الحرب على السرطان: اختبارات غير موثوقة لعقاقير جديدة

قصة عالمة وطبيبة أميركية حيرتها نتائج فحوصها لسرطان الثدي

TT

كانت الدكتورة ليندا غريفيث في مؤتمر بسنغافورة مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي عندما شعرت بوجود ورم في صدرها. افترضت أن ذلك أمر عادي، مجرد حويصلة. وعلى أي حال، لم يكن أمامها وقت كافٍ، فقد كانت ستعود مساء الأحد وستغادر صباح الثلاثاء لحضور مؤتمر في فلوريدا.

ولكن، بعد ما أُجري لها فحص بأشعة الثدي (ماموغرام) وبالموجات فوق الصوتية وأخذت منها عينة لفحصها خلال ساعات من نزولها من الطائرة، لم تكن الأخبار سارة، فقد علمت أنها مريضة بالسرطان...

بعد ذلك بدأت المضاعفات. إذ خضعت غريفيث، مديرة مركز أبحاث الجيناباثولوجي (أمراض الجهاز التناسلي المزمنة للنساء) التابع لمعهد ماساتشوستس للتقنية، لاختبار لمعرفة ما إذا كان الورم الذي لديها يحتوي على نسخ إضافية من بروتين «إتش إي آر 2» (HER2). ففي هذا الحال يمكن أن يستجيب لعقّار «هيرسبتين» Herceptin، الذي يزيل هذا البروتين ويمنع نمو الورم.

* اختبارات غير موثوقة

* ويقول الكثير من علماء الأورام إن العقاقير التي تهدف إلى إعاقة البروتينات المنشطة للسرطان هي الأمل المستقبلي في علاج السرطان. ويتوفر حاليا عدد قليل من هذه العقاقير، كما أن كل نوع من العقاقير الجديدة يخضع حاليا للدراسة، ووجه إلى إعاقة البروتينات المغذية للسرطان.

وهذه العلاجات التي يطلق عليها اسم «العلاجات الموجهة» جيدة بمثل جودة الاختبارات التي تهدف للعثور البروتينات التي توجه لاستهدافها. وعلى الرغم من أن معظم المرضى لا يعرفون ذلك، فإن هذه الاختبارات قد تكون غير موثوقة بشكل مثير للدهشة.

واعترافا بالمشكلة، أعلن متخصصون في مرض السرطان يوم 19 أبريل (نيسان) الحالي عن معايير اختبار جديدة لهدف بروتيني واحد. ولكن مع تعرُّف أهداف جديدة، تستمر المشكلة في النمو.

كانت نتيجة الاختبار على ورم غريفيث سلبية. هل كانت كذلك؟ كانت إحدى المناطق الصغيرة في ورمها لونها بني مثل الشيكولاته، وهو ما يظهر الكثير من بروتين «إتش إي آر 2». وكان لون الجزء الباقي كان بلون القشدة، وهو ما يشير إلى عدم وجود مقدار كبير من «إتش إي آر 2».

ولكن علاجها اعتمد على هذه النتيجة. وتكون التوقعات سيئة عندما يكون الورم إيجابيا من ناحية «إتش إي آر 2». ويمكن لعقّار «هيرسبتين» أن يجعل توقعات العلاج جيدة، ويقلل من احتمالية أن يعود السرطان بنسبة 50 في المائة، ويقلل احتمالية موت المرأة بنسبة 40 في المائة.

ولكن «هيرسبتين» الذي يتكلف 42 ألف دولار في العام بالجملة، يؤدي إلى أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا، وله عرض جانبي خطير، ولكنه نادر، هو إلحاق ضرر خطير في القلب يمكن أن يؤدي إلى الوفاة.

ويقول الدكتور أنطونيو وولف، المتخصص في سرطان الثدي في مستشفى جونز هوبكنز، إنه إذا لم يكن داخل الورم معدلات مرتفعة من «إتش إي آر 2» فإن عقّار «هيرسبتين» سوف يكون «سميّا وغير ذي نفع للمريض».

