العلماء يبحثون في أسرار طول العمر

كثرة «العيال» أحد أسبابه

«التقاعد الإبداعي» .. احد أسباب الصحة وربما طول العمر (كي آر تي)
TT

أعطى الباحثون من كلية الطب بجامعة بيتسبيرغ أملاً لكبار السن في تحسين فرصهم للعيش مدة زمنية أطول بالمقارنة مع غيرهم. والطريقة غاية في البساطة وممكنة التطبيق لمن حرص على ذلك، لأنها لا تتطلب تناول أدوية أو الخضوع لأي عمليات جراحية. وقالوا بأن فرص الأشخاص المتقدمين في العمر للعيش مدة زمنية أطول هي أفضل، حينما يُحسّنون من قدراتهم على المشي بسرعة أكبر. وللإجابة على التساؤل القديم حول ما إذا كانت كثرة «العيال» سببا في إثقال كاهل الرجل وتقصير عمره؟ لاحظ باحثون آخرون من جامعة شيكاغو أن اهتمام الرجل حال شبابه بالمزرعة وإنجابه آنذاك لثلاثة أو أكثر من الأطفال ومحافظته كذلك على وزن طبيعي لجسمه في تلك المرحلة من العمر، كلها، كعوامل منفصلة، ترفع من فرص عيشه لمدة تزيد عن مائة عام. أو بعبارة أخرى أن يكون مقدار عدد سنوات عمره مكوناً من ثلاثة أرقام.

* طول الأعمار من جهة أخرى تمكن باحثون من جامعة هارفارد من الكشف عن الدليل الجزيئي الذي يُفسر سبب جدوى تقليل الإنسان من تناول كميات عالية من طاقة السعرات الحرارية للطعام، في إطالة العمر. وأفادوا بأن ثمة مركبين كيميائيين، في أحد الجُسيمات الصغيرة الموجودة داخل الخلية، يقومان بمهمة حماية الخلايا من الهرم ومن ثم الموت. وتعرف الباحثون على الجينات الخاصة بإنتاج هذين المركبين. وهو ما دفعهم إلى القول بأن هناك مجالا لعقارين محتملي الفائدة في إبطاء وتيرة عمليات شيخوخة الخلايا وموتها.

وكان باحثون من مؤسسة ماساشوستس للتقنية قد عرضوا نتائج الاستفادة من جين آخر، معرف علمياً أن له دوراً في زيادة طول العمر، في محاولة تخفيف نشوء الأمراض الناجمة عن ارتفاع الكوليسترول. وقالوا بأن تنشيط هذا الجين عبر تناول أدوية تعمل على ذلك يُقلل من فرص نشوء أمراض شرايين القلب ومرض الزهايمر. وهو ما يُمكن أن يُضاف كوسيلة علاجية إلى الوسائل المستخدمة اليوم من الحمية الغذائية والأدوية المتوفرة. ومع التأكيد على أن الأساس القوي لتحسين فرص العيش والبقاء على قيد الحياة لا يزال محصوراً في تلك الوسائل الطبية، وغير الطبية، للوقاية من الأمراض ولمعالجتها وأيضاً للوقاية من الإصابات والحوادث. وهو ما ثبت علمياً أنها سبب في تقليل الإصابة بالأمراض أو الحوادث، اللتين تعتبران السبب الرئيسي للوفيات. إلا أن الإنسان لا يزال يبحث، وهذا من حقه، فيما هو أفضل من هذين الأمرين، أو بالإضافة لهما، لتحقيق فرصة البقاء على قيد الحياة مدة أطول. لكن مما يجب أن يكون واضحاً في الذهن حال متابعة أخبار مثل هذه المحاولات العلمية أو نتائج الدراسات الطبية التي تتحدث عن إطالة مقدار عمر الحياة، هو أن نتائجها مبنية على أربعة أمور. الأول، هو اعتمادها على المقارنة في عدد سنوات عمر بين منْ يسلك اتباع طريقة، أو طرق، معينة وبين منْ لا يسلك ذلك. والثاني، هو مقارنتها بين ما يبلغه ذلك الإنسان من عمر باتباع أمر ما وبين مقدار العمر الافتراضي المتوقع لذلك الإنسان وفق معطيات شتى. والثالث، أنها تتحدث عن وسائل محتملة الفائدة يُحاول الباحثون من خلالها إعطاء أمل بأنها قد تكون سبباً للعيش مدة أطول منها طالما حصل الاهتمام بها في أوقات مبكرة من العمر، أو تم اللجوء إليها عند التقدم فيه. والرابع، أن من المنطقي التفكير في بلوغ أرقام عالية من عدد سنوات العمر، لكن من المنطقي أيضاً التفكير في كيفية عيش تلك السنوات العالية بصحة جيدة وخلو من الأمراض أو الإعاقات.

