البحث عن اختبار جديد لاضطرابات عجز الانتباه

جدل حول حقيقة المبالغة في تشخيصه من قبل الأطباء ذوي المصالح مع شركات الأدوية

TT

أجلس أمام جهاز رمادي من البلاستيك يشبه ذلك الموجود في قمرة الطائرات. وفي كل مرة أتحرك يقوم عاكس صغير موضوع في عصابة مثبتة على جبهتي بتنبيه جهاز تعقب يعمل بالأشعة تحت الحمراء مسلط علي من أعلى شاشة حاسب آلي.

خلال مشاهدة الشاشة كان يفترض بي أن أضغط على الماوس في كل مرة أرى فيها نجمة مكونة من خمس أو ست نقاط، لا النجوم التي تتألف من أربع نقاط. كانت المهمة بسيطة للغاية، فأنا خريجة جامعية. لكن مع ذلك ارتكبت العديد من الأخطاء فما السبب في ذلك؟

قبل الوصول إلى منتصف الاختبار الذي استمر لعشرين دقيقة وجدت نفسي أقوم بالضغط على العديد من النجوم ذات الأربع نقاط، مما أغضبني وجعلني ألقي باللعنات مع كل خطأ أرتكبه وأرسل بمعلومات غير مرضية إلى الجهاز عبر أحزمة التعقب المثبتة على أرجلي.

يفسر الدكتور مارتن تيتشر، أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد الذي اخترع الاختبار تلك الحالة، «بأن هناك أدلة موضوعية على التباين في التركيز أو بعبارة أخرى حالة من عجز الانتباه المصحوب بنشاط زائد». (كنت قد خضعت لتشخيص كهذا قبل ثلاث سنوات). قمت بالضغط مرات عديدة على الصور التي لا ينبغي الضغط عليها وأحيانا العكس، لكن التحول البسيط في حركات رأسي التي تعقبها جهاز كاشف الحركة أشار إلى أنني أميل إلى التحول في حالات الانتباه من الاستغراق في المهمة إلى التشتت ثم العودة إلى المهمة مرة أخرى.

اختراع جهاز كويتنت لقياس اضطراب عجز الانتباه المصحوب بنشاط زائد هو الوحيد بين الجهود المتواصلة لمحاولة إيجاد مؤشر حيوي - دليل حيوي قاطع - لهذا الخلل.

يعتقد السواد الأعظم من الباحثين أن اضطراب عجز الانتباه المصحوب بنشاط زائد هو نوع من الخلل العصبي، والذي إن ترك فسيؤثر بالسلب على المستوى الدراسي ومعيشة الأفراد. مع ذلك فإن السعي للحصول على أدلة موضوعية اكتسب طابعا ملحا جديدا في السنوات الأخيرة.

ويقول العديد من منتقدي ذلك الاتجاه إن الاضطراب في الانتباه دائما ما يبالغ في تشخيصه من قبل الأطباء ذوي المصالح مع شركات الأدوية مدفوعين من خلال ثقافة الآباء القلقين والمعلمين الشاكين.

يقول المنتقدون لهذه الطريقة إن الأدوية القياسية - الأدوية المحفزة مثل «ريتالين» و«أديرال» - تعرض متعاطيها من الأطفال، الذين لا تكون مشكلات التركيز لديهم ناتجة عن أسباب بيولوجية، لمضاعفات جانبية خطيرة.

وعلى الرغم من مخاطر التشخيص الخاطئ فإن الطريقة الأكثر شيوعا للكشف عن الاضطراب لا ترتبط بصورة مباشرة بالحالة الحيوية. وبدلا من سؤال المرضى - إلى جانب الوالدين والمدرسين في حال كان المرضى من الأطفال - قائمة من الأسئلة حول الأعراض التي يعاني معظم البشر جميعا. مثل هل أنت (أو طفلك) غالبا ما ترتكب أخطاء غير مدروسة؟ هل غالبا ما تبدو غير منتبه عندما يتحدث إليك شخص بصورة مباشرة؟ هل لا تتبع التعليمات بصورة مباشرة؟

تلك الطريقة، الأشبه بالطريقة التي يشخص بها الأطباء أغلب الأمراض العقلية، أكثر موضوعية لأن الإجابات والتشخيص ربما تعتمد على ما يشعر المريض، أو الوالدان أو المدرسون في يوم ما.

ويرى ستيفن هنشو، رئيس قسم علم النفس في جامعة كاليفورنيا، أن كل ذلك يساعد على فهم السبب وراء صعوبة التوصل إلى اختبار موضوعي. لكنه وخبراء آخرين غير مقتنعين بأن أيا من الاختبارات التي طورت حتى الآن أكثر نفعا من طريقة قائمة الأسئلة السائدة.

قام العديد علماء باختبارات شاملة للأطفال الذين يعانون من مشكلات تعليمية غير مشخصة، تضم صورا متنوعة من اختبار الأداء المتواصل، وهو تقييم حاسوبي يقيس تشتت الانتباه، وهو أشبه باختراع الدكتور تيتشر لكنه دون جهاز كشف الحركة.

في الوقت ذاته، أكد الدكتور دانييل آمن، بولاية كاليفورنيا الجنوبية، أنه قادر على اكتشاف اضطراب عجز الانتباه المصحوب بنشاط زائد عبر إجراء مسح المخ باستخدام تكنولوجيا تدعى «سبكت» عبر رسم باستخدام لانبعاث فوتون، وهو زعم لم تؤكده حتى الآن تقارير التجارب السريرية.

