دراسات حديثة تؤكد.. دور «الغذاء الكيتوني» في علاج الصرع

«المرض المقدس» الذي أرق العظماء والمشاهير

TT

يمثل مرض الصرع مشكلة مؤرقة للأسر التي يعاني أحد أطفالها من هذا المرض، إذ توجد صعوبة في السيطرة على نوبات التشنجات بالعقاقير الدوائية، الأمر الذي دعا العلماء إلى مداومة البحث عن علاجات غير تقليدية، في محاولة لمواجهة القلق الذي يشغل تلك الأسر وبث الأمل من جديد في صدورهم.

ويعتبر الصرع، الذي سمي منذ عهود قديمة باسم «المرض المقدس»، نظرا للاعتقاد السائد آنذاك، بأن من يعانيه يشاهد رؤى ربانية أثناء تعرضه للتشنجات، إحدى كبرى المشكلات العصبية التي واجهت البشرية، وعدد من أهم رموزها على مر التاريخ، إذ أكد الخبراء، عبر التحليل العلمي للأحداث التاريخية، إصابة كل من الفيلسوف سقراط والإسكندر الأكبر ويوليوس قيصر ونابليون بونابرت وعذراء اللورين المناضلة جان دارك وإيفان الرهيب قيصر روسيا والروائي فيودور دوستويفسكي، وآخرين لا حصر لهم، بالمرض.

ومن ضمن محاولات العلماء للتغلب على مرض الصرع، خرجت دراسة أميركية حديثة تبعث من جديد مفهوما وأبحاثا ظهرت في بدايات القرن العشرين، مفادها أن الاعتماد على بعض أصناف الغذاء قد يسهم في معالجة مرض الصرع.

وأظهرت الدراسات الحديثة، التي قامت بها مراكز الأبحاث التابعة لمستشفى جون هوبكنز الأميركي على 150 طفلا من مرضى الصرع تم علاجهم بطريقة الغذاء، استفادة واضحة من العلاج، الذي استمر ما بين 12 وحتى 24 شهرا على زيارات متوالية للعيادة الخارجية كل ثلاثة أشهر، وأسهم في تقليل نسبة حدوث النوبات لدى المرضى.

وقد أظهرت الدراسة التي أجريت على 18 طفلا، تم علاجهم بالغذاء كخط علاجي أول، السيطرة على النوبات تماما في أسبوعين فقط من بداية العلاج في 10 أطفال أي بنسبة 56 في المائة من الفئة العمرية التي تتراوح بين سنة وثلاث سنوات.

وظهرت هذه الطريقة العلاجية في بداية العشرينات من القرن الماضي واستمرت بنجاح حتى الثلاثينات، أي حتى بداية ظهور الأدوية الفعالة المضادة للصرع، التي مكنت معظم المرضى من السيطرة على نوبات الصرع بنسب متفاوتة. غير أن استخدام طريقة الغذاء عادت للظهور مرة أخرى في منتصف التسعينات من القرن الماضي، حيث أثبتت فاعلية في علاج المرضى الذين لم يستجيبوا بسهولة لمضادات الصرع.

* غذاء كيتوني

* وبداية يجب توضيح لفظ غذاء كيتوني (ketogenic diet)، وهو الغذاء الذي يحتوي على كمية كبيرة من الدهون وكمية قليلة من الكربوهيدرات وكمية متوازنة من البروتينات. وهي طريقة غير دوائية لعلاج الصرع عند الأطفال الذين لا يستجيبون بسهولة للأدوية المضادة للصرع.

وفي السنوات الأخيرة ظهرت عدة دراسات تقترح العودة للاستخدام الغذائي جنبا إلى جنب مع العلاج الدوائي، حيث يمكن استخدامه كخط علاجي ثان لبعض المرضى، بل وكخط علاجي أول في حالات قليلة جدا من المرضى.

وتعتمد فكرة الغذاء الكيتوني على استبدال الكربوهيدرات، كمصدر للطاقة بالدهون، حيث إن الجسم في حالات الصيام أو الجوع يقوم بحرق الدهون المختزنة بالجسم كمصدر للطاقة، بدلا من الغلوكوز، التي بدورها تنتج الأجسام الكيتونية ketone bodies. ولاحظ العلماء وجود علاقة طردية بين زيادة نسبة الكيتونات في الدم وتقليل نوبات الصرع.

