كيف ندرأ الكآبة لدى المراهقين؟

برامج التدخل الموجهة قد تكون حاسمة للمهددين بخطرها

TT

تظهر الكآبة سنويا لدى ما بين 1 إلى 2 في المائة من الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة. ولا تتداخل هذه الحالة المزاجية مع الأعمال المدرسية والتحصيل الدراسي والعلاقات العائلية فحسب، بل إنها تزيد من خطر حوادث الانتحار (وهو السبب الثالث القاتل بين المراهقين). كما يزيد الظهور المبكر للكآبة أيضا من خطر ظهور أعراض أشد وأخرى مزمنة في الحياة، لاحقا.

وقد استنتجت عدة دراسات للتقييم أن التدخل بهدف منع حدوث الكآبة أو تأخيرها يكون فعالا ولو بشكل خفيف، على الأقل على المدى القصير. إلا أن الدراسات الحديثة تفترض أن برامج التدخل هذه تكون فعالة أكثر عندما تكون موجهة إلى فئات الفتيان والفتيات الأكثر تعرضا لخطر حدوث الكآبة.

يزداد التوافق بين الباحثين حول وجود 3 عوامل خطر تهدد المراهقين بحدوث حالات قوية من مرض الكآبة لديهم.

* كآبة الوالدين. الأطفال الذين يعاني الوالد أو الوالدة أو كلاهما من الكآبة حاليا أو في السابق يتعرضون أكثر بـ3 إلى 4 مرات لحدوث الكآبة مقارنة بنظرائهم من المراهقين الآخرين. وهذا ما يعكس على الأكثر حقيقة أن للكآبة عنصرا وراثيا يمكنه أن ينتقل من الوالدين إلى الأبناء. إلا أنه قد يجسد أيضا تأثير العيش سوية مع الوالدين المصابين.

* أعراض اكتئابية

* أعراض اكتئابية. المراهقون الذين يظهر لديهم واحد من الأعراض الاكتئابية، أو الكثير منها - إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى العتبة التي يحددها التشخيص الموصوف في «الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، الطبعة الرابعة» (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fourth Edition DSM - IV) – يتعرضون أكثر بمرتين إلى 3 مرات لحدوث أعراض الكآبة لديهم لاحقا، مقارنة بالمراهقين الآخرين.

ويتمثل التحدي الرئيسي هنا في التعرف على الأعراض ورصدها، لأن الكآبة لدى الفتيان لا تظهر بالشكل المعهود الذي تظهر فيه لدى الكبار. فقد توصلت دراسة «المعالجة الموجهة للمراهقين المصابين بالكآبة» The Treatment for Adolescents with Depression Study، مثلا، إلى أن 20 في المائة فقط من أصل 439 من الفتيان بين أعمار 12 و17 سنة من المصابين بحالات شديدة من الكآبة عانوا بالدرجة الرئيسية من الأعراض الاكتئابية القياسية.

وفي الغالب تظهر الكآبة عند الفتيان على شكل انزعاج، مشكلات سلوكية، رفض الذهاب إلى المدرسة، صعوبات في التحصيل الدراسي (مثل السقوط في الامتحان)، وأوجاع وآلام، وأعراض جسدية أخرى من دون أي مسببات بدنية ظاهرة لها.

> الإصابة السابقة بالكآبة. إن كان الطفل أو المراهق قد شخص سابقا بالكآبة فإن هناك احتمالا كبيرا في إصابته بها مجددا. وتفترض الدراسات أن 50 إلى 70 في المائة من المراهقين الذين عولجوا من الكآبة وتخلصوا منها سيعانون من عودتها مجددا خلال 5 سنوات من العلاج.

* خيارات تقليل الخطر

* وقد أظهرت تحليلات متعددة للبيانات، وتجربة مراقبة عشوائية أن برامج درء الكآبة تؤدي دورها وتحدث تأثيرها في الغالب عندما توجه نحو المراهقين المهددين بخطر الإصابة بها. وعلى الرغم من اختلاف البرامج فيما بينها، فإنها تضم مبادئ العلاج السلوكي المعرفي، مثل سبل حل المشكلات ووسائل مجابهة التفكير المتشائم.

