تدني الدخل المادي والمستوى التعليمي يرفع من أمراض القلب

عوامل أخرى قد تحول دون تناول الغذاء الصحي

زيادة الوزن حول الخصر يهدد القلب (خدمة صور «نيويورك تايمز»)
TT

لفتت مجموعة من الباحثين الأميركيين النظر إلى أن تدني الدخل المادي للإنسان، عامل يرفع من وتيرة نشاط عمليات الالتهابات في الجسم، ما يُفسر سبب ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ لدى الذين يتدنى مستواهم الاجتماعي -الاقتصادي. وقالوا إن تدني الدخل المادي سبب في نشوء زيادة الوزن، عبر تناول أولئك الأشخاص أنواعا رديئة من الأطعمة، وذلك نتيجة لعدم حرصهم على انتقاء نوعية صحية منها، أو نتيجة لعدم وجود إمكانيات مادية لتوفيرها على موائدهم، أو لعوامل نفسية أو لعوامل بيئية. كما قالوا إن العوامل البيئية لذوي الدخل المادي المتدني تلعب دوراً في محدودية ممارستهم للرياضة البدنية، إما لطبيعة المسكن أو محل الإقامة في أجزاء المدن أو الأرياف، أو نوعية الجيران فيها، أو لغيرها من العوامل البيئية المؤثرة على الحالة الصحية العامة للإنسان وخاصة على صحة القلب.

ومن جانب آخر، صدرت دراستان حديثتان، تمتا على سكان الولايات المتحدة، وأشارتا إلى أن ذوي الدخل المادي المتدني وسكان الأرياف هناك، لا يزالون يُواجهون صعوبات في توفير غذاء صحي لأنفسهم ولأفراد عائلاتهم. وقالت إحداهما انه يتعين على ذوي الدخل المادي المتدني، بمعدلات الأسعار الحالية، إنفاق حوالي 70% من الميزانية المخصصة للغذاء الكلي، كي يتمكنوا من شراء الكميات المنصوح بتناولها يومياً من الفاكهة والخضار وفق إرشادات الهيئات الطبية الرسمية. وكانت وكالات الأنباء العالمية قد تناولت بالعرض في 22 نوفمبر الحالي خبر هاتين الدراستين الأميركيتين، تحت عنوان «الكثير من الأميركيين لا يتحملون تكاليف أكل الغذاء الصحيح»، باعتبار استنتاج الباحثين في الدراسة أن الفاكهة والخضار الرخيصة غالباً لا تتوفر للمستهلكين الأفقر ومنْ هم في الأرياف. وتم نشر الدراستين في عدد نوفمبر من مجلة رابطة التغذية الأميركية، الذي كان مخصصاً لموضوع «علاقة الفقر بنمو الإنسان وصحته ومرضه».

إلى هذا، صدرت في شهر نوفمبر الحالي دراسة بعنوان «الصحة القومية والتقاعد عن العمل» للباحثين من الوكالة الأميركية لأبحاث ومعايير الرعاية الصحية، حول التأثيرات الصحية لتدني الدخل المادي وغيره من العوامل. وشملت الدراسة بالمتابعة والمقارنة حوالي 10 آلاف شخص ممن تتراوح أعمارهم ما بين 51 و 61 سنة، وذلك للفترة ما بين عام 1992 وعام 2002. وقال الباحثون إن متوسطي العمر، أي الذين هم في مرحلة الخمسينات والستينات، هم أكثر عرضة لتدني المستوى الصحي العام وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة وأكثر عرضة للوفاة، حينما يكونون من متدني الدخل المادي ومن متدني المستوى التعليمي. كما لاحظت أن هؤلاء المتدنين في الدخل المادي والأقل تعليماً هم أكثر عرضة للإصابة بزيادة الوزن وبقلة النشاط البدني.

