الخلايا الجذعية.. وأمراض البروستاتا

شكوك علمية حول دورها في تضخمها وحدوث السرطان فيها

TT

ما إن يجري ذكر الخلايا الجذعية، حتى يبدأ الناس بالتفكير في الجدل المحتدم حول أخلاقيات استخدامها. وبالفعل، فإن أبحاث الخلايا الجذعية لها أبعاد أخلاقية حاسمة. ولكن، إذا نحينا التعقيدات الأخلاقية جانبا، فإن الأبحاث الأساسية حول هذه الخلايا تقدم نتائج مدهشة ومهمة بحد ذاتها.

ورغم أن غدة البروستاتا تقع في مؤخرة كل المنطقة التي تغطيها أبحاث الخلايا الجذعية، فإن تقارير تفترض أن هذه الخلايا قد تلعب يوما ما دورها في تشخيص أمراض البروستاتا وعلاجها.

* ما هي الخلايا الجذعية؟

كما أن جذعا لأحد النباتات يتيح له تكوين كل تركيبات هيكله، فإن الخلايا الجذعية هي التي تقوم بإنشاء كل الخلايا الأخرى في الجسم.

والخلايا الجذعية خلايا غير متمايزة، وغير متخصصة، لها القدرة على تجديد نفسها والتكاثر، عبر عمليات الانقسام الخليوي. وإضافة إلى ذلك، وإن كانت الظروف مواتية، فإن بمقدورها التمايز والنضوج لتتحول إلى خلايا متخصصة، مثل تلك الخلايا التي توجد في كل أنسجة الجسم وأعضائه.

وهناك نوعان رئيسيان من الخلايا الجذعية: الخلايا الجذعية الجنينية التي تتسم بقدرات عظيمة على التمايز والتحول إلى خلايا متخصصة. ففي الواقع، فإنه يوجد عدد صغير من الخلايا الجذعية في أولى بدايات تكون الجنين ونشوئه، تتحول لاحقا إلى خلايا مختلفة مثل خلايا عضلة القلب، وخلايا عصبية تولد الإشارات العصبية وتنقلها، وخلايا بنكرياسية لإفراز الإنسولين.

ومن هذه الخلايا الجذعية الجنينية، تبدأ حياة كل خلية من خلايا الجسم البشري كله، الذي يتكون من 10 تريليونات خلية! أما النوع الثاني من الخلايا الجذعية فهو الخلايا الجذعية البالغة، التي تلعب دورا مختلفا. فقد ظهر الآن أن أعضاء الجسم البالغ تحتوي على عدد صغير من الخلايا الجذعية التي تقبع في مواقع محمية خاصة. وبما أن غالبية الأنسجة أو الأعضاء لها فترة حياة محدودة، فإن وظيفة هذه الخلايا الجذعية تتمثل في كونها احتياطيا من الخلايا التي يمكن لها الانتقال من موقعها المخبأ، ثم البدء بالانقسام والتكاثر، والتمايز، ثم التخصص، بهدف تعويض الخلايا الميتة أو المتضررة.

إلا أن هذه الخلايا الجذعية البالغة - بخلاف الخلايا الجذعية الجنينية التي تتصف بقدرة التحول إلى أي نوع من خلايا الجسم - لا يمكنها في العادة التحول إلا إلى خلايا عضو الجسم الذي نشأت منه. وعلى سبيل المثال فإن الخلايا الجذعية البالغة من الكبد، تتحول إلى خلايا طبيعية تؤدي دور خلايا الكبد الطبيعية.. وليس خلايا المخ!

* قدرات علاجية

* ويعلق العلماء آمالا كبيرة على النجاحات في أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية لسهولة حفظها لفترات أطول، ولأن لها القدرة أيضا، نظريا، على التمايز والتحول إلى خلايا متخصصة في الجسم. ويأمل الباحثون في أنهم سينجحون يوما ما في تحفيز الخلايا الجذعية الجنينية لكي تتمايز وتتحول إلى خلايا عصبية سليمة يمكن لهم زرعها في الأنسجة العصبية للمرضى المصابين بمرض باركنسون (الشلل الرعاش)، بالسكتة الدماغية، أو المصابين بأضرار في الحبل الشوكي. كما يأملون أيضا في علاج مرضى السكري بزرع خلايا بنكرياسية لهم، وعلاج المتعرضين للنوبات القلبية بزرع خلايا لعضلات القلب، وما شابه.

ورغم أن الخلايا الجذعية الجنينية تبدو واعدة فإن العلاج بها لا يزال بعيدا. كما أن التقنيات الحديثة لاستخلاصها لا تزال تعتمد على الحصول على هذه الخلايا من الأجنة الجديدة التي تنمو بعد إجراء عمليات التخصيب الصناعي، وهي الأجنة التي لا تحتاجها النساء الخاضعات لعمليات التخصيب التي تخضع للتدمير عادة.

أما الخلايا الجذعية البالغة فقد استخدمت في بعض عمليات زرع نخاع العظم لدى المصابين باللوكيميا (أبيضاض الدم) منذ السبعينات من القرن الماضي. ومع هذا، وحتى وقت قريب فإن الأبحاث على الخلايا الجذعية البالغة قد تعرضت لمتاعب بسبب صعوبة استخلاص هذه الخلايا، وصعوبة تكييفها لكي تتمكن من اكتساب نفس قدرات الخلايا الجذعية الجنينية للتحول إلى خلايا متخصصة متنوعة. ورغم أن العلماء يحققون نتائج جيدة في كلا المجالين فإن العلاج العملي لا يزال بعيد التحقيق.

