عصر «الروبوت الجراح».. يقترب

«قمرة قيادة جراحية» لتنسيق العمل بين الجراح والبرامج الكومبيوترية

الروبوت «دافنشي»
TT

تعني كلمة الجراحة Surgery، حسب تعريف موسوعة «ويكيبيديا» الالكترونية، «العمل اليدوي الفني» وهو ما يجري اليوم فعلا في صالات الجراحة التقليدية. فالطبيب ما زال يستخدم يديه ليقص، يقطع، ينشر، يلصق، يستأصل، ويخيط، وهو ما يتنبأ الخبراء الألمان بنهايته مع دخول عصر الجراحة التقنية التي ينفذها الكومبيوتر.

وذكر البروفسور فولكر شوبيلك أمام المؤتمر السنوي للجراحين الألمان، الذي انعقد أول من أمس في ميونخ، أن الجراحة لا مستقبل لها من دون تقنية. واختار شوبيلك، رئيس قسم الجراحة في عيادة جامعة آخن، «الإنسانية من خلال التقنية» شعارا لمؤتمر هذا العام الذي حضره آلاف الجراحين من مختلف أرجاء العالم.

وتوقع البروفيسور أن يدخل الروبوت الجراحة مرحلة الإنتاج الواسع خلال 5-15 سنة في ظل التقدم التقني في عالم الطب. إذ نال شركات التقنية الطبية عام 2006 أكثر من 15 ألف براءة اختراع جديدة وارتفعت مداخيل هذا القطاع عام 2008 إلى أكثر من 22 مليار يورو. وكان توظيف رأس المال في مجال تقنية الجراحة الروبوتية ظاهرا وواعدا حسب تقدير الجراح الألماني.

* عصر الجراحة الروبوتية

* وعلى هذا الأساس ستشهد البشرية خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين مرحلة الانتقال من الجراحة المدعومة تقنية إلى الجراحة التي يؤديها الروبوت بالكامل. واقترح شوبيلك خلال المرحلة الانتقالية إنشاء ما يسمى بقمرة قيادة جراحية Surgical Cockpit على غرار قمرة القيادة في الطائرة لتنسيق العمل والأوامر بين الجراح والبرامج الجراحية «السوفت وير» المساعدة.

ويمكن دمج العديد من البرامج الكومبيوترية العاملة حاليا في برنامج واحد يبرمج العمليات الجراحية التي ينفذها الروبوت الجراح. فالصور الشعاعية والصور المقطعية التي يلتقطها التوموغراف (جهاز الأشعة المقطعية)، والأدوات الجراحية الليزرية، وأجهزة الملاحة الجراحية وأنظمة الرقابة، التي تستخدم الكاميرات والمجسات وأجهزة الاستشعار عن بعد، يمكن أن تكون أساس صناعة جراح روبوتي كفء.

كمثل، يستخدم البروفيسور هاينتز أوتو فون بلايتجن، من جامعة بريمن، حاليا توموغرافا دقيقا يأخذ الصور بثلاثة أبعاد ويرسم على أساس هذه الصور الخطط الجراحية التي يمكن أن تنفذ من دون أي خطأ يذكر في عمليات الكبد. ويرسل الجراحون من كل العالم اليوم مرضاهم، أو صورهم التوموغرافية، إلى هذا الجراح كي يرسم لهم على البرامج الكومبيوترية، أفضل طرق إجراء عمليات سرطان الكبد أو عمليات استبدال الكبد. ويتولى فون بلايتجن تصميم هذه البرامج للآخرين مقابل 300-100 يورو، حسب صعوبة العملية، ويقول إنها تؤهل الجراح للقص بدقة لا تزيد على عشر المليمتر.

* ملاح جراحي

* وتوصل تيم لوت، من جامعة ميونخ التقنية، إلى تصميم ملاّح جراحي يراقب مشرط الجراح ويطلق جهاز إنذار حالما يقترب المشرط من عصب أو شريان حيوي. ويستخدم النظام أجهزة استشعار وكاميرا تستعمل الأشعة تحت الحمراء لمراقبة حركة مشارط الجراح داخل كبد الإنسان. ويخبر النظام الطبيب على شاشة كبيرة بكافة تفاصيل الأنسجة والأوعية الدموية في محيط مكان العملية ويعينه في القص والتوغل من دون إلحاق أي ضرر بالأجهزة الحيوية.

عدا ذلك فقد شهدت تقنية «الواقع المعزز» Augmented Reality تطورا كبيرا وتستخدم حاليا بشكل موسع في العمليات المصغرة التي لا تحتاج إلى فتح جوف المريض. وتولى معهد فراونهوفر الألماني الشهير تطوير أدوات جراحية تستخدم أشعة الليزر لقطع الأنسجة بشكل دقيق ونظيف. وتولد المشارط الليزرية حرارة عالية جدا ومؤقتة، لفترة لا تزيد على فيمتو ثانية، تتولى قطع الأنسجة من دون أن تبقي حيزا لتجمع البكتيريا.

* «دافنشي» ينافس «روبودوك»

* ويتساءل جيرد هيرتسنجر، من معهد تقنية الروبوتات التابع لوكالة الفضاء الألمانية: «لماذا على الإنسان أن يستخدم يديه الراجفتين». فالروبوتات الجراحة التي يتم تطويرها في معهده مزودة بيد لا ترتجف، قلب لا يخفق، وعقل يحسب مليارات الخطوات الجراحية خلال عشر من الثانية.

وأشرف المهندس التقني على إنتاج الروبوت الجراح «روبودوك» الذي تخصص في جراحة العظام والمفاصل. وأجرى روبودوك عملية استبدال مفصل حوض، لكنه أخفق جزئيا بسبب ضعف الأنظمة المساندة. وتسببت العملية بآلام ومضاعفات ويجري العمل حاليا على تجاوز هذه الإخفاقات.

وتم تطوير الجراح الروبوت «دافنشي» الذي يتخصص في العمليات الدقيقة باستخدام الأجهزة الإلكترونية. وكان نجاح «دافنشي» في مجال الأنف والأذن والحنجرة محدودا، لكنه حقق نجاحا باهرا في جراحة البروستاتا، وأثبت أنه أدق من الإنسان وأكثر حذرا في تجنب الأعصاب والأوعية الدموية المهمة في هذه المنطقة الملاصقة لأهم الأعضاء الذكورية. بل ثبت أيضا أنه قادر على تنفيذ مهمات جراحية تعجز اليد البشرية عن تنفيذها بالدقة اللازمة.

وعبر فولفجانج هيكل، رئيس شركة «ميغا فورس ثيرابي»، عن قناعته بأن التصور العلمي عن إمكانية استخدام روبوتات نانوية في العلاج، ما عاد مجرد فانتازيا. وتعمل الشركة حاليا على تطوير وإنتاج روبوتات نانوية اسمهاMega Force Thearpy تتولى مهاجمة الخلايا السرطانية والجراثيم التي تتسلل إلى الجسم، إضافة إلى تنفيذ العمليات الصغيرة من دون الحاجة إلى جراحة خارجية. وأكد هيكل أن قوة العلاج الروبوتية ستدخل مرحلة التجريب في سبتمبر (أيلول) المقبل.