وواجهت الدكتورة غريفيث مشكلة من النادر الاعتراف بها في علاجات واختبارات السرطان الجديدة. ويمكن أن تعطي اختبارات «إتش إي آر 2»، على سبيل المثال، نتيجة إيجابية كاذبة بنسبة تصل إلى 20 في المائة، ويعني ذلك بالنسبة إلى النساء أنها تحتاج إلى عقّار في وقت لا تحتاج فيه إلى ذلك. وبنسبة 5 - 10 في المائة يمكن أن تقول الاختبارات كذبا إنه لا يجب الحصول على العقّار، في وقت يجب الحصول على العقّار. ويعد اختبار «هيرسبتين» سهلا بالمقارنة مع ما سيأتي من الاختبارات المقبلة.

وتوشك مؤسسة «غينينتيك»، الشركة المنتجة لعقّار «هيرسبتين»، أن تقدم طلبا لإدارة الأغذية والدواء من أجل بيع العقّار لعلاج سرطان المعدة. ولكن كريستا بيليغرينو، المتحدثة باسم الشركة، تقول إنه من الصعب كثيرا القول ما إذا كان ورم المعدة به معدلات مرتفعة من «إتش إي آر 2». وتكون سرطانات الثدي عادة إيجابية كلية أو سلبية كلية. ولا ينطبق ذلك على سرطانات المعدة، التي تكون أجزاء منها إيجابية لـ«إتش إي آر 2» فيما توجد أجزاء أخرى سلبية. وتقول بيليغرينو إن اختبارات «إتش إي آر 2» واحدة، ولكن «التفسير والنسب تكون مختلفة».

ويقول جيفري بلوس، نائب رئيس «نورث أميركا ميديكال أفيرز» في «غلاسكو سميث كلين»، إن هذا النوع من تركيب العناصر، نمطي في السرطانات الأخرى غير سرطان الصدر. ويثير ذلك تساؤلات حول معنى نتائج الاختبار. ويقول بلوس: «لا يزال العلم يتقدم، والشيء الذي كان صحيحا العام الماضي قد لا يكون كذلك العام الحالي».

* الحرمان من الأستروجين

* وكما هو الحال مع اختبارات «إتش إي آر 2»، فإن الاختبارات على الجزئيات بهدف رصد سرطان الثدي بها مشكلات أيضا. وتحدد هذه الاختبارات، التي تجرى على مستقبلات هرمون الأستروجين في الخلايا السرطانية في الثدي، ما إذا كان بالإمكان إجهاض السرطان من خلال عقاقير تحرم الأورام من الأستروجين.

ويمكن أن تؤدي الاختبارات إلى خطأ بنسبة تصل إلى 10 في المائة في المرة. وتزيد بعض عقاقير إزالة الأستروجين، على الرغم من أنها آمنة بصورة عامة، من خطر هشاشة العظام، واعتمادا على نوع العقّار يمكن أن تؤدي إلى آلام في المفاصل وتزيد احتمالية التعرض لجلطة وسرطان بطانة الرحم.

وتشير الدكتورة إديث بيريس، إخصائية سرطان الثدي في «مايو كلينيك» في جاكسونفيل بولاية فلوريدا، إلى أن اختبارات مستقبلات هرمون الأستروجين متقلبة. وتستخدم اختبارات قليلة إلى حد ما، ولكن لا يمكن للدكتورة بيريس تحديد عدد تلك الاختبارات، وإلى أي مدى تكون جيدة في توقع ما إذا كان الورم سيستجيب إلى عقاقير إزالة الأستروجين. وقد تقوم المختبرات المختلفة باختبارات بصورة مختلفة، وتبتكر بعض المختبرات اختبارات خاصة بها. وتقول بيريس: «كيف تعرف أنها متشابهة؟ إذا أجريت الاختبار في مختبرين مختلفين، يمكن أن تحصل على إجابتين مختلفيتين»، وحتى الآن، لم يتم تحديد معدلات الخطأ للاختبارات الأحدث.

* خطورة الاختبار الضعيف

* ويقول الدكتور وولف: «هذه قضية تتجاوز سرطان الثدي، فالاختبار الضعيف قد يكون خطيرا مثل العقّار الضعيف». وتقول إدارة الأغذية والدواء إن القلق يساورها شأن جودة الاختبارات التي ابتكرتها المختبرات الإكلينيكية (في العيادات) لاستخداماتها الخاصة، حسب ما يقول ألبرتو غوتيريز، الذي يشرف على المنتجات التشخيصية داخل الإدارة. وتتسم بعض الاختبارات بتعقيدات متزايدة، حسب ما يشير غوتيريز، مضيفا أن في المختبرات التي تقدم اختبارات من دون رقابة إدارة الأغذية والدواء زيادة. ولكن في الوقت الحالي، لا يوجد لدى الإدارة خطة محددة لتنظيم الاختبارات، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى قلة المال.

