صحة أفضل.. بمساعدة بسيطة من أصدقائك

شبكات الأصدقاء والجيران المحلية تلعب دورا مهما في تعزيزها

TT

هل تسهم شبكتك الاجتماعية في زيادة وزنك؟ وهل تدفعك سلوكيات أصدقائك وعائلتك إلى الإفراط في التدخين أو الشراب، أو الى تقليل ساعات النوم؟

إن كانت علاقاتنا تسهم في السلوكيات التي تقوض صحتنا، فهل يمكننا أن نسخر الشبكات الاجتماعية من أجل العناية بها؟

هذه هي بعض الأسئلة الملحة المطروحة في «علم الشبكات»، العلم الجديد الذي يدرس كيفية انتشار التغيرات السلوكية عبر الشبكات الاجتماعية. فمن خلال الشبكات الاجتماعية، لا أقصد عمليا الصداقة العابرة، بل العلاقات العائلية والتقليدية مع الأشخاص الذين نلتقيهم بانتظام من الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل والجيران.

* صحة «اجتماعية»

* يقول الدكتور نيكولاس كريستاكيس، الأستاذ بجامعة هارفارد، الذي يدرس الصحة والشبكات الاجتماعية: «إن العيش في بنية اجتماعية، مثلما يعيش النمل، نظام قديم للغاية. فقد نظم البشر أنفسهم للعيش في شبكات اجتماعية لمئات وآلاف السنين».

كان الدكتور كريستاكيس وزميله في البحث الدكتور جيمس فاولر، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، قد أحدثا ضجة عالمية عام 2007 عندما نشرا دراسة حول السمنة، أشارا فيها إلى أن الدهون يمكن أن تكتسب وتنتشر عبر الشبكات الاجتماعية. كانت إحدى نتائج الدراسة: تزايد فرص بدانة الأشخاص بنسبة 57% إذا كان الشخص صديقا لأشخاص بدناء. وكانت هناك نتيجة أخرى للدراسة التي نشرت في دورية «نيو إنغلاند جورنال أوف ميدسين»، تفيد بأن فرص الشخص في البدانة لا تتأثر بزيادة وزن الأصدقاء فقط، بل بزيادة وزن أصدقاء الأصدقاء.

منذ ذلك الحين بدأ الباحثان في دراسة تأثير السلوكيات المرتبطة بالصحة والأوضاع المنتشرة عبر الشبكات الاجتماعية مثل استخدام العقاقير والأرق بين المراهقين والتدخين والسعادة، ونشرا كتابا شرحا فيه الدراسة حمل عنوان «الترابط.. القوة المذهلة لشبكاتنا الاجتماعية وكيفية صياغتها لحياتنا».

ويركز الدكتور كريستاكيس والبروفسور فاولر، إلى جانب باحثين آخرين، جهودهم إلى ميدان بحثي جديد حول كيفية تسخير الشبكات الاجتماعية لتعزيز الصحة العامة.

نحن نعلم يقينا، بطبيعة الحال، أن الأشخاص يستطيعون ويقومون بتغيير عاداتهم الصحية عندما يرغبون في ذلك ويشاركون في شبكات اجتماعية للتخلص من الوزن. لكن كيف يمكن استخلاص معلومات من الشبكات الاجتماعية القائمة لتحسين الصحة العامة؟

تقوم إحدى هذه الطرق على تحديد الأفراد المتواصلين اجتماعيا، الذين يقضون وقتا مع أصدقاء أكثر من المعتاد، ومن ثم فهم معرضون للمزيد من الجراثيم وأكثر احتمالية لأن يكونوا من بين أوائل الناقلين للأمراض المعدية مثل الإنفلونزا. إذا كان مسؤولو الصحة قادرين على إيجاد تلك «الفراشات» الاجتماعية وتعقبها، فسيتمكنون من العثور على أنظمة إنذار مبكر للأمراض الوبائية، وتحديد الأفراد الذين ينبغي تزويدهم بالأمصال أولا للحد من انتشار المرض.

* شبكات مراقبة الأمراض

* خلال الشتاء الماضي قام الدكتور كريستاكيس والبروفسور فاولر بتجربة هذه الاستراتيجية، بمراقبة أصدقاء بعض الأفراد، لتعقب انتشار إنفلونزا الخنازير في هارفارد. وقاموا بمراقبة 744 طالبا في السنة النهائية الذين تم اختيارهم عشوائيا، أو تمت تسميتهم كأصدقاء من قبل الطلاب الذين اختيروا عشوائيا، ثم تابعوا فيما بعد هؤلاء الطلبة، مستخدمين السجلات الطبية للتعرف على الطلبة الذين لجأوا إلى عيادات الخدمة الصحية للجامعة للشكوى من أعراض الإنفلونزا.

