ترياق جديد سريع المفعول لمعالجة حالات التسمم بالسيانيد

يتم تناوله عبر الفم لأغراض العلاج والوقاية

السموم تنتشر حول الانسان.. باحثة اميركية تعزل السموم في المواد الغذائية في مختبر الكيمياء العضوية بجامعة فلوريدا في ميامي (كي آر تي)
TT

أعلنت مجموعة من الباحثين الأميركيين، قطعها شوطاً كبيراً من مشروع إنتاج ترياق Antidote أو ما يُعرف بعقار مضاد، يعمل بسرعة عالية للحد من تأثر الجسم بمادة السيانيد Cyanide. ويعلق السيانيد في الأذهان بمحاولات انتحار بعض المشاهير فقط، مثل أدولف هتلر والمارشال رومل والرئيسة الأرجنتينية السابقة إيفا بيرون، إلا أنها مادة موجود في الطبيعة وتنتجها الكثير من النباتات، ويستخدم الأطباء بعض الأدوية المحتوية عليها. لذا ليس كل المواد المحتوية على السيانيد لها مفعول سام في الجسم. وثمة حاجة طبية لاكتشاف ترياق يتغلب على التأثير السميّ القوي لبعض مواد السيانيد. وتمت الأبحاث الأميركية، المدعومة بشكل قوي من قبل المؤسسة العامة للصحة بالولايات المتحدة، نظراً لاحتمالات تسمم البعض في مناطق شتى من العالم نتيجة لانبعاث مادة السيانيد في الحرائق أو المصانع أو المناجم أو غيرها. وبالرغم من أن لدى الجسم أنظمة من التفاعلات الكيميائية القادرة على التغلب على تلك الكميات القليلة التي يُمكن أن تدخل الجسم من آن لآخر، إلا أن الهيئات الطبية العالمية لا تزال غير متفقة على أفضل وسيلة لعلاج حالات التسمم بالسيانيد، ولذا تُستخدم أنظمة علاجية مختلفة في تلك الحالات. وما هو متوفر منها محدود الفاعلية، بسبب جوانب تتعلق بقوة مفعول تلك الأدوية وحصر جدواها بالاستخدام ضمن فترات قصيرة من التعرض لتلك المادة السامة.

* خطوة متقدمة ووفق نتائج ما تم نشره في عدد 27 ديسمبر من مجلة الكيمياء الطبية الصادرة في الولايات المتحدة، تمكن الباحثون من مركز جامعة ميناسوتا لتصميم الأدوية، من النجاح في اختبارات تقييم فاعلية الترياق الجديد على الحيوانات. وهو ما يُعد خطوة متقدمة جداً للبدء، خلال السنوات الثلاث المقبلة، من إتمام تجارب تقييم فاعليته وأمانه حال استخدام البشر له.

وفي ما يُعتبر اكتشاف «وسيلة إنقاذ للحياة»، قال الدكتور ستيفن باترسون، الباحث الرئيس في دراسة جامعة ميناسوتا، إن أنواع الترياق المتوفرة حالياً تعمل ببطء شديد، في مقاومة التأثيرات السميّة للسيانيد. كما أنها غير فاعلة مطلقاً لو تم أخذها في وقت متأخر من الإصابة بالتسمم. واعترف الباحثون أن جهودهم كانت تكملة لاكتشافات سابقة للبروفسور المتقاعد، هيربيرت ناغاساوا. إلا أنهم تمكنوا من تطوير عمله نحو اكتشاف الترياق الذي يعمل بفاعلية في غضون ثلاث دقائق، والذي يُمكن إعطاؤه للمصابين ضمن فسحة زمنية علاجية أرحب من تلك التي تتم المعالجة بها حالياً.

وذكر الباحثون ميزة أخرى للترياق الجديد، هي أنه يُمكن تناوله عبر الفم، بخلاف تلك العلاجات المستخدمة حالياً التي تتطلب إعطاءها للمرضى عبر الوريد. كما ذكروا أن الترياق يُمكن أخذه قبل ساعة من احتمال التعرض لحالات تسمم بالسيانيد، وهو ما قد يُفيد رجال الإطفاء حال مباشرتهم إخماد الحرائق في أماكن من المحتمل بشكل عال تعرضهم للسيانيد عند الدخول إليها.

* مركبات سمّ السيانيد ولا تُوجد مادة واحدة تُسمى السيانيد، بل هناك مجموعة واسعة من المواد الكيميائية التي يُطلق لفظ السيانيد عليها، طالما احتوى تركيبها على مركب مجموعة سيانو Cyano Group. ومركب مجموعة سيانو يتشكل من ارتباط ذرة كربون مع ذرة نيتروجين عبر ثلاث روابط كيميائية في ما بين هاتين الذرتين، أي مجموعة كربون ونتروجين CN Group. ولذا قد تُوجد مادة السيانيد في سوائل أو غازات أو مواد جامدة.

وليس كل مركب كيميائي يحتوي على مجموعة سيانو هو بالضرورة مادة سيانيدية سامة، بل هناك أنواع معينة منها سامة وأخرى غير سامة مطلقاً. ومن أشدها سميّة مركبات هيدروجين السيانيد Hydrogen Cyanide، والأملاح المشتقة منه، كبوتاسيم السيانيد وصوديوم السيانيد وغيرهما. والفارق بين ما هو سام وما هو غير سام القدرة على إخراج مركب مجموعة سيانو بشكل حر من تلك المادة المحتوية عليه. وتظهر بعض هذه المواد، المحتوية على مركب السيانيد، في الطبيعة من مصادر شتى، كالبكتيريا والفطريات. كما أن بعض المنتجات النباتية قد تحتوي على كميات ضئيلة جداً من السيانيد، مثل بذور التفاح أو اللوز. كما توجد ضمن مركبات دوائية عدة، منها ما لا يُشكل أي خطورة على الجسم، كتلك الموجودة في عقار سيميتدين Cimetidine، أو ما يُعرف بتاغاميت، المستخدم في علاج قرحة المعدة، أو الموجودة في عقار فيراباميل Verapamil، المستخدم في خفض ضغط الدم، أو الموجودة في مركب نايروبريسايد Nitroprusside للخفض السريع لضغط الدم.

إلا أن وجود هذه المادة في بعض منتجات البلاستيك أو غيرها من المواد الصناعية، قد يكون مصدراً للتسمم بالسيانيد حال نشوء الحرائق وتصاعد أنواع مختلفة من المركبات الكيميائية الضارة منها.