الكشف المبكر.. أفضل الخيارات لمكافحة سرطان الثدي

العلاج الموجّه يستهدف الخلايا المصابة فقط

TT

يعد الكشف المبكر عن سرطان الثدي، البداية الأكثر فعالية لأي جهود تبذل من أجل مكافحة انتشار هذا المرض الذي يهدد النساء بصورة متزايدة، لأن تأخير اكتشافه يعني ببساطة تراجع فرص العلاج الحاسم والفعال، وقد تنتج عن ذلك تداعيات صحية قد يصعب السيطرة عليها لاحقا.

وصحة المرأة قد تكون، بلا أي مبالغة، في يديها إن هي حرصت على الفحص الدوري المبكر للمرض قبل انتشاره، وأتقنت الفحص الذاتي الذي يعتبر أمرا حيويا وليس مجرد خيار طبي مهم.

حاورت «صحتك» الدكتور عبد الوهاب عبد القادر أنديجاني، مدير مركز الأميرة نورة للأورام بالحرس الوطني في جدة، استشاري الأمراض الباطنية، فأوضح أن سرطان الثدي يعد من أكثر الأورام السرطانية انتشارا في العالم، وبخاصة لدى السيدات، كما أنه يعتبر الأول والأكثر انتشارا بين السيدات في المملكة. وهذا كفيل بأن يجعله يستقطب مزيدا من الجهود التوعوية للحد من انتشاره وخطورته. والمشكلة الحقيقية في ما يخص هذا المرض أن معظم الحالات ـ سواء في المملكة أو البلاد العربية ـ يتم تشخيصها في مراحلها المتأخرة بعد أن يكون الورم قد تمكن وانتشر. الأمر الذي يجعلنا نحاول استباق هذا الخطر والسعي لاكتشافه في مراحله المبكرة.

* علاجات حديثة

* وحول ما يعتقد البعض أن علاج سرطان الثدي يعني العلاج الكيميائي فقط الذي يرتبط عادة في ذهن الكثيرين بتداعيات صحية غير مرغوبة، أفاد د. أنديجاني أن ذلك ليس صحيحا، فأساليب العلاج تختلف وفقا لما تقتضيه الحالة. فأحيانا يتوجب علينا إعطاء المريض علاجا كيميائيا قبل الجراحة لتقليص حجم الورم في الثدي، بحيث لا تستأصل الجراحة الكثير من منطقة الثدي، وبعدها نحرص على تكثيف العلاج بحيث نقلل من نسبة انتكاسة المرض في المستقبل، ونقلل من احتمالات عودة المرض بعد العلاج. وثمة ما يعرف بالعلاج المستهدف أو العلاج الموجه، وهو العلاج الذي يوجه لاستهداف الخلية السرطانية فقط ويستثني الخلايا السليمة، وهذا ما يميزه عن العلاج الكيميائي الذي يستهدف جميع الخلايا.

أما حول الجديد على صعيد العلاجات المستحدثة لسرطان الثدي، فقد برزت في الآونة الأخيرة علاجات أثبتت فعاليتها عالميا، وفقا لوكالة الغذاء والدواء الأميركية، منها «أفاستن» (Avastin). وقد أثبتت التجارب أن استخدام هذا العلاج يحدث نقلة نوعية مقارنة بالحالات التي لم تستخدمه. حيث يزيد هذا العلاج من متوسط عمر الحالات التي تستخدمه ويقلل من فرص عودة المرض. ويعتبر عقار الـ«أفاستن» أول عقار مضاد لعملية تكوين الأوعية الدموية المغذية للورم السرطاني التي تعرف بـ«Angiogenesis»، ومن ثم يحرم الورم من الأكسجين والغذاء فيحجم نموه وانتشاره. وعادة ما تبدأ عملية تكوين الأوعية الدموية بإرسال الورم إشارة لأقرب وعاء دموي (شريان أو وريد)، ليقوم بتكوين جذر صغير (وعاء دموي صغير) باتجاه الورم. ومن ثم تبدأ الأوعية الدموية في النمو بشكل عشوائي وتغذي الورم بالدم الحامل للغذاء والأكسجين، ما يؤدي إلى زيادة في حجم وانتشار السرطان.