وفي هذه الأثناء، مر الطبيب المعالج لغريفيث إريك وينر من معهد «دانا فاربر للسرطان»، بتطور تدريجي في فهمه للأمور. ويقول الدكتور وينر: «في رأيي المتواضع، الذي لم يكن كذلك قبل أعوام كثير، أعتقد أن «إتش إي آر 2» كان عبارة عن زر أو مفتاح يمكن فتحه أو إغلاقه، ومن السهل قول متى يكون مفتوحا ومتى يكون مغلقا. ولكن اتضح أنه لا يكون مباشرا بنفس هذه الصورة بالنسبة إلى عدد كبير من الأورام».

وفي الوقت الحالي، واعترافا بالمشكلة قام الدكتور وينر بإعادة اختبار ورم غريفيث باستخدام طريقة أخرى، آملا في أن تساعده النتيجة، وتساعد الدكتورة غريفيث في تقرير ما إذا يمكنها الاستفادة من عقّار «هيرسبتين».

وهكذا فقد تركت غريفيث لتواجه الشكوك التي تحوم حول دواء السرطان. وقالت: «كعالمة أرى ذلك شائقا للغاية.» ولكنها كمريضة ترى الأمر بصورة مختلفة، وتقول: «في الواقع، من الصعب معرفة ما الذي يجب القيام به».

* نتائج متذبذبة

* وقد بدأت أكبر دراستين وطنيتين لعقّار «هيرسبتين» بالنسبة إلى النساء اللاتي لديهن «إتش إي آر 2» في سرطان الثدي بالمرحلة الأولى في 2001. كانت النساء تجري اختبارات «إتش إي آر 2» في أماكن مختلفة، مثل المستشفيات الأهلية والمراكز الطبية الكبرى والمختبرات الوطنية. وقررت الدكتورة بيريس، من «مايو كلينينك»، أن تعيد اختبار الأورام في مختبر مركزي كي تتثبت من النتائج. وفوجئت مع زملائها بالنتائج، حيث تبين أن نسبة 20 في المائة من أول 119 امرأة أشارت الاختبارات الأولية إلى أن أورامهم بها زيادة في «إتش إي آر 2» ليست لديهم هذه الزيادة عند إعادة الاختبار. ويقول الدكتور وولف، وهو محقق دراسي: «شعرنا بأن هناك مشكلة، وكانت تلك ضخمة».

ولذا أجريت تعديلات على الدراسات لتفرض على المختبرات المركزية إعادة اختبار الأورام كافة. ومع ذلك بقي عدم التوافق، وكان 1/6 من النساء اللاتي قالت لهن المختبرات المحلية إنهن إيجابيات من ناحية وجود «إتش إي آر 2»، ليست كذلك عند إعادة الاختبار. وتقول الدكتورة إليزابيث هاموند، إخصائية علم الأمراض في «إنترمونتين هيلثكير» بولاية يوتا: «شعرنا بالرعب».

وكانت نتيجة لحظة الرعب تلك معايير جديدة اختبار «إتش إي آر 2» من قِبل كلية علم الأمراض الأميركية والجمعية الأميركية للأورام، تنص على معايير للإعلان عما إذا كان الشخص إيجابيا أم سلبيا مع اختبار كفاءة، بالإضافة إلى أشياء أخرى.

وعلى أي حال، كان ذلك نجاحا كبيرا، فقد وافق 900 من المختبرات الولايات المتحدة التي يقدر عددها بـ1500 مختبر على اتباع الإرشادات. ويقول الدكتور بولس، من «غلاسكو سميث كلين»، إنه على الرغم من ذلك، بدا أنه يوجد قرابة 20 في المائة من عدم التوافق بين المختبرات. وتقوم «غلاسكو سميث كلين» بإنتاج عقّار «تايكيرب» Tykerb الذي يركز أيضا على معالجة «إتش إي آر 2».

ويقول ميتش دوست، من مستشفى «رويال مارسدن» داخل لندن وعضو اللجنة الأميركية التي وضعت إرشادات اختبار «إتش إي آر 2»، إن هناك أسبابا تجعل نتائج المختبرات المختلفة متباينة.

