معالجة الأطباء لمرضى السكري قد تكون مزعجة.. أحيانا

العناية الطبية لدى بعض المصابين أسوأ من المرض نفسه

باحث أميركي يعرض نموذجا لجهاز مخصص لاستنشاق الأنسولين يعوض عن زرقه بالإبر لبعض المصابين بالسكري (كي آر تي)
TT

همّ وعبء اتباع أنظمة برامج العناية اليومية بمرض السكري المزمن، قد يكون لدى بعض المُصابين به، مساوياً في الإزعاج والأذى لتلك التداعيات والمضاعفات التي من المحتمل أن يتسبب فيها المرض نفسه. هذا ما توصل إليه الباحثون من جامعة شيكاغو بعد متابعتهم لانطباعات وآراء أكثر من 700 مريض بالنوع الثاني من مرض السكري، ووفق ما ذكروه في دراستهم المنشورة ضمن عدد أكتوبر من مجلة "رعاية السكري" لسان حال الرابطة الأميركية لمرض السكري.

وتظل إحدى القضايا الطبية المزمنة دونما حل واضح، تلك المعاناة من قبل المرضى ومن قبل العاملين في الوسط الطبي، في الكيفية المثلى للوقاية وللعناية بالأمراض المزمنة ولمنع حصول مضاعفاتها على المدى البعيد. وتُمثل البرامج المعقدة والمرهقة في الإرشادات الطبية التي تغير حياة الإنسان وتقلب طريقة عيشه رأساً على عقب، أكبر عائق أمام امتثال كثيرين من المرضى في اتباع ما دلت الدراسات الطبية على جدواه وفائدته لهم على المدى البعيد. ولسان حالهم، من سلوكياتهم، ومقالهم، مما يصدر عن أفواههم، أننا سنفقد كل معنى للاستمتاع بالحياة في سبيل بلوغ غاية محتملة وهي الوقاية من المضاعفات. وهنا يتفاوت الناس في تبني تحمل القليل من المشقة اليوم مقارنة بالكثير من الضرر غداً.

وتصل الأمور لدى البعض من مرضى السكري إلى حد الأزمة المتكررة في انخفاض وارتفاع نسبة سكر الدم، من دون التفات للآثار المميتة لذلك مستقبلاً، وصولاً إلى حالات تمر بالأطباء كثيراً تتوالى فيها المضاعفات والتداعيات الواحدة تلو الأخرى، من بتر قدم إلى فشل الكلى إلى جلطة القلب إلى ضعف الإبصار إلى آخر تلك القائمة. وما يصنع المستقبل المظلم أو المشرق هو المرء نفسه، وفق سلوكيات الإيمان الصحيح بالقدر وبجدوى وأهمية الأخذ بالأسباب لبلوغ غايات الوقاية. ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وما تُقدمه لنفسك اليوم تره غداً، وغير ذلك من الحكمة.

* «خذ من عمري» و"خذ من عمري" ليست عبارة من أحد الأشعار المغناة في ما مضى من قبل السيدة أم كلثوم، بل هي، كما يقول اليوم الباحثون من الولايات المتحدة، عبارة يُرددها مرضى السكري! وما تفاوتت في ثمنه من العمر أقوال هؤلاء المرضى هو إما التخلي عن بعض العمر في سبيل حماية النفس من مضاعفات هذا المرض، أو في سبيل الحماية من تحمل أثقال وتكاليف معالجته لمنع الإصابة بتلك المضاعفات. وكانت أقوال ما بين 12 إلى 50% من مرضى السكري الذين تابعت الدراسة انطباعاتهم، أنهم على استعداد للتخلي عن 8 إلى 10 من سنوات العيش بهدوء وراحة، في سبيل تجنب عيش سنوات حياة مليئة بمضاعفات وتداعيات مرض السكري. ولكن في المقابل كانت أقوال ما بين 10 إلى 18% من المرضى أنهم على العكس من ذلك، حيث انهم مستعدون للتخلي التام عن عيش ما بين 8 إلى 10 سنوات من أعمارهم، في سبيل عدم الخضوع لاتباع تعليمات الأطباء في الحمية الغذائية وتناول الأدوية وغيرها من جوانب الرعاية الطبية التي تتطلبها معالجة مرض السكري! وعلل الباحثون الأمر بأن بعضاً من هؤلاء المرضى أبدوا الانزعاج والتضايق من ضرورة التزامهم بتناول أدوية متعددة كل يوم، ومن حتمية تكرار قياس نسبة السكر في الدم، ومن الحرص الدائم على ضبط تلك النسب ضمن المعدلات العلاجية التي يطلب الأطباء منهم المحافظة عليها، ومن التشديد على توازن محتويات وكميات أنواع الأطعمة في وجباتهم الغذائية اليومية، ومن التوجيهات المتكررة بأهمية ممارسة الرياضة البدنية، كلها لها تأثيرات منهكة وغير ملائمة، ما يجعل من نوعية عيش الحياة اليومية جحيماً لا يُطاق! والمعلوم أن مريض السكري في كل يوم يتلقى عدة أنواع من الأدوية، نوعين أو ثلاثة، منها حبوب يتناولها عبر الفم، والبعض منهم يأخذ، إضافة إلى ذلك مع تقدم مدة الإصابة بالمرض، هرمون الأنسولين، الذي يُعطى بالإبرة تحت الجلد. وذلك كله في عدة أوقات من اليوم، ومرتبط بتناول الوجبات الغذائية اليومية. والهدف من هذه الأدوية ضبط نسبة السكر في الدم. كما أن كثيراً منهم يتناولون أدوية لضبط نسبة كوليسترول الدم، باعتبار أن اضطرابات الدهون والكوليسترول غالباً ما تُصاحب هذا المرض، وتعتبر السبب الرئيسي في حصول أمراض الشرايين نتيجة ترسب الكوليسترول في جدرانها. كذلك ثمة منهم من لديه اضطرابات في ضبط مقدار ضغط الدم، الأمر الذي يتطلب هو الآخر تناول نوع أو نوعين أو ثلاثة من أدوية خفض ضغط الدم، وعدة مرات في اليوم.

