الإسهال الشديد، ومرض الفيالق أو "ليغيونايرس" المنتقل عبر رذاذ المياه الملوثة، وبكتيريا "إي كولاي" التي تصيب الجهاز الهضمي والبولي. وكلها ظهرت بشكل وبائي في الفترة ما بعد عام 1970. وكانت تقارير حكومية أخرى صدرت في الولايات المتحدة قد قالت إنه بالرغم من تراجع الوفيات نتيجة للأمراض المعدية منتصف القرن الماضي، فقد تضاعفت اليوم نسبة الوفيات في الولايات المتحدة نتيجة لها، مقارنة بما كان عليه الحال عام 1980. و أن خطر الأمراض المعدية على الصحة لا يزال يبعث على القلق لأنها تفاجئ العالم عدة مرات في كل عام. والإحصاءات تتحدث عن أن في كل ساعة يموت 1500 إنسان نتيجة للأمراض المعدية، نصفهم ممن هم دون سن الخامسة من العمر.

والأشد من هذا هو ما ذكره التقرير بقوله وخلال الخمس سنوات الماضية تعرف خبراء منظمة الصحة العالمية على أكثر من 1100 حالة انتشار وبائي لمختلف أنواع الأمراض الميكروبية المعدية.

ومع سفر الملايين سنوياً عن طريق الجو، قالت المنظمة في تقريرها السنوي عند ظهور حالة من الانتشار الوبائي لأحد الأمراض في منطقة من العالم، فإن الأمر لا يتطلب أكثر من بضع ساعات كي ينتقل خطر الانتشار الوبائي ذلك إلى منطقة أخرى وبعيدة في العالم.

* الرصد والحذر

* وطالب التقرير بإعادة الاهتمام بجهود المراقبة والرصد، واتباع معايير الوقاية، وضبط عناصر تسهيل ظهور وانتشار الأوبئة. مثل أمراض الكوليرا أو الحمى الصفراء أو الحمى الشوكية. وأضاف بأن المساعدات الدولية يُمكن أن تُطلب لمساعدة العاملين الصحيين في الدول الفقيرة للتعرف ولاحتواء الحالات الوبائية الطارئة، مثل التي تتسبب بها فيروسات إيبولا أو غيرها من حالات نزيف الحمى.

وأثار موضوعا مهما، وهو أن جهود السيطرة على الأمراض المعدية تعرضت لخطر حقيقي مع الانتشار الواسع لظهور أنواع من الميكروبات ذات القدرات على مقاومة أدوية المضادات الحيوية. وذلك نتيجة لضعف المعالجة وإساءة استخدام تلك الأدوية، في إشارة منها للاستخدام العشوائي الخاطئ والمبتذل للمضادات الحيوية، ما ولد سلالات من البكتيريا السوبر في قدرات مقاومتها لتلك الأدوية التي لا تُقدر فاعليتها بثمن.

ولعل من أهم الأمثلة التي ذكرها التقرير هو ظهور سلالات من بكتيريا السل، المقاومة للمضادات الحيوية الفاعلة ضد تلك الأنواع من البكتيريا. وهي سلالات "أكس دي أر _ تي بي" (XDR-TB) strains ، التي انتشر ظهورها في مناطق واسعة من العالم. وهو ما حصل أيضاً مع الميكروبات المتسببة في الإسهال، وبالعدوى المكتسبة في المستشفيات، وبالملاريا، وبالتهابات الجهاز التنفسي، وبالأمراض الجنسية المعدية، وأيضاً بدأت بالظهور في الفيروسات المتسببة في مرض الإيدز. ولاحظ التقرير أنه بالرغم من أن الفيروس المتسبب بإنفلونزا الطيور، والمسمى أتش_5 أن_1، لم يتحور بعد الى النوع القاتل بشكل سهل للانتقال فيما إنسان مُصاب وإنسان سليم، إلا أن كثيراً من الخبراء لا يزالون يتوقعون أن تكون الموجة المقبلة من الإنفلونزا الوبائية العالمية هي من ذلك النوع. وقال التقرير: إن السؤال عن الإنفلونزا الوبائية المقبلة ليس هو إذا ما وقعت فهل ستكون من هذا النوع من فيروس إنفلونزا الطيور أو ذلك؟، بل متى ستقع؟

صورة 1: الميكروبات تزداد انتشارا في العصر الحديث.. صورة بالمجهر الالكتروني لبكتيريا "آي كولاي" (كي آر تي) صورة 2: باحثة أميركية تدرس الميكروبات مختبريا (كي آر تي)

* لماذا يسهل ظهور الأوبئة في العالم اليوم؟

* من الصعب تحديد الإجابة بدقة، لكن ثمة عدة أسباب. الخبراء في مؤسسة الصحة في الولايات المتحدة كانوا قد بحثوا الموضوع برمته وتوصلوا إلى أن تعليل هذا الارتفاع في انتشار الأمراض الوبائية ناتج عن ظهور13 متغيرا في العالم وفي طريقة حياة الناس، ساهمت في ظهور حالات الأمراض بصفة وبائية. وأهمها قدرة مقاومة الميكروبات للأدوية المضادة، وزيادة قابلية البشر للإصابة بالعدوى، وتغيرات المناخ والبيئة، وتغيرات الخارطة السكانية للعالم والتطورات الاقتصادية والتجارة والسياحة الدولية وانهيار معايير الصحة العامة والفقر والحروب والمجاعات وغيرها. والمعلوم بالدراسات هو أن الأوبئة أشد ما تنشأ في أنواع الميكروبات التي تنتقل من الإنسان إلى الإنسان، وهي ما تشكل 65% من الأمراض الميكروبية. والملاحظ أن الظروف التي كان يعيشها البشر لم تكن من قبل مناسبة ومسهلة لانتشار الأوبئة كما هو الحال اليوم، إذْ يبلغ تعداد البشر اليوم أرقاماً تتجاوز 6 مليارات نسمة. لكن المهم ليس هو الرقم بل إن أكثر من نصفهم يعيشون متقاربين في المدن. وهما أمران لم يسبقا في تاريخ البشرية من قبل. كما أن تركيبة المدن اليوم تتخذ شكلاً متشابهاً في غالبها، إذْ تنتشر على أطراف أكثرها أحزمة من الأحياء الفقيرة المكتظة بالسكان. وهي مرتع للجهل والجرائم والمخدرات والعنف وتدني الرعاية الطبية والتثقيف الصحي. هذا بالإضافة إلى أن غالبهم من أهل الأرياف، ويتنقلون من آن لآخر إليها، ما يعني أنهم يجلبون ظروف الريف، بكل الميكروبات فيه، إلى المدينة. ومع الترابط العالمي وسهولة الانتقال في السياحة أو العمل من خلال أكثر من 5000 مطار دولي وتجاوز مليون راكب يومياً الحدود الدولية، فإن ما في أرياف المناطق النائية من القارات البعيدة ينتقل إلى المدن الكبيرة بسهولة وخلال بضع ساعات.