قامت الدراسة على «مفارقة الصداقة»، فكرة غريبة بأن أصدقاءك لديهم أصدقاء أكثر منك. أو بعبارة أخرى: ربما تكونون أصدقاء لأشخاص مشهورين أكثر من الأشخاص المنعزلين. وهؤلاء الأشخاص المشهورين يميلون لأن يكونوا أقرب إلى محور الشبكات الاجتماعية.

أوضحت دراسة هارفارد، التي نشرت مؤخرا في دورية PLoS One، انتشار الإنفلونزا في مجموعة الأصدقاء قبل أسبوعين، منها في المجموعة التي تم اختيارها عشوائيا. تشير النتائج، حسب القائمين على الدراسة، إلى أن مسؤولي الصحة العامة يمكن أن يستخدموا مراقبة الصديق كنظام إنذار مبكر للأمراض.

أنظمة مراقبة الصديق، يمكن أن تستخدم أيضا في تحديد مسارات الإنفلونزا أسرع من الطرق التي يستخدمها الآن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، أو على غوغل لهذا الأمر؛ لأن نظام الصديق يبعث بإشارات على الأمراض المعدية قبل ظهورها في الأفراد بشكل عام، بحسب رأي البروفسور فاولر.

وقال فاولر: «على الرغم من دراستنا لإنفلونزا الخنازير فقط، يمكن لهذه الطريقة أن تطبق على أي شيء قابل للانتشار، مثل التدخين وزيادة الوزن».

ويدرس بعض الباحثين كيفية تأثير بنية الشبكات الاجتماعية على التزام الأفراد بالعادات الصحية. ونتيجة لذلك، أجرى دامون سينتولا، أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي المساعد في كلية سالون للإدارة في معهد ماساشوستس للتقنية، تجربة شارك فيها أكثر من 1500 شخص. وأنشأ منتدى صحيا على شبكة الإنترنت؛ حيث يمكنهم الدخول إلى المواقع الصحية وتصنيفها.

بعد ذلك قام البروفسور سينتولا بتقسيم المشاركين بصورة عشوائية إلى مجموعتين، تم إنشاء الأولى كحي سكني يتمتع بعلاقات متداخلة بين الجيران، أما الثانية فكانت شبكة غير منتظمة لا تتقاسم أية روابط اجتماعية.

تم ربط كل عضو بالأعضاء الآخرين، الذين يسمون «شركاء الصحة». وعلى الرغم من عدم قدرة الأفراد على الاتصال بأصدقائهم بصورة مباشرة، فإنهم تلقوا رسائل البريد الإلكتروني من هذا النظام بشأن أنشطة شركائهم على الموقع.

* أواصر الأحياء السكنية

* أوضحت الدراسة التي نشرها سينتولا الشهر الجاري في دورية «ساينس»، أن نظام الحي أكثر فاعلية من الشبكة الاجتماعية العشوائية في تحفيز الأفراد في الدراسة للمشاركة والانضمام إلى المنتدى الصحي. الأهم من ذلك، كما يقول الدكتور سينتولا، أن كثرة رسائل البريد الإلكتروني التي يتلقاها الأفراد من شبكتهم الاجتماعية، تسهم بصورة أكبر في عودتهم إلى المنتدى.

يعني ذلك من ناحية عملية: أن مقدار التعزيز الاجتماعي الذي تقدمه الشبكة للأفراد لتحسين عاداتهم الصحية ربما يكون أكثر أهمية من الأشخاص الذين يشجعونهم على القيام بذلك. وبعبارة أخرى، فإن الشبكات الاجتماعية المحلية من الأصدقاء والجيران ربما تكون أكثر أهمية من شخصية شهيرة بعيدة، في وقف انتشار الأمراض، كالأمراض التي تنتشر عن طريق الجنس، على سبيل المثال، بين الشباب.

ويقول سينتولا: «إن ذلك يشكل فارقا كبيرا بين كيفية اتصالك بالأفراد أكثر من الشخص الذي يؤثر على السلوكيات المرغوبة». كما أنها تنبئنا أيضا أنه على الرغم من أن زيادة وزن أصدقائنا وأصدقاء أصدقائنا يمكن أن تجعلنا أكثر بدانة، يمكن لصلاتنا الوثيقة أن تؤدي إلى خيارات صحية أفضل مثل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية بصورة أكبر أو قلي المزيد من الخضراوات.

لكن إذا كنا نرغب في القيام بتغيرات شاملة في عاداتنا الغذائية، ربما نكون بحاجة إلى عملية تعزيز اجتماعي، يقوم فيها أصدقاؤنا، ناهيك عن أصدقائهم، بتغيير عاداتهم الغذائية معنا. وهذا ليس بالعمل الهين لشبكة اجتماعية.

* خدمة نيويورك تايمز