أسرار النوم.. الكلام والمشي والأحلام وأفعال أخرى

الاضطرابات الجنسية أكثرها إثارة للجدل العلمي والقانوني

TT

يذهب أحدنا إلى حجرة النوم ويستلقي على السرير لـ«استجلاب» نوم «يملأ الجفون»، وللاستمتاع بـ«سبات عميق» من الراحة الجسدية والعقلية. فهل تجري الأمور كذلك؟ وبعد ذلك، فإن من آخر الأمنيات التي تمر بأحدنا خلال «غلبة النعاس» عليه، أن يستيقظ من سريره بهدوء وفي الوقت الذي يرجوه، وهو مفعم بالحيوية والنشاط عند مغادرة السرير. فهل يحصل لنا بالفعل ذلك؟

دعونا من هذه الأسئلة، ولنطرح أسئلة أخرى: حينما نذهب إلى السرير لننام، وننجح في «الغياب الاختياري» عن الوعي، ما الذي يحصل فينا بالضبط؟ وما الذي تمر به أجسامنا وعقولنا خلال تلك الفترة؟ وحينما نغيب عن الوعي بشكل اختياري لفترة مؤقتة، هل ينام جسمنا وعقلنا بالفعل أم إن هناك نشاطا عقليا وجسديا نقوم به؟ وهل كل الناس حينما ينامون تسكن وتهدأ أجسامهم وعقولهم عن أي أفعال يمكن أن يقوم بها المستيقظ؟ والأهم هو: ما الاضطرابات التي قد تعتري البعض خلال فترة نومه؟ وهل منها ما قد يضر الآخرين ولا يحاسَب عليها النائم عند استيقاظه؟

ولنتقدم قليلا في الأسئلة بشكل علمي ودون الدخول في علم الفلسفة: هل وجود المرء كإنسان في الحياة، يقسم إلى يقظة ونوم، أم إن «حركة العين السريعة» مصطلح طبي أخذ يشق طريقه بقوة ليقسم وجودنا إلى ثلاث مراحل منفصلة تماما بدلا من مرحلتين؟

وكثيرا ما نسمع عن «الكلام أثناء النوم» أو «أحلام اليقظة» أو «المشي أثناء النوم» أو «ذعر رعب النوم» أو «الكوابيس الليلية» أو «جرش الأسنان أثناء النوم»، ولكنها ليست نهاية القصة في مسلسل الاكتشافات الطبية لأنواع غاية في الغموض من أنواع اضطرابات النوم، خاصة ما يتعلق منها بالسلوكيات الجنسية أو البدنية العنيفة أو الكلامية البذيئة والقاسية.

* نظرة الطب للنوم

* المطلوب في شأن النوم، أن ننام بسهولة في كل ليلة من أيام حياتنا، وأن نستيقظ مرتاحين. ولكن البعض منا يعانون فيه، مما يجعل النوم أحد المواضيع الحساسة والمهمة التي تحتاج إلى فهم واستيعاب لما هو طبيعي في النوم، وما هو غير طبيعي، ومعرفة أنواع اضطرابات النوم وضوابط تشخيصها، وتبعات معالجتها أو إهمالها.

بداية، ينظر الطب اليوم إلى النوم بطريقة مخالفة لما كان سائدا في الأوساط الطبية قبل عدة عقود، وعلى الرغم من الجهود العلمية الواسعة في محاولات فهمه، فإن الطب لا يزال يعترف بأنه يجهل الكثير عن أسراره. وتحت عنوان «النوم نشاط ديناميكي» يشير الباحثون في «المعهد القومي الأميركي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية» إلى أن الوسط الطبي، وعموم الناس، كانوا حتى خمسينات القرن الماضي يرون النوم جزءا سلبيا وجامدا، يستغرق المرء فيه في الرقاد والسبات خلال فترة من اليوم. إلا أننا اليوم نعلم أن الدماغ وأجزاءه تعمل بنشاط كبير جدا خلال فترة النوم، وأنه يؤثر على أدائنا العملي بشقيه البدني والذهني، وعلى صحتنا الجسدية والعقلية من خلال كثير من الآليات التي نعلم الشيء البسيط عنها.

