أول تجربة في العالم لانتقال جسيمات نانوية من الرئتين نحو مجرى الدم

تبشر بتطوير عقاقير ولقاحات سريعة وموجهة

TT

تتبع علماء أميركيون للمرة الأولى حركة جسيمات نانوية (النانومتر = 1 من المليار من المتر) من الرئتين إلى مجرى الدم. وقد يتيح هذا الأمر صناعة عقاقير جديدة، ويوضح كيف يمكن للتلوث أن يتسبب في حدوث مشكلات في الجهاز التنفسي.

حقن باحثون من مركز «بيت إسرائيل الشماسة» الطبي وكلية الصحة العامة بجامعة هارفارد رئات فئران بجسيمات نانوية مضيئة، واستعانوا بتصوير بواسطة الأشعة القريبة من تحت الحمراء لمراقبة تحرك الجزيئات عبر أجسام الفئران. وتتبع العلماء المدى الذي يمكن للجسيمات النانوية المضيئة بأحجامها وأشكالها وشحنتها السطحية المختلفة أن تتحرك فيه وسرعة تحركها بعد حقنها.

واكتشف العلماء أن الجسيمات النانوية التي يتراوح قطرها بين 6 و34 نانومترا، تستطيع تجاوز خطوط دفاع الرئتين والوصول إلى العقد اللمفاوية ومجرى الدم. وربما يقدم هذا الاكتشاف دليلا إرشاديا لكيفية صناعة عقاقير تقوم على الجسيمات النانوية.

عقاقير متناهية الصغر من الممكن أن يفيد الحجم الصغير لتلك الجسيمات في توصيل العقاقير للدم، حيث يحتاج العقار لأن يتخلل حواجز الأنسجة ومحاربة الخلايا المناعية حتى يوصل في النهاية الجرعة العلاجية قبل الخروج من الجسم، لتجنب حدوث أعراض أي تسمم. ويستغل العلماء حجم وشكل الجسيمات النانوية ومواصفاتها الأخرى لإيجاد التركيبة الصحيحة التي يمكن أن تحملها بفاعلية عبر الجسد.

ويقول ستيفن برودي، الأستاذ المساعد لكلية الطب جامعة واشنطن: «إننا نسير جميعنا وفقا لمنحنى تعلم محدد، فعندما نبدأ في تصميم الجسيمات النانوية كحاملات للعقاقير، فنحن بحاجة إلى أن نفهم القواعد. ويوضح لنا هذا الأمر، بعض القواعد»، كما أوردت مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.

وتقول أكيرا تسودا، وهي مسؤولة البحث في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد، إن الرئتين يمكن أن تكونا مدخلا جيدا تمر من خلاله العقاقير لأن سطح الرئتين متسع ورقيق وأملس مما يتيح للعقاقير العبور إلى باقي الجسد، لكن للرئتين آليات دفاع قوية، فدائما ما تكون الخلايا المناعية نشطة وتبحث عن جزيئات غريبة لتدمرها.

ولم تتضح بعد الآلية التي تسمح لبعض الجسيمات بالمرور عبر الرئتين اللتين تقومان بالقبض على جسيمات أخرى وتدمرها. ويمكن أن يساعد تحديد هذه المعايير الباحثين على صناعة عقاقير أكثر فاعلية، وكذلك في معرفة المزيد عن ملوثات البيئة. تجربة جديدة واشتركت تسودا مع جون فرانجوني، خبير التصوير بكلية الطب جامعة هارفارد، في فريق واحد. وصمم فرانجوني نظام التصوير المستخدم في رصد جسيمات النانو. وساعد هاك سو تشوي، المدرس بكلية الطب جامعة هارفارد، في تصميم عدد من جسيمات متناهية الصغر، مثل بلورات صغيرة شبه موصلة وقام بتغير حجمها وشكلها وشحنة سطحها بشكل منهجي. وأوصل الباحثون بكل جسيم مسبارا من الفلورسنت ليجعله متوهجا في الجسم عند مشاهدته باستخدام جهاز تصوير الأشعة القريبة من تحت الحمراء.

وطورت شركة «بيلهام بلاستيكس» المصنعة للأجهزة الطبية أنبوبة قسطرة يمكن تعديلها بحسب الحاجة لتوصيل الجسيمات النانوية إلى رئة فأر. ومكنت أنبوبة القسطرة الباحثين من حقن الرئة مباشرة بالجسيمات مع السماح بالتنفس في الوقت ذاته من خلال التثبيت على جهاز تنفس صناعي.

ورصد الفريق تدفق الجسيمات النانوية من البداية ولمدة ساعة بعد عملية الحقن. ووجدت تسودا أن حجم الجسيم كان من أهم العوامل التي تحدد مروره عبر الرئتين، ويليه في الأهمية الشحنة الخارجية له. وانتقلت الجسيمات الأصغر من 6 نانومترات التي تحمل شحنة سالبة وموجبة من الرئتين إلى العقد الليمفاوية ومجرى الدم خلال دقائق قليلة. وظهرت هذه الجسيمات وهي مضيئة في الكليتين بعد وقت قصير، مما يشير ضمنا إلى إمكانية التخلص منها خارج الجسم بسهولة. ونشرت النتائج في آخر عدد من مجلة «نيتشر بيو تكنولوجي» العلمية.

لقاحات نانوية ويرى ديفيد إدواردز، أستاذ العملي بكلية هندسة التقنيات الطبية بجامعة هارفارد الذي يعمل لدى شركة «غوردون مكاي»، أن النتائج التي توصلت إليها المجموعة يمكن أن تمثل إطارا مبدئيا لصناعة أمصال ذات فاعلية، التي غالبا ما تستهدف الخلايا المناعية في العقد الليمفاوية.

ويقول إدواردز إن هذه النتائج يمكن أن تعطي تفسيرا يتعلق بالجزيئات لنجاح لقاحات بعينها، مثل لقاح التهاب الكبد الوبائي (بي) الذي يتكون من جزيئات يتراوح حجمها من 6 إلى 34 نانومترا، ويضيف: «فجأة يوضح هذا ما الذي يصل إلى النظام الليمفاوي بالتحديد، الذي يمكن أن يصل إلى مجرى الدم».

ويقول جوزيف ديسمون، مدير الطب النانوي بجامعة نورث كارولينا في مدينة تشابيل هيل إن هذا العمل «لا يمهد الطريق لطرق علاجية جديدة فيما يتعلق بتوصيل العقار إلى الرئتين وحسب، بل بالتوصيل الممنهج من خلال العلاج الرئوي».

وتخطط تسودا وزملاؤها من الباحثين للقيام بدراسات مشابهة في المستقبل لتقييم تحرك جسيمات النانو من التجويفات الأنفية إلى المخ، أملا في التوصل إلى إرشادات يمكن من خلالها تصنيع عقاقير تعطى عن طريق الأنف لعلاج الاضطرابات العصبية.

ويقول ديسيمون: «سيكون من المثير الاستعانة بمنهجهم لاكتشاف أمور وفرص لعبور الحاجز الدماغي الدموي من خلال إعطاء الدواء عبر الأنف».