* يأس أم جهل؟

وقال الدكتور ألبرت هيانغ، الباحث الرئيس في الدراسة من كلية الطب بجامعة شيكاغو، الأشخاص الذين يعتنون بالمرضى المُصابين بالأمراض المزمنة، كمرض السكري، يُفكرون في معالجة ذلك المرض ويفكرون أيضاً في كيفية منع حدوث المُضاعفات المتوقع حصولها على المدى البعيد. لكن من جانب آخر يُفكر المرضى أولئك، المُصابون بأحد تلك الأمراض المزمنة، في حياتهم الحالية. أي التي يعيشونها يومياً. وهو ما تتضمن التفكير كل يوم بيومه، حول ما تكلفهم تلك المعالجات. وهي المعالجات المزعجة بتعددها وتكرار أوقات تناولها ومتابعات ضبط المرض وعدم تفاقمه. وسواء كانت التكاليف تلك مادية أو نفسية أو إهدار وقت أو تغيير نمط حياة أو حرمانا من ملذات أو غيرها.

وأضاف ان النتائج المترتبة، على هذا الاختلاف في كيفية ونوعية التفكير، هو تدني مستوى اتباع التعليمات والإرشادات الطبية، من قبل المرضى، ما يعني ارتفاع احتمالات الإصابات بالتداعيات والمضاعفات على المدى الزمني الطويل. وهو ما يعني تلقائياً الحاجة إلى مزيد من الأدوية، والفحوص والمعالجات وربما العمليات الجراحية. ومن نتائج مثل هذه الدراسة الواقعية في نقلها للناس وللأطباء حقيقة ما يعتقد المرضى حول دواعي المعالجات وبرامجها الطويلة الأمد، يظهر لنا كما يقول الدكتور هيانغ أننا بحاجة إلى إيجاد طرق أفضل وأكثر إقناعاً للمرضى في كيفية معالجة الأمراض المزمنة. والسبب كما يقول هو أن من الصعب إقناع بعض المرضى بأنه من الأفضل لهم استثمار أوقاتهم وجهودهم في الالتزام التام والوثيق بتطبيق برامج علاجية لا يرون لها مردوداً آنياً في الوقت الحالي، بل بناءً فقط على وعود من الأطباء بأنها تقيهم من مُضاعفات مستقبلية محتملة قد يجنون ثمارها بعد سنوات أو عقود. وهو ما علق عليه الدكتور لويس فيليبسون، بروفيسور الباطنية بجامعة شيكاغو، قائلاً: لو نظرنا إلى بعض مرضى السكري، فإننا يُمكننا الحكم على سلوكياتهم وتصرفاتهم بأنهم أقرب ما يكونون سائرين نحو فقدان قدرات الإبصار والعمى، ونحو الإصابة بالفشل الكلوي، ونحو التعرض لعمليات بتر احدى القدمين، من أن يكونوا سائرين نحو العمل بجد للعناية بمعالجة مرض السكري لديهم ولمنع إصابتهم بتلك الأنواع من مضاعفات مرض السكري.