قرار يمنع إجراء العمليات الجراحية والولادة بالعيادات الخاصة في مصر

المرضى: القرار غير مدروس ويساعد المستشفيات الخاصة على سياسة رفع الأسعار * الأطباء: الرقابة مسؤولية وزارة الصحة والتجهيزات متوافرة للجراحات البسيطة * التعقيم وغرفة الإفاقة والمتابعة المستمرة أهم شروط إجراء الجراحة بالعيادات الخاصة

TT

حالة من الترقب والاضطراب تسود العيادات الطبية الخاصة بمصر انتظارا لما سيسفر عنه قرار وزير الصحة، الذي صدر اخيرا بالغاء جميع تراخيص غرف العمليات بتلك العيادات ومنع اجراء اية عمليات سواء صغرى او متوسطة او كبرى بها، اضافة الى وقف عمليات الولادة المنتشرة بهذه المنشآت وتحويل اي طبيب يخالف هذا النظام الى النيابة العامة. وعلى الرغم مما يحتويه هذا القرار من حماية لصحة المرضى إلا انه اثار اعتراض العديد من الاطباء وبصفة خاصة الجراحين الذين اعتبروه اعتداء صريحا على حقوقهم في ممارسة المهنة وتهديدا مباشرا لاستقرارهم الاقتصادي. وحول هذا القرار يقول رئيس قسم الجراحة بمستشفى ام المصريين د. محمد حجاج متسائلا كيف يستطيع الاطباء الجراحون اجراء عمليات بمستوياتها كافة داخل عيادة طبية تفتقر الى اقل التجهيزات الواجبة لانقاذ حياة مريض قد تواجهه تداعيات صحية مفاجئة؟ مبينا ان اجراء الجراحة يتطلب وجود العديد من المستلزمات الحديثة، مثل التخدير الوريدي والاستنشاقي وسرعة ايقاظ المريض اضافة الى ضرورة وجود تقارير خاصة بكل مريض ووصف لطريقة التخدير والادوية المستعملة ورسم مخطط تغييرات النبض والضغط وكيفية التغلب عليها، موضحا انه متى دخل المريض غرفة العمليات فالمخاطر كلها متوقعة ولا فرق وقتها بين جراحة صغيرة وكبيرة، بل غالبا ما تحدث المضاعفات الخطيرة من الجراحات الصغرى التي لا يبالي بها الاطباء بينما تكون تداعيات الجراحات الكبرى متوقعة ويأخذ الكل حذره منها، مؤكدا ان تقرير الجراح عن العملية التي اجراها الذي لا يكون متوافرا غالبا في تلك العيادات البسيطة يمثل لأي طبيب عامل الضمان والحماية في حالة المسألة القانونية.

* إغلاق العيادات

* ويؤكد د. عبد الرحيم عبد الله، مدير عام ادارة المؤسسات العلاجية غير الحكومية ان القرار بدأ تنفيذه بالفعل، حيث تم إغلاق 180 عيادة بالقاهرة لمخالفتها باجراء جراحات في اماكن غير مجهزة، وان هذه العيادات لن يعاد فتحها إلا بعد توافر التجهيزات الاساسية مثل غرفة الانعاش وأجهزة التعقيم اضافة الى وجود الاطباء وهيئة التمريض المقيمين لمدة 24 ساعة يوميا، موضحا ان اتخاذ مثل هذا القرار كان ضروريا، خاصة بعد ازدياد الشكاوى في الفترة الأخيرة من إجراء الجراحات بالعيادات الخاصة غير المجهزة، التي راح ضحيتها الكثير من المرضى الابرياء، وان معظم هذه المنشآت تفتقر الى وجود غرفة افاقة معدة إعدادا جيدا لكي يحجز بها المريض تحت رقابة تمريضية مدربة لحين الافاقة الكاملة، ويبين د. عبد الرحيم ان تطبيق القرار سيشمل ايضا المستشفيات الخاصة التي انتشرت بها ظاهرة وجود طبيب تخدير واحد لأكثر من غرفة عمليات مما يؤدي الى ارهاق الطبيب ووقوع الاخطاء التي يدفع ثمنها المرضى، حيث انه يجب ان يكون هناك استشاري تخدير ومساعد لكل جراحة هل ىحدا، منبها الى ان عدم الالتزام بالضوابط والشروط التي تحقق أمن وسلامة المريض من خلال اجراء الجراحات بالعيادات الخاصة قد يكلف صاحبها التعرض لجزاءات شديدة أهمها على الاطلاق اغلاق المنشأة الى أجل غير مسمى.

* القرار المجحف

* ويقول شريف محمود طبيب جراح، ان الهدف الاساسي الذي يسعى له أي طبيب هو سلامة مريضه وانه من غير المعقول ان يخاطر احد بسمعته الطبية مقابل مبلغ من المال، وان قرار منع اجراءات العمليات اضر كثيرا بالعديد من الاطباء الذين يعتمدون على الدخل المادي للجراحات والذي يعوض تكلفة انشاء العيادات الطبية التي تتطلب مبالغ طائلة وتحتاج لمصروفات باهظة، موضحا ان بعض الجراحات مثل ازالة اللوزتين واللحمية واستئصال الزوائد الدهنية اضافة الى الولادات الطبيعية، لا تحتاج كل التجهيزات التي طلبتها وزارة الصحة، وان وجود هذه المعدات بعيادات بسيطة يعني ارتفاع تكلفة هذه الجراحات، الأمر الذي يمثل عبئا ماديا كبيرا على المرضى أصحاب الدخل المحدود الذين يجدون ضالتهم المنشودة في مثل هذه العيادات، ويؤكد د. محمود ان المهلة التي حددتها وزارة الصحة باسبوع لكي يتم تحضير التجهيزات الطبية المطلوبة لاجراء الجراحات أو غلق العيادة تعتبر فترة قصيرة جدا، وان هناك بعض الشروط المستحيل توفيرها، مثل وجود رعاية صحية من ممرضات متدربات على مستوى عال لمدة 24 ساعة، وحتى لو تم توفيرها فكم ستتكلف، كل هذه الأمور تدفعنا الى اغلاق عياداتنا والتفرغ للعمل بالمستشفيات الحكومية وقد يكون هذا هو الهدف الأساسي للقرار الظالم.

* أين الرقابة؟!

* وعن تجربته الشخصية مع العيادات الخاصة يقول طارق السيد ـ محام ـ انه قام بتوليد زوجته بإحدى هذه العيادات بمبلغ 500 جنيه ولاقت عناية ورعاية فائقة من الاطباء والممرضين وأنه توجه اليهم بعد مغالاة المستشفيات الخاصة التي تقوم بالعملية نفسها مقابل 2000 جنيه، مؤكدا على ان منع العمليات الجراحية بالعيادات الخاصة قرار متسرع ويضر بمصلحة الجماهير أولا وأخيرا، حيث سيضطر المرضى للجوء الى احد الخيارين إما المستشفيات الحكومية، حيث ضعف الرعاية وانتشار الاهمال، أو سيكون البديل هو دور العلاج الاستثمارية التي ستجد الفرصة سانحة لمزيد من الاستغلال، وموضحا انه من الممكن تدارك اخطاء تلك المنشآت العلاجية الصغيرة ومعالجة أوجه القصور فيها بشيء من تشديد الرقابة عليها من قبل المسؤولين بوزارة الصحة واغلاق المخالف منها فقط حتى تستطيع اداء دورها بصورة جيدة لخدمة المريض محدود الدخل.

=