صداع مدمر.. احتاج سنوات لتشخيصه

5 سنوات من الفحوصات توجت بإجراء عملية في الدماغ

TT

عرفت لوري وايت، حالا، أن شيئا ما لم يكن على ما يرام. كانت هذه المرأة، وهي مساعدة قانونية عمرها 44 عاما التي تعمل في مكتب محاماة في ولاية فرجينيا الشمالية، تتدرب مع مدربتها الشخصية في الصالة الرياضية، وكانت تقوم بخطوة شاقة وغير مألوفة، حين سقطت على قضيب معدني مجهز بأوزان بينما كانت تدفع بجسدها إلى الأمام في نفس الوقت، وشعرت بانفجار في رأسها تلاه مباشرة صداع ذو ألم مدمر أكثر من ألم أي صداع مر بها من قبل.

وخلال الدقائق العشر التالية، جلست وايت على الأرض وأمسكت برأسها خوفا من أنها قد تتقيأ أو تسقط على الأرض مغمى عليها.

* تراجعت حدة الألم في غضون ساعات قليلة، مما أشعرها بالراحة.

وقالت وايت: «اعتقدت أن شيئا ما قد تمزق لدي». لكن في غضون أسابيع من الحادثة التي وقعت عام 2005، ظهرت مشكلة جديدة مثيرة للقلق: ألم شديد يستمر من 5 إلى 30 ثانية عند مقدمة رأسها، شبيه بصداع «تجمد المخ» الذي يصيب بعض الناس عند تناول الآيس كريم.

واستغرق الأمر ثلاث سنوات حتى تمكنت وايت من اكتشاف ما حدث في ذلك اليوم في صالة الألعاب الرياضية وسنتين أخريين لتعرف ما ينبغي القيام به لعلاجه - وهو عملية مربكة ومتناقضة في بعض الأحيان شارك فيها اختصاصيون في منطقة واشنطن وبالتيمور وشارلوتسفيل. وقبل بضعة أسابيع في مستشفى جامعة جورج تاون، خضعت وايت لعلاج أمل الأطباء هناك أنه سوف يساعد على شفائها.

* حالة محيرة

* وقالت وايت: «لقد كانت هذه معركة محبطة ومؤلمة»، وهي تشير إلى أن أحد أطباء الأعصاب توقع أن يكون تناول الكافايين أو السعال أو ببساطة حدوث تغيير في المواضع، سبب هذه الآلام الغريبة. وأضافت: «ظللت لفترة طويلة لا أعتقد أن أحدا كان يأخذ ما أشعر به على محمل الجد».

وبدا أن أي حركة يسيرة كانت تستثير ألم الرأس الشديد: السعال أو العطس أو الانحناء أو الضحك أو حتى الغناء، وفي بعض الأحيان حتى التغير في الطقس أو الوجود في مكان مرتفع. وعلى الرغم من شدة الألم، فإنه كان في البداية يأتي لفترة وجيزة ثم يختفي لفترة تمتد لأسابيع.

وبعد عدة أشهر، استشارت وايت طبيب أعصاب في مقاطعة فيرفاكس. وقام الطبيب بإجراء الفحص الأساسي لوايت واستفسر عن تاريخ المرض، ولكنه لم يقدم لها سوى القليل من حيث المشورة أو التشخيص.

وبدا طبيب أعصاب ثان، في تشيفي تشيس استشارته وايت، متحيرا هو الآخر من هذا الصداع، وكانت نصيحته لوايت أن تتجنب الكافايين الذي يزيد من آلم الصداع لكي تتمكن من معرفة إذا كانت المشكلة ستحل أم لا.

وحسب وايت فإن الصداع لم يتوقف، ولذلك ففي عام 2008 ذهبت لزيارة طبيب أعصاب ثالث. وقالت وايت إن الطبيب الثالث طلب منها عمل أشعة بالرنين المغناطيسي، وقال لها إنه قد يكون صداع «السعال»، وهو نوع غير عادي يحدث إما بسبب توتر أو في بعض الأحيان اضطرابات في الجمجمة.

* «صداع السعال»

* وبعد ذلك، قالت وايت إنها شعرت بالقلق من أن يكون سبب هذا الصداع أمر خطير. وعندما تلقت نتائج الأشعة بالرنين المغناطيسي، لاحظت إشارة موجزة إلى «حدّ أو حافة تشياري» «borderline chiari». وبعد البحث في الإنترنت، اكتشفت أن أحد أسباب صداع السعال هو تشوه الجمجمة التشياري من النوع الأول.

وهذه التشوهات تحدث عندما تبرز أنسجة المخ من المخيخ في القناة الشوكية، نتيجة لتشوه خلقي الذي قد لا يظهر حتى سن البلوغ. في بعض الحالات تكون المشكلة بسيطة ولا تظهر لها أعراض وتكتشف بالمصادفة عند عمل أشعة بالرنين المغناطيسي. وفي معظم الحالات تكون الجمجمة صغيرة بشكل غير طبيعي أو مشوهة، وخصوصا في الجزء الخلفي، وذلك وفقا لموقع عيادة مايو كلينيك، وهي واحدة من المصادر التي لجأت إليها السيدة وايت. ويمكن لأنسجة المخ البارزة عرقلة تدفق السائل الشوكي الذي يغمر المخ والحبل الشوكي، مما يعطل الإشارات التي تنقل إلى أجزاء أخرى من الجسم، ويسبب مشكلات عصبية خطيرة، بما في ذلك الشلل.

