قناة استاكيوس.. ما بين انسداد الأذن وتغيرات الضغط الجوي

(كي آر تي)
TT

موطن المشكلة في تسبب اختلاف الضغط الجوي بألم في الأذن أو الشعور بانسدادها هو ما يجري في الأذن الوسطى. ومعلوم أن الأذن الوسطى هي إحدى تراكيب الأذن الثلاث، إضافة إلى الأذن الداخلية والخارجية. وهي عبارة عن منطقة أشبه بالصندوق المُحكم الإغلاق إلا من جهة واحدة، إذْ ان الطبلة في الجهة الخارجية مغلقة تماماً، لكنها في نهاية الأمر طبلة رقيقة البنية وقابلة للاهتزاز مع هبات الهواء التي تنقل موجات الأصوات. وبالتالي فهي التي يقع عليها ضغط الهواء الجوي الخارجي. ولأن مقدار هذا الضغط الجوي الخارجي كبير، بالنسبة لبنية الطبلة الرقيقة، فإن تحقيق الشد والاتزان والاستقامة لها يتطلب أن تتم معادلته من الجهة الأخرى، أي من الجهة الداخلية. وهذه الجهة الداخلية متصلة بقناة نسيجية رخوة نسبياً، قطرها يُقارب قطر الأنبوب الداخلي لقلم الرصاص، وتصب في منطقة الحلق تُدعى قناة استاكيوس Eustachian tube.

وما يحصل عادة، وبشكل طبيعي، أن المرء كلما قام ببلع ريقه أو لعابه، فإن الأذن تُحدث صوتاً خفيفاً جداً. وهذا الصوت ناجم عن تسريب دخول فقاعة صغيرة من الهواء إلى منطقة الأذن الوسطى قادمة من الأجزاء العلوية الخلفية للحلق والأنف، أي مكان فتحة قناة استاكيوس. وتسريب دخول الهواء ضروري لمعادلة الضغط الجوي الخارجي. وتكرار دخول فقاعة الهواء بسبب أن أنسجة الأذن الوسطى تقوم عادة بشفط الفقاعة تدريجياً، ما يُملي تكرار دخول فقاعة هوائية جديدة.

* معادلة الضغط ومحصلة العمليات المعقدة هذه في كل تلك التراكيب الدقيقة هي معادلة الضغط الجوي الواقع على كلا جانبي الطبلة، الخارجي والداخلي. وحينما يختل هذا التوازن في المعادلة، يبدأ المرء بالشعور بأن أذنه مسدودة.

وعملية معادلة الضغط الجوي الواقع من كلا جانبي طبلة الأذن يعتمد بشكل رئيس على سلامة بنية ووظيفة قناة استاكيوس. أي على وجود مجرى فارغ تستطيع فقاعة الهواء المرور من خلاله.

وثمة عدة أسباب تُؤدي إلى سدد أو ضيق مجرى قناة استاكيوس، ما يُؤدي إلى عدم القدرة على تحقيق تلك المعادلة اللازمة للضغط على جهتي طبلة الأذن. وبالتالي فإن امتصاص الفقاعة الهوائية في الأذن الوسطى يؤدي إلى نشوء فراغ مما يُؤدي بدوره إلى سحب أو شفط طبلة الأذن للداخل. وهو ما ينتج عنه فَقد تلك الظروف التي تُوفر لطبلة الأذن حرية الاهتزاز عند ارتطام هبات الهواء المحملة بموجات الأصوات. وهي الاهتزازات التفاعلية التي من المعلوم أن بحصولها تهز تراكيب عظمية داخل الأذن، لتنقل الاهتزازات إلى نهايات طرفية للعصب السمعي، ومن ثم إلى الدماغ كي يُحللها ويُعطينا الإحساس بسماع الأصوات وتمييز مكونات حروف الكلمات أو غيرها من الأشياء المسموعة.

ولذا حينما نكون في الطائرة مثلاً، ولا تحصل المعادلة اللازمة للضغط على جهتي الطبلة، فإن المشكلة لن تكون شعوراً مزعجاً بانسداد الأذن فقط، بل ستتأثر أيضاً قدراتنا على سماع الأصوات وتمييز مكوناتها وصفاء شعورنا بها. كما أن شد الطبلة إلى الداخل قد يكون في غاية الألم لأسباب عدة. أما في الحالات المرضية التي يُصاحبها سدد في قناة استاكيوس، وبالتالي عدم دخول الهواء إلى الأذن الوسطى ومن ثم شد طبلة الأذن إلى الداخل، فإن الجسم يُحاول جاهداً معالجة الوضع بطريقة بديلة. والطريقة البديلة هي تجمع ترشيح من بلازما الدم، كسائل شفاف، في داخل الأذن الوسطى، كمادة تُعادل تأثير الضغط الجوي وتدفع إلى اتزان الطبلة. لكن هذا الحل، وإن كان يُخفف من الشعور بالانسداد، إلا أن نقاء سماع الأصوات قد يتأثر. وأكثر الأسباب المرضية لسدد قناة استاكيوس هي نزلات البرد والتهابات الجيوب الأنفية وحساسية الأنف. وجميعها يحصل فيها احتقان الأنسجة في تلك المناطق العلوية من الجهاز التنفسي. ومعلوم أن كلمة احتقان تعني حصول تفاعل مناعي التهابي يبدو على هيئة توسيع في الأوعية الدموية وانتفاخ في الأنسجة وزيادة إفرازات مخاطية سائلة، وهو ما قد يطوّل قناة استاكيوس. والأطفال أكثر عُرضة للتأثر لأن هذه القناة قصيرة وصغيرة وضيقة المجرى بالأصل، مقارنة بالبالغين.