الصدفية.. وسبل التحكم بها

علاجها يحسن نوعية حياة المصابين بها

TT

الصدفية (psoriasis) هي مرض جلدي مزمن يتسم بظهور مقاطع سميكة وعالية حمراء اللون غالبا ما تكون مغطاة بقشور بيضاء فضية. ورغم أن هذا المرض لا يهدد حياة المصاب به فإن بمقدوره التأثير بشكل كبير على حياته الشخصية.

وفي مقالته الموسومة «حربي مع جلدي»، قال الكاتب الأميركي جون آبدايك الذي ظهرت لديه الصدفية في صغره، إن اختياره لمهنته جاء تحت تأثيرات العزلة التي نجمت عن المرض. وكتب يقول: «بسبب جلدي شعرت بأنني سأظل خارج دائرة الأشغال.. التي تتطلب من المرء أن يكون ذا هيئة مقبولة. ما الذي تبقى لي إذن؟ الجواب هو اكتساب أي حرفة من أي شكل، بحيث أكون مختليا بنفسي بعيدا عن أعين الناس - ربما رسام لشخصيات الكرتون، أو كاتب، أي عامل منغمس في خطوط الحبر يمكنه أي يخفي نفسه ويرسل حضورا بديلا عنه..»! تصيب الصدفية الناس من جميع الأعمار وجميع الأجناس، إلا أنها تصيب على الأكثر الأشخاص المنحدرين من العرق القوقازي (العرق الأبيض والأسمر من أجناس أوروبا وغرب آسيا والهند وشمال أفريقيا - المحرر). ويظهر المرض بين مرحلة البلوغ المبكرة وحتى فترة أواسط العمر. ويوجد في الولايات المتحدة ما بين 7 و8 ملايين من المصابين والمصابات بالصدفية. ورغم أن المرض يصيب الجنسين بشكل متساوٍ فإن الأبحاث تفترض أنه قد يؤدي إلى حدوث ألم وإحراج لدى النساء أكثر من الرجال.

الصدفية مرض دائم رغم أنه يمكن أن يختفي ثم يعود. وقد يكون خفيفا أو معتدلا أو شديدا، فذلك يعتمد على مدى انتشاره في جسم المصاب، وعلى نوعية حياته.

ويتمثل هدف العلاج في خفض عملية تكرار ظهور نوبات المرض، وطول مدتها، وشدتها. وقد تم تطوير علاجات أكثر فاعلية تتميز بأعراض جانبية أقل في الأعوام الأخيرة. والكثير من تلك العلاجات يكون موجها لعلاج جهاز المناعة في الجسم.

* أسباب الصدفية

* في مرض الصدفية تصبح خلايا معينة في جهاز المناعة مفرطة النشاط أكثر من اللازم، متسببة في تكاثر الخلايا الكيراتينية (keratinocytes). وتنمو الخلايا الكيراتينية في الطبقات السفلى من الجلد ثم ترتفع ببطء نحو السطح، في عملية تسمى «الدورة»، التي تستغرق عادة فترة شهر لدى غالبية الناس، إلا أنها تمتد لدى المصابين بالصدفية إلى عدة أيام فقط. وعندما تكون «الدورة» هذه سريعة فإن الخلايا الكيراتينية تصعد إلى السطح بسرعة وتتراكم على الجلد مكونة مناطق سميكة متقشرة حمراء تسمى لويحات الصدفية (psoriatic plaques).

وتكون هذه المناطق حمراء نتيجة نمو الأوعية الدموية الصغيرة التي تغذي المنطقة بالدم والعناصر الغذائية. ويتسرب الدم من هذه الأوعية الصغيرة، وهو ما يسمح لخلايا مناعية أكثر بالهجرة نحو الجلد الذي تعرض أصلا للإصابة بالالتهاب.

ولا يزال السبب المؤدي إلى حدوث هذا المرض الناجم عن خلل في جهاز المناعة مجهولا، إلا أن الدلائل تفترض وجود تفاعلات معقدة بين عوامل متعددة مثل الاستعداد الوراثي (نحو 40 في المائة من المصابين بالصدفية لديهم تاريخ عائلي للمرض)، وتأثيرات العوامل البيئية، وأخرى لنمط الحياة، ومنها السمنة، التدخين، تناول الكحول بكثرة.

