الناجون من إصابات السرطان في طفولتهم ناجحون في دراستهم وأعمالهم

الرعاية الصحية المدرسية ضرورية لدعمهم

TT

أخبار الأمراض السرطانية ليست سيئة كلها، فثمة الكثير جداً مما يبعث على الأمل والطمأنينة. ومن بين ما طرحته المجلات الطبية العلمية خلال الأسبوعين الماضيين، خبران مهمان وإيجابيان حول جدوى التعامل السليم من الناحية الطبية والإنسانية مع الإصابات السرطانية لدى الأطفال. ويقول الخبر الأول إن نجاح الأطفال في تجاوز أزمة الإصابة بأحد أنواع السرطان، وتمكنهم من البقاء على قيد الحياة بعد تلقيهم رعاية طبية عالية المستوى، يتبعه نجاحات أخرى لهم على صعيد التحصيل العلمي الدراسي، حتى في المراحل الجامعية، وأيضاً على صعيد الحياة العملية الوظيفية بعد ذلك. وبالرغم من تغيّب هؤلاء الأطفال أياماً، أو أسابيع، أو حتى شهوراً، عن الحضور إلى مدارسهم، بسبب تدهور حالتهم الصحية والنفسية، واحتياجهم بالتالي إلى دخول المستشفيات بشكل متكرر وتلقي الأنواع المرهقة من العلاجات، إلا أن نتائج متابعة دراسة الباحثين من ولاية أوهايو لهؤلاء الأطفال أظهرت أن عدم الانتظام الدراسي ذلك لن يكون عائقاً أمام متابعتهم تحصيلهم العلمي وانخراطهم بنجاح في الحياة العملية الوظيفية. وتم نشر الدراسة في عدد ديسمبر من مجلة تطورات وسلوكيات طب الأطفال.

ويقول الخبر الثاني: إنه في خلال الأربع عشرة سنة الماضية انخفضت نسبة الوفيات بين الأطفال المصابين بالسرطان من 35% إلى 25%، ما يعني أن ارتفاع مستوى الرعاية الطبية والتمريضية والاجتماعية والنفسية لهؤلاء الأطفال ولذويهم، أسهم في هذا الانخفاض الواضح لمعدل الوفيات. ووردت هذه الأرقام، ضمن التقرير الأسبوعي لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة في السادس من شهر ديسمبر الحالي.

رعاية طبية

* وهذان الخبران يطرحان أهمية رفع مستوى نوعية الرعاية الطبية المُقدمة للأطفال المُصابين بأي نوع من السرطان، والمُقدمة أيضاً لذويهم. و«العناية الطبية» بالأطفال من مرضى السرطان، وإن كانت موجهة بالأساس نحو إنقاذ حياتهم من العواقب الخطيرة لهذه الأمراض العضال، ليست فقط مجرد الاهتمام بتلقيهم للـ «أدوية» ومتابعة الأطباء لهم كـ «حالات مرضية»، بل يجب أن تشمل النظر إلى تلك الحالات المرضية كأزمة تعصف بصحة الطفل وحالته النفسية كما تعصف بالأسرة كلها من النواحي النفسية والاجتماعية والمادية وغيرها. وهذه الرعاية الطبية تقوم بتنسيق جهد طاقم طبي متنوع الاختصاصات، ومكون من أطباء وممرضين وأخصائيين اجتماعيين ومتخصصين في مجالات التأهيل والتغذية والترفيه عن الأطفال وغيرهم. وما لم تتوفر مثل هذه النوعية من الخدمة لهؤلاء المرضى، فإن تقديم المعالجة الطبية، من دوائية أو جراحية أو إشعاعية، لا يكفي للنجاح في معالجة هؤلاء الأطفال، بل ستظل الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية والمادية لإصابة الطفل بالسرطان، ومعاناة ذويه، عوامل قوية في إعاقة إتمام نجاح تلك المعالجة الطبية البحتة، وفي عدم تحقيق عودة طبيعية للطفل ولأسرته إلى الحالات الطبيعية في عيش أنشطة الحياة، من تعليمية وغيرها، وفي أيضاً الحفاظ على مستوى الاستقرار الأسري من النواحي النفسية والاجتماعية والمادية وغيرها.

مدرسة الطفل وصحته

* ومدرسة الطفل تظل البيئة السليمة لتنشئته وتعليمه وتثقيفه. والأهم، جعله شخصاً اجتماعياً يتعايش مع بقية الناس ويتكيف للحياة معهم في بناء المجتمعات والمحافظة على عناصر صحة تكوينها. ولذا فإن واحداً من الاهتمامات الطبية، في رعاية الأطفال المرضى بالسرطان، العمل على عودتهم إلى مدارسهم ومتابعة أدائهم فيها.

