الحرمان من النوم والطعام .. لعلاج الاضطرابات النفسية والهضمية

دراسات عالمية تثبت أنه يحسن الاكتئاب غير النمطي والفصام العقلي

TT

ترتبط النفس والجسد ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، كما تؤثر النفس في الجسد تأثيرا مباشراً، وهذا ما أكده الدكتور رجب عبد الحكيم بريسالي استشاري الطب النفسي ورئيس أقسام الصحة النفسية بمستشفى الملك عبد العزيز والمركز الاستشاري الطبي السعودي بمكة المكرمة، موضحا نتائج عدة دراسات، أثبت فيها الباحثون، تأثيرات الحرمان من كل من النوم والطعام في أجهزة الجسم المختلفة وتحسين الكثير من الأمراض الجسمية والنفسية التي عانى من آلامها المبرحة كل منا في وقت من الأوقات فازداد توتره وقلقه.

* حرمان النوم النوم عملية فسيولوجية في حياة الكائنات الحية ومنها الإنسان والحيوان، ولا يقل أهمية عن العمليات الفسيولوجية الأخرى مثل التنفس وضربات القلب، والإحساس بالجوع والعطش.. الخ. ويجب أن تُراعى المحافظة على عدد ساعات النوم في اليوم الواحد، وفقا لعمر الشخص، (فالأطفال الرضع يحتاجون إلى 16 ساعة نوم، المراهقون يحتاجون الى حوالي 9 ساعات، الكبار يكفيهم حوالي 7 – 8 ساعات، النساء الحوامل يحتجن لزيادة عدد ساعات نومهن خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل). كما تجب مراعاة أن يكون أغلب مدة النوم في فترة الليل، كذلك توفر الظروف والعوامل التي تساعد على النوم الهادئ العميق والمتواصل.

إن الإنسان بطبيعته لا يتحمل الحرمان من النوم مدة طويلة، وسرعان ما تظهر عليه علامات الارهاق العام مع مظاهر عصبية كالنسيان وقلة التركيز وسرعة التهيج العصبي وقد يتعرض هذا الشخص لزيادة نسبة التوتر، والى حدوث نوبات من الصرع واضطرابات نفسية أخرى، والى أعراض مرضية التهابية عديدة نظرا لتأثر جهاز المناعة لديه. وأخيرا يهدد فرط الحرمان من النوم حياة الشخص بتعريضه لارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر أمراض القلب وارتفاع سكر الدم.

هذا ما أثبتته العديد من الدراسات التي أجريت سواء على الحيوان أو الانسان مؤكدة أن النوم المتوازن ضرورة لصحة الإنسان والحيوان واستمرار حياتهما وأن الشخص الذي يحافظ على ذلك بحيث ينال قسطا وافرا من النوم ليلا يعيش مدة أطول ويكون أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب، مقارنة مع الأشخاص الذين ينامون مدة أقل أو أطول، فكثرة النوم كما هو الحال مع قلته تمثل، أيضا، خطرا يهدد الصحة والحياة.

وهناك العديد من عيادات النوم التي انتشرت في العالم لمعالجة الأمراض المختلفة، خاصة ذات الأعراض النفسية والعصبية كالتوتر والأرق والقلق.

ومن جانب آخر، يوضح الدكتور رجب بريسالي، أن هناك من الوسائل العلاجية المعروفة حاليا ما يسمى بحرمان النوم Sleep Deprivation وهي وسيلة أثبتت فعاليتها في علاج مرض الاكتئاب غير النمطي والذي يظهر بصورة زيادة في معدل ساعات النوم في الليل وتصاحبها زيادة في الشهية للطعام. لذا فإن الصوم وقيام الليل يُحَسِّنَان بشكل ملحوظ الناحية المزاجية للشخص المكتئب من خلال تنظيم تركيز مادة السيروتونين Serotonin في الدماغ. ويشعر المكتئب براحة وسعادة تغمرانه فتهدأ نفسه وتصفو روحه ويتقد ذهنه وتعلو همته فينجلي الاكتئاب عنه.

* حرمان الطعام للحرمان من الطعام (كالصوم) دور في تقوية البدن والمحافظة على الصحة، لأن المعدة مصدر الداء، وحرمانها من الطعام لفترة محددة من الزمن يعيد إليها تنظيم افراز هرموناتها الهاضمة وتنسيق عملها وعودة النشاط إليها لتستمر في أداء وظيفتها الحيوية للانسان. حرمان الطعام وسيلة علاجية ووقائية لكثير من الحالات، خاصة اضطرابات الأمعاء المزمنة المصحوبة بتخمر الطعام، علاج زيادة الوزن، ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب، داء السكري، وعلاج التهابات الكلى الحادة والمزمنة. ويقول الدكتور اليكسيس كاريل الجراح الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1912، إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها وقلة انتظامها تعطل وظيفة فسيولوجية عظيمة، ذات دور مهم في بقاء الأجناس البشرية، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام والتزام الصوم في بعض الأوقات. كما يوضح الدكتور رجب عبد الحكيم بريسالي أن انخفاض مستوى السكر في الدم (طبعاً ليس الانخفاض المرضي الشديد) اثبت بالتجربة والبرهان أن له مفعولاً سحرياً في تحسن الفصام العقلي، وهذا مؤكد بالتجربة والبحث العلميين، فقد كانوا يحقنون مرضى الفصام بمادة الانسولين. وفي المقابل نجد ان الإقلاع عن التدخين يؤدي إلى نقص تركيز النيكوتين السام الذي يلعب دوراً في زيادة نشاط مادة الدوبامين في الدماغ وهذه المادة لها علاقة مباشرة للإصابة بالفصام العقلي لذا فان توازنها أو قلتها بسبب إيقاف التدخين يؤدي إلى شفاء هذا المرض.

ويؤكد ذلك البروفيسور الروسي نيكولايف بقوله: "إن على كل إنسان أن يمارس الصوم لمدة ثلاثة إلى أربعة أسابيع من كل سنة كي يتمتع بالصحة الجسمية والنفسية طوال حياته". كذلك العالم المعروف هنرك تانر الذي قال بأن "الصوم أكسير الحياة". وكل ذلك يؤكد ما للصوم من آثار نفسية تنعكس على الصحة والنفس.