إلى أي مدى تكون العمليات الجراحية في الركبة مفيدة؟

جراحة الرباط الصليبي الأمامي للركبة لم تتفوق على العلاج التقليدي

TT

أثارت دراسة جديدة نشرت نهاية الشهر الماضي في دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» الطبية أسئلة مثيرة حول أفضل طريقة لمعالجة تمزق الرباط الصليبي الأمامي.

وبهدف إعداد هذه الدراسة، استعان باحثون من جامعة لوند في السويد بنحو 121 شابا أصيبوا بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي. وكان هؤلاء المتطوعون الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما، ناشطين بدنيا، وكان الكثير منهم من الرياضيين المحترفين، وافقوا على ترشيحهم بصورة عشوائية لواحدة من مجموعتين، وعلى قبول طرق علاج مختلفة لإصابتهم في الرباط الصليبي الأمامي.

وبدأت المجموعة الأولى العلاج الطبيعي وخضعت بعد ذلك لعملية جراحية لإصلاح تمزق الرباط، التي يعتبرها الكثير من الأفراد أفضل خيار للرياضيين المصابين. وتلقت المجموعة الثانية العلاج الطبيعي فقط، مع خيار الخضوع لعملية جراحية في فترة لاحقة. وخضع نحو ثلاثة وعشرين فردا من هذه المجموعة للعملية الجراحية في نهاية المطاف. (وبالنسبة إلى الأفراد الذين لا يعرفون الكثير عن جراحة الرباط الصليبي الأمامي، فإن عملية إعادة البناء هذه، تشمل الاستعاضة عن الرباط المصاب بنسيج يؤخذ من أي مكان آخر في القدم أو من أي جثة).

* تقييم إصابات الركبة

* على مدار عامين، كان تقييم الإصابات في الركبة يتم باستخدام نقاط عددية شاملة لتقييم الألم، والوظيفة، أثناء النشاط. وفي وقت الإصابة الأصلية، يتم تقييم الركبة أيضا. وفي نهاية عامي التجربة، أظهرت المجموعتان تحسنا كبيرا، حيث ارتفعت نقاط المجموعة التي خضعت لعمليات جراحية بواقع 39.2 نقطة. كما ارتفعت نقاط المجموعة التي خضعت لعلاج غير جراحي بواقع 39.4 نقطة.

وبمعنى آخر، كانت نتائج المجموعتين متطابقة تقريبا. وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن الجراحة تقود إلى ركبة أكثر قوة، فإن النتائج أظهرت أن إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي جراحيا في أقرب وقت ممكن بعد التمزق «لم يتفوق» على العلاج التقليدي.

وتشير النتائج، حسبما استنتج معدو الدراسة، إلى أن «أكثر من نصف عمليات إعادة بناء الرباط الصليبي الأمامي» التي يجري تنفيذها حاليا على إصابات الركبة «من الممكن تجنبها من دون أن يؤثر ذلك بالسلب على النتائج».

ويجب أن يكون لهذه الاحتمالية صدى في الملاعب في جميع أنحاء البلاد، حيث تجري الممارسات الرياضية قبل الموسم في المدارس الثانوية، وما يصاحب ذلك من ارتفاع في إصابات تمزق الرباط الصليبي الأمامي. وحسب أحد التقديرات، سيعاني واحد من كل 556 فرد نشط يحظى باللياقة البدنية من تمزق في الرباط الصليبي الأمامي، خصوصا إذا كان يشارك في رياضات مثل كرة القدم والتنس والتزلج وكرة السلة. وفي الوقت ذاته، يبدو أن الحاجة إلى علاج هذه الإصابة بالجراحة أصبحت متنامية. وفي ردهم على أسئلة عبر البريد الإلكتروني، قال معدو الدارسة السويديون إن «الاعتقاد بين معظم الجراحين والمرضى هو أن الجراحة أمر ضروري، على الأقل إذا كنت تهدف إلى العودة إلى نمط حياة نشيط».

* شعبية الجراحة

* ويرجع السبب جزئيا وراء شعبية اللجوء إلى الجراحة لعلاج تمزق الرباط الصليبي إلى نجاحها. وفي الدراسة الحالية، ذكر معظم الأفراد في المجموعة التي خضعت للجراحة أنهم شعروا بأن الركبة المصابة تحسنت بعد عامين وأنهم عادوا إلى النشاط مجددا، لكن في معظم الحالات ليس بالمستوى نفسه الذي كانوا عليه قبل الإصابة. وإلى حد كبير، كانت الركبة لديهم أكثر استقرارا بصورة ملحوظة من المفاصل التي لم تخضع للجراحة. ونظريا، يعد الاستقرار أمرا مرغوبا فيه.

ولكن عمليا، وحسب الباحثين اللذين أعدا دراسة «نيو إنغلاند جورنال» الدكتور ريتشارد فوربيل والدكتور ستيفن لوهماندير، والعاملان في جامعة لوند، فإن أهمية الاستقرار بعد علاج التمزق في الرباط الصليبي الأمامي تعد أمرا «غير متفق عليه».

