غازات التخدير في غرف العمليات.. تأثيرات بيئية ضارة

العمليات الجراحية في أميركا أشد ضررا من عوادم مليون سيارة

TT

الإثارة الجديدة في شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي لموضوع تغيرات المناخ بسبب الاحتباس الحراري جاءت هذه المرة بطريقة «مباغتة» ومن أمكنة لا علاقة لها بالمصادر التقليدية للطاقة، ولا لسوء استخداماتها. ومفاد ما تنبهنا إليه هو أن عدم «ضبط» ما يحصل في غرف العمليات بالمستشفيات.. يضر بالبيئة أكثر من مما تقذف به عوادم السيارات! ووفق ما تم نشره مؤخرا في «المجلة البريطانية لطب التخدير» British Journal of Anaestecia، توصل الباحثون من جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة وجامعة كوبنهاغن في الدنمارك ومن وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» إلى تقدير أن الأضرار المناخية لانبعاث كيلوغرام واحد من غاز التخدير هو أشد من انبعاث أكثر من 1620 كيلوغراما من غاز ثاني أكسيد الكربون من مصادر الطاقة التقليدية كالبترول أو الفحم. وهو ما يعني، بلغة مفهومة لنا، أن الغازات المستخدمة سنويا في العمليات الجراحية التي تتم في الولايات المتحدة وحدها دون بقية أرجاء العالم أشد ضررا على المناخ من تلك الغازات المنبعثة من عوادم أكثر من مليون سيارة! وخلال الدراسة، تم في «مختبرات فورد للمناخ» Ford atmospheric laboratories بمدينة ميتشيغان إجراء اختبارات على 3 من أنواع الغازات المستخدمة بشكل شائع في التخدير للعمليات الجراحية. وهي «سيفوفلورين» sevoflurane و«أيزوفلورين» isoflurane و«ديسفلورين» desflurane. وتوصل الباحثون إلى أن أسوأها تأثيرا على البيئة هو الغاز الأخير، وأقلها ضررا نسبيا هو الغاز الأول.

ونشأت فكرة الدراسة لدى مادس أندرسون، الباحث العلمي في «مختبرات الدفع النفاث» التابعة لوكالة «ناسا» للفضاء، عندما أجريت عملية ولادة لزوجته. وقال: أخبرني طبيب التخدير أنه سيستخدم غازا يحتوي على مركبات هالوجينية، من نفس فصيلة مركبات الفريون المشهور بتأثيراته السلبية على طبقة الأوزون. وقال البروفسور أولي جون نيلسون، الباحث المشارك في الدراسة وأستاذ كيمياء المناخ بجامعة كوبنهاغن، إن نتائج هذه الدراسة رسالة تنبيه لأطباء التخدير.

وكانت «إدارة الصحة والسلامة المهنية» Occupational Safety & Health Administration، التابعة لوزارة العمل الأميركية، قد قامت في 18 مايو (أيار) الماضي بمراجعة تقريرها المطول حول «إرشادات التعرض مكان العمل لغازات التخدير» Anesthetic Gases: Guidelines for Workplace Exposures. وتقرير الإرشادات طويل، ويقع في أكثر من 40 صفحة، ويتحدث بشكل دقيق عن كيفية حماية مئات آلاف العاملين بالمستشفيات من التأثيرات الصحية الضارة لتلك الغازات، سواء المنبعثة كتسريبات من شبكة إمداد الغاز لتوصيله للمريض في أجهزة التخدير، أو تلك المنبعثة من المريض بعيد تلقيه لها في غرف العمليات أو عيادات الأسنان أو غرف الإنعاش. وأشار التقرير إلى أن لتلك الغازات تأثيرات صحية سلبية على الجهاز العصبي والتناسلي وذرية أولئك المتعرضين لها بمستويات عالية، إضافة إلى تأثيرات صحية سلبية أخرى متنوعة. وركز في الحديث حول كيفية العمل على منع أي تسريبات لها وكيفية مراقبة ذلك في هواء المستشفيات وعيادات الأسنان.

هذا، ولا يزال موضوع التعامل مع نفايات المستشفيات أو المستوصفات أو العيادات، أو ما يعرف بـ« نفايات الرعاية الصحية» (Healthcare waste HCW) إحدى القضايا الساخنة دائما في الأوساط الطبية والبيئية والإعلامية في مختلف مناطق العالم. وذلك من نواحي التشريعات والإرشادات الصادرة عن الهيئات العالمية والمحلية المعنية بشؤون الصحة وسلامة البيئة، ومن نواحي متابعة تطبيق وسائل التخلص من تلك النفايات دون إضرار بالبيئة والبشر.

وكان تقرير منظمة الصحة العالمية بعنوان (Healthcare waste management» (HCWM» حول التعامل مع نفايات المستشفيات قد صنف أنواع تلك النفايات وتحدث عن وسائل التعامل معها. وأفاد بأن المواد الضارة في «نفايات الرعاية الصحية» تشكل نسبة 25% من مجمل نفايات المستشفيات. وهي التي قد تحتوي على مواد تحمل عناصر ميكروبية، أو آلات حادة، أو مركبات كيميائية ودوائية خطرة، والغازات المستخدمة في المستشفيات، والمواد ذات التأثيرات الجينية، ونفايات تحتوي على مواد مشعة تستخدم في الفحوصات الطبية أو علاج أنواع من الأمراض.

وتطال احتمالات الضرر بهذه النفايات، كما ذكر التقرير، العاملين في المستشفيات بالدرجة الأولى، والمرضى المراجعين لها، والعاملين في مجال النظافة بالمدن، إضافة إلى عموم الناس. وتحدث التقرير بشكل مسهب عن الأضرار البيئية والصحية الجسيمة جراء عدم الصرامة في مراقبة وسائل التخلص من تلك النفايات.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]