وعلى الرغم من أنها غير عادية، فإن التشوهات التشيارية في الجمجمة أصبحت الآن أكثر شيوعا مما كان يعتقد من قبل، ومن بين الذين يعانون من هذه التشوهات المغني روزان كاش، الذي خضع لعلاج من هذا المرض منذ ثلاث سنوات.

ومع حصولها على الكثير من المعلومات من صفحات الإنترنت، عادت وايت إلى طبيب الأعصاب الثالث وسألته عما إذا كان يعتقد أن التشوهات التشيارية في الجمجمة قد تفسر الألم الذي تشعر به في رأسها.

وقالت وايت إن الطبيب نظر في أشعة الرنين المغناطيسي وفي الأوراق التي أحضرتها معها ورد قائلا: «لا يمكن أن يكون ذلك هو السبب». وقال لها إنه ليس لديه فكرة عن سبب هذا الصداع واقترح عليها الذهاب إلى أخصائي في الصداع.

وقالت وايت: «عند هذه النقطة، اعتقدت أنني بدأت أفقد عقلي». وقالت إنها ذهبت إلى جراح أعصاب آخر بمدينة بالتيمور لاستشارته، فطلب منها عمل أشعة ثانية بالرنين المغناطيسي وبعد أسبوعين دعاها لإطلاعها على النتائج. وخلال محادثة قصيرة، أكد تشخيص التشوهات التشيارية - الإصابة في كل الاحتمالات ناجمة عن حادث صالة الألعاب الرياضية - وقال إنه «سيكون سعيدا للقيام بجراحة لها وقتما تريد».

وارتبكت وايت، لأن شخصا ما قرر أنها بحاجة إلى إجراء عملية جراحية في المخ. وقالت إنها قرأت أن الأطباء لا يقومون بالضرورة بعمل جراحة لعلاج التشوهات التشيارية، التي تعالج في بعض الأحيان بالأدوية والمتابعة المنتظمة. وتساءلت عما إذا كان سبب المشكلة شيء آخر، خاصة إذا كانت الحالة هي «خط»، كما أشارت أشعة الرنين المغناطيسي الأولى.

وأحد القرارات التي يجب على الطبيب والمريض اتخاذها هي متى وهل تقوم بإجراء عملية جراحية؟ فالجراحة تنطوي على فتح الجمجمة وعلى مخاطر واضحة، بما في ذلك العدوى. ولكن يمكن أن يتدهور الوضع أكثر، وقد يؤدي الانتظار إلى مضاعفات تشمل ظهور ناسور، كيس أو تجويف في الحبل الشوكي الذي يمتلئ بالسوائل، وفي مثل هذه الحالة، عادة ما تكون العملية الجراحية أمرا ضروريا.

وقامت وايت بزيارة جراح أعصاب ثان، وهو من جامعة جورج تاون، على أمل الحصول على إجابة أكثر تحديدا حول ما يجب فعله.

واعتقد الطبيب أن موقع الألم - في الأمام، وليس الخلف، كما هو في مرض التشوهات التشيارية في الجمجمة.. وكان هذا أمرا محيرا. وقال إنه يريد من وايت أن تخضع لمزيد من الاختبارات من طبيب عيون متخصص في الأعصاب، لاستبعاد مشكلة صحية أخرى!

* فحوصات متكررة

* وكانت نتائج هذه الفحوصات سلبية، وخلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، توجهت وايت قاصدة مدينة تشارلوتسفيل من أجل استشارة جراح أعصاب ثالث لمعرفة ما إذا كان هذا الجراح ينصح بإجراء عملية جراحية. وأمر الاستشاري بإجراء فحص التصوير بالرنين المغناطيسي على الفقرات العنقية لوايت للتحقق من وجود دليل على تقدم المرض، بما في ذلك حدوث «تكهف نخاعي». وأخبرها طبيب تشارلوتسفيل أن فحوصاتها كشفت عن عدم وجود «تكهف نخاعي»، وأوصى بتكرار فحص تصوير الرنين المغناطيسي خلال عام. وذكرت وايت أنها طلبت منه بعد ذلك الحصول على دواء لعلاج آلام رأسها؛ حيث إنها تعاني من صداع دائم بالإضافة إلى نوبات الوخز، التي كانت تحدث بمعدل يتراوح ما بين 20 و30 مرة يوميا. وقالت وايت إن الجراح نظر إليها بشكل ينم عن عدم فهم قبل أن يخبرها بأنه لم يكتب وصفة طبية خلال 25 عاما. وأشار الجراح أيضا إلى ضرورة مراجعتها لطبيب متخصص في علاج حالات الصداع. وقالت وايت: «لم أتمكن من تصديق هذا الأمر. في بعض الأحيان، كنت أشعر بأن هذه الآلام تدمرني، وقد عاملني هذا الجراح كما لو كنت أحاول فقط الحصول على أدوية. لقد كنت فقط منزعجة جدا بفعل هذا التصرف».