وفي تجربة المراقبة العشوائية وظف باحثون في 4 مواقع في الولايات المتحدة 316 من المراهقين بين أعمار 13 و17 سنة، ثم وزع المراهقون عشوائيا إما على مجموعة العلاج السلوكي المعرفي أو على المجموعة التقليدية المعتادة التي تعالج في إطار برامج الرعاية الصحية بين مجموعات السكان.

وشارك المنخرطون في مجموعة العلاج في جلسات جماعية أسبوعية للعلاج السلوكي المعرفي، امتدت كل واحدة منها 90 دقيقة، لفترة 8 أسابيع، تبعتها 6 جلسات شهرية من علاجات الإدامة. وعقد الباحثون ندوات مع الآباء في الأسبوعين الأول والثامن من التجربة لإبلاغهم بأعمالهم.

وفي غضون سنة من بداية التجربة، ظهرت في 21 في المائة من المشاركين في مجموعة العلاج السلوكي المعرفي حالة من الكآبة، مقارنة بـ33 في المائة في الفتيان الذين شاركوا في مجموعة الرعاية الصحية التقليدية. إلا أن هذه المعالجة التدخلية لم تكن تثبت أنها أكثر فاعلية من علاج الرعاية التقليدية عندما كان الفتيان المهددون بخطر الكآبة يعيشون مع آبائهم الذين يعانون من الكآبة.

وعلى الرغم من أن التجربة وكذلك تحليلات البيانات تدعم العلاج السلوكي المعرفي فإن هذا الأسلوب من العلاج يصعب توفيره في المجتمعات السكانية.

* الرياضة والنوم

* وقد اقترحت دراستان أن ينظر إلى الاستراتيجيات البسيطة على أنها وسائل قد تكون فعالة أيضا في العلاج. وشملت الدراسة الأولى تحليلات لبيانات «الدراسة الوطنية طويلة الأجل لصحة المراهقين» National Longitudinal Study of Adolescent Health، حيث وجد الباحثون أن 4 في المائة (148 من 3795) من المراهقين الذين أعلنوا أنهم شاركوا في ممارسات رياضية 5 مرات أو أكثر في الأسبوع كانوا يعانون من الكآبة، مقارنة بـ10 في المائة من الذين لم يشاركوا في الممارسات الرياضية على الإطلاق (387 من 3922).

وقد قل خطر الإصابة بالكآبة في علاقة خطية مع ازدياد المشاركة في الممارسات الرياضية.

أما الدراسة الأخرى التي شملت عينة تمثيلية لكل أنحاء الولايات المتحدة لـ15 ألفا و659 من الفتيان بين الصفوف السابعة والثانية عشرة، فقد أضافت دلائل أخرى على أن الحرمان من النوم يساهم في خطر الإصابة بالكآبة. ووجدت الدراسة أن الفتيان الذين خلدوا إلى النوم بعد منتصف الليل تظهر لديهم الكآبة في الغالب مقارنة بالآخرين الذين خلدوا إلى النوم عند الساعة العاشرة مساء.

وهذه النتائج مثيرة للالتباس، إذ أن أيا من هاتين الدراستين لم تبرهن على أن الحرمان من النوم أو عدم إجراء التمارين الرياضية يتسبب في حدوث الكآبة، فمن الممكن أن يحدث أن الأطفال الذين يعانون فعلا من مزاج اكتئابي لا ينامون بشكل جيد أو لا يشاركون في الممارسات الرياضية. ولذا فإن من الضروري متابعة الأبحاث لكي يتمكن الأطباء وبشكل مؤكد من أن يقدموا النصائح للأطفال بممارسة الرياضة أو التمتع بقسط وافر من النوم لدرء حدوث الكآبة لديهم.

* رسالة هارفارد للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا»