مضغ التبغ ليس بديلا صحيا آمنا للتدخين

بلا دخان .. لا يعني بلا أضرار

TT

الذين يمضغون التبغ يُعرضون أجسامهم لمستويات أعلى من إحدى المواد الكيميائية المسببة بالسرطان، مقارنة بما يصل إلى الجسم منها عند تدخين التبغ نفسه. هذا ما طرحه الباحثون من مركز ميناسوتا للسرطان في عدد أغسطس من مجلة "علم الوباء والوقاية والمؤشرات الكيميائية الحيوية للسرطان".

ووجد الباحثون أن المقارنة في ما بين مدخني السجائر وماضغي التبغ من البالغين دلت على أن ما يتعرض له الجسم من مادة "إن إن كي" NNK أعلى حال المضغ. ومادة "إن إن كي" هي إحدى المواد الأولية المسببة بالسرطان والموجودة في التبغ. وكانت الدراسات السابقة على حيوانات المختبرات قد أثبتت أنها مادة كيميائية تتسبب بسرطان الرئة والبنكرياس والكبد والأغشية المبطنة لأجزاء الأنف.

* عادة منتشرة

* ولا تزال عادة استهلاك التبغ من دون تدخينه شائعة في العالم، سواء في غربي العالم أو شرقيه. وفي الدول الغربية، يرى بعض الباحثين أن التضييق على المدخنين بمنعهم من التدخين في الأماكن العامة وغيرها يُجبر البعض إلى اللجوء لمضغه، خاصة بعد انتشار اعتقاد بأن المضغ وسيلة آمنة صحياً لاستهلاك التبغ! وهو ما قد يُبرر أن مبيعات أربع شركات أميركية لإنتاج التبغ المُعد للمضغ كانت مكاسبها المادية لا تزال في منتصف التسعينيات تتجاوز 2 مليار دولار، وأن حجم ما تبيعه تلك الشركات حتى مطلع الألفية الثالثة لا يزال يتجاوز حدود 110 ملايين رطل (الرطل نحو 453 غراما) لتلك النوعية من تبغ المضغ، ولا تزال أيضاً تُنفق على الدعايات وحدها ما يتجاوز 140 مليون دولار سنوياً. ناهيك عن الحال في أوروبا وبقية مناطق أميركا، وعما هو عليه الحال على وجه الخصوص في مناطق الهند وجنوبي شرق آسيا التي تنتشر فيها عادات المضغ أو استنشاق التبغ مع إضافات تحسينية في الطعم والنكهة لها.

* مضغ التبغ والسرطان

* وقال الباحثون إن نتائج دراستهم تعيد التأكيد على أن الرسالة التي يجب إيصالها للناس هي أن "استهلاك التبغ بلا دخان" smokeless tobacco ليس بديلاً "صحياً" يُمكن اللجوء إليه عوضاً عن تدخين التبغ نفسه بناءً على "اعتقاد ما" لدى البعض بأن ذلك أهون ضرراً على الجسم.

وقال الدكتور ستيفن هيكت، الباحث الرئيس في الدراسة وبروفسور الوقاية من السرطان بمركز السرطان في جامعة ميناسوتا بمينابلوس، إن منتجات "استهلاك التبغ بلا دخان" تم تقديمها للناس من قبل البعض على أنها بديل صحي آمن للفائف السجائر، لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك.

وأضاف بأن البديل الوحيد، المحتمل الأمان على المدى البعيد، لتدخين التبغ هو استخدام العلاج التعويضي للنيكوتين nicotine replacement therapy. وذلك كوسيلة لتخفيف حالة الاعتماد على السجائر في تأمين كمية من النيكوتين للجسم. وكان الباحثون في دراستهم قد تابعوا 420 شخصا من مدخني السجائر، و182 شخصا من ماضغي قطع أوراق التبغ وغير المدخنين للسجائر. وكانوا، ذكوراً وإناثاً، ضمن مجموعة شملها أحد برامج الإقلاع عن التدخين واستهلاك التبغ بأي صورة.

ورصد فريق البحث نسبة مادة "إن إن إيه إل" NNAL في بول جميع المشاركين. والمعلوم أن هذه المادة تخرج من الجسم عبر البول كمركب ناتج عن تفاعل الجسم وتحليله لمادة "إن إن كي". ومادة "إن إن إيه إل" يستخدم الباحثون رصد نسبة وجودها في البول كمؤشر لمدى تعرض المرء لمادة "إن إن كي" المسببة بالسرطان.

ووجد الباحثون بمقارنة نسبة مادة "إن إن إيه إل" في البول أن أجسام ماضغي قطع أوراق التبغ تحتوي كميات عالية منها، بخلاف مدخني لفائف السجائر. وهو ما يعني تلقائياً أن أجسامهم تتعرض لمستويات عالية من مادة "إن إن كي" المسببة بالسرطان حال مضغ التبغ.

وذكر الباحثون أن ثمة أنواع تجارية من منتجات التبغ المُعدة للمضغ تحديداً متوفرة في الأسواق. وأشاروا إلى أن منها ما يُكتب على عبوته عبارة "متدني النسبة من مادة نيتروزامين" "low-nitrosamine"، على اعتبار أن ذلك يعني أنها تُعرض جسم مستهلكيها لنسبة أقل من مادة "إن إن كي". لكن الباحثين، ومن خلال نتائج دراستهم، لاحظوا أنها ليست كذلك. بل شددوا القول بأن لدى مستهلكي هذه الأنواع المُعدة للمضغ بالذات يتم رصد معدلات كافية للتسبب بالسرطان من مادة "إن إن إيه إل" في البول.

* لا للتبغ لكن المهم في الأمر برمته هو ما عقب الباحثون بقوله بعد إعلانهم هذه النتائج، وهو أن الدراسة لا تقول للناس بأن تدخين لفائف السجائر هي الطريقة الأكثر أماناً في استهلاك التبغ. والسبب في هذا التنبيه هو ثلاثة أمور:

الأول: الدراسة موجهة بالأصل نحو معرفة مدى الأمان الصحي لمضغ التبغ، عبر رصد ما يدخل الجسم من مواد متسببة بالسرطان عبر تلك الطريقة في استهلاك التبغ. وليست موجهة نحو مقارنة طرق استهلاك التبغ في محاولة لمعرفة ما هي الأكثر أماناً من بينها. الثاني: الدراسة بحثت في مدى نسبة ما يدخل الجسم من إحدى المواد المسببة بالسرطان والموجودة في التبغ عموماً. وذلك في حالتين من استهلاك التبغ، أي إما مضغ التبغ أو تدخين لفائف السجائر. وما وجدته هو أن المضغ يُدخل كمية عالية منها إلى الجسم مقارنة بالتدخين. لكنها أكدت في نفس الوقت أن تدخين لفائف السجائر هو أيضاً يُعرض الجسم لكميات كافية من هذه المادة للتسبب باحتمالات الإصابة بالسرطان.

الثالث: تدخين لفائف السجائر يُعرض الجسم، كما هو ثابت علمياً، لعدد من المواد الكيميائية المسببة بالسرطان. وهي مواد لا يتسبب مضغ التبغ فقط بتكوينها فيه ولا بدخولها إلى الجسم.

وبالجملة فإن استدراك الباحثين في دراستهم هو أمر مهم. خاصة مع وجود من يقرأون ويكتبون عن الأخبار الطبية والعلمية بطريقة غير سليمة. وهو ما يُشوش لدى الناس في أذهانهم على المعلومات العلمية الثابتة.