* تقسيم اضطرابات النوم

* من أهم مراجع تصنيف «اضطرابات النوم» التي يتم الاعتماد عليها في العرض، هو «التقسيم الدولي لاضطرابات النوم» ICSD الصادر عن الرابطة الأميركية لاضطرابات النوم ASDA. وكذلك «كتاب المراجعة الرابعة للاضطرابات العقلية» DSM-IV-TR الصادر عن الرابطة الأميركية للطب النفسي APA. إضافة إلى مسودة المراجعة الخامسة التي صدرت بشكل مبدئي في مايو (أيار) الماضي، والتي لم تعتمدها نهائيا بعد، الرابطة الأميركية للطب النفسي.

ومفاد ما تقوله هذه المصادر، أن الطب يقسم اضطرابات النوم إلى فرعين كبيرين. فرع يسمى «اضطرابات نوعية النوم» dyssomnias، وفرع ثان يسمى «اضطرابات مرافقة للنوم» parasomnias.

* الفرع الأول، «اضطرابات نوعية النوم»، يتميز بشكل رئيسي بالشكوى من صعوبات الدخول في النوم أو الشكوى من صعوبات البقاء فيه للفترة التي يحتاجها الجسم في كل يوم، بحسب عمر الشخص. وغالبا لا علاقة لها بما يعرف بـ«مراحل النوم» التي نمر بها خلال نومنا. ويقسم الفرع الأول إلى ثلاث مجموعات رئيسة، تضم تحتها أكثر من 30 نوعا من اضطرابات النوم.

1- المجموعة الأولى تسمى الاضطرابات الداخلية لنوعية النوم Intrinsic sleep disorders، وهي 12 نوعا، مثل انقطاع التنفس أثناء النوم sleep apnea ومتلازمة السيقان المضطربة restless legs syndrome وخدار «ناكروليبسي» narcolepsy وفرط النعاس بالنهار hypersomnia وغيرها.

2- المجموعة الثانية تسمى الاضطرابات الخارجية للنوم Extrinsic sleep disorders، وهي 13 نوعا، مثل اضطرابات النوم الناجمة عن تناول الكحول، وأرق الحساسية من الأطعمة، وروتين النوم غير الكافي وغيرها.

3- المجموعة الثالثة تسمى اضطرابات النوم الناجمة عن اضطراب إيقاع الساعة البيولوجية Circadian rhythm sleep disorders، وتشمل عوامل داخلية وخارجية، وهي 6 أنواع، مثل اضطراب النوم بعد السفر الطويل «جيت لاغ»، اضطراب نوم ورديات، مناوبات) العمل الليلي، متلازمة تبكير مرحلة النوم advanced sleep phase syndrome، متلازمة تأخير مرحلة النوم delayed sleep phase syndrome، وغيرها.

* أما الفرع الثاني، أي «اضطرابات مرافقة للنوم»، فيتميز بوقوع حركات أو سلوكيات أو تفاعلات عاطفية أو أحلام أو إدراك أشياء، وذلك بصفة غير طبيعية وغير معتادة، من قبل الشخص النائم خلال استغراقه في فترة نومه. وترتبط بـ«مراحل النوم». وغالبيتها عبارة عن انفصال وقتي عن حالة النوم، وتكون بهذا حالة من «الإفاقة الجزئية» خلال سبات النوم، وذلك في الفترات الانتقالية التي يمر بها النائم أثناء تنقله بين مرحلة وأخرى من «مراحل النوم» التي سيمر بنا عرضها. ولذا لا يمكن إدراك أنواع «الاضطرابات المرافقة للنوم» إلا بمعرفة مراحل النوم التي يمر بها كل واحد منا خلال نومه.

* خمس مراحل للنوم

* النوم هو حالة من الفقد الاختياري للوعي. وخلاله نمر عادة بخمس مراحل. وتتميز المراحل الأربع الأولى منها، بعدم وجود «حركة العين السريعة» NREM sleep. أما المرحلة الخامسة فهي التي تحصل فيها «حركة العين السريعة» rapid eye movement (REM).

المرحلة الأولى من النوم stage 1 هي مرحلة «النوم الخفيف». وهي مرحلة نكون خلالها قابلين لكي ندخل أو نخرج من النوم بسهولة، أي يسهل إيقاظنا فيها، كما يسهل علينا خلالها أن ندخل في المراحل التالية من النوم.

وفي هذه المرحلة، تتحرك أعيننا ببطء شديد. وتبدأ عضلات الجسم في الاسترخاء، ويكون نشاطها بطيئا. وإذا ما تم إيقاظ المرء خلال هذه المرحلة، فإنه قد يتذكر أجزاء أو بعضا من مكونات صور بصرية مرت به خلالها. وخلال هذه المرحلة قد تحصل لدى البعض حركات مفاجئة من الانقباضات العضلية hypnic myoclonia، خاصة في الساقين أو اليدين، يعقبها استرخاء عضلي ذو صفة مريحة وشعور بالبدء في الاستغراق والخلود إلى نوم مريح.