* الدخل المادي والقلب ووفق ما تم نشره في عدد 20 نوفمبر من مجلة «الدورة الدموية» الصادرة عن رابطة القلب الأميركية، قال الباحثون، من كلية الصحة العامة بجامعة ميشغن، ان الرابط بين ارتفاع نسبة الدم لجزيئات المواد الكيميائية الناتجة عن عمليات الالتهابات وبين تدني مقدار الدخل المادي هو الزيادة في وزن الجسم. وقالت الدكتورة نالي رانجت، الباحثة الرئيسة في الدراسة، إن قلة ممارسة الرياضة والنشاط والبدني يُمكن أن تكون عاملاً مُؤثراً، لكن تأثيره يظل أقل من تأثير نوعية التغذية لدى متدني الدخل المادي. إذْ هي المشكلة الأساس.

وكانت الباحثة وزملاؤها قد قاموا بمراجعة وتحليل المعلومات الخاصة بحوالي 7 آلاف شخص أميركي، ممن شملتهم «الدراسة المتعددة الأعراق لمرض تصلب الشرايين» Multi-Ethnic Study of Atherosclerosis. وكان الدخل المادي متفاوتاً بين المشاركين إلى حد أن بعض المشاركين بلغ دخله السنوي أكثر من 140 ألف دولار، إلا أن حساب متوسط الدخل السنوي لمُجمل المشاركين كان حوالي 51 ألف دولار سنوياً. ومثل البيض نسبة 38%، والسود 28%، وذوو الأصول اللاتينية 22%، وذوو الأصول الصينية 12%.

ولجأ الباحثون إلى محاولة رصد نوعية العلاقة فيما بين الدخل المادي ومؤشرات الالتهابات في الجسم inflammatory biomarkers. ومعلوم أن حالات مرض تصلب الشرايين القلبية يصحبها ارتفاع نسبة بعض المؤشرات الكيميائية في الدم والدالة على وجود عمليات التهابات نشطة في الجسم. وثمة علاقة طردية بين ارتفاع نسبة مؤشرات الالتهابات وارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية، وأيضاً بارتفاع احتمالات خطورة تفاقم مشكلة تصلب الشرايين، وبالتالي ارتفاع معدلات الإصابة بتداعياتها، مثل الذبحة الصدرية والجلطة القلبية وغيرهما. ولذا اهتم الباحثون بقياس نسبة البروتين التفاعلي من نوع سي C-reactive protein ، وبقياس نسبة مادة كيميائية أخرى تُدعى إنترليوكين-6 interleukin-6.

وما لاحظه الباحثون في النتائج هو أن ثمة علاقة مباشرة بين ارتفاع نسب هذه المواد الكيميائية الالتهابية في الدم وتدني مستوى الدخل المادي. وبالمقارنة فيما بين منْ دخلهم تجاوز 140 ألف دولار سنوياً ومنْ دخلهم أدنى من 40 ألف دولار سنوياً، لجهة مدى نسبة هاتين المادتين الكيميائيتين في الدم، وجد الباحثون أن نسبتهما في الدم أعلى بمقدار حوالي 35% لدى ذوي الدخل المادي المتدني. وبشكل خاص لاحظ الباحثون أن البيض الذين دخلهم المادي متدن هم الذين تُوجد في دمائهم أعلى معدلات لهاتين المادتين الكيميائيتين.

* مؤشرات الالتهابات وقال الباحثون إن الزيادة في وزن الجسم هي التفسير الأهم والأقوى للعلاقة بين تدني المستوى الاجتماعي- الاقتصادي لدى إنسان ما، وارتفاع المؤشرات الكيميائية للالتهابات في الدم لديه.

وهذه النقطة مهمة جداً وتحتاج إلى توضيح بسيط، إذْ من المعلوم أن نوعية مكونات وجبات التغذية التي يتناولها الإنسان تُؤثر بشكل كبير على عدد من العوامل التي تُدعى «عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية»، مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول الخفيف ومرض السكري. وقد يكون من الواضح للكثيرين أن تناول وجبات عالية الدسم والشحوم يرفع من نسبة الكوليسترول الخفيف الضار في الدم. لكن ما هو غير واضح لهم أن نوعية مكونات الغذاء أيضاً ترفع بشكل مباشر من نسبة المواد الكيميائية للالتهابات. وما هو غير واضح أيضا للكثيرين أنه بالمقارنة لعامل «ارتفاع الكوليسترول الخفيف»، فإن عامل «ارتفاع نسبة مؤشرات الالتهابات في الدم» قد يكون أشد دقة في الدلالة على وجود ضرر في شرايين القلب.