* سرطان شديد

* تشير الدراسات إلى أن ما بين 20 إلى 30 في المائة من المصابات بورم الثدي يحملن البروتين «هير2» (ترمز «هير2» إلى مستقبلات عامل نمو البشرة في الإنسان (HER2: Human Epidermal growth factor Receptor 2) الذي يتسبب في أشد أنواع الأورام السرطانية التي تصيب الثدي. إن «هير2» هو جين تم اكتشافه حديثا على خلايا الثدي، وله تأثير مباشر على سرعة تطور المرض واستجابته للعلاج، حيث إن بعض أورام الثدي تحوي خلاياها أعدادا كبيرة من جين «هير2» تفوق المعدل الطبيعي، وهو ما يعني أن المرأة مصابة بورم الثدي الإيجابي الذي ثبت أنه سريع الانتشار وقاتل.

إن معرفة الطبيب بالحالة وما إذا كانت إيجابية أو سلبية تساعد على تحديد الخيارات العلاجية المناسبة للمريض، وإذا كانت النتيجة إيجابية لـ«هير2» فإن هذا يعني أن الورم من النوع سريع التطور، وتكون قابليته ضعيفة للعلاج الكيميائي، ولذا يجب متابعته وعلاجه. وعليه يقوم الطبيب بعمل فحص لبروتين «هير2» للنساء المصابات بسرطان الثدي الذي يعتبر من أخطر مسببات الوفاة لدى خُمس المصابات بالمرض.

ولقد أثبتت الأبحاث أنه يوجد على الورم مستقبلات تفيد الأطباء في معرفة نوع الورم ومدى شراسته واستجابته لأنواع معينة من العلاجات. وتم تحديد نوعين من هذه المستقبلات في سرطان الثدي وهي:

1ـ المستقبلات الهرمونية: معرفة ما إذا كان يوجد في الورم السرطاني عدد كبير من مستقبلات هرموني «الإستروجين» (estrogen receptors ـ ERs) و«البروجيستيرون» (progesterone receptors ـ PgRs)، وبالتالي يستجيب هذا النوع من السرطان للعلاج الهرموني. وثلثا النساء لديهن ورم إيجابي لمستقبلات الهرمون.

2ـ مولد الورم المناعي على سطح الخلايا أو مستقبلات الـ«هير2» (HER2): لمعرفة ما إذا كان يوجد في الورم السرطاني أعداد كبيرة من جين «هير2» (HER2) بشكل أكثر من الطبيعي. وهذا النوع من أورام الثدي يدعى «ورم الثدي إيجابي الهير2». ‏إن الورم الذي يكون إيجابي الهير2 ‏يزداد بسرعة أكبر من الأنواع الأخرى من الأورام. من المهم للطبيب معرفة إذا كانت المريضة إيجابية ‏‏أو سالبة لـ«هير2»، لأن معرفة ذلك سوف ‏يساعده على تحديد الخيارات العلاجية المناسبة للحالة. يقدر أن 30% من النساء المصابات بسرطان الثدي يكون الورم لديهن إيجابي الـ«هير2».

ويقدر أن نصف النساء المصابات بسرطان الثدي الإيجابي «هير2»، يكون الورم إيجابيا لمستقبلات الهرمون ويلزمهن استخدام الأدوية الخاصة بـ«هير2» بالإضافة إلى العلاج المضاد للهرمونات.

يتم إجراء نوعين من الاختبارات لتحديد سلبية أو إيجابية مستقبلات «هير2». وفي حالة إيجابية المستقبلات من خلال أي من الطريقتين، فإن هذا يحدد نوع العلاج الذي سيستخدم. وفي حالة أن النتيجة كانت غير حاسمة من خلال الطريقة الأولى فيجب إجراء الاختبار الآخر «FISH» لحسم سلبية أو إيجابية المستقبلات.

* فحوص منزلية وطبية لرصد الأورام السرطانية

* إن أورام الثدي يمكن علاجها وشفاؤها إذا تم اكتشافها في المراحل الأولى عن طريق:

* الفحص الذاتي للثدي مرة واحدة شهريا وبشكل دوري.

* الفحص الدوري بواسطة الطبيب كل سنة.

* أشعة الثدي (الماموغرام) للتشخيص المبكر.