* حساب الغذاء

* ويجب حساب الغذاء الكيتوني بدقة، حيث يتكون من 4 أجزاء من الدهون (زبدة أو زيوت نباتية) لكل جزء من البروتين (فول أو لحم) وكل جزء من الكربوهيدرات (سكريات أو أرز). ويجب حساب السعرات الحرارية تبعا لوزن واحتياج كل طفل، مع الأخذ في الاعتبار إمداد الفيتامينات والمعادن كمكمل لتلك الوجبة، وقد تم التوصل لتركيبات ملائمة من الغذاء الكيتوني، حتى للأطفال الرضع.

ولعل أهم نتيجة تشير إليها هذه الدراسات، هي التأكيد على أن الغذاء الكيتوني أصبح طريقة فعالة في علاج ما يزيد على 50 في المائة من الأطفال، وأنه كلما بدأ العلاج الغذائي مبكرا، ازدادت نسبة التحسن من النوبات، لتصل إلى نحو 90 في المائة، بل والشفاء التام لبعض الأطفال.

وتكمن أهمية العلاج بالغذاء بشكل خاص لنوعية معينة من الأطفال، خاصة بعد تجربة دواء أو أكثر من الأدوية المضادة للصرع، أو الأطفال الذين عانوا بشدة من الأعراض الجانبية للأدوية، مثل مشكلات في الشبكية أو الأعراض الجانبية للكورتيزون في بعض الحالات.

* أعراض الغذاء الجانبية

* أما عن الأعراض الجانبية لعلاج الصرع بطريقة الغذاء، فيجب العلم أن العلاج بالغذاء ليس آمنا تماما لمجرد عدم احتوائه على أدوية، فله بعض الأعراض الجانبية، شأنه شأن أي طريقة علاجية أخرى، وإن كانت في مجملها أقل خطورة وأقل في احتمالية الحدوث من العلاج الدوائي.

ومن هذه الأعراض الإمساك والقيء وهبوط مستوى السكر في الدم لانخفاض الكربوهيدرات، وكذلك ارتفاع مستوى الكولسترول في الدم في 30 في المائة من المرضى، وذلك لارتفاع نسبة الدهون. ولكن يمكن التحكم في ذلك بتغيير مكونات الوجبة لبدائل تحتوي على نسبة أقل من الكولسترول. كما أن الغذاء قد يؤدي إلى تكوين حصوات في الكلى، ويمكن السيطرة على ذلك بإضافة شراب سترات البوتاسيوم potassium citrate، مما يقلل من احتمالية حدوث تلك الحصوات، ولذلك يجب عدم وقف العلاج في حالة ظهور تلك الأعراض.

ويفضل بدء العلاج في المستشفى لتفادي احتمالية حدوث أعراض جانبية، ويجب تقليل نسبة الكربوهيدرات في وجبة المساء للطفل في اليوم السابق لدخوله المستشفى. وفي يوم الدخول، يتم إعطاء السوائل منخفضة السعرات فقط حتى المساء، ثم يبدأ العلاج الغذائي في اليوم التالي. وبعد الخروج من المستشفى يتم التردد على العيادة الخارجية كل 3 أشهر، وبالنسبة للأطفال الذين لم يكملوا سنة من العمر يجب متابعتهم على فترات أكثر تقاربا، ويجب على الأسر عدم توقع نتائج فورية للتحسن فور خروج الطفل من المستشفى والبدء في العلاج، حيث لا يمكن الحكم على جدوى تلك الطريقة قبل مرور 3 أشهر على الأقل.

ويمكن وقف العلاج بهذه الطريقة بشكل متدرج على مدار 3 إلى 6 أشهر، وذلك بعد مرور سنتين من العلاج الغذائي أو مرور 6 أشهر على آخر النوبات الصرعية. والأمل الكبير معقود على مثل هذه الدراسات في المستقبل لمنح مرضى الصرع حياة طبيعية.

* اختصاصي طب الأطفال