عودة مثيرة للسعال الديكي

المرض يزداد انتشارا بين المراهقين والبالغين رغم التطعيم ضده

TT

لمدة أربعة أسابيع، كانت ابنتي البالغة من العمر 11 عاما تسعل، لم تكن نزلة برد صيفية عادية، لكنها نوبة سعال حاد ومنهك كان يصيب جسدها، عادة في الليل.

وأثناء هذه النوبات من السعال، كان وجهها يتحول إلى اللون الأحمر وتبدأ الدموع في التدفق من عينيها. كانت تسعل بشدة، وفي النهاية تبدأ في الشهيق، ويصدر عنها صوت عال للغاية لدرجة أنني كنت في بعض الأوقات أسرع إلى الاتصال بالطوارئ. بيد أنها في النهاية كانت تكتم أنفاسها. وكانت تسعل مرات كثيرة سعالا شديدا، وتبدأ في التقيؤ.

لقد ذهبت بضع مرات إلى طبيب الأطفال قبل أن نعرف تشخيص حالتها في النهاية: إنه السعال الديكي whooping cough)) pertussis، ذاك المرض البكتيري الذي يعرف أيضا باسم الشهقة.

* عودة السعال الديكي

* قد يبدو ذلك أمرا غريبا، إذ إنها، شأنها شأن غيرها من الأطفال، تلقت التطعيم ضد هذا المرض في الميعاد المحدد، عندما كانت طفلة رضيعة، ومرة أخرى قبل دخول المدرسة. لكن في السنوات الأخيرة، عاد مرض السعال الديكي عودة مثيرة للقلق، حتى بين المراهقين والبالغين الذين تم تطعيمهم عندما كانوا في سن الطفولة.

ويعد السعال الديكي، وهو مرض شديد العدوى وينتقل عن طريق السعال والعطس، وباء في كاليفورنيا، حيث رصدت فيها 2774 حالة مؤكدة مصابة بهذا المرض في عام 2010، وهي سبعة أضعاف الحالات المؤكدة العام الماضي، مما يضع هذه الولاية على طريق أسوأ تفش لهذا المرض في خمسين عاما. ولقي سبعة أطفال رضع حتفهم جراء الإصابة بهذا المرض في الولاية.

وفي الشهر الحالي، أصدرت الإدارة الصحية في بنسلفانيا تحذيرا للأطباء، بعد أن أشار مسؤول بارز في قطاع الصحة إلى معدل مرتفع، على غير العادة، من تفشي السعال الديكي بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من 8 إلى 12 عاما في ضواحي فيلادلفيا. كما تم الإبلاغ عن تفشي المرض في شمال نيويورك وكارولينا الجنوبية وميتشيغان.

ولا يعرف أحد، على وجه التحديد، السبب وراء ذلك. في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، كان السعال الديكي مرضا مميتا بين الأطفال، حيث بلغ عدد الإصابات في العام 250 ألف حالة وعدد الوفيات 9 آلاف حالة، وفقا لبيانات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها. وفي أربعينات القرن الماضي، طرحت السلطات الصحية لقاحا موحدا ضد الدفتيريا والسعال الديكي والتيتانوس (الكزار) المسمى D.P.T، أو DTaP. وبحلول عام 1979، تم القضاء على السعال الديكي تقريبا، حيث لم يتم الإبلاغ سوى عن 1010 حالات فقط.

بيد أنه منذ ثمانينات القرن الماضي، كان معدل الإصابة بهذا المرض في ازدياد، على الرغم من استخدام لقاحات جديدة ذات آثار جانبية أقل بكثير، وتوصية من مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها للمراهقين والبالغين بتناول جرعة تعزيزية من اللقاح لتقوية المناعة.

وفي عام 2008، كانت هناك 13 ألف حالة، وذكرت السلطات الصحية أن الرقم الفعلي قد يكون أعلى بكثير – من 800 ألف إلى 3.3 مليون حالة في العام – لأن الحالات التي تم الإبلاغ عنها لا تعكس سوى الحالات التي تم تأكيدها عن طريق الاختبار، وكان هناك الكثير من الحالات بين البالغين والمراهقين غير مشخصة.

* تفسيرات محتملة وهناك تفسيرات كثيرة لارتفاع الحالات المصابة بالسعال الديكي، لكن التفسير المرجح هو ضعف المناعة بعد التطعيم. وقال الدكتور توم كلارك، الخبير في علم الأوبئة في مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، «المناعة تتناقص تدريجيا، لا سيما بين البالغين الذين تلقوا الجرعة الأخيرة من التطعيم قبل عقود».

وعلاوة على ذلك، ينتظر البالغون والمراهقون في الغالب أسابيع قبل السعي للعلاج من السعال المزمن، وحتى بعد ذلك قد لا يدرك الأطباء أن هذا المرض هو السعال الديكي.

وقال الدكتور كلارك: «لا يأخذ الشخص في التفكير بشأن السعال الديكي إلا عندما يستمر لعدة أسابيع، وعندها ليس من المحتمل أن يحدث العلاج اختلافا، وتكون قد نقلت المرض إلى أناس آخرين».