وحينما ندخل في المرحلة الثانية من النوم stage 2، تتوقف حركة العينين. وتبدأ في البطء حركة الموجات الكهربائية السارية في الدماغ، وتتخللها من آن لأخر، وبشكل مفاجئ، موجات كهربائية سريعة.

* النوم العميق

* وفي المرحلة الثالثة stage 3، تصبح موجات كهرباء الدماغ بطيئة جدا، وذات حجم كبير، وتدعى «موجات دلتا» delta waves. ولكن أيضا قد تحصل من آن لأخر موجات كهربائية صغيرة وسريعة خلال فترة المرحلة الثالثة من النوم.

وتتطور الأمور بالوصول إلى المرحلة الرابعة من النوم stage 4، التي يسكن ويهدأ فيها نشاط كهرباء الدماغ، ولا تحصل فيه إلا «موجات دلتا» البطيئة فقط. ولذا، فإن المرحلة الثالثة والرابعة هي ما تعتبر طبيا «مرحلة النوم العميق» deep sleep، التي من الصعب جدا إيقاظ النائم خلالهما، وإذا ما أفاق الشخص خلالهما فإنه يمر بفترة من فقد الإحساس بالزمان والمكان والشعور بالترنح، وهو ما يستمر بضع دقائق وصولا إلى الإفاقة التامة من النوم. ومن الناحية البدنية، لا تكون هناك حركة في العينين خلال المرحلة الثالثة والرابعة، كما تكون العضلات مسترخية تماما ولا نشاط فيها. وخلال هاتين المرحلتين من النوم العميق، قد يحصل التبول الليلي، أو المشي أثناء النوم، أو الرعب الليلي للكوابيس، خاصة لدى الأطفال.

* نوم «حركة العين السريعة»

* وعندما ندخل في المرحلة الخامسة، أو مرحلة نوم «حركة العين السريعة»، فإن التنفس يصبح أسرع وأكثر اضطرابا وذا مدى غير عميق في أخذ النفس إلى الرئتين. وتتسارع نبضات القلب مقارنة بالمراحل السابقة في النوم. وكذا يرتفع نسبيا مقدار ضغط الدم. وتبدأ العينين بالحركة السريعة في كل الاتجاهات. وتصبح عضلات الأطراف العلوية والسفلية مشلولة بشكل مؤقت. ولدى الرجال يحصل انتصاب العضو الذكري، الذي ترى المصادر الطبية أنه مهم للحفاظ على حيوية العضو وقدراته على الانتصاب خلال أداء العملية الجنسية في الأوقات العادية. وخلالها أيضا تحصل الأحلام لفترات قصيرة لا تتجاوز في الغالب 5 دقائق من وقت هذه المرحلة. وحينما يتم إيقاظ النائم خلال حلمه في هذه المرحلة، فإنه قد يصف أحلاما غريبة ذات صفات غير منطقية.

دورات مراحل النوم ويتعاقب حدوث جميع هذه المراحل الخمس خلال النوم، أي بدءا من المرحلة الأولى وصولا إلى مرحلة نوم «حركة العين السريعة». بمعنى أن المرء خلال نومه الليلي أو النهاري، يمر بدورات متعاقبة من مراحل النوم، كل دورة مكونة من تتابع حدوث المراحل الخمس تلك. وما إن تنتهي دورة، حتى تبدأ الدورة التي تليها.

والدورة الواحدة الكاملة لمراحل النوم الخمس تستغرق ما بين 90 إلى 110 دقائق. وعليه، يمر الشخص الذي ينام بالليل لمدة ما بين 6 و8 ساعات، بنحو 4 أو 6 دورات كاملة من مراحل النوم الخمس. وغالبا ما تحتوي الدورة الأولى، من مراحل النوم، على فترة قصيرة لمرحلة نوم «حركة العين السريعة». ثم في الدورات التالية خلال فترة النوم، تطول تدريجيا مدة هذه المرحلة الخامسة، وفي المقابل تقصر تدريجيا مرحلة «النوم العميق»، أي المرحلة الثالثة والرابعة. ليصل المرء إلى فترة نوم الصباح، أي ما قبل الاستيقاظ من النوم الليلي، وهو يقضي معظم فترة الدورة في المرحلة الأولى والثانية ومرحلة «حركة العين السريعة»، أي تتلاشى مرحلة «النوم العميق».

