تقليل الملح المُضاف إلى الأطعمة المحفوظة لا تسبب في سهولة فسادها

بحث علمي يطالب بتقليل تركيزه

TT

ضمن فعاليات اللقاء السنوي لمجمع علم الميكروبات العام الذي عُقد الأسبوع الماضي في ادنبره بالمملكة المتحدة، أظهرت نتائج دراسة تمت في أيرلندا أن التقليل في كمية الملح التي تُضاف عادة بسخاء إلى الأطعمة المعالجة للتخزين والحفظ طويل الأجل processed foods ، لا يتسبب بارتفاع احتمالات فسادها أو تعفنها. وتلجأ صناعات التغذية عادة إلى إضافة كميات عالية من الملح في محاولتها تقليل الفرصة على الميكروبات أو الظروف بالتسبب في تزنخ أو تعفن الأطعمة، وذلك عند حفظها لمدة طويلة قبل تناولها من قبل المستهلكين. وتشير المصادر الطبية دوماً ودون هوادة إلى أن أعلى مصدر للملح في وجبات الإنسان هو ما يُضاف إلى تلك النوعية من الأطعمة. ولا تزال رابطة القلب الأميركية تنصح البالغين بتناول أقل من 2.3 غرام من الملح في كل يوم. وهي كمية تُعادل تقريباً ما يملأ ملعقة الشاي الصغيرة.

* لا فائدة لزيادة الملح

* وقام الباحثون من جامعة ليميرك في أيرلندا بفحص مستويات أمان تناول أطعمة محفوظة بإضافة القليل من الملح إليها. وذلك عبر دراستهم لسلوكيات سلالات متنوعة من البكتيريا المتسببة بفساد الأطعمة حال تكاثرها في داخلها. والمعلوم أن البكتيريا حينما تتهيأ لها الظروف البيئية المناسبة للنمو والتكاثر، تعمل على تحلل مكونات الأطعمة وتفرز العديد من المواد الكيميائية السامة على الإنسان. وقال الدكتور إيدل ديوراك، الباحث الرئيس في الدراسة، "وجدنا بجملة التجارب على أطعمة مختلفة، في نسبة الملح بها، أن نمو أنواع عدة من البكتيريا المتسببة عادة بفساد الأطعمة لا يتأثر بتفاوت مستوى ملوحة الأطعمة الموجودة فيها". وهو ما يعني، على حد قوله، أن تدني نسبة الملح في الطعام لا يختلف في توفيره لأمان الحفظ من الفساد، عن تلك النسبة العالية من الملح التي توجد عادة في الأطعمة المعالجة للتخزين طويل الأجل.

ويشير المراقبون الطبيون إلى أن تقليل كمية الملح في الأطعمة المُعدة للحفظ الطويل قد يُساهم في توفير أطعمة صحية مناسبة لكل الناس، وعلى وجه الخصوص لمنْ تتطلب حالتهم الصحية تقليل تناول الملح بالجملة، مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم أو فشل القلب أو الكلى أو الكبد أو غيرها من الحالات المرضية. لكن الإشكالية تنشأ دائماً من الشركات المنتجة للأطعمة، وذلك بسبب اعتمادها إضافة الملح بكميات عالية في سبيل منع فساد الأطعمة وضمان حفظها. وهو ما يحرم الكثيرين من الاستمتاع بتناولها ويحرم الشركات تلك من شريحة مهمة من المستهلكين، وما قد يتسبب بحصول مضاعفات مرضية لدى منْ عليهم تقليل تناول الملح.

* نشاط البكتريا

* ولاحظ الباحثون في دراستهم أن جميع أنواع البكتيريا المتسببة بفساد الأطعمة لديها القدرة على النمو والتكاثر في داخل الأطعمة ذات النسبة العالية من الملح، أسوة بتلك القدرة في داخل الأطعمة ذات النسب المتدنية من الملح! وأن خفض نسبة الملح في الأطعمة لم يرفع من مستوى نشاط تكاثر ونمو البكتيريا. بل على العكس، فقد لاحظوا أن ثمة أنواعاً من تلك البكتيريا تنتعش وتتكاثر بعنفوان أكبر داخل الأطعمة المالحة جداً! ونظراً لاستغراب الكثيرين هذه النتائج العلمية المخالفة لما يراه البعض شيئاً من المُسلمات في مجال صناعة الغذاء، قال الباحثون: في هذه الفترة تساعد نتائجنا منتجي الأطعمة على تقليل مستويات إضافة الملح إلى الأطعمة المجمدة والمُعدة جاهزةً للتناول frozen ready-to-eat meals. وأضافوا بأن الأطعمة هذه بشكل عام في طريقة إعدادها الحالية تحتوي على حصة كبيرة من كمية الملح المسموح للإنسان تناولها يومياً recommended daily allowance. ولأنها، على حد تأكيدهم، أصبحت أطعمة شائعة التناول بصفة متزايدة من قبل المستهلكين وثمة طلب عال عليها، نظراً للرغبة في اختصار الوقت اللازم لإعداد وجبات الطعام في زحمة مشاغل الحياة اليومية المعاصرة.

* طرق دخول الملح للجسم

* وتشير المصادر الطبية إلى أن ثمة عدة طرق يدخل الملح من خلالها إلى أجسامنا. لكن ما قد يستغربه الكثيرون أن أكبر مصدر للملح هو الأطعمة المعدة للحفظ. وتُشكل كمية الملح التي تدخل إلى الجسم بتناول الناس تلك الأطعمة حوالي 77% من كمية المتناولة يومياً! في حين لا تشكل كمية الملح التي نُضيفها التمليح أثناء الأكل إلا 5%. وكذلك الحال مع ما يُضاف من الملح أثناء إعداد وطبخ الأطعمة، حيث لا يتجاوز ذلك 5% أيضاً. والبقية، أي 12% تأتي من المحتويات الطبيعية للملح كمعادن في الخضار الفواكه أو الثمار أو اللحوم أو غيرها من الأطعمة.

وفي وقت مضى كانت إضافة الملح إلى الأطعمة، كاللحوم أو الثمار، هي الوسيلة الوحيدة لإعدادها للحفظ الطويل الأجل. لكن البشر ظلوا معتادين على طعم الملح في تلك الأطعمة بالرغم من توفر طرق حديثة للحفظ. مثل الحفظ في الثلاجة أو التجميد أو التجفيف أو المعالجة بالإشعاع أو إضافة المواد الكيميائية الحافظة، سواءً الطبيعية أو المُصنعة. ولدواعي الطعم، لا يزال يُضاف اليومَ الملحُ بشكل روتيني إلى بعض من الأطعمة، مثل معلبات الخضار أو الشوربة أو اللحوم المبردة أو الأطعمة المجمدة. ويُضاف الملح إلى الشوربة لجعل قوامها ثخيناً، وليقلل من جفاف المقرمشات وشرائح البطاطا المقلية، وحتى لزيادة الطعم الحلو للكيك أو الكعك. وتُضيفه شركات المشروبات الغازية لإخفاء الطعم المعدني أو الكيميائي للمركبات الكيميائية المُضافة إلى مكونات تلك المشروبات. ولذا يرى الباحثون من مايو كلينك أن أكبر مصدرين للملح في وجبات غذائنا اليومي هما: أولاً الأطعمة الجاهزة والأطعمة المعدة للحفظ، وثانياً صلصة السلطات أو الإضافات على الطعام.