وثمة عدة عوامل ترفع من أسباب زيادة وزن الجسم وعدم توفير العناصر الغذائية الجيدة لأجسام ذوي الدخل المادي المتدني ولأجسام أفراد عائلاتهم. وهي ما ستؤدي بالمحصلة إلى جعل تلك الأجسام عُرضة للإصابة بالأمراض المختلفة، وأمراض شرايين القلب أحد أهمها، لأنه حينما يكون الهم الأول سد الجوع كيفما اتفق، فإنه لا مجال للحديث عن تناول نوعيات متوازنة وصحية وطازجة من الأطعمة. وهنا قائمة طويلة من العوامل البيئية التي تحول دون نجاح إطعام الجسم أغذية صحية.

* عوامل أخرى والقلب والواقع الملاحظ من نتائج العديد من الدراسات الطبية القلبية التي حاولت فهم تلك العلاقة فيما بين الجوانب النفسية وارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض الشرايين القلبية، هو أن ثمة عوامل كثيرة، قد لا يلتفت إليها كثير من الناس، تتسبب بأضرار على القلب عبر رفع نسبة مؤشرات الالتهابات في الدم.

ومن هذه العوامل تدني مستوى التحصيل العلمي، إذْ لاحظ الباحثون في هذه الدراسة أن ثمة علاقة عكسية بين نقص التحصيل الدراسي وارتفاع نسبة مؤشرات الالتهابات في الدم. وتحديداً قالوا بأن نقص حوالي خمس سنوات من التعليم يُؤدي إلى رفع نسبة هذه المواد الكيميائية في الدم من 6% إلى 14%. أي أن الفارق هو حوالي 7% فيما بين من حصل على الثانوية العامة فقط ومن حصل على إحدى الشهادات الجامعية. كما لاحظت دراسة سابقة لنفس الباحثين أن اصطباغ المرء بطبيعة ساخرة ومرتابة بالآخرين، يُؤدي إلى ارتفاع نسبة مؤشرات الالتهابات لديه. وكذلك العناد في الإصرار على تحقيق هدف ما، إذْ وفق ما تم نشره في عدد سبتمبر من مجلة العلوم النفسية، التابعة للرابطة الأميركية للعلوم النفسية، قام كل من الدكتور غيروغري ميللر والدكتور كارستين وارسش بتطوير آلية في التقييم النفسي، يُمكن بموجب استخدامها التفريق بدقة بين نوعي فئات الناس، الذين حينما تواجههم متاعب وصعوبات في تحقيق أهداف صعبة المنال، إما يستمرون بعناد واستماتة في محاولاتهم، وإما يتوقفون عن المحاولة وينسحبون. وضمن سلسلة من مجموعة الاختبارات، درس الباحثون بصفة شاملة كلا نوعي الشخصيتين لمعرفة مدى تمتعهم بمؤشرات الصحة ومدى تكيفهم الجيد والإيجابي. ودلت نتائج متابعة الباحثين لمجموعات من المراهقين لمدة عام كامل، على أنه مع مرور الوقت تتدني نسبة «البروتين التفاعلي من نوع سي» لدى الأشخاص الذين لا يتمادون في الإصرار وتكرار المحاولة لتحقيق أهداف صعبة المنال، في حين أن المُعاندين لحظوظهم وأقدارهم ومؤهلاتهم وقدراتهم، ترتفع نسبة ذلك المؤشر الكيميائي المتسبب بالأمراض القلبية.