وكبالغين، نمضي عادة 50% من الوقت الكلي للنوم في المرحلة الثانية، ونحو 20% في مرحلة «النوم العميق» للمرحلة الثالثة والرابعة، ونحو 20% في مرحلة نوم «حركة العين السريعة». وفي المقابل يمضي الأطفال الرضع والصغار نحو 50% من الوقت الكلي للنوم في مرحلة نوم «حركة العين السريعة». أما الرجال أو النساء، في ما فوق سن 55 من العمر، فتقل نسبة مرحلة «النوم العميق»، إلى درجة التلاشي لدى البعض منهم. ولذا يكون الشخص في هذا السن أسرع استيقاظا، وأكثر تأثرا بالضجيج وبحرارة الجو، ولذا يغدو النوم خفيفا وغير عميق، ويمسى أكثر تقطعا، ما يعرضه للنعاس خلال النهار.

«اضطرابات مرافقة للنوم» وهذه الاضطرابات المرافقة للنوم Parasomnias هي أمور غير طبيعية ذات مظاهر سلوكية ذهنية أو وظيفية جسدية، تحدث خلال فترة الاستغراق في النوم. وقد تكون أفعالا حركية أو إصدارات صوتية أو سلوكيات أو ظواهر عاطفية أو أحلاما أو أشكالا أخرى للإدراك الحسي.

ولا يزال هناك اختلاف واسع في تقسيم أنواع الاضطرابات المرافقة للنوم. ويصنف «كتاب المراجعة الرابعة للاضطرابات العقلية» DSM-IV-TR الصادر عن «الرابطة الأميركية للطب النفسي» APA إلى أربع مجموعات، هي: اضطرابات ذعر رعب النوم sleep terror disorder، واضطرابات الكوابيس الليلية nightmare disorder، واضطرابات المشي أثناء النوم sleepwalking disorder، واضطرابات أخرى مرافقة للنوم غير محددة.

في حين يرى «التقسيم الدولي لاضطرابات النوم» ICSD الصادر عن «الرابطة الأميركية لاضطرابات النوم» ASDA تقسيمها إلى ثلاثة أنواع؛ النوع الأول يحدث في فترة مراحل النوم التي تتميز بعدم وجود «حركة العين السريعة» NREM sleep، أي خلال المراحل الأربع الأولى من النوم. والنوع الثاني يحصل في فترة نوم «حركة العين السريعة»، أي المرحلة الخامسة. والنوع الثالث يحصل دون أي علاقة بحركة العين خلال النوم.

وعليه، يشمل النوع الأول من الاضطرابات المرافقة للنوم كلا من: ارتباك وتشويش الاستيقاظ Confusional arousal. المشي أثناء النوم Sleepwalking، جرش أو طحن الأسنان أثناء النوم Bruxism، ذعر رعب النوم Sleep terror disorder.

ويشمل النوع الثاني من الاضطرابات المرافقة للنوم كلا من: اضطرابات الكوابيس الليلية nightmare disorder، و«اضطرابات سلوكيات نوم عين حركة العين السريعة» REM Sleep Behavior Disorder، وتأوهات النوم Catathrenia التي تحدث كأصوات مخنوقة خلال مرحلة الزفير فقط من عملية التنفس، أي بخلاف أصوات الشخير الذي يحدث خلال فترة الشهيق بشكل أقوى وأوضح.

ولا يزال الموضوع الأكثر إثارة وجدلا في اضطرابات النوم المرافقة، التي تحدث خلال فترة حركة العين السريعة، خاصة بين الأوساط الطبية العلمية والأوساط القضائية، وفي السنوات القليلة الماضية بالذات، هو اضطرابات النوم الجنسية أو «سيكسومانيا» sexsomnia.

* فهم اضطرابات النوم

* الطب لا يعلم بدقة حتى اللحظة، حقيقة مدى تأثيرات اضطرابات النوم على الجسم وعلى الدماغ، في المدى القريب والمتوسط والبعيد. ولكن هناك قناعة علمية قوية بأن نيل قسط كاف ومريح من النوم الليلي يوميا، هو أمر مهم جدا لضمان استمرارية عمل الجسم بصحة خلال حياة الإنسان. وهذا هو السبب الرئيسي وراء اهتمام الطب باضطرابات النوم.