وتوجهت وايت إلى المنزل وزارت أخصائية أعصاب خامسة، وهي ماهان تشيهريناما من مركز علاج الأمراض العصبية والصداع في مدينة الإسكندرية. وكتبت تشيهريناما وصفة طبية تحتوي على أدوية لعلاج آلام وايت، واطلعت على نتائج الفحوصات السابقة، وأمرت بإجراء نوع مختلف من فحص تصوير الرنين المغناطيسي، وكان هذا النوع مصمم لتقييم تدفق السائل النخاعي للتحقق من عدم وجود أي انسدادات. وقالت وايت وهي تشعر بالراحة لأنها وجدت شخصا يستمع إليها ويجيب على تساؤلاتها أخيرا: «لقد كانت أول طبيبة تفهم هذه النقطة حقا». وأخبرتها تشيهريناما بأن الفحص الأخير كشف عن وجود «تكهف نخاعي» وأن الخضوع لعملية جراحية خلال الشهور الستة المقبلة سوف يكون إجراء ضروريا للحيلولة دون حدوث «حالة عصبية حادة». وذكرت تشيهريناما أنه إذا لم يتم إجراء هذه العملية، يمكن أن تصاب وايت بالشلل. تخفيف ضغط الدماغ وقالت إن هذه العملية، التي تعرف باسم عملية «تخفيف الضغط» سوف تشتمل على إزالة جزء صغير من العظم في مؤخرة جمجمة وايت بالإضافة إلى جزء من الفقرات العلوية، وفتح الأم الجافية، وهي الغشاء الخارجي الذي يغطي المخ من أجل تخفيف الضغط. وسوف تتم خياطة رقعة باستخدام قطعة من قلب بقرة فوق الفتحة الموسعة؛ وهذه العملية سوف تمنح المخ فسحة إضافية داخل الجمجمة؛ وبهذا يعود التدفق الصحيح للسائل النخاعي، وهو ما يؤدي إلى القضاء على التكهف النخاعي، وإذا سارت كل الأمور بشكل جيد، فسوف تتوقف نوبات الصداع التي تصيب وايت. ولكن لماذا فشل فحص تصوير الرنين المغناطيسي الذي أجرته وايت قبل أسابيع قليلة فقط في الكشف عن وجود «التكهف النخاعي»؟ قالت تشيهريناما: «الدارسة التي أجريتها كانت مختلفة عن النوع الذي كان يجريه الأطباء الآخرون. واعتبرت الدكتورة تشيهريناما أن موقع الآلام التي كانت تصيب وايت، الذي حير العديد من الأطباء، لا ينطوي على علاقة ترابط منطقية. وقالت: «نحن نرى آلاما تحال إلينا طوال الوقت». وذكرت تشيهريناما، التي فحصت 20 مريضا مصابين بهذه الحالة، أن علاج حالات التشوهات التشيارية يمكن أن يكون خادعا، لأنه يتطلب الموازنة والاختيار بين مخاطر الانتظار وبين مخاطر الجراحة. وساهم «التكهف النخاعي» في قلب هذه الموازنة والاختيار؛ لأنه من دون الجراحة، كانت وايت معرضة لخطر الإصابة بمرض الاستسقاء الدماغي، وهو تراكم السوائل التي يمكن أن يكون لها نتائج كارثية داخل الجمجمة.

واعتقدت وايت في النهاية أنها حصلت على الإجابة التي خادعتها لفترة طويلة وهي التشخيص الواضح والمسار المحدد للعمل. وعادت وايت إلى كريستوفر كالهورن، جراح أعصاب مدينة جورج تاون، الذي ذهبت إليه في وقت سابق ووثقت به وحدد لها موعدا لإجراء الجراحة. وتم إجراء العملية التي استمرت لمدة ثلاث ساعات يوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومن المتوقع أن تستغرق عملية الشفاء نحو شهرين. وصرحت وايت أخيرا: «كل شيء على ما يرام حتى الآن». وما زالت وايت تعاني من الصداع، وهو أمر متوقع لشخص يتعافى من عملية جراحية في المخ، ولكن الآلام المجمدة للمخ قد اختفت. ورغم أنها وجدت أن اختلافات الرأي والشكوك المتعلقة بتشخيص حالتها وعلاجها محبطة، قالت وايت إن أسوأ شيء واجهته كان هو الموقف الرافض الذي واجهته في كثير من الأحيان. وأضافت: «لقد تعلمت قطعا أن المرء يجب أن يكون المدافع الخاص عن نفسه. وإذا لم يكن الأمر كذلك، لكنت قد أصبحت غير قادرة على المشي».

* خدمة «واشنطن بوست».

خاص بـ«الشرق الأوسط»