* المال لا يشتري السعادة.. فهل يشتري الصحة؟

* مكان السكن ونوعية الجيران عاملان صحيان مؤثران

* مع القناعة بأن المال لا يشتري السعادة، إلا أن ارتفاع المستوى الاجتماعي- الاقتصادي للشخص يرفع من احتمالات فرصته للبقاء حياً، بعد الإصابة بأحد تداعيات أمراض الشرايين، كما تقول رابطة القلب الأميركية. وأعطت الرابطة مثالاً لدراسة الباحثين النمساويين من كلية الطب بجامعة فيينا، والمنشورة في عدد ديسمبر عام 2004 من مجلة «السكتة الدماغية» الصادرة عن الرابطة، التي أكدت فيها الدكتورة جاسمين أرش، الباحثة الرئيسة في الدراسة، على أن احتمالات الوفاة لدى منْ يُصابون بالسكتة الدماغية أعلى بنسبة 70% لدى ذوي الدخل المادي المتدني، مقارنة بذو الدخل المرتفع فيه.

و في مارس الماضي، نشر الباحثون من كلية الطب جامعة يال بالولايات المتحدة دراستهم، ضمن مجلة رابطة الطب الباطني الأميركية، حول تأثير تدني الدخل المادي في نوعية الحالة المرضية لمن كُتب لهم البقاء على قيد الحياة بعد الإصابة بالجلطة القلبية. وبعد متابعة حالة حوالي 2500 شخص ممن سبقت إصابتهم بالجلطة القلبية قبل عام مضى، قال الباحثون: إن واحداً من بين كل خمسة أشخاص من هؤلاء المرضى لم يتمكن بالفعل من استمرار المتابعة لدى الأطباء لأسباب تتعلق بعدم القدرة المادية، وأن واحداً من بين ثمانية منهم لم يتمكن من تناول أدوية ضرورية ومهمة للحفاظ على حياته، أيضاً بسبب عدم توفر القدرة المادية لديه. وأكدت الدكتورة هارلين كرومهولز، الباحثة الرئيسة في الدراسة، ان العائق المادي هو مؤشر قوي على احتمالات حصول انتكاسات صحية لدى هؤلاء المرضى. وذوي الدخل المادي المتدني، سواء وقت الإصابة بالجلطة القلبية أو بعدها بعام، هم أعلى في نسبة الإصابة بنوبات ألم الذبحة الصدرية وأسوأ من ناحيتي نوعية الوظائف الصحية البدنية والعقلية لأجسامهم.

وحينما درست الأمر من جهة أخرى، مجموعة من باحثي جامعة هارفارد في بوسطن، تبين أن منْ يعيشون في أحياء ذات سكان من ذوي الدخل المادي المتدني، هم أكثر عرضة للوفاة فيما بعد الإصابة بالجلطة القلبية. وتم إعلان نتائج دراستهم هذه ضمن الفعاليات المؤتمر السنوي لرابطة القلب الأميركية في عام 2003. وتحديداً قالت الدكتورة كاثرين توني، الباحثة الرئيسة في الدراسة، إن منْ يعيشون في أحياء سكانها ممن مستواهم المادي دون حد الفقر، هم أكثر عرضة للوفاة بنسبة 30% بعد الجلطة القلبية، وذلك بالمقارنة مع منْ يُصابون بتلك الجلطات من سكان الأحياء الغنية. واعتمد الباحثون حد الفقر في ذلك المجتمع بتعريف عام 1999 له، والقائل بأنه الدخل المادي الأقل من 17029 دولارا أميركيا لعائلة مكونة من أربعة أفراد.

وبالرغم من قول الباحثين إن العلاقة غير واضحة تماماً فيما بين تدني الدخل المادي لسكان مكان الإقامة وبين أمراض القلب، إلا أنهم طرحوا آليات عدة لذلك، ومنها عدم توفر العيادات الطبية المحلية في تلك الأحياء، وعدم توفر أغذية صحية رخيصة الثمن، وعدم توفر مساحات كافية وآمنة لممارسة الرياضة في تلك الأحياء. كما أن سكان الأحياء تلك يُعانون بنسب أكبر من مشاكل التوتر النفسي والانعزال الاجتماعي والاكتئاب. كما أنهم عُرضة بنسبة أكبر للملوثات البيئية وتدني المستوى الصحي في معايير بناء المسكن وغيرها من العوامل البيئية.