وعلى سبيل المثال، فإن الحديث عن تأثيرات اضطرابات «نوعية النوم» على صحة الإنسان لا يطال فقط معاناة النعاس وعدم الراحة خلال النهار أو الليل، ولا التأثيرات السلبية للحبوب المنومة على الجسم والدماغ حال النوم وحال الاستيقاظ، بل ثمة دراسات تربط بشكل علمي بين هذه الاضطرابات في «نوعية النوم» وبين الإصابة بأمراض السكري والسمنة وارتفاع ضغط الدم والإصابة بنوبات الجلطة القلبية أو السكتة الدماغية.

والمشكلة ليست هي في اضطرابات «نوعية النوم»، بل المشكلة الحقيقية هي في «الاضطرابات المرافقة للنوم»، كما تقدم. ذلك أن الطب لا يزال يحاول الإحاطة بأنواعها، ولم يتقدم بعد في فهم أسبابها ولا في فهم مضاعفاتها وتأثيراتها.

وتحت عنوان «الاضطرابات المرافقة للنوم» كتب في يوليو (تموز) الماضي الباحثون من كلية الطب بجامعة «رايت ستيت» في أوهايو. وكانت لهم عبارات دقيقة ومثيرة للاهتمام حول نظرة الطب إلى مراحل النوم، مما يدل على أننا وصلنا إلى أعتاب مرحلة متقدمة ومختلفة تماما عن السابق في فهم النوم وتوظيف كيفية فهم اضطراباته، وما قد يشكل بداية صحيحة لفهم اضطرابات النوم وإدراك تداعياتها ومضاعفاتها، والأهم وضع الحلول لها والتغلب عليها. وقالوا: «إن حياة الإنسان تضم ثلاث حالات مختلفة تماما في الوجود existence. وهي اليقظة wakefulness، ونوم حركة العين السريعة REM sleep، ونوم عدم وجود حركة العين السريعة NREM sleep. والنوم ليس حالة سلبية بسيطة لعدم اليقظة، بل هي مرحلة يحصل فيها نشاط مكثف ومركز للجهاز العصبي المركزي لإعادة التنظيم والترتيب. وهناك تداخل وتشابك overlap في ما بين المراحل الانتقالية transition لعبور الإنسان بين تلك المراحل الثلاث لوجوده. ويتطلب الانتقال بين المراحل الثلاث لوجود الإنسان، عمليات لا بد منها لإعادة توقيف وإعادة تشغيل عدد كبير من الشبكات العصبية وأنظمة المواد الكيميائية التي تعمل كالمراسلين بين الخلايا العصبية neurotransmitters، كي ننتقل بهدوء وراحة من مرحلة لأخرى. وفي فترة الانفصال الانتقالية تحصل غالبية الاضطرابات المرافقة للنوم. وعلى سبيل المثال، فإن تطفل حصول «مرحلة نوم حركة العين السريعة» ودخولها بشكل مفاجئ على مرحلة الاستيقاظ يؤدي إلى حصول حالة «جمود كاتابلكسي عجز اليقظة» cataplexy أو «أحلام اليقظة» wakeful dreaming». وأضافوا بالقول: «أن آلية حصول الاضطرابات المرافقة للنوم لا تزال مجهولة»، وتحدثوا مطولا في شرح النظريات المطروحة خلال الستين عاما الماضية، التي لا تزال تدور من حلقة لأخرى، من دون الوصول بعد إلى حقيقة فهم آليات تلك الاضطرابات.

* عدم الوضوح العلمي الطبي في كيفية تشخيص الحالة وتأكيد الإصابة بها.

* الكلام أثناء النوم الكلام أثناء النوم somniloquy حالة يتكلم النائم فيها بصوت مسموع. والوصف الطبي يشمل إصدار النائم أصواتا لكلام؛ إما يكون مفهوما للسامع أو غير مفهوم له. وهي من الحالات الشائعة بين الذكور والإناث على السواء، لأن الإحصاءات الطبية تذكر أن نحو 50% من الأطفال يتكلمون أثناء نومهم. وتقل النسبة إلى حد 5% لدى البالغين، وأيضا بشكل متساو بين الذكور والإناث.

ويشير الباحثون في «الأكاديمية الأميركية لطب النوم» AASM إلى أن الكلام أثناء النوم قد يحصل إما بذاته كحالة منفصلة لا علاقة لها بأي اضطرابات نفسية أو بدنية، أو إنه يحدث ضمن علامات أحد أنواع اضطرابات النوم، مثل «المشي أثناء النوم» أو «ذعر رعب النوم»، خاصة إذا حدث الكلام خلال فترة «نوم حركة العين السريعة» واشتبه هذا الكلام بحالة «تأوهات أنين النوم»، ذلك أن غالبية حالات «الكلام أثناء النوم» هي في مراحل النوم التي تتميز بعدم حصول حركة العين السريعة.