والواقع أبعد من هذا، إذْ أن إرشادات الهيئات الطبية العالمية للعناية بصحة الأطفال، تركّز على الاهتمام بمنْ هم من «ذوي الاحتياجات الخاصة». و«ذوو الاحتياجات الخاصة» بالمفهوم الطبي غير ذلك المفهوم الضيق والمنحصر لدى الكثيرين في الإعاقات البدنية أو الذهنية فقط. وعلى سبيل المثال، تشمل الإرشادات الطبية لرابطة مرض السكري الأميركية نشرات خاصة وعديدة عن العناية المدرسية بالطلاب المرضى بالسكري. وتتطلب تواصلاً مباشراً فيما بين أهل الطفل والمشرفين على الاهتمام بالأطفال وتعليمهم في المدرسة. وأهمية هذا التواصل إحاطة المدرس المتابع للطفل بأي تغيرات في معالجاته، والأدوية التي يتناولها، وحاجته لتناولها بانتظام في المدرسة أو في الحالات الطارئة، وغيره مما يُساعد الطاقم المدرسي على حُسن التعامل مع أي حالات طارئة تُصيب الأطفال، ومع المتابعات الطبية المستقبلية ومواعيدها، ما يُزيل تلك الفجوة بين المدرسة وأهل الطفل فيما يختص بالرعاية الطبية للأطفال في المستشفيات أو العيادات. وكذلك الحال مع أمراض مثل الربو واضطرابات تخثر الدم الوراثية والصرع وأمراض القلب الوراثية وغيرها، مما قد تحصل للمُصابين بها انتكاسات صحية أثناء أوقات الوجود في المدرسة. مريض السرطان والمدرسة

* يقول المجمع الأميركي للسرطان إن ابتعاد الطفل عن المدرسة سبب في حصول حالة من الاكتئاب والإحباط وتدني مستوى النظرة والثقة في الذات لديه. وقد يظن بعض الآباء والأمهات أن بيئة المدرسة تشكل خطورة على سلامة أطفالهم المرضى بالسرطان، ما يجعلهم يُفضلون عدم إرسال الطفل إليها. وهواجس الوالدين مبنية على احتمالات التقاط الطفل لميكروبات معدية، أو تعرضه للإجهاد والإرهاق، أو أن يسخر منه بعض الأطفال في المدرسة أو يُلقوا عليه تعليقات لاذعة، من نوع تعليق «أربعة عيون» لمن يضع نظارة! لكن هيئة المجمع ترى ضرورة عودة الطفل إلى مدرسته بأسرع وقت ممكن بعد تشخيص إصابته بالسرطان. وتضيف جملة مهمة جداً، على الأمهات والآباء أن يعوها، وهي أن الطفل لديه ما يُسمى «الوعي بالغاية» sense of purpose، بالنسبة لانتظامه في عملية الحضور اليومي إلى المدرسة وبالنسبة أيضاً لمعالجته من حالة السرطان لديه. والطفل يُصدق ما يُقال له، خاصة من والديه، وهو يعلم أن الانتظام والنجاح في المدرسة وسيلة لمستقبل أفضل، كما أنه يتلقى ويستقبل بوضوح ونقاء تلك الرسالة التي مفادها أن مستقبلاً مشرقاً وواعداً ينتظره بالشفاء التام من السرطان لديهم. وهو ما يتطلب تأكيد كلا الأمرين من خلال إرساله إلى المدرسة متى ما سمح الأطباء بذلك.

التواصل بين الأهل والمدرسة مفتاح النجاح للتغلب على سرطان الأطفال

* تحت عنوان «التواصل هو المفتاح» تقول الأكاديمية الأميركية للسرطان إن الخطوة الأولى هي حديث أحد الوالدين مع مدرس أو مدرسة الطفل، حول إصابته أو إصابتها بالسرطان. والمدرس يحتاج أن يعرف ما هو نوع السرطان لدى الطفل، وما هي العلاجات التي يتلقاها، وما هي التفاعلات المتوقعة من هذه العلاجات، وما هي مدة غيابه المتوقعة عن المدرسة. ويجب أن تظل خطوط التواصل مفتوحة مع تتابع مراحل السنة الدراسية. وإشراك ممرض المدرسة في هذه النقاشات يُساعد على حسن تعامل الممرض مع ما قد يطرأ على الطفل أثناء وقت الوجود في المدرسة.

وحينما يكون القرار الطبي متجهاً نحو إمكانية عودة الطفل لمواصلة مشواره التعليمي في المدرسة، فإن من المهم أن يتحدث الوالدان مع الطفل حول الأمر، خاصة حول ما يتوقعون أنه سيسأل عنه أو يخشى منه. وثمة جانب تعامل بقية الطلاب مع طفلهم، من نواحي الأسئلة التي قد يطرحونها عليه حول مرضه وما جرى له من معالجات وهل باستطاعته أن يأكل أو يلعب معهم وغيرها، لأن الأطفال الآخرين من المتوقع أنهم يجهلون كل شيء عن السرطان.

وأشارت إلى أن هناك مستشفيات في الولايات المتحدة لديها برنامج العودة للمدرسة school re-entry program. ويكون فيه شخص يمثل همزة الوصل بين المستشفى والأهل والمدرسة.

وجزء كبير من هذا الجهد لمرضى السرطان من الطلاب، أو مرضى أنواع أخرى من الأمراض، يهتم بإتمامه الأخصائيون الاجتماعيون في المستشفيات. والملاحظ من قبل الأطباء وأهالي المرضى عموماً أن المأمول من هؤلاء الأخصائيين يفوق كثيراً ما يُقدمونه للمرضى ولذويهم وللأطباء.