مظاهر عسر القراءة في نظام الكتابة العربي لدى الأطفال الديسلكسيين الناطقين بالعربية

دراسة سعودية: الإدراك الصوتي ونظام الكتابة المضبوط وغير المضبوط بالشكل يؤثر في أعراض المرض

«عسر القراءة» .. يؤدي الى مصاعب جمة في حياة الطفل
TT

ديسلكسيا Dyslexia، واحدة من الحالات الخاصة في صعوبة التعلم، ويقدر عدد الذين يعانون من الديسلكسيا بدرجة كبيرة حوالي 10% في العالم. ولا يعتبر الشخص الديسلكسي (القاصر قرائياً)، متخلفاً عقلياً ولا غبياً كما يظن البعض، بل إن بعض المصابين بهذا المرض قد تتعدى نسبة ذكائهم المعدل الطبيعي، وعادة ما يكون لديهم أسلوب مختلف وخاص في مواجهة المشاكل وحلها، وغالباً ما يتمتعون بقدرة خيالية كبيرة قد جعلت من بعضهم علماء ومشاهير أمثال ليوناردو دا فينشي، ألبرت أينشتاين، الكسندر غراهام بل، والت ديزني، وغيرهم.

لقد أوردت "الشرق الأوسط" قبل شهر تقريبا، دراسة أميركية حديثة أجريت في جامعة واشنطن حول ترابط المناطق الرئيسية الخاصة باللغة وعمل الذاكرة المعنية بالقراءة لدى الأطفال المصابين بالديسلكسيا بشكل مختلف عن الأطفال ذوي المهارات الجيدة في القراءة والتهجي.

وفي نفس الوقت، ظهرت نتائج دراسة سعودية قامت بها الباحثة تهاني عتيق الله الصبحي من جامعة أم القرى، استهدفت ظاهرة "عسر القراءة" لدى الأطفال الناطقين باللغة العربية، ومدى تأثير نظام الكتابة الذي تتميز به اللغة العربية عند استخدام ضبط الشكل وعدم ضبط الشكل في أعراض المرض.

الباحثة تهاني الصبحي تحدثت الى "الشرق الأوسط"، موضحة أولاً أن ديسلكسيا (عُسر القراءة أو قصور القراءة) كلمة من أصل يوناني، استحدثها رودولف برلين في أواخر عام 1800، مكونة من جزءين؛ "ديس" تعني حرفيا صعوبة، "لكسيا" كلمات، وأن العسر القرائي قد وُصِفَ بـ"العمى الكَلِمي" أولاً من قبل طبيب ألماني متخصص في الأمراض العصبية يدعى أدولف كسماول، ثم من قبل و. برينجل مورغان في 1896 ولاحقاً في 1917 من قبل جيمس هنشلود بـ "العمى الكـَلـِمي الخَلْقي".

وأضافت أن اضطراب اللغة الذي يشار إليه غالبا بـ ’عجز القراءة المحدد‘ يعرّف على أنه فشل محدد دائم وغير متوقّع لاكتساب المهارات المطلوبة للتعلم سواء في القراءة أو الكتابة أو الإملاء أو الأرقام على الرغم من وجود التعليم المناسب، والذكاء المطلوب، وتحقق المستوى الاجتماعي الثقافي المعروف، وفقاً لديمونت وآخرين 2004: 1451.

* أعراض الديسلكسيا

* قسمت الباحثة أعراض المرض حسب عمر الطفل:

* قبل دخول المدرسة: ومن خلال الدراسات التي أجريت على اللغات الأجنبية وتحديداً الإنجليزية، لاحظ العلماء أن هناك أعراضا تظهر على الطفل مثل تأخر أو عدم الكلام بوضوح أو خلط الكلمات أو الجمل، صعوبة في تنفيذ بعض الأعمال مثل ارتداء الملابس بصورة طبيعية كربطة العنق وربط الحذاء واستعمال الأزرار، وطريقة استعمال الأدوات (كأن تقع من يده الأغراض أو عندما يحمل كوب الماء يهتز الكوب ويتناثر ما فيه)، وصعوبة التنسيق في ما يقوم به من أعمال مثل مسك الكرة أو تنطيطها أو رميها بصورة عادية، صعوبة التركيز عند الاستماع للقصص أو عندما يقرأ لهم من القصص.

* بعد الالتحاق بالمدرسة وحتى سن التاسعة: صعوبة غير متوقعة في التحصيل العلمي في المدرسة مع أنه يظهر عندهم نفس قدرات الطلاب الآخرين الذين ليس لديهم صعوبات في التحصيل العلمي، ويظهر عليهم أحيانا أن استيعابهم العلمي بطئ مقابل أوقات أخرى يظهرون فيها بحالة لا بأس بها. ومن أهم هذه الصعوبات الفشل الدائم في تعلم القراءة والكتابة والتهجئة، تكرار واستمرار التبديل في الأرقام مثل 12 لرقم 21 أو ف بحرف ق، صعوبة تحديد الاتجاه يمينا أو شمالا، صعوبة تعلم حروف الهجاء، وجداول الضرب وتذكر الأشياء المتتالية مثل أيام الأسبوع والأشهر وأرقام الهواتف، استمرار صعوبة ربط الأحذية ومسك الكرة أو رميها، صعوبة التركيز والمتابعة، صعوبة تنفيذ ومتابعة التعليمات سواء كتابة أو قراءة، وإما التذمر المؤدي إلى مشاكل سلوكية عدوانية أو الانطواء نتيجة الإحساس بالنقص.

* من سن التاسعة حتى سن الثانية عشرة: تابع العلماء ملاحظة هذه المظاهر فوجدوا أن أهم ما يميزها استمرار الأخطاء في القراءة، أخطاء إملائية غريبة كنسيان حروف من كلمات أو وضع الحروف في غير مكانها، استغراق وقت أكثر من المتوسط في الكتابة والقراءة، الافتقار للنظام في المدرسة والبيت، صعوبة نقل وكتابة المعلومات من السبورة في الفصل أو من الكتاب بصورة دقيقة، صعوبة في تذكر أو تحليل التعليمات الشفهية وفهمها، وازدياد ضعف الثقة بالنفس المؤدي إلى زيادة الحركة والفوضى أو الانطواء.

* بعد سن الثانية عشرة: تستمر هذه الأعراض فلا تزال القراءة غير دقيقة، والأخطاء الإملائية متكررة، وهناك صعوبة في التخطيط وكتابة المواضيع، وتخبط ملحوظ في تلقي التعليمات الشفوية أو الأرقام الهاتفية، وصعوبة شديدة في تعلم اللغة الأجنبية، وزيادة في قلة المثابرة وضعف الثقة بالنفس.

* أنواع وأسباب

* تؤكد الباحثة تهاني الصبحي أن تلك الدلالات لا تظهر جميعها على كل الذين يعانون من الديسلكسيا، كما أنها لا تظهر بنفس الدرجة، فهناك أنواع لهذه الحالة المرضية، تختلف حدتها من شخص لآخر فمنها السطحي الخفيف، ومنها المتوسط، ومنها الحاد. وعن أسباب أعراض هذا المرض تقول انها ما زالت مسألة نقاش بالرغم من أن هناك زيادة واضحة في عدد الأبحاث التي أُجريت والفرضيات التي وضعت. لكن الصورة العامةَ هي أن عُسر القراءة يُنْسَبُ إلى أسباب حيويِة (عائلية، وراثية، جينية)، عصبية ونفسية (ضعف إدراكي غير ملحوظ ضمن مجال اللغة نتيجة لاختلاف خلقي في المخ عنه في الشخص العادي). أما من ناحية الوراثة والاكتساب فهناك ديسلكسيا وراثية نتيجة لعوامل جينية وراثية فالأطفال الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابون بالديسلكسيا معرضون أكثر من غيرهم للإصابة بها، وهناك ديسلكسيا مكتسبة وتكون نتيجة تعرض الدماغ لإصابة أو أذى.

كما أن مظاهر واتجاه مشاكل العسر القرائي تتأثر بالعوامل اللغوية والتربوية التالية:

- خصائص اللغة المنطوقة - خصائص نظام الكتابة (قواعد الإملاء) - طرق تعليم القراءة والكتابة

* نظام الكتابة

* توضح الباحثة أن العديد من الدراسات قد أجريت حول هذا العامل الثاني، وقد استنتج أنه يلعب دوراً مهماً في اكتساب مهارات القراءة والكتابة في أي لغة، وأنه يُؤثر في درجة السهولة أَو الصعوبة التي يتعلم بها الأطفال كيفية القراءة والتهجئة. وثبت، علاوة على ذلك، أن طبيعةَ "قواعد الإملاء (أَو نظم الكتابة) التي يتعرض لها الأفراد الديسلكسيون تحدد شدَّة الاضطراب ومدى أعراض المرض السلوكية " (جولاندريز 2003: 13).