ويقولون إنه من غير الواضح ما إذا كان الكلام أثناء النوم مرتبطا بأحلام يراها النائم، أو إنه يحصل من دون أن يكون النائم حينها يحلم. وبالإضافة إلى هذا، يشير الباحثون من الأكاديمية المتقدمة الذكر إلى أنه ربما تكون هناك علاقة للوراثة بالأمر، ذلك أن الحالة قد تحدث في بعض العائلات من دون غيرها. كما أن الحالة قد تحدث بشكل أعلى لدى من لديهم في الأصل اضطرابات في النوم، أو لديهم اضطرابات صحية أو لديهم اضطرابات نفسية أو يتعاطون أنواعا من المخدرات، خاصة إذا كان الكلام أثناء النوم يتضمن كلاما بذيئا أو قاسيا أو ذا صفة انفعالية أو ذا أسلوب مسرحي. وحينها قد يتطلب الأمر مراجعة الطبيب المختص في طب النوم. أو حينما يتأذى نوم شريك الحياة أو نوم المصاب بالحالة. ولكن في الغالب، كما يقول الباحثون في الأكاديمية الأميركية لطب النوم، إن هذه الحالة غير مؤذية، ولا يحتاج الأمر إلى أي فحوصات أو معالجة دوائية.

* ذعر رعب النوم

* ذعر رعب النوم Sleep terror disorder، هو أحد «اضطرابات النوم المرافقة» المتعلقة بحالة اليقظة، ويحصل في مرحلة النوم العميق، أي إما المرحلة الثالثة أو الرابعة. ويظهر ذعر الرعب الليلي كحالة متطرفة جدا من الفزع المسعور والصراخ بصوت عال أثناء النوم، يعقبه القيام بحركات عضلية مثل ضرب الأشياء والتحرك والمشي بلا هدى هنا وهناك في غرفة النوم. وتكون الحالة مصحوبة بزيادة نبض القلب وزيادة معدل التنفس وزيادة إفراز العرق وزيادة انقباض العضلات، وربما يتبول على نفسه.

وخلال الحالة، لا يستجيب المصاب للمنبهات الخارجية من الأشخاص حوله، وحينما يبدأ في الإفاقة، يكون مشوش الذهن وفاقدا للإحساس بتمييز المكان والزمان الذي هو فيه، ولا يتذكر ما حصل منه وجرى له، والأهم أنه لا يتذكر وجود حلم أثناء نومه. وتنبه المصادر الطبية إلى أنه ينبغي الحذر من التعرض للمصاب خلال تلك النوبة، لأنه قد يؤذي غيره بعنف من دون أي قصد.

وتشير إحصاءات الولايات المتحدة إلى أن الأطفال الذكور أكثر عرضة للمعاناة من هذه الحالة مقارنة بالأطفال الإناث، أما بين البالغين فتتساوى الاحتمالات بين الذكور والإناث. وتتراوح نسبة الإصابة بها بين الأطفال بين 1 و6%، وبين البالغين تبلغ 1%.

* الاضطرابات الجنسية في النوم

* ظهر عام 1996 لأول مرة الحديث الطبي عن «الاضطرابات الجنسية في النوم»، من خلال أول دراسة طبية عنها للباحثين من جامعتي تورنتو وأوتاوا في كندا، وتصنيفهم لها ضمن مجموعة «اضطرابات مرافقة للنوم». ومنذ ذلك التاريخ صدرت العشرات من الدراسات حولها. وظهر مصطلح «سيكسومانيا» لوصف الحالة لأول مرة عام 2003 ضمن دراسة تم نشرها في المجلة الكندية للطب النفسي Canadian Journal of Psychiatry.

والحالة توصف بأنها انفصال جسدي نفسي يحصل خلال فترة النوم، وتحديدا «نوم حركة العين غير السريعة». أي في مراحل النوم العميق للمرحلة الثالثة والرابعة. وتتميز بنشاط دماغي غير طبيعي يؤدي إلى القيام بأفعال جنسية طبيعية أو غير طبيعية، معتادة للشخص في فترة اليقظة أو غير معتاد له فعلها.

