الفحص الجيني للكشف عن احتمالات الإصابة بسرطان البروستاتا

مزايا ومحاذير إجرائه

عملية جراحية بالروبوت لاستئصال البروستاتا (ام سي تي)
TT

* الجينات تنظم عمليات النمو، التكاثر، والموت، لكل خلايا الإنسان. ويظهر السرطان عندما يخرج نمو الخلايا عن الطور الطبيعي الذي يتحكم في ذلك النمو. ولهذا فان الجانب الأساسي لكل أنواع السرطان، هو أنها ترتبط بوجود تشوهات جينية.

* وفي بعض الأحيان فإن الجينات المشوهة تنتقل عبر الأجيال من الوالد إلى الطفل. وفي أحيان أخرى، تظهر المشاكل بعد الولادة نتيجة مؤثرات بيئية، تشمل اختلال التوازن في التغذية، والتعرض إلى التبغ، الإشعاع، والسموم.

* دور الجينات وإن كانت الجينات حقا، هي المسؤولة عن حدوث السرطان، فإن العلاجات التي توجه نحو تلك التشوهات الجينية ستقدم الفوائد المطلوبة. وهذه الإمكانية لا تزال من أمنيات المستقبل، إلا أننا وصلنا اليوم إلى مرحلة أصبح فيها فحص الجينات مساعدا في التنبؤ بخطر حدوث بعض أنواع السرطان. وأفضل الأمثلة على ذلك، جينات سرطان الثدي: «سرطان الثدي 1» BRCA1 و«سرطان الثدي 2» BRCA2.

ويعتبر سرطان البروستاتا أكثر أنواع السرطانات الداخلية شيوعا لدى الرجال الأميركيين، والسبب الثاني للوفيات الناجمة عن السرطان بين الذكور في الولايات المتحدة.

بعض الرجال يتوارثون خطرا متزايدا للإصابة بسرطان البروستاتا. فالرجال الذين يكون لهم آباء أو إخوة مصابون بسرطان البروستاتا يكونون أكثر بـ 1.5 إلى 3 مرات تعرضا لحدوث المرض مقارنة بالرجال الذين لا يوجد في عائلاتهم تاريخ للمرض. وإن حدث وتم تشخيص عدد من أفراد العائلات من الرجال قبل سن 55 عاما بالمرض، فإن خطر إصابة الرجال الآخرين يزداد أكثر من ذلك.

إلا أن أغلب حالات سرطان البروستاتا تحدث للرجال الذين لا يوجد تاريخ للإصابة به في عائلاتهم، وهذا يتم لأنه قد تظهر لدى الذكور من الأطفال المولودين، وفي أي وقت من الأوقات بعد ولادتهم، تشوهات جينية تقود إلى ظهور المرض في حياتهم لاحقا.

* فحص الجينات

* لقد تم التعرف على أول جين لسرطان البروستاتا على يد فريق من العلماء من الولايات المتحدة والسويد عام 1996. وقد أطلق على ذلك الجين، وبجدارة، اسم «سرطان البروستاتا المتوارث 1» hereditary prostate cancer 1 أو اختصارا HPC1. وكان الاكتشاف مثيرا، إلا أن جين HPC1 يرتبط مع حدوث نسبة يسيرة من مجموع إصابات سرطان البروستاتا.

ومنذ اواخر التسعينات من القرن الماضي، حدث انفجار هائل في أبحاث الجينات. وقدمت فرضيات حول أعداد من الجينات المسببة لسرطان البروستاتا، وقد ثبت وجود الكثير منها، إلا أن بعضها الآخر اندحر أمام الأبحاث العلمية. وحتى ومع الإشارة إلى عمل بعض من تلك الجينات في حدوث السرطان، فإن وظيفتها الدقيقة ودورها في حدوث المرض لا يزالان غير واضحين.

وتسمح التقنيات الحديثة للعلماء بفحص كل الجينوم (الأطلس الوراثي) البشري، وهو المجموع الكلي لكل المادة الجينية داخل خلايا الإنسان، والتدقيق في التشوهات فيه. وباختصار، فإن الفكرة هنا تتمثل في توظيف عدد من المرضى المصابين بمرض معين، ثم القيام بفحص جيناتهم، ثم مقارنة النتائج مع نتائج فحص الجينات لأشخاص غير مصابين بذلك المرض.

وتظهر أنواع من «تعدد الأشكال» polymorphisms في بنية الجينات بشكل طبيعي. ومن الطبيعي العثور على بعض منها. ولكن، إذا ازدادت أعدادها فان خبراء الإحصاء سيحددون ما إذا كانت تلك التشوهات تظهر بشكل متكرر يكفي للافتراض بوجود صلة بينها وبين حدوث المرض المدروس.

وقد رفعت هذه النجاحات المذهلة، الأبحاث العلمية إلى مستويات متقدمة. ولذا، فبالإضافة إلى التدقيق في الجينات المشوهة فإن الباحثين يدرسون حاليا المركبات الكيميائية المنفردة، المسماة «نيوكليدات» nucleotides، التي تتجمع سوية لتشكيل الحمض النووي «دي إن ايه». ولذلك وبدلا من دراسة 20 إلى25 ألفا من الجينات «فقط» يمكن للعلماء الآن دراسة مئات الآلاف من «النيوكليدات» المنفردة.

وتعرف التشوهات في مركبات «النيوكليدات» المنفردة هذه بأنها تعدد وحيد في أشكال «النيوكليدات»single nucleotide polymorphisms أو SNPs. والأبحاث هنا متطورة جدا وتعتمد على فرق علمية كبيرة تعمل حول العالم.

ورغم أن عددا قليلا من الرجال سيحاول فهم التفاصيل، فإن الكثير منهم سيحاولون الاهتمام بمعرفة أن الكثير من تشوهات SNPs هذه، لها صلة بسرطان البروستاتا. وحتى ولو لم تكن مهتما بهذا الأمر الآن، فقد تجد نفسك مهتما به لاحقا، حينما يتم استدعاؤك لإجراء فحص جيني لاختبار SNPs الخاصة بسرطان البروستاتا.

* فحص جيني أم لا ؟

* ولكي نراجع مزايا الفحص الجيني ونقائصه، دعونا نركز على واحد من الدراسات المنشورة الشهيرة حول سرطان البروستاتا. فقد قارن العلماء في الولايات المتحدة والسويد الجينات الشخصية لـ2893 من المصابين بسرطان البروستاتا مع الجينات الشخصية لـ1781 من الرجال غير المصابين بالمرض. وتعرف العلماء على تشوهات SNPs المنفردة التي تكون على صلة بتزايد خطر الإصابة بسرطان البروستاتا.

وعلى المستوى الفردي، فقد كان الخطر المتزايد لظهور السرطان معتدلا: فقد كان 1.22 إلى 1.53 مرة أكثر للرجال الذين ظهر لديهم تشوه SNPs واحد، مقارنة بالرجال الذين لم يظهر لديهم أي تشوه من التشوهات الخمسة المدروسة في SNPs. إلا أن الرجال الذين ظهرت لديهم أربعة أو خمسة تشوهات SNPs، كانوا معرضين أكثر بـ4.47 مرة لخطر الإصابة بسرطان البروستاتا. كما أن الرجال الذين كان لديهم أيضا تاريخ عائلي بالسرطان، كانوا عرضة أكثر بـ9.46 مرة للإصابة بالمرض. وهذا خطر كبير فعلا.. إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا الفحص مطلوب منك.

أول المحاذير من الفحص، تستند إلى احتمال ظهور نتائج سلبية ـ خادعة أو إيجابية ـ خادعة. فقد ظهر أن نسبة الرجال المصابين بسرطان البروستاتا، الذين ظهرت لديهم أربعة أو خمسة تشوهات SNPs، من دون وجود تاريخ عائلي لهم للمرض، يبلغ 5.4 في المائة فقط. وهذا يعني أن الفحص قد أخفق في التنبؤ بنحو 95 في المائة من حالات هذا السرطان لدى هؤلاء الرجال. ومن جهة أخرى فقد عثر الفحص على أربعة أو خمسة تشوهات SNPs لدى 2.2 في المائة من الرجال غير المصابين بالمرض.

والقلق بحد ذاته هو مسألة أخرى. فالرجال الذين يظهر الفحص الجيني لهم وجود تشوهات، قد يواجهون سنوات من القلق. كما أن الخصوصية تمثل إحدى المشاكل، لان تأكيد وجود المرض قد يؤثر على موقف شركات التأمين أو أرباب العمل.

إلا أن أهم المحاذير قاطبة يرتبط بالتاريخ الطبيعي لسرطان البروستاتا نفسه. فالكثير من سرطانات البروستاتا بطيئة النمو بل وحتى غير مؤذية، فيما يكون بعضها خبيثا جدا، وقاتلا. وهذا الفحص الجيني غير قادر على تحديد الأنواع الجيدة عن السيئة. وبما أن الفحوصات الجينية التي تؤكد وجود السرطان تقود إلى إجراء اختبارات خاصة للبروستاتا تسمى اختبارات «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» prostateـspecific antigen أو اختصارا PS، وأخذ خزعة (عينة) من البروستاتا، فان هذا كله يؤدي إلى بدء العلاج الذي قد لا يكون ضروريا.

كما أن هناك مسألة شائكة أخيرة، وهي أنه حتى ولو كانت سلسلة الأحداث قد قادت إلى التشخيص المبكر للسرطان، فإن الأطباء لا يعلمون إن كان هذا قد يقود إلى نتائج أفضل!

* ما العمل؟

* إن الفحص الجيني لسرطان البروستاتا لا يزال تجريبيا. وهو لا يزال غير مجاز من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية. ولكن إن (أو عندما) يكون هذا الفحص جاهزا، فان القرار بشأن الخضوع للفحص يكون عائدا لك.

والرجال الذين لديهم تاريخ عائلي قوي بالإصابة بسرطان البروستاتا ربما يمكنهم اختيار الفحص الجيني وكذلك الاختبارات الدقيقة للبروستاتا، فيما يمكن للرجال من ذوي المخاطر المتوسطة الامتناع عن ذلك.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»