وسيكون من المهم في المستقبل تكثيف الجهود لزيادة الوعي بأهمية الكشف المبكر عن سرطان الثدي. وتبدو هنا أهمية تكاتف القطاعات المختلفة ـ وفي مقدمتها القطاع الصحي ـ مع الحملات التوعوية من أجل تقديم باقة من الخدمات التوعوية تقي النساء.

* المؤتمر العالمي الثاني لأورام سرطان الثدي في جدة

* حول أهمية المؤتمر العالمي الثاني لأورام سرطان الثدي الذي نظمه مؤخرا مركز الأميرة نورة للأورام بمدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني في جدة، أوضح د. أنديجاني أن هذا المؤتمر تميز باستقطاب خبرات ثلاثة من أكبر مراكز الأورام العالمية في الولايات المتحدة، وهي مركز دترويت، ومركز فلاديلفيا، ومركز أمدي أندرسون. وشارك فيه متخصصون أجانب من أصل عربي طرحوا تصوراتهم الخاصة حول سبل تشخيص وعلاج سرطان الثدي. وقد أمكن على مدى يومين للمؤتمر تقديم جرعة مكثفة من الخبرات من خلال مناقشة 14 ورقة عمل.

وأضاف د. أنديجاني أن المؤتمر حرص على التركيز على شمولية الطرح بدءا من استعراض أساليب التشخيص ووصولا إلى تحديد أنسب أساليب العلاج بواسطة الهندسة الجينية والعلاج الإشعاعي لغدد سرطان الثدي، qناقش أساليب العلاج المستهدف أو العلاج الموجه الذي يستهدف الخلية السرطانية فقط ويستثني الخلايا السليمة، ومستجدات العلاج الكيميائي.

وقال رئيس الوفد الأميركي في المؤتمر، ومستشار وزير الصحة، الدكتور فؤاد بيضون، إنه شارك في تنظيم المؤتمر وفي وضع أسس عمله وموجبات انعقاده والنتائج المرجوة منه، وإن هذا المؤتمر خير دليل على جهود وإصرار المملكة لتكثيف جهودها لمحاربة هذا المرض الخبيث، والعمل المتواصل على تشجيع حملات التوعية التثقيفية التي تساعد على الاكتشاف المبكر عن طريق التشجيع على الفحص الذاتي والتحري الإشعاعي. وإن المملكة تواصل جهودها لبعث الأمل في نفوس المصابات بهذا المرض عن طريق تحسين ومواكبة التطورات العلاجية في العالم.

وأضاف أن المؤتمر يثمن مجهودات المملكة لتشجيع البحوث السريرية لفهم أطوار أمراض الثدي الخبيثة، ولفهم الخصائص الحيوية التي قد تميز هذا المرض في المملكة ومنطقة الخليج، وأن المؤتمر يلحظ التطورات الحديثة المواكبة لهذا المرض ذات إمكانات الشفاء، وطرق العلاج بأساليب متطورة وملائمة للمريضات بما فيه أساليب التخفيف من وطأة وصعوبة الجراحة أو عملية بناء الثدي، وأن المؤتمر يلاحظ من خلال المجهودات الرسمية المحاولات الحثيثة للحفاظ على حياة المريضة لما فيه من خير لعائلتها وأولادها عن طريق تنمية الأمل في نفوسهم نحو الشفاء من المرض، وخصوصا في حال الاكتشاف المبكر.

ويلخص الدكتور أنديجاني نتائج المؤتمر:

ـ تناول المؤتمر آخر المستجدات والتطورات والخبرات العالمية في مجال العلاج والتشخيص.

ـ التعرف على استراتيجيات تشخيص المرض وعلاجه وذلك للعاملين في أقسام التشخيص والأشعة والجراحة وجراحات التجميل وأطباء العلاج الكيميائي والعلاج الهرموني والإشعاعي والبيولوجي وأطباء العلاج الطبيعي، وعلاج سرطان الثدي ببدائل الجينات والتخطيط لعلاج سرطان الثدي بالتشخيص الخلوي. إضافة إلى التطرق لما يعرف بالعلاج المستهدف أو العلاج الموجه، وهو العلاج الذي يوجه لاستهداف الخلية السرطانية فقط ويستثني الخلايا السليمة، ومستجدات العلاج الكيميائي.