* كثرة الأولاد وكانت واحدة من النتائج التي لم يتوقعها الباحثون من جامعة شيكاغو، في دراستهم، قد قالت بأن كثرة الأبناء والبنات للرجل، عامل مؤثر في رفع فرصه لتجاوز بلوغ سن مائة عام. وقالوا إن الصورة المثالية لمن يرغب من الرجال في أن يصل إلى عمر مائة عام هو أن يكون منذ شبابه شخصاً مهتماً بمزرعته، ولديه عدد كبير من الأطفال، ومحافظاً على وزن رشيق للجسم.

وأعلن الباحثون عن نتائجهم هذه في الفعاليات العلمية للقاء السنوي للمجمع الأميركي لمشكلات الشيخوخة الذي عُقد في 19 من شهر نوفمبر الماضي في سان فرانسيسكو. وقال الدكتور ليونيد غافريلوف، الباحث الرئيس في الدراسة إننا فوجئنا أن وجود أكثر من ثلاثة أطفال لدى الرجل عامل مهم في تعميره، لأن نتائج دراسات سابقة ونتائج التفكير المنطقي البسيط تقول خلاف ذلك، وأن المتوقع من كثرة الأطفال أن يكون لها تأثير عكسي على عمر الرجل. وكان الدكتور غافريلوف قد دخل في مضمار أبحاث الشيخوخة بمشاركة زوجته الدكتورة نتاليا غافريلوف، وكلاهما يعمل في مركز جامعة شيكاغو لأبحاث الشيخوخة. ولديهما العديد من مصادر المعلومات عن أعمار الناس وكثير من التفاصيل المتعلقة بهم.

والهدف من دراسات الدكتور- الزوج والدكتورة - الزوجة هو معرفة الإجابة عن سؤال: لماذا يعيش بعض الناس عمراً أطول من غيرهم؟. ونتائج الدراسة الجديدة ليست هي الأولى لهم، بل سبق لهم في العام الماضي أن أعلنوا ضمن نتائج دراسة لهم أن أبناء وبنات الأم التي ولدتهم حينما لم تتجاوز سن 25 سنة، لديهم فرصة تفوق الضعفين للعيش إلى سن مائة عام، وذلك بالمقارنة مع الذين تلدهم أمهاتهم حينما يكن قد تجاوزن سن 25 سنة. أي أن من تلده أمه وهي صغيرة في السن، لديه فرص أفضل للعيش مدة أطول. واعتمدوا بشكل رئيسي في دراستهم الحديثة هذه حول المعمرين، على سجلات من شاركوا في الحرب العالمية الأولى، خاصة بعد أن ظهر لهم منجم جديد للمعلومات حول الأميركيين الذكور في القرن العشرين بفتح موقع على شبكة الإنترنت يشمل المعلومات في بطاقات التسجيل لكل من شاركوا في الحرب العالمية الأولى. ومن المعلوم أنه فيما بين عام 1917 وعام 1918، كان لزاماً بموجب القانون على غالبية الرجال الذين أعمارهم 46 سنة وما دون، ملء تلك البطاقات بالكثير من المعلومات الشخصية عن أنفسهم. وفي البداية استخدم الباحثون سجلات الضمان الاجتماعي. وتمكنوا من خلالها من التعرف على حوالي 250 رجلاً ممن وُلدوا في عام 1887، وعاشوا حتى بلوغ سن 100 عام على أقل تقدير. تمكن الباحثون من إيجاد بطاقات التسجيل للمشاركة في الحرب العالمية الأولى لنصف هؤلاء الرجال، بما تحتويه من معلومات عنهم حينما كانوا في عمر حوالي 30 سنة.