ووفقا لإحدى النظريات فإن المتهم الرئيسي في حدوث المرض هو حدوث رد فعل مفرط أكثر من اللازم من جهاز المناعة تجاه عملية محفزة، مثل التوتر، والإصابة بعدوى (مثل عدوى المكورات العقدية «strep» في البلعوم)، وحدوث خدوش جلدية، أو تناول الأدوية (حاصرات بيتا أو الليثيوم على سبيل المثال).

النظرية الأخرى ترى أن الصدفية هي مرض من أمراض المناعة الذاتية تشارك في حدوثها مادة تسمى «TNF - alpha» (tumor necrosis factor - alpha)، وهي مادة تشارك في رد فعل الجسم العادي عند حدوث عدوى. وتنتج هذه المادة بكمية أكثر من اللازم لدى الأشخاص المصابين بالصدفية، ولهذا فإنها قد تستفز جهاز المناعة لمهاجمة أنسجة الجسم نفسه.

* التشخيص

* لا توجد فحوصات مختبرية لتشخيص الصدفية، إلا أن غالبية الأطباء يشخصون لويحات الصدفية، وهي أكثر أعراض المرض شيوعا، وكذلك الأعراض التي يتحدث عنها المريض، وتاريخه الصحي، والتاريخ الصحي العائلي له. وإلى جانب هذه اللويحات، يمكن أن تشمل الأعراض أظافر الأصابع ذات الندوب، التي فقدت لونها وفقدت سطحها الأملس. كما تظهر لدى بعض المصابين حالات التهاب المفاصل الصدفي (psoriatic arthritis)، مع آلام في المفاصل، والتصلب، والتورم فيها، وخصوصا في الأصابع.

ولا يستطيع الأطباء بسهولة تشخيص أنواع الصدفية الأقل شيوعا (انظر جدول: «أنواع الصدفية.. وصفاتها»). وعلى سبيل المثال فإن الأطباء يمكنهم الخطأ في تشخيص «الصدفية المقلوبة أو المعكوسة» (inverse psoriasis) التي لا تولد أي جلد متقشر، واعتبارها عدوى بالبكتريا أو الفطريات. وفي حالات نادرة يمكن للأطباء أخذ عينة من الجلد للتأكد من الإصابة بالصدفية واستبعاد أي أمراض أخرى.

* العلاج

* ولا يوجد حاليا أي علاج شاف من الصدفية، إلا أن الكثير من العلاجات يمكنها تقليل أعراض المرض وتحسين مظهر الجلد. ويعتمد العلاج على نوع الصدفية، وعلى درجة شدتها، وعلى الأفضليات الشخصية.

ويمكن أن تنفذ الاستراتيجيات الرئيسية الثلاث للعلاج معا أحيانا، وهي: الأدوية الموضعية، والتعريض للأشعة فوق البنفسجية، والعلاجات الجهازية.

* الأدوية الموضعية

* الأدوية الموضعية (topical medications) توظف لعلاج حالات الصدفية الخفيفة إلى المتوسطة. وأولى خيارات العلاج في العادة هي المراهم والكريمات (الدهانات)، والشامبو، والمحاليل السائلة الأخرى، فهي تقلل التقشر، والألم، والحكة، بالإبقاء على الجلد ناعما، ورطبا، أي أقل جفافا.

وتعتمد الخيارات على سهولة استخدام أي منها لمواضع الجسم المختلفة، فمثلا يمكنك وضع المراهم ليلا ثم وضع الكريمات (الدهانات) نهارا لأن تركيز الدهون أقل في الأخيرة. ولأن حالة الصدفية لا تسوء عادة، فإنه إن كانت الحالة خفيفة (لويحة واحدة على الركبة وواحدة أخرى على مرفق اليد، مثلا) فإن كل ما ينبغي عمله هو وضع المراهم المرطبة، بعد الاستحمام.

