المعاناة من الأحلام المزعجة.. إحدى مشاكل الأمهات الجديدات

يستيقظن من نومهن ودموعهن على خدودهن بسبب الكوابيس

(كي آر تي)
TT

كثير من الأمهات الجدد غير مستعدات لمغادرة المستشفى بعد الولادة.

والتقلبات النفسية والمزاجية للأمهات الجدد في مرحلة ما بعد الولادة موضوع طبي يفرض نفسه على الباحثين أسوة بغيره من المواضيع المتعلقة بالحمل ومراحل ما بعد الولادة. وفي محاولات لمعرفة مظاهر هذه التقلبات المزاجية وبعض من دواعي معاناة الأمهات الجدد منها، نسلط الضوء على دراستين طبيتين صدرتا في الأسابيع القليلة الماضية. نُشرت الدراسة الأولى ضمن عدد سبتمبر (ايلول) من مجلة "النوم"، وتحدثت عن مشكلة مؤرقة للأمهات الجدد أثناء نومهن بسبب أحلام مزعجة وكوابيس تحتوي على مشاهد لمخاطر تُحدق بمواليدهن. اما الثانية فكانت في مجلة "طب الأطفال" وتحدثت عن مشاعر الأمهات الجدد بعدم استعدادهن لتحمل مسؤولية العناية بالطفل حينما يطلب الأطباء منهن مغادرة المستشفى بعد إتمام الولادة.

وبين الأحلام المزعجة والشعور بعدم القدرة على العناية بالمواليد، تظل الأم الوالدة حديثاً أحوج ما تكون لعون الزوج والقريبات والأطباء والقابلات والممرضات في مساعدتها أولاً على تخطي مرحلة إعادة نفسها وجسمها للحياة الطبيعية بعد فترة الحمل والتغلب على كل التغيرات الهورمونية الحاصلة فيها. وثانياً على العناية بالطفل المولود المتطلب رعاية وعناية مستمرة طوال الوقت من الأم. وثالثاً على القيام بواجبات العناية بالأسرة وأفرادها.

* كوابيس الطفل والسرير وكان الباحثون من مركز أبحاث النوم، بمستشفى ساكري - كوير في مونتريال بكندا، قد أثاروا معاناة الأمهات الجدد من الأحلام المزعجة والكوابيس في الفترة التي تلي الولادة. والمهم في الأمر هو توصلهم إلى أن هذه المشكلة شائعة بنسبة أكبر من تلك التي توقعها أشد المراقبين الطبيين تشاؤماً حيال هذا الأمر. وهي المشكلة التي تُتعب الأم نفسياً وجسدياً بالليل وتقلل من فرص استغراقهن وراحتهن في النوم، ما ينقلب سلباً على وعيهن وأدائهن بالنهار. والأهم عنايتهن بأنفسهن وبمواليدهن طوال الوقت.

وقال الباحثون إن الأمهات يُعانين من أحلام مُقلقة تتعلق بتعرض مواليدهن للخطر. وفي أحد أنواع تلك الأحلام، وجد الباحثون أن الأم ترى نفسها في السرير وهي تبحث بصفة "مسعورة" عن طفلها، أو تُفتش بين ملاءات أو شراشف الأسرة وأغطيتها، أو أنها تمشي فوق الزوج النائم أو تصرخ مستغيثة، كل ذلك أثناء بحثها عن الطفل الذي فقدته في مكان من السرير! وتُسمى أحلام الكوابيس الشديدة الوضوح هذه "أحلام الطفل في السرير" Baby-in-bed dreams ، أو باختصار أحلام بي أي بي BIB dreams.

ووصف الدكتور توري نلسين، الباحث الرئيس في الدراسة، هذه الأحلام بأنها قد تصل حالة الكوابيس إلى حد الهلوسة. وهي ما تظهر كتفاعلات عامة للتقبل النفسي لحالة الأمومة. وما يُؤدي إلى تفاقم المشكلة اجتماع كل من عدم الانتظام في النوم لأيام عديدة، والضغط الشديد الذي يُخلفه الشعور بمدى المسؤولية تجاه المولود الجديد.

* متابعة أحلام الأمهات وحلل الباحثون في دراستهم الأحلام والسلوكيات المرتبطة بها لدى 202 امرأة ممن ولدن حديثاً، ولدى 50 حاملا، ولدى 21 امرأة ممن لم يكنّ من الحوامل ولم يسبق لهن الولادة. وذكرت غالبيتهن أنهن يحلمن أثناء النوم.

وتبين للباحثين أن الحوامل والوالدات حديثاً متساويات في أحلام الكوابيس حول المولود. وكانت المعاناة من الأحلام المليئة بالقلق أعلى لدى الأمهات الوالدات حديثاً (لدى 75% منهن) مقارنة بالحوامل (لدى 59% منهن). وكانت مشاهدة مواليدهن وهن في متاعب، أثناء تلك الكوابيس، أعلى لدى الوالدات حديثاً ( لدى 73% منهن ) مقارنة بالحوامل ( لدى40% منهن ). كما تبين للباحثين أن التفاعل بالحركات مع تلك الكوابيس أعلى لدى الوالدات حديثاً. وتحديداً صاحب كوابيس 63% من الوالدات حديثاً الإقدام على سلوكيات الحركة فوق السرير أو الحديث أثناء النوم وغيرها من التفاعلات التعبيرية لما يحلمن به بصفة مزعجة. في حين لم يُعان من ذلك سوى 40% من الحوامل. والمثير في النتائج أن نسبة قليلة من الآباء عانت أيضا من نفس المشكلة.

وقال الباحثون إن سلوكيات التفاعل العاطفي مع نوعية الأحلام شائعة بين البالغين، لكن، على حد قولهم، لم تتم دراستها لديهم من قبل، لدى الوالدات حديثاً. وأضافوا بأن أكثر السلوكيات العاطفية التفاعلية كانت البكاء أثناء رؤية الكوابيس، وأن الأمهات ربما يستيقظن من نومهن ودموعهن على خدودهن أو على وسائدهن. وتوصل الباحثون من مجمل تحليل الدراسة ونتائجها أن المجهود البدني الشديد للعناية بالمولود وبالنفس وبالأسرة بعد الولادة وأثناء الحمل، مع التغيرات الهورمونية والعاطفية المحيطة بالحمل وبالولادة تلعب دوراً مهماً في أحلام كوابيس الأمهات المتعلقة بما هو حول طفلهن المولود حديثاً وفي سلوكيات الأمهات وما يجب أن يكن عليه.

* كثير من الأمهات الجديدات غير مستعدات لمغادرة المستشفى

* واحدة من كل ست أمهات ولدن حديثاً بطريقة طبيعية في الولايات المتحدة يشعرن أنهن غير مستعدات للعناية الكاملة بمواليدهن الجدد في الوقت الذي يُخبرهن الأطباء بأن عليهن مغادرة المستشفى بعد إتمامهن الولادة. هذا ما توصلت إليه دراسة الباحثين من مستشفى الأطفال في دارتماوث المنشورة بعدد أغسطس من مجلة طب الأطفال الصادرة عن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال.

والملاحظة الأهم في الدراسة ليس هذا فقط، بل هي تلك التباينات في مدى مناسبة قدرات الأم للعناية بالنفس وبالطفل المولود في ما بين تقييم الأم نفسها عن تقييم كل من طبيب الأطفال وطبيب التوليد للأمر. وكانت النتائج تقول ان 17% من الأمهات يرين أنهن غير مستعدات للخروج من المستشفى، في حين رأى 5% من أطباء الأطفال ذلك. لكن الأكثر غرابة هو رؤية 1% من أطباء التوليد أن الأم ليست جاهزة لقرار مغادرة المستشفى.

والمعلوم أن القوانين الفيدرالية في الولايات المتحدة تنص منذ عام 1998 على أن أقل مدة زمنية لبقاء الأم الوالدة بصفة طبيعية في المستشفى هي 48 ساعة، و 96 ساعة لمن ولدن بالعملية القيصرية. هذا ما لم تُقرر الأم والطبيب غير ذلك. وقال الدكتور هنري بيرنستين، الباحث الرئيس في الدراسة، إننا حاولنا في الدراسة تسليط الضوء على النقص في المعرفة حول أسس القرارات الصحية لمن ولدن أطفالاً أصحاء وتبعات ذلك خلال فترة الرضاعة أو السنة الأولى من العمر.

وشملت الدراسة أكثر من 4300 أم ولدت حديثاً و 450 طبيبا في 112 مستشفى ومركزا علاجيا بالولايات المتحدة. واعتبر الباحثون أن الأمهات وأطباء الأطفال وأطباء التوليد أصحاب القرار في الخروج من المستشفى بعد الولادة.

وتعرف الباحثون على عدة أسباب وراء شعور غالبية الأمهات، بخلاف الأطباء، بأنهن غير مستعدات للخروج من المستشفى، مثل وجود أحد الأمراض المزمنة بالأم، أو كون الولادة لأول مرة، أو تدني مستوى الرعاية الصحية أثناء فترة الحمل، أو الولادة خارج أوقات الدوام الرسمي، أو وجود اضطرابات لدى الطفل، أو عدم تقديم دروس تثقيفية صحية للأمهات في فترة الحمل، أو الرغبة في الإرضاع بالثدي.

وقال الباحثون إن على الأطباء أن يُقرروا خروج الأم بعد المشاورة معها، ولزيادة الاستعداد للخروج فإن القرار يجب أن يكون لكل حالة على حدة.

لكن النتيجة الأهم هي أن شعور الأم بعدم الاستعداد للخروج لا علاقة له بطول أو قصر مدة بقائها في المستشفى بعد الولادة وقبل قرار الطبيب، بل هو مرتبط بمدى الوعي والتثقيف الصحي لدى الأم حول كيفية العناية بالطفل أو بالنفس. ومن أفضل التعليقات على الدراسة كان للبروفيسور روبرت والش، من متشغن، بقوله: "في كثير من الأحيان ستكون الأم وحيدة مع طفلها بالمنزل بعد خروجها. وقد لا تكون لديها القدرة أو وسائل العناية بالطفل أو حتى رعاية الأطفال اليومية لو أرادت العودة لعملها". وطالب بأن تضع المستشفيات برامج تثقيفية للأمهات لتعليمهن ما عليهن فعله وكيفية ذلك بعد الخروج من المستشفى.