وفي المقابل تحدث الدكتور تيتشر عن تجارب لاختبار كفاءة اختباره في «مجلة الأكاديمية الأميركية للطب النفسي لدى الأطفال والمراهقين». وأن إدارة الدواء والغذاء الأميركية وافقت على بيع الجهاز في عام 2002 وأن عددا من شركات التأمين مثل «أيتنا» و«بلو كروس» تعتمد الاختبار بحسب كاري مولرين، نائبة رئيس شركة «بيوبيهافيرال دياغونيستيك»، مقرها وستفورد بولاية ماساشوتس التي تسوق جهاز تيتشر.

وقد وصل عدد العيادات الطبية التي اشترت الجهاز أو استأجرته، إلى أكثر من 70 في 21 ولاية، بحسب ما ذكرته مولرين.

وقد أشاد الدكتور راندال بلوتش، الطبيب النفسي في والنت كريك، الذي يستأجر الجهاز منذ سبتمبر (أيلول) الماضي ويفكر في شرائه، بالجهاز، واصفا إياه بالرائع حقا، وأنه يحقق الكثير من الموضوعية.

إلى جانب استئجار الجهاز يدفع الدكتور بلوتش 55 دولارا لشركة «بيوبيهيفرال دياغونستيك» لكل مريض يجري الاختبار في الوقت الذي يتقاضى فيه من شركات التأمين 200 دولار. وعلى الرغم من أنه لا يشخص الاضطراب على أساس نتائج الاختبار وحده، فإنه وجد أن الجهاز طريقة فعالة لاتخاذ قرار نهائي بشأن التشخيص مع المرضى أو والديهم الذين قد يترددون في اللجوء إلى الأدوية.

وقد ساعد جهاز كويتنت الدكتور بلوتش على تثبيط المرضى الذين زعموا أن لديهم مشكلة في التركيز والذين تشكك في أنهم يرغبون في مجرد الحصول على المنبهات من أجل المتعة أو أملا في المزيد من الإنتاجية.

وقال الطبيب، مشيرا إلى رسم بياني ملون: يمكنك معرفة ما إذا كانوا يرغبون في تجربة الجهاز من أجل المتعة أم لا، فاللون الأخضر يدل على الانتباه الأصفر على الاندفاع والأحمر على التشتت الذهني والأزرق على عدم التواصل. ووجود اللون الأزرق بصورة كبيرة يؤدي إلى الشكوك بأن الشخص لا يتواصل مع الاختبار بصورة متعمدة.

وعلى الرغم من وجود الألوان الأخضر والأحمر والأصفر في تقاريري فإنني لم أحظ بلون أزرق ضمن الرسم البياني الخاص بي.

قال بلوتش: «إنك تجتهدين في الاختبار».

يقول الدكتور تيتشر إن الجهاز يقدم طريقة فعالة لمعرفة أفضل الأنواع والجرعات من الأدوية لعلاج مشكلات التركيز. وأوضح أن «المحفزات تعمل بسرعة كبيرة، لذا عندما نجري على طفل اختبارا، يمكننا إعطاؤه جرعة والانتظار 90 دقيقة وإذا ما كان مستجيبا فإن أداءه سيتحسن بصورة كبيرة، وإن لم يكن فيمكننا إجراء التجربة في الأسبوع التالي ومحاولة نوع آخر من الدواء. وهذه الطريقة عادة ما تستغرق شهرا».

الفكرة الرئيسة للجهاز تقوم على قياس اضطراب عجز الانتباه المصحوب بنشاط زائد عبر قياس عدم السيطرة على حركات الرأس وأوضاع الجسم خلال القيام بالمهام التي تثير الملل.

وفي خريف العام الماضي منحت معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة الدكتور تيتشر مليون دولار من خطة التحفيز الفيدرالية للتعمق بصورة أكبر في التوصل إلى اختبار موضوعي أو مؤشر حيوي على تشتت الانتباه. ويخطط لتركيز بحثه على ثلاث استراتيجيات اختبارية هي جهاز كويتنت والتصوير بالرنين المغناطيسي لمقارنة تدفق الدم إلى المناطق المختلفة بالمخ وجهاز آكتيغراف، المستخدم على نطاق واسع من قبل الباحثين الطبيين.

وقد أشاد جيمس سوانسون، طبيب علم نفس النمو والباحث في مجال تركيز الانتباه في جامعة كاليفورنيا بإيرفن، بأبحاث الدكتور تيتشر مؤكدا هو الآخر على الحاجة إلى اختبار أكثر موضوعية للكشف عن عجز الانتباه، لكنه تساءل عما إذا كان جهاز كويتنت يقدم نتائج أكثر موثوقية من سعي الأطباء إلى سؤال الأطفال والآباء والمدرسين، وعما إذا كان الطريقة الملائمة لتبين الجرعة الدوائية المطلوبة.

وقال عن جهاز كويتنت: «إنه يقدم مهام مملة ومضجرة، لذا هل تغامر بجعل أبنائك يتناولون العقاقير الطبية للانتباه إلى تلك المهام المملة والمضجرة؟».

عندما غادرت مكتب الدكتور بلوتش وتقاريري المطبوعة أخذت أفكر في بعض الأسئلة. ما هو كم التباين المتجذر في عقلي، وما هو كم ذلك التباين في ثقافة تشتت تركيزي بين رسائل البريد الإلكتروني ومكالمات الهواتف الخلوية؟ وهل أنا بحاجة إلى أدوية «ريتالين» أو التوقف عن التأمل، أو أنني بحاجة إلى مجرد عمل ممتع، أو ربما إلى أبناء أكثر هدوءا؟

* كاثرين إليسون، صحافية من كاليفورنيا ومؤلفة كتاب «حالة من النشاط: عام من تركيز الانتباه» والذي سينشر في أكتوبر (تشرين الأول) 2010.

* خدمة «نيويورك تايمز».