* قير الفحم (coal tar) يعتبر أحد أنواع العلاج المجربة على مدى الدهر. ولا تزال آلية تأثيره غير واضحة، إلا أنه كما يبدو يخفض تكاثر الخلايا الجلدية التي تقوم بتشكيل اللويحات المتقشرة. ويمكن الحصول على منتجات قير الفحم مثل الدهانات والشامبوهات من دون وصفة طبية، إلا أنها تشوه الجلد والشعر والملابس ببقعها، ولذا يستخدم أكثر المصابين مستحضرات جلدية أخرى.

* الدهانات الاسترويودية القشرية (corticosteroid creams) تقوم بتقليل الالتهاب بسرعة، والتحكم بالحكّة، أي تقليلها، وتساعد في نفس الوقت على درء تشكيل أورام جديدة. وتوضع هذه الدهانات مرتين في اليوم عادة حتى يتم تطهير الجلد وتحسين مظهره، ثم توضع بعد ذلك بشكل متقطع للحفاظ على تلك التحسينات. إلا أن استخدام الأدوية الاسترويودية القشرية القوية لفترات طويلة يمكنه أن يؤدي إلى إلحاق الضرر بالجلد، ولذا ينبغي استخدام أقل الأدوية مفعولا للتحكم بأعراض المرض.

* العلاجات الموضعية الجديدة التي أثبتت فاعليتها تشمل نوعين من فيتامين «دي» - وهما «كالسيبروتين (calcipotriene)، «دوفونيكس» Dovonex)) و«كالسيتريول» (calcitriol)، «فكتيكال» (Vectical) - يؤخذان بوصفة طبية. وهما فعالان بدرجة متساوية، إلا أنه يبدو أن دواء «كالسيتريول» يتسبب في حدوث تهيج أقل للجلد من الدواء الثاني. ويعتقد أن كلا الدواءين يمنع تكاثر الخلايا الكيراتينية.

العلاج الموضعي الآخر هو «تازاروتين» (tazarotene)، «تازوراك» (Tazorac)، وهو من الريتينويدات (retinoid) - وهي شكل مركب صناعيا من فيتامين «إيه» (A) - وقد يقود إلى تجفيف الجلد، ولذلك سيحتاج المريض إلى استخدام مرطبات معه.

* العلاج الضوئي

* الأشعة فوق البنفسجية. تتحسن الصدفية في موسم الصيف لأن الجلد يكون معرضا أكثر لهذه الأشعة الآتية من الشمس، التي تقضي بسرعة على الخلايا المتكاثرة.

ويمكن للمصابين تعريض مناطق الإصابة إلى الأشعة فوق البنفسجية «بي» (ultraviolet B - UVB) بالطريقة المسماة العلاج الضوئي، التي توظف في أي وقت من أوقات السنة لوحدها أو مع علاجات موضعية أخرى. ويتطلب العلاج إجراء 30 جلسة (ثلاث جلسات أسبوعيا لمدة 10 أسابيع)، في المستشفى أو العيادة. كما توجد نظم للعلاج الضوئي المنزلي.

وللعلاج الضوئي علاج قريب جدا منه هو العلاج الكيميائي الضوئي الذي يعرض فيه المريض للأشعة فوق البنفسجية «إيه» (ultraviolet A - UVA) بعد أن يتناول دواء يقوم بعملية التركيب الضوئي. وتتغلغل هذه الأشعة فوق البنفسجية «إيه» إلى أعماق أبعد من الأشعة فوق البنفسجية «بي». ومع أن «UVA» أقل حرقا للجلد من «UVB»، إلا أنها تزيد من خطر إصابته بالسرطان، ولذا فإن اختيار هذا العلاج يتطلب متابعة من طبيب الأمراض الجلدية.

وفي علاج آخر بالأشعة فوق البنفسجية، يرسل شعاع ليزر مركز ذو طاقة عالية على منطقة الإصابة بالصدفية. وهنا يمكن استخدام جرعات عالية من «UVB».

