تحديد جنس الجنين أثناء الحمل.. بين الإعلانات التجارية والحقائق العلمية

رائد أطفال الأنابيب د. سمير عباس في حديث لـ«صحتك»:

TT

إنه صيف عام 2010, وتحديدا في مدينة جدة، حيث تعم المفاجأة والفرحة أرجاء المنزل الجديد الصغير، فقد اكتشفت الزوجة أن اختبار الحمل المنزلي الذي أجرته جاء بنتيجة إيجابية.. فتتصل هاتفيا بزوجها ليعود مباشرة إلى المنزل ليحتفل مع زوجته بالخبر السعيد.

السؤال الذي يدور في خاطر الزوجين مباشرة هو: «ترى ولد ولا بنت»؟

الزوجة تكون أكثر صراحة بما يدور في خاطرها فتقول لزوجها: «تفتكر ولد ولا بنت؟».

تبدأ الزوجة في متابعة حملها عند طبيب النساء والولادة، ويخبرها الطبيب بأنه يمكنها معرفة جنس الجنين، أثناء الفحص الروتيني بالموجات فوق الصوتية في الأسبوع الثامن عشر، فترد عليه بأنها غير متأكدة أنها وزوجها يستطيعان الانتظار حتى ذلك الوقت من الحمل، فالفضول قاتل، إنها تبحث وتسأل إن كان يمكنها معرفة جنس جنينها قبل ذلك, الآن مثلا وهي في الأسبوع التاسع.

تزخر الصحف والمجلات وصفحات الإنترنت بأخبار وإعلانات تجارية عن اختبارات جديدة لمعرفة جنس الجنين في الأسابيع الأولى من الحمل عن طريق الدم، وحتى عن طريق البول، إلا أن المعلومات غامضة وغير دقيقة.

إنها حقا قضية مثيرة حول طرح بعض الشركات في المنطقة العربية لطقم خاص باختبار الجنين، وتحديد جنسه، إن كان ذكرا أو أنثى في فترة قصيرة، حملت القضية مجلة «صحتك» في «الشرق الأوسط» إلى أستاذ أمراض النساء والولادة رائد أطفال الأنابيب وعلاج العقم السعودي ومساعدة الإنجاب الأستاذ الدكتور سمير عباس، مدير عام مراكز الدكتور سمير عباس الطبية، الذي اعتمد في إجابته على الأدلة والبراهين العلمية، فأشار إلى المؤتمر السنوي الـ26 للجمعية الأوروبية للإنجاب والأجنة، وهو يعتبر أكبر حدث وتجمع علمي وطبي سنوي على مستوى العالم، عقد في مركز المؤتمرات بمدينة روما في إيطاليا خلال الفترة من 27 وحتى 30 يونيو (حزيران) 2010، لبحث الجديد في عالم الإنجاب والأجنة.

وأوضح أن هذا المؤتمر يصوغ، تقريبا، قواعد وأساليب ممارسة المهنة عالميا وأصبح المرجع الأساسي في هذا التخصص. وكان عدد المشاركين فيه، هذا العام، 7721 طبيبا وعالما، وضم أشهر الأطباء والعلماء في هذا المجال. وملأت مئات شركات الأدوية والأجهزة الطبية والفحوصات في مجال العقم والإنجاب وأطفال الأنابيب والأجنة، قاعات مركز المؤتمرات، الذي يمتد على مساحة عشرات الأفدنة في وسط روما. مئات المحاضرات والأبحاث ألقيت على مدى أربعة أيام في عشرات القاعات بالتزامن، وملئت القاعات بمئات الأطباء والعلماء والمتخصصين.

* فحص دم الجنين

* ذكر الأستاذ الدكتور سمير عباس أنه في يوم الثلاثاء 29 يونيو 2010، وتحديدا، الساعة العاشرة صباحا، كانت هناك محاضرة ألقتها طبيبة وعالمة معروفة من هولندا عن اختبار جديد على الدم يمكن، بدرجة معقولة من الدقة، من معرفة جنس الجنين في الأسبوع الـ14 عن طريق فحص الحمض النووي المنقوص الأوكسجين «دي إن إيه» DNA الخاص بالجنين بتقنية فحص وراثي يسمى «MLPA»، ويمكن بهذه التقنية، أيضا، معرفة وجود خلل عددي في كروموسومات الجنين رقم 13, 18, 21, Y, X, الذي يرتبط بعدد من الأمراض الوراثية. وبدأت الدراسة في عام 2009، وتطرق المؤتمر لنتائج سنتين من البحث، واتفق معظم الحاضرين على النتائج الأولية، وتوقعوا إمكانية توفر الاختبار للمرضى في العيادات، خلال سنتين إلى 3 سنوات.

وأكد أ.د. سمير عباس، أن هذه المعلومات الموثقة هي التي يمكن للأطباء والمرضى التعامل معها بمرجعية وثقة ومعايير موضوعية، أما عشرات الاختبارات التي تقدمها الشركات التجارية، ويتداول الناس أخبارها، فلا حديث عنها هنا في هذا المؤتمر، إلا من باب التسلية.

