تقنية جديدة لرصد ميكروب الدرن في الدول الفقيرة

تبشر بآمال القضاء على المرض

TT

تمكن باحثون أميركيون من التوصل إلى تقنية جديدة لرصد واكتشاف آثار بكتيريا الدرن في السوائل، عن طريق استخدام شعاع ضوئي ليزري، مما قد يسهم في تصنيع أجهزة بسيطة ورخيصة لاكتشاف المرض، خاصة حالاته المستترة. كما توصل آخرون، في بحث منفصل، إلى تحديد نوع من الإنزيمات يفرزه ميكروب الدرن يساعد على مقاومته لمناعة الإنسان الطبيعية، وتمكنوا أيضا من إيجاد طريقة يمكنها أن تساعد على «تحييد» هذا الإنزيم، مما يشير إلى إمكانية التوصل يوما ما إلى طريقة للقضاء على المرض في المستقبل المنظور.

وعرض البروفسور دييغو كرابف ومساعدته باربرا سميث، من جامعة ولاية كولورادو الأميركية، أمام المؤتمر السنوي لجمعية البصريات الذي انعقد في مدينة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا الأميركية بداية شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، نتائج بحثهما الخاص بتطوير تقنية ضوئية لإنتاج شعاع يمكنه التعرف بدقة على علامات جزيئية على سطح الخلية البكتيرية الخاصة بالميكروب المسبب لمرض الدرن، مما يسمح بإنتاج أجهزة رخيصة وسريعة ودقيقة لكشف الإصابة بالمرض في المستقبل القريب، تشبه إلى حد كبير أجهزة تشغيل الاسطوانات المدمجة، ولا تحتاج إلى خبرات كبيرة في التعامل معها.

وهذا الابتكار يهتم بالأساس بالدول النامية ذات الإمكانات المادية والطبية الضعيفة. ويرجع اهتمام الدول المتقدمة بهذا الأمر كون الدول النامية تعتبر مصدرا أساسيا لانتشار المرض عالميا.

* إصابات الدرن الرئوي

* والمعروف أن هناك نوعين أساسيين للمرض: المرض النشط المعدي، وهو يوجد لدى نحو 10 في المائة من المصابين بالمرض. أما الـ90 في المائة المتبقون فهم مصابون بما يعرف بالدرن الكامن أو المستتر. وخطورة النوع الأخير، رغم كونه غير معد ولا تنتج عنه أي أعراض، تكمن في كون 10 في المائة من حالاته معرضة للتحول في أي لحظة إلى الصورة النشطة الكاملة، مما يعني إمكانية انتقال العدوى بدورها من كل منهم إلى 10 ـ 15 فردا آخر سنويا. وهو ما يجعل من الدرن السبب السابع عالميا للوفاة، موديا بحياة أكثر من مليون ونصف المليون شخص سنويا، ويجعل اكتشاف المرض من ضمن أولويات منظمة الصحة العالمية حتى يمكن معالجته في الوقت المناسب ويمكن السيطرة عليه.

وتعتبر الوسائل المتاحة حاليا لتشخيص مرض الدرن الرئوي غير كافية، كونها عالية التكاليف وتستهلك الكثير من الوقت، ولا يتم اللجوء إليها إلا في حالات الاشتباه بالمرض، في حال ظهور إحدى علاماته على المريض أو المخالطين بمن ثبتت إصابته. وهذه الوسائل هي أشعات الصدر وتحليل البصاق وزرع البكتيريا المستخلصة من السائل الرئوي، وتحتاج هذه الوسائل جميعا إلى خبرات كبيرة كي لا نحصل على نتائج خاطئة، كما أن نسبة النتائج السلبية الخادعة كبيرة باستثناء زرع العينات. مشكلة أخرى تواجه الأطباء في كون كل هذه الوسائل لا جدوى منها في تشخيص الحالات الكامنة، التي لا يمكن اكتشافها إلا عن طريق اختبار الحساسية، حيث يتم حقن مستخرج من قشرة الميكروب تحت جلد الشخص المشتبه بإصابته، وملاحظة تفاعل الجسم معها، ولكن هذا الاختبار غير دقيق بالدرجة الكافية حيث إنه يعطي نتائج سلبية في 50 في المائة من الحالات، كما يعطي نتائج إيجابية خاطئة في الأشخاص الذين تم تطعيمهم حديثا ضد المرض. لكن في حال تطبيق التقنية المستحدثة، سيكون من الممكن إجراء الفحص على نطاق أوسع بتكلفة زهيدة، كما أن نسبة الخطأ المتوقع ستكون أقل كثيرا.

* اكتشاف جديد

* وفي سياق متصل، نشرت دورية الكيمياء البيولوجية في عددها الصادر بتاريخ 28 أغسطس (آب) الماضي، أن فريقا من الباحثين بجامعة ولاية أيوا الأميركية، بالاشتراك مع جامعات أخرى، قد تمكنوا من تمييز أحد الإنزيمات التي تؤدي إلى مقاومة بكتيريا الدرن للمناعة البشرية، حيث وجد الباحثون، بقيادة البروفسور روبين بيترز، أن البكتيريا تفرز إنزيما، أطلقوا عليه اسم «ايداكسادين» (edaxadiene)، يعوق الخلايا الملتهمة (macrophages) عن القيام بعملها والتهام الميكروب. وهذا ما حدا بالبروفسور بيترز إلى البحث عن وسيلة لإيجاد جزيء يعوق عمل هذا الإنزيم عن طريق الارتباط به، مسهلا عمل الخلايا المناعية الملتهمة. وتوصل الفريق معمليا إلى إنتاج مثل هذا الجزيء، ولكن لم يتم اختباره بعد على البشر. وتكمن الصعوبة في أن الاختبار على البشر، في كل المنتجات الطبية، يأتي بعد مرحلة التجارب على الحيوانات. ولكن في حالة الدرن، فإن هذا يعتبر مستحيلا، نظرا لأن الميكروب المسبب للدرن في الإنسان يختلف كلية عن نظيره المسبب للدرن لدى الأبقار على سبيل المثال، والذي لا يفرز الإنزيم المذكور، بل إن كليهما لا يؤثر بغير عائله، أي أن ميكروب البشر لا يصيب الأبقار بمرض خطير والعكس بالعكس. وعليه، فإن التجارب ستجرى على البشر مباشرة. ولكن الأمر المبشر هنا هو أن الباحثين قد استخدموا ذلك النقص في صالحهم، حين قارنوا جينيا بين نوعي الميكروب، فوجدوا تشابها بنسبة 99.9 في المائة بينهما، والاختلاف الوحيد يكمن في افتقاد نواة الميكروب البقري إلى جزيء أميني واحد، وهو المسؤول غالبا عن إنتاج الأنزيم المثبط للمناعة البشرية. وهذا هو التحدي القادم أمام بيترز وفريق عمله لإيجاد علاج نهائي يقضي على المرض القاتل، فكما يقول بيترز: «إذا توصلت لنسبة نجاح 1% فقط، فمعنى ذلك أنني أنقذت حياة نحو 20 ألف شخص سنويا».