* علاجات شاملة

* علاجات الجهاز (systemic treatments). قد تتطلب الحالات الشديدة من الصدفية العلاج بالأدوية المتناولة عبر الفم أو بواسطة الحقن، التي تؤدي مفعولها لكل الجهاز أو المنظومة. وينبغي مراقبة أي شخص يعالج بعلاجات الجهاز مراقبة دقيقة من قبل الطبيب لأن كل الأدوية قد تولد أعراضا جانبية خطيرة.

وتكون الاختبارات والفحوصات التي يحتاج إليها الطبيب للتأكد من تلك الأعراض تكون ذات كلفة عالية، وكذلك الأدوية نفسها التي لا نعرف حتى الآن مدى سلامتها وفاعليتها على المدى الطويل. ومع هذا فإن بمقدور هذه العلاجات تحسين نوعية الحياة بشكل كبير للمصابين بحالات الصدفية الشديدة، أو المعيقة، أو المسببة لتشويه الشكل.

وهناك نوعان من علاجات الجهاز يستخدمان لعلاج الصدفية: العلاجات التقليدية، والعلاجات البيولوجية (biologics).

* علاجات شاملة تقليدية

* علاجات الجهاز التقليدية تشمل أدوية «ميثوتريكسايت» (methotrexate)، «سايكلوسبورين» (cyclosporine)، و«أسيتريتين» (acetretin) و«سورياتين» (Soriatane).

ودواء «ميثوتريكسايت» هو الأكثر شيوعا في وصف الأطباء له لعلاج الجهاز. وقد استخدم بالأساس لعلاج السرطان، وهو يقوم بتثبيط عمل إنزيم يشارك في عملية تكاثر الخلايا (وتكون الجرعات التي تؤخذ منه لعلاج الصدفية والتهاب المفاصل الصدفي أقل بكثير من جرعات العلاج الكيميائي للسرطان). أما دواء «سايكلوسبورين» الذي يؤخذ عن طريق الفم فإنه يؤدي مهمته بوقف نشاط نوع من الخلايا المناعية وإبطاء نمو الخلايا الجلدية. وتشمل أخطار تناول «ميثوتريكسايت» حدوث أضرار في الكبد والكلية، أما خطر «سايكلوسبورين» فيشمل خطر حدوث ضرر في الكلية وارتفاع ضغط الدم.

وبالنسبة إلى دواء «أسيتريتين» فإنه يعتقد أنه يساعد في التحكم بتكاثر الخلايا. ويوصى بتناوله في الغالب لأنواع الصدفية البثرية (pustular psoriasis) وحالة احمرار الجلد بسبب الصدفية (erythrodermic psoriasis). وتشمل الأعراض الجانبية المحتملة له التهاب الشفة وسقوط الشعر.

ولا ينبغي على النساء الحوامل أو اللواتي يرغبن في الإنجاب تناول أدوية «ميثوتريكسايت»، أو «سايكلوسبورين»، أو «أسيتريتين». أما النساء اللواتي يتناولن «أسيتريتين» فعليهن تجنب الحمل لمدة ثلاث سنوات بعد التوقف عن تناوله.

* الأدوية البيولوجية

* وهي أدوية «مكيّفة للمناعة» (immunomodulatory drugs)، تعمل بواسطة تثبيط تأثيرات عدد من عناصر جهاز المناعة، ومنها: «TNF - alpha»، و«IL - 12»، و«IL - 23». وهذه الأدوية هي خيارات علاجية مهمة للأشخاص المصابين بلويحات الصدفية المعتدلة إلى الشديدة، الذين لم تستجب حالاتهم، أي لم تتحسن، بعد استخدام العلاجات الأخرى.

وتشمل العلاجات البيولوجية «أداليماماب» (adalimumab)، «هيوميريا» (Humira)، «إيتانيرسيبت» (etanercept)، «إنبريل» (Enbrel)، «إنفليكسيماب» (infliximab)، «ريميكايد» Remicade))، «استيكناماب» (ustekinumab)، «ستيلارا» (Stelara)، و«أليفاسيبت» (alefacept) «أميرفايف» (Amevive).

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة المرأة»، خدمات «تريبيون ميديا».