كما قام الباحثون بمقارنة المعلومات المتعلقة بهؤلاء الأشخاص مع معلومات متعلقة بمجموعة مكونة من نفس العدد من الرجال الذين وُلدوا في عام 1887، لكنهم من الذين لم يتمكنوا من العيش حتى بلوغ سن مائة عام. وتم اختيار أفراد مجموعة المقارنة بطريقة عشوائية ودون معرفة الكثير عن تفاصيل حياتهم، اللهم إلا أنهم رجال أميركيون وُلدوا في تلك السنة ولم يبلغوا سن 100 عام.

* نتائج مفاجئة ومن ضمن النتائج المثيرة للدهشة، أن فرص الرجل لبلوغ سن 100 سنة ترتفع حينما يزداد عدد أطفاله وهو في ما دون سن الثلاثين من العمر! وبالمقارنة مع منْ لا أطفال لديهم، فإن الرجل الذي بلغ سن 30 سنة عام 1917، وهو أب لثلاثة أو أكثر من الأطفال، فإن لديه فرصة أعلى، وبنسبة 61%، كي يعيش 100 عام. والأهم أن الفرصة تتضاعف ثلاث مرات لبلوغ أقصى درجات التعمير المعروف extreme longevity حينما يكون لديه أربعة أو أكثر من الأطفال وهو لا يزال في عمر 30 سنة. ووصف الدراسة الدكتور أمولد متنتسكي، الباحث في علم الشيخوخة والطبيب المتخصص في علوم الرياضيات والإحصاء البحثي بجامعة دالهاوسي في هاليفاكس بكندا، وطريقة إجرائها من النواحي البحثية بأنها نظيفة وتم إجراؤها بإتقان. وهذا التعليق مهم في تقييم مدى صحة النتائج التي توصل الباحثون إليها، خاصة لأن كثيراً من الناس يظنون أن كثرة «العيال» سبب في إثقال كاهل الرجل وتقصير عمره! وقال الدكتور متنتسكي: نظرياً يجب أن يتسبب المنزل المليء بالأطفال في تقليل مدخرات الأسرة المالية، ما يُقوض فرص الوالدين لعيش مدة أطول في الحياة. ومع ذلك فإن الرجال الشباب حينما يكون لديهم أطفال أكثر يعيشون عمراً أطول، كما ظهر بالدراسة على هذه الشريحة من الناس.

وطرح الدكتور غافريلوف تعليلاً للأمر بأنه ذلك الدعم الذي يُقدمه الأولاد والبنات لآبائهم حينما يكبرون في السن. وقد يكون النجاح في تنشئة أطفال كثيرين دليلاً على اهتمام الأب وتمتعه بصحة نفسه وانجذابه للزواج، ما يدفعه للزواج المبكر ولإنجاب العديد من الأطفال مع بلوغ سن الثلاثين.

ومن النتائج الأخرى للدراسة، وهو ما أكدته دراسات أخرى سابقة، أن كون الرجل يعمل ويسكن في مزرعة، عامل يرفع بنسبة الضعف من احتمالات عيشه لبلوغ سن 100 عام. والسبب الذي يُذكر في هذا الجانب أن المزارع بالمقارنة مع المدن المكتظة وغير النظيفة، هي بيئة صحية أكثر، والإنسان فيها مُعرض بدرجة أقل لالتقاط الأمراض المعدية أو التأثر بتوترات الحياة المعاصرة.

وعند المقارنة في الطول بين الرجال، وجد الباحثون أن مقدار طول الجسم لا علاقة له بالأمر برمته. كما يعتزم الباحثون دراسة مقدار عمر المرأة والعوامل المؤثرة فيه، لكنهم يبحثون عن مصادر للمعلومات تُمكنهم من إجراء دراسة مقارنة كتلك التي تمكنوا من خلالها متابعة حال الرجال.

* المشي السريع وضمن عدد نوفمبر الماضي من مجلة المجمع الأميركي للشيخوخة Journal of the American Geriatrics Society ، أشارت الدكتورة سوزان هاردي وزملاؤها الباحثون من جامعة بيتسبيرغ إلى أن نجاح كبار السن في زيادة وتيرة سرعة مشيهم عامل يُسهم في عيشهم مدة أطول، وذلك بالمقارنة مع الذين لا يهتمون برفع تلك القدرة لديهم، أو الذين لا يُفلحون، رغم المحاولة، في بلوغها.