وفي الحالات المختلفة، يمكن لإخصائيي الأمراض أن يختلفوا. ويمكن أن تتجمع إحدى السمات في أماكن جرى القضاء على الورم فيها وتكون بالنسبة إلى العين غير الخبيرة إيجابية.

وبعد مرور 12 عاما على الموافقة على استخدام «هيرسبتين» مع النساء اللاتي لديهن سرطان ثدي متقدم، تقول بيليغرينو من «غينينتيك»: «ما زلنا نحاول زيادة دقة الاختبار».

ولكن تبقى مشكلة غريفيث، وماذا نفعل عندما تكون نتيجة الاختبار إيجابية في جزء من الورم وسلبية في جزء آخر.

تريد كلية إخصائيي الأمراض الأميركيين أن تصوغ إرشادات اختبار لكل مستهدف جزيئي لعقاقير السرطان. وفي 19 أبريل (نيسان)، على سبيل المثال، نشرت إرشادات جديدة لاختبار مستقبل هرمون الأستروجين.

وأصبحت الدكتورة هاموند مهتمة بأن تتأكد من أن إخصائيي الأمراض يعرفون إرشادات «إتش إي آر 2» ويتبعونها. وخلال أحد الاجتماعات، سألت جمهورها كم عدد من يعرفون الإرشادات ويتبعونها. وتقول هاموند: «تقريبا، رفع الجميع أيديهم، ولكن هؤلاء هم من اختاروا حضور الاجتماع، ولديّ قلق بشأن من لم يحضروا».

ولكن، حتى أفضل المختبرات تختلف، كما تعلمت بعض النساء. فعندما أجرت شيلا مالوني جراحة سرطان الثدي في أكتوبر (تشرين الأول)، أراد الطبيب أن يختبر وجود «إتش إي آر 2» في ورمها». وتقول مالوني، وهي مضيفة تبلغ من العمر 64 عاما في مطعم «أوليف غاردن» داخل لادي ليك بولاية فلوريدا: «لم أسمع من قبل بذلك».

وتذهب حاليا إلى الدكتورة بيريس، وجرى اختبار ورمها أربع مرات باستخدام أربعة اختبارات «إتش إي آر 2» مختلفة. وكانت نتيجة الاختبار الأول إيجابية، والثاني سلبية، والثالث إيجابية، والرابع سلبية. أوصت الدكتورة بيريس مالوني بأن تأخذ عقّار «هيرسبتين».

وبالنسبة إلى غريفيث، كان في نتائج اختبارين توافق، ولكن بنتيجة مختلطة، وكان من الصعب معرفة ما يجب عليها القيام عليها، فقد كان ورمها على الحياد: جزء يعطي نتيجة سلبية وجزء يعطي نتيجة إيجابية.

ويقول خبراء طبيون إنه لا توجد إجابات سهلة. وفي الوقت الحالي، نصيحتهم هي أن تقوم النساء بإرسال نسيج سرطان الثدي إلى المختبرات لديها خبرة تتبع الإجراءات المعتمدة كتلك التي توصي بها كلية إخصائيي الأمراض الأميركيين.

وقد قامت غريفيث بكل ذلك. كما تقوم غريفيث، وهي عالمة تضمنت أبحاثها بروتين «إتش إي آر 2»، بقراءة وفحص ما يُكتب عن بروتين «إتش إي آر 2» كي تستعد لجلسة نقاش مع الدكتور وينر. وتقول غريفيث: «أجلس هنا كمريضة، وحالتي غامضة». وفي النهاية، لا تقنعها الدراسات، مع وجهة نظر الدكتور وينر الطبية، بأن العقّار سوف يفيدها. ويمثل خطر حدوث تلف خطير في القلب مع أعراض جانبية أخرى شيئا مرعبا بالنسبة إليها. وتقول إنه لا يمكنها تجاهل سعر العقّار، على الرغم من أن شركة التأمين سوف تدفع ذلك.

ولم تقرر غريفيث أن تأخذ عقّار «هيرسبتين»، ولكنها تخضع لعلاج كيميائي بصورة منتظمة. وتقول: «أنا مستريحة للغاية لقراري هذا».

* خدمة «نيويورك تايمز».