وأضاف أنه منذ عام 2007، والعالم يواجه إعلانات مختلفة، فهذه شركات تعلن عن اختبار جديد في الدم أو البول لمعرفة جنس الجنين بدءا من الأسبوع العاشر، وكل ما عليك هو أن ترسل نقطة من دم الحامل، ومعها ثمن الاختبار ويأتيك الرد خلال أسبوع، ويمكنك استرداد نقودك إذا لم تعجبك النتيجة. شركات أخرى تسير خطوة أخرى للأمام, وترسل لك طقم الاختبار الذي تجريه بنفسك في البيت على عينة بول من الحامل والنتيجة تعرفها خلال دقائق ويمكنك استرداد نقودك إذا لم تكن النتيجة مرضية.

إن هذه الأخبار والإعلانات تسرد معلومات عامة لا تجد لها أي مرجعية علمية طبية، وفحوصات لم تجزها أي جهة طبية معتمدة، وليست هناك أي مقالات علمية، ولا أبحاث موثقة منشورة ولا عن توثيق آراء الاختبار ولا مدى دقته علميا ولا حتى عن خلفية علمية موثقة. وكان تركيز هذه الشركات في أوروبا وأميركا «دون ذكر أسمائها» على الأسبوع العاشر يرتبط بإمكانية الإجهاض قبل الأسبوع الثاني عشر في بعض هذه الدول دون سبب طبي.

* ادعاءات ودعايات

* سرد أ.د. سمير عباس أمثلة على ما سبق ترويجه حول التوصل إلى طرق لمعرفة جنس الجنين في وقت مبكر من الحمل، ففي عام 2007، ادعت شركة بريطانية (نحتفظ بالاسم لدينا) أنها أنتجت اختبارا لمعرفة جنس الجنين على عينة دم من الحامل في الأسبوع السادس بدقة 99 في المائة، «أعلى حتى من أحدث اختبار موثق علميا وما زال تحت البحث، والمشار إليه سابقا». وادعت شركة أخرى أنها أنتجت اختبارا يمكن بواسطته معرفة جنس الجنين عن طريق الفحص المنزلي لعينة من بول الحامل للكشف عن الـDNA الذكري «Y Chromosome» في بول الأم الحامل أو الهرمون الذكري «التستوستيرون» في البول، ولكن مقالة علمية نشرت عقب ذلك في دورية «Clin Chim Acta, 363 (1 - 2) 187 - 196» شككت تماما في المصداقية العلمية والطبية لهذه الاختبارات. ومثلها عشرات المقالات الأخرى (لدينا قائمة بها).

* الخلاصة

* وأخيرا أكد أ.د. سمير عباس أنه لا يمكن معرفة جنس الجنين إلا عن طريق وسائل علمية موثقة، نذكر منها:

1. الفحص الروتيني بالموجات فوق الصوتية في الأسبوع الثامن عشر أو بعده قليلا بدرجة عالية من الدقة لا تصل بكل تأكيد إلى 100 في المائة، وذلك لأسباب طبية وتقنية كثيرة، منها على سبيل المثال, وضع الجنين، وبعض الأمراض، التي يصاحبها خلل أو غموض في نمو الأعضاء الجنسية للجنين، مثل خلل الهرمونات فوق الكظرية أو هرمونات المبايض والخصية، وكذلك الكثير من أمراض الجينات والأمراض الوراثية.

2. فحص السائل الأمنيوسي بعد الأسبوع الرابع عشر، أو خزعة من المشيمة في الأسبوع الحادي عشر عن طريق فحص الـDNA أو الكروموسومات الذكرية والأنثوية «X , Y» وهذا بلا شك أكثر دقة من فحص الموجات فوق الصوتية، لأنه لا يتأثر بالأمراض المصاحبة لخلل الهرمونات مثلا.

3. فحص عينة دم الأم الحامل خلال الفترة نفسها التي يمكن فيها فحص السائل الأمنيوسي، وذلك أيضا عن طريق الكشف عن الـDNA للجنين الخاص بالكروموسوم «Y»، وهذه التقنية، كما ذكرنا سابقا تستخدم وسائل فحص مختلفة، وهي موثقة علميا ومجازة على مستوى الأبحاث الطبية، وليس بعد على مستوى التشخيص الطبي، ولا تزال هذه الوسائل قيد التطوير والتحسين، ولكن يمكن القول إنها، إلى درجة كبيرة، مقبولة طبيا وعلميا.

أما ما عدا ذلك من أخبار الاختبارات الأخرى فيجب على الجميع أن يأخذوها بتحفظ شديد، حيث إن هذه كلها إعلانات تجارية من الدرجة الأولى، ولكن للأسف فإن الكثير من الناس وحتى الأطباء يقعون ضحية تصديق هذه الأخبار. أما فيما يتعلق بموضوع اختيار جنس الجنين قبل الحمل، فهو موضوع مثير آخر يحتاج الحديث فيه إلى موضوع آخر نقدمه في عدد مقبل من هذه المجلة.