وقد يكون انخفاض استخدام المضادات الحيوية لمعالجة نوبات السعال البسيطة ونزلات البرد، أحد العوامل الأخرى. وفي حين يشعر الأطباء بقلق مشروع من أن يؤدي الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية إلى تطور البكتيريا المقاومة للأدوية، قد تكون هذه الأدوية عالجت في الماضي، من دون قصد، الكثير من حالات السعال الديكي من دون تشخيص.

ولا يبدو ارتفاع الإصابة بالسعال الديكي مرتبطا برفض الآباء تطعيم أطفالهم مخافة الآثار الجانبية المحتملة للتطعيم. وفي كاليفورنيا، تعد معدلات الإصابة بالسعال الديكي متساوية تقريبا مع المقاطعات التي يوجد بها معدلات تطعيم عالية ومنخفضة. وذكر مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن معدلات المناعة ضد الإصابة بالسعال الديكي كانت مستقرة أو ارتفعت منذ عام 1992.

ويجرى بذل جهود لرفع الوعي بالسعال الديكي وتشجيع تناول اللقاحات التعزيزية للأطفال الأكبر سنا والمراهقين والبالغين. وترعى شركة «مارش أوف دايمز» وشركة «سانوفي أفنتيس» للقاحات إعلانات الخدمة العامة، وتقدم مواقع إلكترونية مثل موقع «woopingcough.net» مواد سمعية ومرئية للبالغين والأطفال الذين يعانون السعال الديكي. وتقدم بعض الإدارات الصحية والمستشفيات، كتلك الواقعة في كاليفورنيا وبنسلفانيا، لقاحات مجانية للأمهات والأطفال الرضع.

وقال الدكتور ستفين أوستروف، الطبيب العام في بنسلفانيا، إن مكتبه أصدر تحذيرا للأطباء الشهر الحالي بعد مشاهدة معدلات أعلى من المعتاد من الإصابة بالسعال الديكي في الكثير من المقاطعات. وأضاف: «بمجرد عودة الأطفال إلى المدارس، من الممكن أن يتسبب طفل واحد مصاب في نقل العدوى إلى المدرسة، ويصبح لديك هذه السلسلة اللانهائية من انتقال المرض والتي يصعب إيقافها». وقد تصاب بهذه البكتيريا خلال ثلاثة أسابيع من الاتصال مع شخص يعاني السعال الديكي.

خلال الأسبوع الأول إلى الثاني من المرض، تكون الأعراض خفيفة. لكن خلال المرحلة الثانية، التي يمكن أن تستمر من أسبوع إلى ستة أسابيع، قد تكون هناك نوبات شديدة من السعال، وسيعاني بعض المرضى، وليس جميعهم، الشهيق.

وقد تكون نتائج اختبار السعال الديكي غير مضمونة. وقد يتم طلب الخضوع لاختبار مزرعة بكتيرية للإفرازات الأنفية، لكن النتائج من الممكن أن تستغرق فترة تصل إلى أسبوعين. ومن الممكن أن تظهر نتائج اختبار تفاعل البوليميريز المتسلسل PCR test، الذي يشمل أخذ مسحة من باطن الوجنتين داخل الفم، للبحث عن المواد الجينية للميكروب، في غضون أيام، لكن لا تقوم جميع المختبرات بهذا الاختبار. وفي العادة لا يمكن التعويل على نتائج هذين الاختبارين سوى في الأيام الأولى من المرض، قبل تناول المضادات الحيوية. ومن الممكن أن يقود نقص المعرفة بشأن اختيار الاختبار، وقلة خبرة الفنيين في أخذ العينات من داخل الفم إلى تشخيص سلبي وكاذب.

وقال الدكتور نيل فيشمان، إخصائي الأمراض المعدية بجامعة بنسلفانيا: «تعد هذه الاختبارات جديدة نسبيا في المختبرات، ونحتاج إلى القيام بتعليم الأطباء بشأن الاختبارات التشخيصية المتوافرة».

ومن المثير للقلق أن السعال الديكي يشار إليه في بعض الأحيان على أنه «سعال المائة يوم». وتحدث جميع الأضرار تقريبا قبل التشخيص، لأن البكتيريا تطلق السموم التي تؤدي إلى التهابات في بطانة الرئة. وقد يستغرق التعافي من هذا المرض وقتا طويلا وقد يكون صعبا، حتى بعد العلاج بالمضادات الحيوية.

وقال الدكتور أوستروف: «يستغرق الأمر فترة طويلة لحدوث عملية الشفاء. فكر في الأمر وكأن إعصارا ينطلق إلى الحي الذي تعيش فيه. قد يمر هذا الإعصار بسرعة عالية نسبيا، لكن يستغرق الأمر وقتا طويلا لإزالة الأضرار. وينطبق ذلك أيضا على هذا النوع من العدوى».

* خدمة «نيويورك تايمز»