غذاء البحر المتوسط.. وصفة لحياة طويلة وصحة جيدة

عناصره تشمل بعضا من الجبنة وقليلا من اللحم والفاكهة بدل الحلويات

TT

عندما سئل خبير التغذية أنسيل كايز، لدى بلوغه 100 سنة، في ما اذا كان نظامه الغذائي قد ساهم في طول عمره، اجاب: «على الاكثر، ولكن من دون برهان». وقد توفي عام 2004، بعد 10 اشهر تقريبا من تخطيه عتبة القرن. اننا لا نعلم ان كان بمقدورنا ان نكون في مستوى المواصفات التي رآها كايز للعثور على البرهان، الا ان هناك دليلا جيدا على ان النظام الغذائي لمنطقة البحر الابيض المتوسط، الذي اعتبره الخبير مفيدا للقلب، يمكنه بالفعل مساعدة الناس على العيش اطول، ودرء امراض القلب، بل وحتى درء مرض السرطان ايضا.

وكانت دراسة كايز نفسه مع سبعة بلدان، التي بدأت في الخمسينات من القرن الماضي، هي التي ربطت بين نمط تناول الغذاء في اليونان، وايطاليا، ودول البحر الابيض المتوسط الاخرى، وبين تدني معدلات امراض القلب. المقارنات الدولية تكون شائكة لوجود عوامل اخرى كثيرة غير النظام الغذائي ـ النشاط البدني، الوراثة، عادات التدخين، الاجهاد وحياة العمل، توفر الرعاية الصحية ـ يمكنها ان تفسر ظاهرة كون مواطنين في دولة معينة هم اكثر صحة ويعيشون لأعمار اطول مقارنة بمواطنين من دولة اخرى. وقد ظهرت بعض العثرات على الطريق، الا انه وعلى العموم، فان نتائج كايز الاساسية حول التأثيرات الصحية للنظام الغذائي للبحر الابيض المتوسط، ظلت صامدة بشكل جيد.

والدليل لا يكمن في انه دليل ينتمي الى ميدان علم الاوبئة فحسب، كما ان فوائده لا تقتصر على القلب. فالتجارب العشوائية قد اظهرت ان غذاء البحر المتوسط له فوائد للمرضى المصابين بالتهاب المفاصل الرثياني، كما يمكنه تقليل فرص عودة سرطان القولون. وفي 2007 نشر باحثو هارفارد دراسة افترضت ان طعام البحر المتوسط، يمكنه تقليل فرص ظهور مرض الانسداد الرئوي المزمن chronic obstructive pulmonary disease (COPD) الى النصف.

تحية خاصة

* ان ترويض الامراض المنفردة، خطوة كبيرة بلا شك في الاتجاه الصحيح، الا ان ذلك لا يعني بالضرورة إطالة العمر. ومع ذلك، فقد نوهت دراسات صغيرة بأن النظام الغذائي في البحر المتوسط، له فوائد عامة على إطالة الحياة، كما ان دراسة اوروبية كبيرة (شملت 75 الف شخص من تسع دول اوروبية) توصلت ايضا الى نفس النتيجة عام 2005، أي بعد عام من وفاة كايز.

كما ظهرت اخبار مشجعة اكثر في نهاية عام 2007، عندما نشرت دورية «ارشيفات الطب الباطني» نتائج لدراسة اميركية. وقد قام الباحثون في الدراسة، وبعد وضع استبيانات حول استهلاك الطعام، ضمن دراسة مراكز الصحة الوطنية حول النظام الغذائي والصحة، بتصنيف المشاركين بدرجة قرب عاداتهم الغذائية من غذاء البحر المتوسط، ثم وضعوا الوفيات لعشر سنوات لاحقة. وفي مثل هذه الابحاث فان هناك قوة في الارقام، وكانت هذه الدراسة هائلة لانها شملت 380 الف اميركي لم يكن لديهم أي تاريخ من الامراض المزمنة.

وعندما حلل الباحثون البيانات، وجدوا ان التقارب مع غذاء البحر المتوسط، ارتبط بقلة أخطار الوفاة نتيجة لأي من السببين: امراض القلب او السرطان. وقد ظهرت فوائد هذا النظام الغذائي بشكل جليّ بين المدخنين.

ان النظام الغذائي للبحر المتوسط قد يحمل كل هذه التأثيرات الجيدة، لانه يكافح الالتهابات الصغيرة التي تظهر مع الكثير من العمليات المؤدية لحدوث الامراض. كما انه له ايضا تأثيرات قوية مضادة للأكسدة.

بلا لحوم

* اذن، ما هو هذا الغذاء الذي يطيل الحياة؟ انه ليس نظاما غذائيا مثل نظام «أتكنس» الغذائي (حمية أتكنس)، مثلا، او نظما محكمة أخرى لخفض الوزن، رغم ان الناس بإمكانهم خفض الوزن بـ«الالتزام بالبحر المتوسط»، وبعض الخبراء دقيقون بحيث يشيرون الى حمية «نمط ـ البحر المتوسط» بأمل إعلام الناس بأنها خطة ليست جامدة، او طريقة وحيدة واحدة لتناول الغذاء.

وقد كتب كايز عام 1995 ان «لبّ» النظام الغذائي يكمن في انه نباتي بشكل رئيسي، وهو يضم الشيء القليل من اللحوم والالبان، مقارنة بالغذاء الاميركي او الاوروبي الشمالي، ويستخدم «الفاكهة بدلا من طبق الحلويات».

وغالبا ما يوصف زيت الزيتون بأنه حيوي بشكل مطلق، الا ان الباحثين، على الاقل، يبدون وكأنهم يبتعدون عن هذا. وفي الدراسة الاوروبية الكبيرة التي اظهرت تدني الوفيات، قاس الباحثون تأثيرات «غذاء البحر الابيض المتوسط المعدّل»، الذي جمع الدهون غير المشبعة المتعددة من انواع شتى من زيوت الخضروات مع الدهن غير المشبع الأحادي الزيتون. وهكذا، وبالنسبة للدهون، فان الامر الرئيسي لغذاء البحر المتوسط هو الحفاظ على استهلاك القليل من الدهون المشبعة، وهذا ما يعني عمليا، تناول حصص من منتجات اللحوم والالبان (المنتجات الكاملة الدسم)، مرات قليلة ومتباعدة.

العناصر الاخرى لغذاء البحر المتوسط تشمل شراب العنب بكميات قليلة (قدح يوميا)، وبعض السمك والجبنة واللبن الزبادي. وقائمة الطعام لهذا الغذاء هي التي تجعله جذابا. ويحاول الباحثون وخبراء الصناعات الغذائية جاهدين العثور ربما على طعام معين من هذا الغذاء تكون له اغلب الفوائد، الا ان كل الغذاء على الاغلب، هو اكبر من مجموع كل جزء من مكوناته.

* خدمة هارفارد الطبية ـ الحقوق: 2005 بريزيدانت آند فيلوز ـ كلية هارفارد.