وتم في إبريل الماضي نشر دراسة للباحثين، من جامعة هارفارد الأميركية، بمجلة «الدورة الدموية» المتقدمة الذكر. ولاحظ الباحثون من نتائجها أن واحداً من أسباب عدم استمرار مرضى القلب في تناول الأدوية الخافضة للكوليسترول، من فئة أدوية ستاتين مثل ليبيتور وزوكور وغيرهما، هو عدم القدرة المادية على شراء الدواء بالأصل، أو عدم القدرة على دفع جزء من تكلفته المادية من قبل منْ تشملهم أنظمة تأمين رعاية صحية تتطلب منهم دفع جزء من قيمة ثمن الدواء. وهذه المجموعة الأخيرة من المرضى مثلت حوالي 5% من الشريحة الواسعة للدراسة والتي بلغت أكثر من 50 ألف شخص في الولايات المتحدة وكندا. وقال الباحثون إن نسبة 5% ليست قليلة من بين مئات آلاف الأشخاص الذين تتطلب حالة قلبهم الصحية تناول مثل هذه الأدوية المهمة. والمعلوم أن تناول هذه الفئة من أدوية خفض الكوليسترول من الأهمية بمكان عال جداً لدى أطباء القلب، لأن الدراسات الطبية أثبتت قدرة هذه الأدوية حال الانتظام في تناولها على تقليل احتمالات الوفاة أو تكرار الإصابة بالجلطة القلبية بنسبة قد تتجاوز 40%!.

والقصد الرئيسي من الدراسة كان لتوضيح أن فائدة توفير الدواء بالكامل، لمن تشملهم أنظمة التأمين الصحي الجزئي، هو أعلى من مطالبتهم بتسديد جزء ولو رمزي من ثمن الدواء. وما كان مطلوباً من هؤلاء المرضى لم يتجاوز ما بين 8 إلى 20 دولارا، ومع ذلك لم يستطع البعض توفيرها وفضل الانقطاع عن تناول الدواء. وهو ما سيتسبب بزيادة احتمالات انتكاس الحالة الصحية لقلوبهم، وبالتالي ارتفاع احتمالات دخولهم للمستشفيات لتلقي العلاج، بكل ما يعني ذلك من ارتفاع التكلفة المادية للرعاية الصحية المُقدمة لهم. وعليه فإن توفير الدواء بالكامل للمريض هو أقل كلفة مادية من انتكاس حالته الصحية لاحقاً وتبعات ذلك من تكاليف مادية.

* «انفصام الشخصية» بين الإرشادات الصحية وقدرات الناس

* لا تزال الإرشادات الطبية تُطالب الناس بالكثير من أجل ضمان حد أدنى من المحافظة على الصحة والوقاية من الإصابات بالأمراض المختلفة والمساهمة في معالجة أنواع شتى من الأمراض المزمنة أو الحادة، خاصة فيما يتعلق بالغذاء وممارسة الرياضة وتخفيف التعرض للتوتر والقلق النفسي وممارسة الفحوصات الطبية الدورية وتناول الأدوية الباهظة الثمن بانتظام ومراجعة الأطباء وغيرها. وعادة ما يُطلق العاملون في الوسط الطبي مجموعة من الاتهامات للناس بأنهم لا يُحسنون الإنصات إلى تلك الإرشادات الصحية، بل انهم يتعمدون عن قصد أو إهمال عدم تطبيقها، بينما الواقعية في النظر إلى المشكلة تُشير إلى أن ثمة عددا من العوامل التي قد تحول دون تبني الكثيرين لتلك الإرشادات الصحية في مجال التغذية والرياضة وتناول الأدوية ومراجعة الأطباء وغيرها. وفي جانب التغذية، على سبيل المثال، لعل من أهم تلك العوامل التي لا حيلة للمرء في التغلب عليها، هو عدم تقبل طعم أصناف من تلك المنتجات الغذائية الصحية، أو نصائح اختصاصي التغذية للناس بتناول منتجات غذائية لا يعرفونها أو ليس مما اعتادت مجتمعاتهم على تناولها، أو عدم فهم كيفية تطبيق تلك الإرشادات الغذائية بحساب كمية السعرات الحرارية (كالوري) أو كيفية فهم ما تحتويه تلك الملصقات التعريفية بمحتوى نوعيات الأغذية من دهون وبروتينات وسكريات ومعادن، وهو ما يُصنف بالجملة ضمن قائمة عناصر حالة «انفصام الشخصية» بين الممارسة الطبية وبين إمكانات الناس على التفاعل الإيجابي معها.

وما يطرحه الباحثون في الدراسات الجديدة هو جانب عدم قدرة البعض على تأمين تناول منتجات غذائية صحية، لأسباب مادية بحتة. وإن كانت مشكلة تدني الدخل المادي للبعض، والتبعات الصحية لذلك، تحصل لأسباب واقعية عدة، وشأن غير العاملين في الوسط الطبي وضع حلول لها، إلا أن ما هو مطلوب، على أقل تقدير، من العاملين في الوسط الطبي المساهمة في وضع حلول معقولة وممكنة التطبيق في إرشاداتهم للتغذية أو لغيرها من جوانب الاهتمام بالصحة الذاتية، بما هو بامكان الجميع توفير تناوله أو ممارسته.

وقالت الدكتورة أنجيلا ليسي، من جامعة كارولينا الجنوبية في كولومبيا والباحثة في إحدى الدراستين المنشورتين بمجلة رابطة التغذية الأميركية، إن مما يستحق النقاش بين المتخصصين في الصحة، مثل اختصاصي التغذية ومثقفي مرضى السكري والأطباء، هو أننا حينما نُعطي الناس نصائح لتناول كميات أكبر من الفاكهة والخضار، فإن الأمر ليس من الممكن على كل الناس تطبيقه بسهولة، خاصة من يعيشون في الأرياف منهم. ويجب أن تكون هناك مراجعة وعناية لكيفية وضع إرشادات طبية للناس.

والمعلوم أن الإرشادات الجديدة للهرم الغذائي تتضمن وجوب تناول تسع حصص غذائية من الفاكهة والخضار يومياً. وكانت الإرشادات السابقة تقول بخمس حصص منها فقط. وبالرغم من النشر الواسع لحقائق طبية مفادها أن الإكثار من تناول الخضار والفاكهة يُقلل من الإصابات بأمراض القلب والسكري والسرطان، إلا أن الاحصاءات الحديثة الصادرة عام 2006 في مجتمع متقدم كالولايات المتحدة تُؤكد أن 40% من الناس تلتزم بتناول ما يتوافق مع الإرشادات القديمة، في حين أن 10% فقط تتناول ما نصت عليه الإرشادات الجديدة! وما تُظهره الدراسات الطبية بتكرار هو أن ذوي الدخل المادي الأعلى هم منْ يتناولونها، في حين أن منْ دخلهم المادي أقل لا يتمكنون من ذلك. ما يعني أنهم سيظلون عرضة بنسبة أكبر للإصابة بأمراض الشرايين القلبية.

وقالت الدكتورة دينا كاسيدي، من جامعة كاليفورنيا في ديفيس والباحثة الرئيسة في الدراسة الثانية، إن العلم متأكد من أن الإكثار من تناول الخضار والفاكهة يحمي من الأمراض. وهو ما تقوله إرشادات التغذية. لكن ما يحتاج المتخصصون الطبيون إليه، ليس مجرد إخبار الناس بالحقائق الطبية في هذا الجانب، بل هو وضع تصور لكيفية مساعدة الناس على اتباع هذه الإرشادات.