* خلايا البروستاتا الجذعية

* قد لا يصاب الرجال الذين تعرضوا إلى متاعب في البروستاتا بالدهشة إذا علموا أن الأبحاث على الخلايا الجذعية في البروستاتا لا تزال في مراحلها المبكرة. ومع هذا فإن هناك معالم واضحة أخذت تبدو في الطريق.

إن البروستاتا لا تمتلك سوى عدد صغير من الخلايا الجذعية البالغة. وهذه الخلايا تشكل أقل من 1 في المائة من كل خلايا البروستاتا، وهي موجودة في موضع في قاعدة الغدة. ولكن ورغم قلة عدد هذه الخلايا ومحدودية موضعها فإن لها القدرة على التكاثر والانتقال. وفي الحقيقة فقد نجح العلماء في إكثار غدة بروستاتا كاملة لفأر، أدت كل وظائفها، من خلية جذعية بالغة واحدة!

* دور سلبي

* وإن كان بمقدور الخلايا الجذعية أن تقدم خدمة إيجابية وصحية في أغلب أعضاء الجسم بعد نموها وتحولها إلى خلايا ناضجة لأنسجة تلك الأعضاء، فإن العلماء يشكون في أن الخلايا الجذعية تسهم في حدوث مرضين يصيبان البروستاتا.

وهذان المرضان، وهما من أهم أمراض البروستاتا، يتسمان بنمو غير طبيعي في خلايا هذه الغدة. الأول تضخم البروستاتا الحميد الذي يظهر فيه نمو كبير في الخلايا، وسرطان البروستاتا - وهو نمو للخلايا لا يمكن السيطرة عليه.

وتظهر أكثر حالات تضخم البروستاتا الحميد في أواسط العمر. ولا يعرف الأطباء سبب ظهورها، إلا أن الخلايا الجذعية قد تلعب دورا ما فيها. ويتكهن العلماء بأن الخلايا الجذعية قد تسهم بذلك بطريقتين: فقد يكون بإمكانها التكاثر والانتشار والتخصص والتحول إلى خلايا غددية أو خلايا عضلية تكون مسؤولة عن تدهور وظيفة البروستاتا، ثم تضخمها لدى إصابتها بحالة تضخم البروستاتا الحميد. أما الطريقة الثانية فهي أن الخلايا الجذعية قد يمكنها أيضا التحول إلى خلايا داعمة تفرز عامل النمو الشبيه - بالإنسولين - 1 (1 جي إف - 1) insulin - like growth factor - 1 (IGF - 1)، وهرمونات أخرى تحفز على نمو خلايا البروستاتا. ومن الناحية النظرية على الأقل، فإن طريقة العلاج المؤقتة بالحرمان من الأندروجين androgen deprivation therapy التي تتم معا مع إعطاء جرعة واحدة من الإشعاع بمقدورها ربما استهداف الخلايا الجذعية، الأمر الذي يوفر علاجا دائما لحالة تضخم البروستاتا الحميد.

أما الدور المحتمل للخلايا الجذعية في حدوث سرطان البروستاتا فإنه نظري أكثر من دورها الذي تحدثنا عنه آنفا، ومع ذلك فهو مثير للاهتمام. فقد أظهرت بعض الأبحاث أن سرطان البروستاتا يتطور عندما تحدث تشوهات جينية في الخلايا الجذعية الناضجة المتخصصة في البروستاتا، تقودها إلى التكاثر من دون حدود والانتشار إلى الأعضاء الأخرى. وتمتلك هذه الخلايا السرطانية مستقبلات الأندروجين. ويشجع التيستوستيرون والأندروجينات الأخرى (الهرمونات الذكرية) على نمو الأورام، أما طريقة العلاج بالحرمان من الأندروجين فإنها توقف نموها.

وتقدم طريقة العلاج بالحرمان من الأندروجين فائدة عظيمة حتى مع انتشار سرطان البروستاتا إلى أعضاء أخرى. ولكن، ومع الزمن يتمكن أكثر الأورام من الإفلات من طريقة الحرمان من الأندروجين هذه، إذ تأخذ بالنمو مجددا.

إن الخلايا الجذعية في البروستاتا لا تمتلك مستقبلات الأندروجين. وإن حدث وكان عدد صغير من هذه الخلايا يشكل جزءا صغيرا من كتلة جميع الأورام، فإن هذا الجزء قد يكون مسؤولا عن حدوث سرطان البروستاتا المتقدم الذي يعتمد على الأندروجين. ولذا فإن نجح العلماء في تطوير طرق جديدة لرصد الخلايا الجذعية واستهدافها، فإن ذلك سيمهد الطريق لإيجاد علاج جديد للناس الذين يحتاجون إليه بقوة.

إن علوم الخلايا الجذعية جديدة، والأبحاث على الخلايا الجذعية في البروستاتا حديثة جدا. ولا توجد أي ضمانات بأن الأبحاث الجارية في المختبرات ستقود إلى إحداث اختراق علاجي كبير، إلا أن التقدم الطبي في هذا المجال سيتعرض إلى إخفاقات من دون إجراء هذه الأبحاث الأساسية.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»