وفي عدد يناير (كانون الثاني) من هذا العام في مجلة علم الأعصاب وجراحة الأعصاب الإكلينيكية Clin Neurol Neurosurg، نشر الأطباء الفرنسيون دراستهم بعنوان «سيكسومانيا: نوع غير شائع من الاضطرابات المرافقة للنوم». وقالوا: «إن (سيكسومانيا) نوع معين من الاضطرابات المرافقة للنوم، يتميز بسلوكيات جنسية غير معتادة وغير طبيعية. وفي مدونات الأدبيات الطبية، هناك عدد قليل من هذه الحالات التي تم رصدها». وتحدثوا عن حالتين تمت متابعتها لديهما؛ الأولى لامرأة مدمنة على الكحول وتعرضت في صغرها للاعتداءات الجنسية، والثانية لرجل يتعاطى المخدرات ولديه اكتئاب. وخلال النوبات تحصل من المصاب أفعال جنسية مصحوبة بكلام بذيء، ويتعرض خلاله شريك الحياة لأنواع من الأذى. وتمت معالجتهما بنجاح بأدوية علاج الاكتئاب.

وفي عدد مايو (أيار) عام 2006 لمجلة «الطب الشرعي الإكلينيكي» J Clin Forensic Med، عرض الباحثون البريطانيون من مركز لندن للنوم، دراستهم حول «سيكسومانيا». وقالوا إن الحالة تعتبر نوعا من أنواع «المشي أثناء النوم». وغالبية المصابين بـ«سيكسومانيا» لديهم حالة المشي أثناء النوم ويوجد تاريخ عائلي لهذه الحالة.

ويتنوع السلوك الجنسي خلال نوبة هذه الحالة، ليشمل التلفظ بكلام جنسي بذيء، أو الاستمناء العنيف، أو ممارسة أفعال جنسية معقدة للإيلاج في الفم أو الدبر أو الفرج. وأشاروا إلى قضية حصلت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2005 لرجل من مدينة يورك في بريطانيا، حيث حاول محامو الدفاع فيها اللجوء إلى ادعاء إصابة المتهم بهذه الحالة لدى محاكمته في ثلاث جرائم اغتصاب.

وتشير مصادر طب النوم أيضا إلى أن المصاب بالحالة هذه يكون في مرحلة «ارتباك وتشويش الاستيقاظ»، أي ليس مستيقظا أسوة بحالات المشي أثناء النوم. ومن النادر أن يتذكر بنفسه ما فعله لاحقا، ولذا تحصل ملاحظة الحالة من أقوال شريك الحياة عن الأمر. والأشخاص الأكثر عرضة للمعاناة من هذه الحالة، هم الذين لديهم أيضا «حالة المشي أثناء النوم»، والذين يدمنون على تناول المشروبات الكحولية ويعانون من فترات الحرمان من النوم ومن حالات «انقطاع التنفس أثناء النوم». وأن ما يثير حدوثها هو وجود الشريك مع المصاب في سرير النوم.

وهناك من يعتقد أن الأمر له علاقة بحالات نوبات الصرع التي تثير النشاط الجنسي وبلوغ مرحلة نشوة القذف orgasm. ولا يزال من غير الواضح حقيقة علاقة الأمر بالإقدام على الاغتصاب. كما لا يزال من غير الواضح علميا مدى صحة الادعاء بأنها حالة قد تؤدي إلى الإقدام لا شعوريا على ممارسة العملية الجنسية مع الغرباء.

وحتى اليوم هناك ثلاث حالات بالحكم بالبراءة لرجال متهمين في قضايا اعتداءات جنسية، في كل من كندا عام 2008، وبريطانيا عام 2007، وأستراليا عام 2010.

ولا يزال الموضوع شائكا من النواحي الطبية ومن النواحي القانونية، والسبب بالدرجة الأولى هو

* المشي أثناء النوم

* المشي أثناء النوم Sleepwalking أو somnambulism، هو أحد «اضطرابات النوم المرافقة» التي تحدث في مرحلة النوم العميق، أي إما المرحلة الثالثة أو الرابعة. ويقوم المصاب ومن دون وعي، بأداء أفعال آلية أوتوماتيكية معقدة، مثل التجول بلا هدف أو غاية، أو حمل بعض الأشياء، أو الذهاب إلى خارج غرفة النوم أو المنزل، أو أداء أفعال أخرى أشد تعقيدا. أو ربما فقط مجرد الجلوس على السرير.

