الباحثون الطبيون من جامعة إمبريال كوليدج في لندن اختصروا للمستهلكين وللمنتجين، توضيح أضرار المداومة على تناول الأطعمة السريعة بطريقة واقعية. وقالوا إن العمل على تخفيف المخاطر الصحية لتناول تلك النوعية من الأطعمة يفرض على أصحاب تلك المطاعم تقديم أقراص علاج ارتفاع الكولسترول، من فئة أدوية الستاتين statin drugs، وذلك بالمجان مع كل وجبة من الأطعمة السريعة! و«الأطعمة السريعة» عبارة متعارف عليها اليوم لوصف تلك النوعية من الأطعمة التي تقدمها المطاعم للمستهلكين، كي تكون سريعة وسهلة للتناول باليدين، أي دون الحاجة إلى الشوكة أو السكينة أو المعلقة، مثل قطع الدجاج المقلي والهمبرغر والبطاطا المقلية وغيرها، وذلك بالمقارنة مع أطباق الأطعمة التقليدية التي يتطلب تناولها تلك الأدوات، كالشوربة والسلطات وقطع اللحوم والأرز والمعكرونة وغيرها.
ومعلوم أن هذه النوعية من الأطعمة تعتبر «ذات سمعة سيئة» من المنظور الطبي، وذلك لعدة أمور، أهمها احتواؤها على كمية عالية من الدهون بالعموم، وبشكل خاص احتوائها على أسوأ أنواع الدهون وهو نوع الدهون المتحولة trans fat. وكذلك المحتوى العالي لها من طاقة السعرات الحرارية، إضافة إلى تدني كمية الألياف فيها، وتدني محتواها من المعادن والفيتامينات الصحية. وهذا ما يجعل تناول تلك النوعية من الأطعمة، أمرا ضارا بصحة القلب والشرايين بالجسم، وسببا في انتشار أمراض السمنة والسكري واضطرابات الدهون والكولسترول.
وفي دراستهم المنشورة في عدد 15 أغسطس (آب) من المجلة الأميركية لطب القلب، قام الدكتور داريل فرانسيس وزملاؤه من لندن بحساب المخاطر القلبية التي يتسبب فيها تناول شطيرة البيرغير بالجبن cheeseburger وأصابع البطاطا المقلية وخليط الحليب البارد الكامل الدسم milkshake، وتوصلوا إلى أن زوال تلك المخاطر القلبية يتحقق بتناول أحد أنواع أدوية خفض الكولسترول من نوع «ستاتين». ومعلوم أن أدوية «ستاتين» تقلل من ارتفاع الكولسترول الخفيف LDL، الذي هو الكولسترول الضار في الجسم. وثبتت جدوى تناول هذه الأدوية في خفض مخاطر احتمالات الإصابات بنوبة الجلطة القلبية. ولهذه الأدوية في العادة ضوابط طبية في وصف تناولها ومتابعة تأثيراتها وآثارها الجانبية.
وقال الدكتور فرانسيس إن من الأفضل للإنسان أن يمتنع عن تناول الأطعمة الدسمة بأنواعها، أما بالنسبة لتناول الأطعمة السريعة فإن تناول أدوية «ستاتين» معها يمكن أن يقلل من المخاطر الصحية الناجمة عنها. وأضاف: جميع الناس اليوم يعلمون أن تناول وجبات «الأطعمة السريعة» أمر ضار بالصحة. ولكن الناس لا يزالون يتناولونها، لأنها لذيذة الطعم. ومن المنطقي أن يتم تقديم قرص دوائي مجاني مع كل وجبة منها للمستهلكين، أسوة بعبوة صلصة الكاتشب.
واستطرد موضحا فكرة اقتراحه، أنه عندما يفعل الناس أشياء تحمل مخاطر صحية، مثل السرعة أثناء قيادة السيارة أو التدخين، فإنه يطلب منهم فعل أشياء أخرى لتخفيف المخاطر الصحية لتلك السلوكيات، مثل ربط حزام أمان المقعد، أو وضع أنبوب الفلتر في السيجارة. ومن هنا فإن تناول قرص من أدوية «ستاتين» هو الوسيلة لتخفيف المخاطر الصحية لتناول «الأطعمة السريعة».
ما الذي يعنيه هذا الكلام الطبي «الواقعي»، وما الذي تعنيه مثل هذه المقترحات الطبية «غير الواقعية»؟ إنها تعني بعبارة بسيطة، أننا في العالم وصلنا لمرحلة متقدمة من مشكلة «المخاطر الصحية لتناول الأطعمة السريعة». وأصبحت المشكلة تتعلق بعدم تناقص الإقبال العالمي على تناول تلك النوعية من الأطعمة، مع استمرار الارتفاع في معدلات الإصابات بأمراض القلب وارتفاع الكولسترول والسمنة ومرض السكري.
أما الحلول المقترحة للتغلب على هذه المشكلة الصحية العالمية خلال السنوات الماضية فقد «تخبطت» و«راوحت مكانها»، ولم تتقدم أي خطوة ملموسة على الطريق الصحيح. ومن تلك الحلول عمل أصحاب تلك المطاعم على تغيير ما يقدمونه نحو الاتجاه المفيد للجسم والمخفف من أضرار القلب والأوعية الدموية. ولكن لم يتغير الأمر، بل تم توفير خيارات صحية في تلك المطاعم كسلطات الخضار الطازجة وشرائح الفاكهة، ولكن الإقبال عليها لم يكن ملفتا، وظل الإقبال المنقطع النظير مقتصرا على تناول شطائر الهمبرغر والبطاطا المقلية.
وفي المقابل، طرحت عدة مقترحات تتعلق بفرض ضرائب عالية على تناول تلك الأطعمة، أسوة بما هو حاصل في تبغ التدخين. وعلى الرغم من الحماسة والقناعة، وصل ذلك الاقتراح لطريق مسدود.
ووصلنا اليوم لحد اقتراح تقديم دواء «ستاتين» مع كل وجبة. وبطبيعة الحال لن يتم هذا الأمر، نظرا لعدة أسباب طبية تتعلق بطبيعة تأثيرات هذه النوعية من الأدوية والاحتياطات الطبية لوصفها ومتابعة تأثيراتها الجانبية، إلا أن هذا «الحل المقترح» يعتبر حتى اليوم، لمن تأمل وتدبر، أبلغ تعبير عن مخاطر تلك الأطعمة الموصوفة بـ«السريعة» في تعجيل إصابات الناس بأمراض شرايين القلب وشرايين الدماغ والسمنة ومرض السكري واضطرابات الكولسترول.
* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]