وفي دراسة مهمة نشرت في دورية «بريتش جورنال أوف سبورتس ميديسن» عام 2009، قام الباحثون بإجراء مقارنة النتائج بعد عشرة أعوام لرياضيين أجروا جراحة لعلاج تمزق الرباط الصليبي الأمامي أو فضلوا العلاج التحفظي. وقد أوضحت الدراسة أن ركبة الذين خضعوا لعمليات جراحية كانت أكثر استقرارا بدرجة ملحوظة لكنها لم تكن في وضع صحي أفضل. وقد تعرض الذين خضعوا للجراحة والذين فضلوا العلاج التحفظي لالتهابات مفاصل الركبة المبكرة بصورة مماثلة (ومرتفعة)، وهو أمر شائع عند من يصابون بتمزق في الرباط الصليبي الأمامي. وكانت النتائج تقريبا متماثلة فيما يتعلق بقدرة الرياضيين على العودة إلى ممارسة الرياضة وما إذا اشتكوا من مشكلات في الركبة بعد ذلك.

* نتائج أفضل

* لماذا إذن نجري جراحة إعادة بناء للرباط الصليبي الأمامي، وهي عملية قد تكون مرتفعة التكلفة وشأنها شأن أي عمل جراحي آخر قد تنطوي على مخاطر؟ إلا أن الكثير من كبار جراحي العظام الذين اتصلت بهم أكدوا أنهم لا يزالون مقتنعين بأن الجراحة لها نتائج أفضل على المدى البعيد لبعض المرضى، لا سيما هؤلاء الذين يريدون العودة إلى ممارسة الرياضة.

ويفسر ذلك الدكتور وارين دن، وهو أستاذ مساعد في جراحة العظام وإعادة التأهيل في جامعة فاندربيلت درس على نطاق واسع تمزق الرباط الصليبي الأمامي، قائلا: «السبب في إجراء العملية الجراحية هو الحفاظ على أجزاء أخرى من الركبة من الإصابة خلال القيام بنشاط ما». وأشار دن إلى أن 8% فقط من المرضى في المجموعة الأولى في دراسة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» (وهم الذين أجروا جراحة لعلاج التمزق في الرباط الصليبي الأمامي) تعرضوا بعد ذلك لتمزق في الغضروف المفصلي، وهي وسادة هشة من الغضروف يمكن أن تتعرض للتمزق، وبينما تعرض 25% من مجموعة العلاج الطبيعي للتمزق في الغضروف المفصلي بعد ذلك.

وما تعنيه هذه الأرقام لمن لديه تمزق في الرباط الصليبي أو من لديه رياضي شاب تعرض لهذا التمزق أنه يجب أن يكون هناك نقاش طويل وصريح مع جراح العظام وربما أيضا اختصاصي في الطب الرياضي غير الجراحي حول الخيارات المتاحة. وأضاف الدكتور دن: «نوصي بإجراء جراحة على أساس مستوى النشاط والرياضة».

ويمكن لمعظم الأفراد القيام ببعض الأنشطة (مثل ركوب الدراجات أو العدو) من دون الرباط الصليبي الأمامي، ولكن من ناحية أخرى، فإننا نعتقد أن الأفراد الذين يعانون من مشكلات في الرباط الصليبي الأمامي ويعودون إلى ممارسة (أنشطة رياضية تشتمل على قطع ولف وزرع القدم) «يمكن أن يتسببوا في إصابة الغضروف المفصلي» أو أي غضروف آخر في الركبة وسوف يستفيد من استبدال الرباط الصليبي الأمامي.

* علاج غير جراحي

* إن معدي دراسة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» أوضحوا أنه: «بناء على نتائج دراستنا، سننصح المرضى» بأنه «ليس هناك أي سلبيات واضحة في البدء في برنامج إعادة تأهيل جيد وتأخير قرار العملية الجراحية لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة إليها أم لا».

وفي النهاية يستفاد من الدراسة أنه من المؤكد أن هناك حاجة إلى القيام بمزيد من الأبحاث المتعلقة بهذا الأمر. وهو ما يؤكده الدكتور دنكان ميوفيلز، أستاذ مساعد متخصص في جراحة العظام في مركز ايراسموس الطبي في روتردام والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نشرتها «بريتش جورنال أوف سبورتس ميديسن»، قائلا: «إننا نعرف بالتأكيد أجزاء فقط من النتائج على المدى الطويل» لمختلف أنواع العلاجات الخاصة بالتمزق في الرباط الصليبي الأمامي.

لكن القيام بدراسات موسعة وعشوائية، وهو المعيار المهم للأبحاث الطبية، ربما يكون أمرا بالغ الصعوبة، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن الذين يعانون من تمزق في الرباط الصليبي سوف يعترضون على منعهم من إجراء الجراحة. وقد حدث ذلك مع بعض الذين شاركوا في دراسة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» والذين كانوا في مجموعة العلاج الطبيعي حيث انتهى بهم الأمر إلى طلب إجراء العملية الجراحية على الرغم من أنهم لم يعانوا من أي مشكلات في الركبة. وحسب معدي الدراسة فإن الأمر بدا «أن رغبتهم في إجراء الجراحة كانت مبنية على توقعات أكثر منها على أعراض عانوا منها».

وربما يستغرق الأمر سنوات، للأسف، قبل أن نعرف ما إذا كانت هذه التوقعات مبررة أم أن الركبة المصابة التي لم تجر لها لعملية إعادة بناء لعلاج التمزق في الرباط الصليبي الأمامي ستكون على ما يرام.

* خدمة «نيويورك تايمز»