ولدى إفاقة الشخص خلال الحالة هذه، قد يذكر أنه أراد الذهاب للتبول أو فعل شيء آخر. وقد يعود الشخص بهدوء إلى نومه الطبيعي. والمهم ملاحظة أن الشخص خلال هذه الحالة يكون فاتحا عينيه، أي إنه لا يقوم بتلك الأفعال مغمض العينين كما تصوره بعض الأفلام السينمائية.

وتحصل الحالة هذه بشكل متساو بين الذكور والإناث، سواء كانوا أطفالا أو بالغين. والحالة ليست نادرة، لا بين الأطفال ولا بين البالغين، ذلك أن الإحصائيات الحديثة من الولايات المتحدة تشير إلى أن التدقيق العلمي يشير إلى إصابة نحو 30% من الأطفال بأشكال مختلفة في الشدة بهذه الحالة، ومن آن لأخر، وليس فقط 5% كما كان شائعا لدى الأوساط الطبية في السابق، خاصة بين الأطفال ما بين عمر 3 إلى 10 سنوات. وتضيف الإحصائيات الحديثة تلك، أن هذه الحالة تصيب 7% من البالغين، وفي 80% منها هي استمرار لما كان الشخص يعاني منه في الصغر.

* اضطرابات الكوابيس الليلية

* اضطرابات الكوابيس الليلية nightmare disorder قد تسمى أيضا «نوبات قلق الأحلام» dream anxiety attacks. وغالبا ما تحدث في الثلث الأخير من فترة النوم الليلي. وعادة في فترة «نوم حركة العين السريعة». ويذكر المصاب خلالها الشكوى من أحلام مرعبة. ويكون حين حديثه عنها إما غاضبا أو خجولا أو متأسفا للمعاناة منها. وغالبا ما يستيقظ المصاب خلال حلمه بذلك الكابوس المخيف.

ووجود «حلم» هو ما يميز طبيا بين حالة «اضطرابات الكوابيس الليلية» وبين حالة «ذعر رعب النوم». كما أن اليقظة التامة والسريعة، خلال كابوس الحلم المرعب، هي أمر آخر يميز بين الحالتين. وقد تكون ثمة زيادة في نبض القلب وغيرها من التغيرات البدنية التي مر ذكرها في ذعر رعب النوم.

وتشير الإحصائيات الحديثة في الولايات المتحدة إلى أن ما بين 10 و50% من الأطفال ما دون سن 5 سنوات هم عرضة للمعاناة من هذه الحالة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن الوضع لدى البالغين، إلا أن تلك المصادر تشير إلى أن 50% من البالغين ذكروا أنهم عانوا من هذا الأمر في وقت ما من حياتهم بعد فترة الطفولة. وأن نحو 8% من البالغين قد يعانون من تكرار هذه الكوابيس. والنساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال، بنسبة أربعة إلى واحد.

* جرش الأسنان أثناء النوم

* تشير الإحصائيات الطبية إلى أن نحو 30% من الأطفال يجرش أسنانه teeth grinding أثناء النوم في أحد مراحل فترة الطفولة، خاصة ما دون سن الخامسة. وتقل بشكل حاد تلك النسبة في فترة ما بعد البلوغ. والأطفال الإناث والذكور سواء في هذا الأمر. ولا يعرف سبب هذه الحالة، التي ربما لها علاقة بتأثيرات الأحداث الضاغطة خلال الحياة اليومية للطفل أو البالغ، أو لأسباب عضوية في تراكيب الفك والأسنان، أو لأسباب صحية تتعلق بنقص بعض الفيتامينات أو المعادن، أو لاضطرابات في الغدد الصماء بالجسم، أو لوجود اضطرابات في الجهاز الهضمي، أو لأسباب أخرى غير معروفة. وتحديدا، توسعت البحوث الطبية في موضوع عدم تطابق تراكيب الأسنان والفك العلوي مع السفلي، أو وجود آلام ليلية في الأسنان، أو وجود آلام في الأذن.

وعادة يلاحظ أفراد الأسرة تلك المشكلة لدى المصاب، حال سماعه له وهو يجرش أسنانه خلال النوم. أو حينما يلاحظ ذاك الشخص أن لديه ألما في فكه أو أسنانه، أو يشكو من الصداع في صبيحة اليوم التالي، أو لدى الشكوى من حساسية في الأسنان نتيجة لتلف طبقة المينا المغلفة لها، أو ملاحظة طبيب الأسنان تغيرات في تلك الطبقة أو تشققات في الأسنان.