وتقسم النظم الكتابية إلى صنفين رئيسيينِ: شفّافة وغير شفافة اعتمادا على مدى ربطها للحروف مع وحدات الكلام الصغرى ( الفونيمات).

وخير مثال للنظام الكتابي غير الشفاف هو اللغة الإنجليزية (لاندريل 2003)، وتقف الألمانية على الطرف الآخر من مستوى تطابق الحروف مع وحدات الكلام الصغرى ( الفونيمات)؛ كل حرف في هذه اللغة يقابله صوت واحد فقط، بالطبع مع قليل من الاستثناءات (جولاندرايز 2003).

ولذلك، يواجه المصابون بالديسلكسيا صعوبات أكثر في فك رموز المادة المطبوعة بلغة غير شفافة إملائياً من تلك التي طُبعت بلغة ثابتة على نظام واحد.

* دراسة سعودية

* توضح الباحثة أن اللغة العربية تتميز عن غيرها، بأنها تمثل كلا الصنفين من نظم الكتابة، كالآتي:

(1) نظام إملائي شفاف: (مضبوط بالشكل) وهو النظام ذو الحركات التشكيلية حيث يُعبر عن أصوات العلة الطويلة (المد) والإدغامات والأصوات الساكنةَ بالحروف، بينما يُشار إلى أصوات العلة القصيرة بالرموز الصغيرة جداً فوق وتحت الحروف (الفتحة والضمة والكسرة).

(2) نظام إملائي غير شفاف: (غير مضبوط بالشكل) وهو من دون حركات التشكيل، أي أن الأصوات الساكنة، وأصوات العلة الطويلة والإدغامات تظهر في الطباعة فقط وأصوات العلة القصيرةَ تخمن من قِبل القارئِ ( ميموني وبيلاند 2001) معتمداً على معرفته النحوية والصرفية والسياقية.

وقد تحرت الباحثة السعودية مدى تأثير هذين النوعين من النظام الإملائي في العربية في دراستها التي أجرتها على الأطفال الديسلكسيين الناطقين باللغة العربية، فقدمت هذه الدراسة تحليلا وصفيا مفصلا للمادة العلمية التي تم الحصول عليها من عينة الدراسة المكونة من خمس إناث ناطقات بالعربية مصابات بعسر القراءة (أعمارهن من 11-15 سنة) في مدينة مكة المكرمة، وذلك بعد اختبار أدائهن في قراءة نوعي النظام الكتابي العربي (المضبوط وغير المضبوط بالشكل) المتمثل في قطع وكلمات مفردة وكلمات في السياق. كما خضعت جميع عينة الدراسة (مصابات وسويات) لمقياس ويكسلر للذكاء ولمجموعة مقاييس الإدراك الصوتي لمعرفة علاقتهما بالديسلكسيا، إضافة إلى أنها بحثت مدى تأثير العوامل التالية في قراءتهن: كثرة أو قلة ورود الكلمة، مدى تصوريتها (محسوسة/مجردة)، نوعيتها (اسما، أم فعلا، أم صفة)، طولها، شذوذيتها، وأخيرا تعقيدها الصرفي.

* النتائج

* وكشفت نتائج الدراسة عن وجود فوارق مهمة بين المصابات بالديسلكسيا وغير المصابات، خصوصا في مجموعة مقاييس الإدراك الصوتي ومقاييس القراءة. وتبين أن هناك علاقة وثيقة بين القدرة على القراءة والإدراك الصوتي، بينما تنعدم هذه العلاقة بين عدم القدرة على القراءة والذكاء.

كما اتضح أن دقة قراءة المصابات بالديسلكسيا متوقفة على نوعية النظام الكتابي العربي المستخدم (مضبوطا/ أم غير مضبوط بالشكل) والتي كانت لصالح غير المضبوط بالشكل في قراءة القطع ولصالح المضبوط بالشكل في قراءة الكلمة المفردة.

إضافة إلى أنه لوحظ تأثير العوامل المذكورة مسبقا في أداء المصابات بالديسلكسيا، وأن تأثير ورود الكلمة وتصوريتها كان له الأغلبية العظمى في ذلك. لقد أعطت هذه الدراسة وصفا شاملا مفصلا عن ظاهرة عسر القراءة في العربية، كما سلطت الضوء على طبيعة النظام الكتابي العربي (المضبوط وغير المضبوط بالشكل) وعلى الدور الذي يلعبه كل منهما في أعراض هذه الظاهرة المرضية في العربية.