وشمل الباحثون في دراستهم حوالي 450 شخصا ممن تجاوزوا سن 65 سنة، وممن كانوا يُتابعون في اثنين من المراكز الطبية للرعاية الأولية. وهدف الدراسة كان معرفة ما الذي يجعل بعضاً من كبار السن يعيشون عمراً أطول من غيرهم. والفكرة كانت بسيطة والطريقة التي من خلالها تمت الدراسة، كانت هي الأخرى بسيطة. وما قام الباحثون به هو تقييم متكرر خلال عام كامل، مرة كل ثلاثة أشهر، لعناصر مختلفة من أوجه الوظائف الصحية والبدنية لدى هؤلاء المشاركين في الدراسة. ثم تتبع الباحثون ما هي نسبة الوفيات بينهم خلال السنوات الثمانية التالية. ومن بين عناصر عدة تميز بها بعض المشاركين عن بعضهم الآخر، وجد الباحثون أن عنصر «زيادة سرعة المشي» هو الأهم. أي أن عمل الإنسان منهم، وخلال عام من الزمان، على تحسين ورفع سرعة المشي لديه يُقلل من احتمالات وفاته خلال السنوات المقبلة من عمره.

وبعملية مقارنة بسيطة لاحظ الباحثون من متابعتهم ثماني سنوات لهذه المجموعة من كبار السن، أن معدل الوفيات خلال السنوات الثمانية التالية كان أقل من 32% لدى منْ رفعوا سرعة مشيهم. بينما كانت معدلات الوفيات أعلى بين منْ لم تتحسن لديهم سرعة المشي خلال عام من التدريب، إذْ بلغت نسبة الوفيات بين هذه المجموعة 50%.

* تساؤلات وتعليلات وعليه قال الباحثون إن أحد التطبيقات العملية لهذه النتيجة هي أن اختبار قدرات كبار السن على السرعة أثناء المشي، هي أحد الطرق البسيطة والسهلة في توقع مستوى الصحة لديهم على المدى البعيد. بل صرحوا بأن سرعة مشي أحد كبار السن يُمكن اعتبارها إحدى العلامات الحيوية vital sign التي يتم رصد مقدارها عند متابعتهم الصحية.

وعلى الرغم من دقة الباحثين في إجراء هذه الدراسة المهمة ومتابعة المشاركين فيها، وعلى الرغم من وضوح النتائج التي توصل الباحثون إليها، إلا أنه من غير الواضح ما هو التفسير العلمي لزيادة «السرعة في المشي» لدى هؤلاء على تقليل احتمالات وفاتهم. وربما يكون أحد الأسباب مرده أن الباحثين لم يُعطونا معلومات كافية عن الوسيلة التي تمكن من خلالها متقدمو السن هؤلاء من تحقيق رفع لقدرات المشي لديهم وزيادة سرعته. بمعنى هل تمكن هؤلاء الناس الكبار من ذلك الأمر عبر اقتناعهم بأهمية النشاط البدني لصحتهم، ومن ثم فإن عزيمتهم قويت للمثابرة على ممارسة رياضة المشي، ما أدى تدريجياً خلال عام من الجهد إلى رفع سرعة مشيهم؟ أم أن الأطباء قد ساعدوهم عبر تخفيف أو إزالة أسباب بطئهم في الحركة، ما أدى إلى تحسين حالتهم الصحية بشكل عام، من النواحي النفسية والبدنية، وجعلهم بالتالي أخف في الحركة وأسرع في المشي؟

وعدم إعطاء الباحثين معلومات غير كافية عن وسيلة رفع هؤلاء لسرعة مشيهم ليس عيباً في الدراسة لأنهم دخلوا إلى البحث لمعرفة أي شيء يزيد من فرص البقاء على قيد الحياة. والباحثون أنفسهم عبروا عن اهتمامهم بتعليل هذه الفائدة العظيمة حقيقة، ولذا قالت الدكتورة سوزان هاردي: إن الحاجة تدعو إلى إجراء مزيد من الدراسات لتحديد ما إذا كان لتحسين طريقة المشي تأثيرات على فرص البقاء والحياة؟ ولئن كان من المهم جداً الإجابة عن هذين السؤالين والتوصل إلى العامل الذي من خلاله تمكن كبار السن هؤلاء من رفع سرعة مشيهم، إلا أن الحقيقة تظل من نتائج الدراسة وهي أن تحسين سرعة المشي شيء يُحسن من فرص البقاء على قيد الحياة.