«ألد الخصام».. ومخاطر الإصابة بأمراض القلب

الشخصية المخاصمة والعدوانية عرضة للإصابة بها أكثر من المسالمة

TT

استخدمت العرب كلمة «الألد» لوصف الشخص «الخصيم» الشديد التأبي. وأصل «الألد» هو الشديد اللدد، أي شديد صفحة العنق، وذلك إذا لم يمكن صرفه عما يريده بعناده وغطرسته. وقالوا: فلان يتلدد، أي يتلفّت. وهذه العلاقة بين صلابة «العنق» والشخص «ألدّ الخصام» ربما لها ما يبررها من الناحية الطبية، وخاصة في جانب صحة شرايين القلب والدماغ. وهو ما يعود بنا لتذكر أن الشخص الموصوف بطيبة القلب، هو بالفعل ربما يمتلك قلبا ذا صحة طيبة أيضا.

في السادس عشر من شهر أغسطس (آب) الماضي، عرضت رابطة القلب الأميركية AHA)) في موقعها الإلكتروني ما تم نشره في مجلة «هايبرتنشن» (Hypertension) أو «ارتفاع ضغط الدم»، التي تصدرها الرابطة، عن دراسة الباحثين من المؤسسة القومية الأميركية للشيخوخة NIA)) حول علاقة الشخصية كثيرة الخصومة والشخصية المسالمة بخطورة ارتفاع الإصابات بأمراض شرايين القلب وشرايين الدماغ.

وفي الدراسة الحديثة، قام الباحثون بمتابعة أكثر من 5600 شخص من البالغين في أربع قرى في جزيرة سردينيا الإيطالية، وذلك لمدة ثلاث سنوات. وتم في الدراسة تقييم شخصية المشمولين بالدراسة وفق اختبارات تقييم الشخصية، لجهة الاتصاف بسمات العدوانية والخصومة والمعاندة (antagonistic traits)، أو التحلي بسمات المسالمة والموافقة والانسجام مع الغير (agreeable traits). وتراوحت أعمار المشاركين ما بين 14 إلى 94 سنة، منهم نحو 60 في المائة من النساء.

وتم إجراء فحص بالأشعة ما فوق الصوتية لتقييم سمك جدار الشرايين في خمسة مواقع لشرايين الرقبة. كما تم فحصها لمعرفة مدى وجود عوامل أخرى لخطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية والدماغية، مثل ارتفاع ضغط الدم، ونسبة الكولسترول والدهون الثلاثية، ومرض السكري، وغيرها.

في بداية الدراسة لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين اتصفوا بالخصومة العنيفة في التنافس، لديهم سمك أكبر في جدران شرايين الرقبة، أو ما يسمى بالشرايين السباتية للرقبة (neck carotid arteries). وذلك بالمقارنة مع الأشخاص المسالمين والأكثر موافقة عند التنافس واحتداد المناقشات.

ومعلوم أن مقدار الزيادة في سمك جدران شرايين الرقبة، له علاقة طردية مباشرة بالزيادة في خطورة احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب وأمراض شرايين الدماغ، ويعتبر سمك جدار شرايين الرقبة أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ، لأن الزيادة تلك تعني ترسب المزيد من الكولسترول والدهون في داخل الشرايين، وبالتالي زيادة الضيق في مجاريها، ونقص تدفق الدم من خلالها. وتداعيات أمراض شرايين القلب تشمل آلام الذبحة الصدرية ونوبات الجلطة القلبية وفشل القلب واضطرابات نبض القلب وغيرها، وتداعيات أمراض شرايين الدماغ تشمل نوبات سكتة الجلطة الدماغية، وحالات نزيف الدماغ، وعته الخرف وغيرها.

وبعد ثلاث سنوات، وجد الباحثون أن الأشخاص المعاندين وكثيري الخصومة، وخاصة منهم أولئك الذين تسهل إثارة غضبهم، زادت لديهم سماكة جدران شرايين الرقبة. وتحديدا بلغت الزيادة في سمك جدران شرايين الرقبة نسبة 40 في المائة لدى أولئك الغاضبين المخاصمين المعاندين. بينما لم تتجاوز الزيادة لدى المسالمين نسبة 10 في المائة.

وعلّقت الدكتورة أنجيلينا سيتن، الباحثة الرئيس في الدراسة، بالقول إن الأشخاص الذين ديدنهم التنافس مع الغير، ويميلون بشكل واضح إلى المقاتلة من أجل رغبتهم الشخصية في ذلك، لديهم سماكة أكبر في جدران الشرايين، وهو ما يعتبر أحد عوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين القلبية. وأضافت قائلة: «الأشخاص المسالمون والمتوافقون هم الذين ديدنهم منح الثقة للغير، والسير في طريق واضح ومستقيم في العلاقة مع الغير، وإظهار الاهتمام بالغير، بينما الأشخاص المعاندون المخاصِمون ديدنهم عدم الثقة بالغير، وكثرة الشكوك، وكثرة تعيير الآخرين، وسلوك طريق المناورة والتلاعب والإعجاب الشديد بالنفس، والغطرسة والتعجرف، وسرعة التعبير عن الغضب».

واستطردت في ذكر جانب مهم جدا للنساء، وهو أن الرجال في العموم كان لديهم سماكة أكبر في جدران الشرايين، مقارنة بالنساء. ولكن النسوة اللاتي كن يتسمن بالعدوانية وكثرة الخصومة، كن أشبه بالرجال في الإصابة بزيادة سمك الشرايين. ومعلوم أن النساء بالعموم أقل عرضة للإصابة بأمراض الشرايين، نظرا لأن هرمونات الأنوثة تحميهن من ذلك عادة. ولكن ما لاحظه الباحثون أن العدوانية وكثرة الخصومة والمنافسة لدى المرأة تحرمها من هذه الوسيلة الطبيعية لحماية الشرايين من ترسبات الكولسترول والدهون. وتحديدا قالت: «العدوانية وكثرة الخصومة أقوى تأثيرا على شرايين النساء، مقارنة بالرجال».

والواقع، كما ذكر الباحثون، أن الأطباء عادة ما يهتمون بالعوامل التقليدية للإصابة بأمراض شرايين القلب والدماغ، مثل التدخين وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكولسترول ومرض السكري والسمنة، ويغفلون عن العدوانية والغضب وكثرة الخصومة. ولحماية شرايين القلب والدماغ، تقول الدكتورة سيتن: «على الناس أن يتعلموا كيف يضبطون غضبهم ويعبرون عنه بطريقة أكثر قبولا من الناحية الاجتماعية».

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض