النوم يُساعد العصافير.. على تعلم الغناء

دراسات علمية لفهم مشاكل النطق لدى الأطفال

TT

النوم في الليل وسيلة لرفع القدرات على حفظ ما تم تعلمه خلال النهار. هذا ما توصل الباحثون الأميركيون إليه عند دراستهم لتأثيرات النوم الليلي على قدرات العصافير في حفظ الأغاني التي تعلموها من والديها. والالتفاتة الطبية الحديثة نحو النوم، تأخذ في كل يوم شكلاً أكثر عمقاً عمّا مضى. ومستوى تلك الالتفاتة الطبية تُمليها النتائج التي تتوالى حول تأثيرات نوم الإنسان بشكل طبيعي في كل ليلة، وتأثيرات إصابته بأحد أنواع اضطرابات النوم، وذلك على حالته الصحية العامة ومدى تعرضه للاصابة بأمراض شرايين القلب والسُكري وارتفاع ضغط الدم والسمنة وغيرها من أمراض العصر البالغة الضرر، ومدى سلامة صحته النفسية وقدراته الذهنية والعقلية، ونوعية أدائه اليومي في حقول العمل الوظيفي، ذات المتطلبات العالية من المهارات اليدوية أو الذهنية، أو في مجالات التحصيل التعليمي، بكافة مراحله.

ومنذ عدة سنوات، اتجه الباحث العلمي نحو مراقبة العصافير ودراسة سلوكيات غنائها، بغية الاستفادة من ذلك في فهم جوانب من صحة الإنسان. وعلى سبيل المثال، تحدث الباحثون من جامعة شيكاغو في ديسمبر من عام 1998 عن نتائج متابعتهم لنوم العصافير، بالقول أنها خلال نومها بالليل تُغني دون إصدارها لأصوات، كي تُراجع ما تعلمته من أغاني خلال النهار. وهو البحث الذي نُشر في عدد 18 ديسمبر من مجلة "ساينس"، والذي علق الباحثون عليه بالقول أنه يُقدم دليلاً قوياً على أن النوم يلعب دوراً مهماً في التعليم، بالرغم مما هو من معلوم من أن الدماغ الطبيعي يمر بحالة من تبلد الإحساس بأي مُثير خارجي خلال النوم نتيجة تغير تركيز مادة "نورإبينفرين". وخلال هذا، يقوم الدماغ بـ "تركيز" و "احتواء" و "حفظ" المعلومات التي تلقاها خلال النهار. وهو ما تأكد الباحثون منه عبر دراسة الموجات الكهربائية السارية في دماغ تلك المخلوقات الصغيرة.

وواصل الباحثون دراساتهم في هذا المجال، ونشروا في عدد أكتوبر لعام 2000 من مجلة "نيتشر"، نتائجهم التي دلّت على وجود نظام "تسجيل" في خلايا دماغ العصافير. وهذا النظام ينشط في إعادة "الاستماع" إلى الأغاني التي تعلمتها من والديها خلال النهار.

وفي مايو 2001، أعلن الباحثون من جامعة كاليفورنيا ملاحظتهم بأن ثمة اختلافات كبيرة فيما بين طريقة تعلم إناث العصافير للأغاني وبين ما يجري لدى ذكورها. وقالوا أن ذكور العصافير لديها "نافذة" زمنية أطول لمذاكرة ما تعلمته من أغاني. ولذا فإن العصافير تُميز بين غناء ذكورها وغناء إناثها.

وتوصل باحثو جامعة ديوك، بكارولينا الشمالية، في عام 2002 إلى جانب من وفائدة هذا الفارق في قدرات الذكور العالية. وقالوا في بحثهم المنشور بعدد سبتمبر لذلك العام من مجلة المجمع الملكي البريطاني للعلوم، أن فُرص نجاح أحد ذكور العصافير في جذب واحدة من إناثها تعتمد على قدرات الغناء لديه ودقة أدائه له. وفائدة أخرى توصل إليها الباحثون من جامعة لندن، ضمن بحثهم المنشور في يونيو 2006، بأن فرص إناث العصافير للبيض تكون أفضل بعد سماعها غناء ذكرها.

ووفق ما تم نشره في مجلة الأكاديمية الأميركية القومية للعلوم ضمن عدد 19 يونيو 2007، قام الباحثون من كلية ويل كورنل للطب في نيويورك بدراسة تعلم صغار العصافير للغناء، عبر التصوير الدماغي الوظيفي بالرنين المغنطيسي. وقال الباحثون: نظراً لما هو معلوم بأن هناك تشابه كبير فيما بين طريقة تعلم العصافير للغناء وتعلم أطفال البشر لنطق الكلمات، فإن نتائج هذه الدراسة قد تُساعد على كيفية التعامل مع حالات التأتأة stuttering في النطق لدى الأطفال وغيرها من اضطرابات النطق لديهم.

وفي دراستهم الجديدة، قال الباحثون من جامعة شيكاغو، ما مفاده، أن نوم صغار العصافير بالليل يُساعدها على تطوير مهارات النطق لديها وعلى حفظ الأغاني التي تعلموها من والديهم، ما يجعلهم يغنون بشكل أفضل عند الاستيقاظ في اليوم التالي. وقال الباحثون، في دراستهم المنشورة بعدد 18 ديسمبر 2008، هذه الدراسة خطوة متقدمة في فهمنا للعلاقة ما بين تأثير النوم على تحسين قدرات التعلم.