2010.. عام الخلية الحية الصناعية والجراحة الروبوتية الكاملة

أبحاث ودراسات واعدة وأخرى مثيرة للجدل

TT

يرى معظم المختصين والمهتمين بمتابعة الأمور الطبية أن عام 2010 افتقر إلى الأحداث البراقة على المستوى الصحي بشكل عام، إذ لم يشهد ابتكارات أو إسهامات جذرية من شأنها أن تغير من وجه خارطة الصراع الأزلي بين الصحة والمرض.

ويدلل البعض على ذلك، بمنح جائزة نوبل في الطب لعام 2010 للبروفسور البريطاني روبرت إدواردز، الذي ابتكر تقنية الإخصاب الصناعي التي أدت إلى مولد لويز براون في 25 من يوليو (تموز) عام 1978 كأول طفلة أنابيب في العالم. ورغم أحقيته في الحصول على الجائزة نظرا لما أسفرت عنه من تغيير مفصلي في حياة البشر، فإن عدم وجود منافسة قوية هذا العام أسهم في حصوله عليها دون عائق حقيقي.

ولكن جعبة عام 2010 لم تخل تماما من مئات الأبحاث والدراسات المبشرة لإضاءة طريق المستقبل، ورغم أن معظمها لا يزال قيد التجارب المختبرية أو الأفكار الافتراضية، فإنها تعد في حال تطبيقها بإنجازات حقيقية واعدة.. كما لم يمر العام دون أحداث علمية أخرى شهدت كثيرا من الجدل بين العلماء والخبراء، ووصلت إلى حد التراشق بالاتهامات الأخلاقية في بعض الأحيان.

خلية حية صناعية

* من بين الأحداث التي أثارت جدلا مكثفا، إعلان البروفسور الأميركي كريغ فنتر، رائد أبحاث الجينوم البشري، عن نجاح تجربة تصنيع أول خلية حية صناعية بالمختبرات في 20 من مايو (أيار) الماضي.

وقال فنتر إنه نجح مع فريقه البحثي في إنتاج أول خلية من نوعها على كوكب الأرض قادرة على التكاثر (الانقسام) التلقائي مولودة عبر تقنيات الكومبيوتر، إذ نجح في تركيب المادة الوراثية المكونة من مليون وحدة تقريبا ثم زرعها في خلية أخرى، لتقوم المادة الوراثية المركبة بالتحكم في الخلية كلية.

وأثارت التجربة مزيجا من ردود الفعل المرحبة والرافضة والمستهجنة، حيث قال البعض إن التجربة تفتح بابا لإنتاج خلايا حية مفصلة من أجل علاج الكثير من الأمراض.. في حين هاجمها البعض خوفا من مردودها الأخلاقي، حيث قالوا إنها قد تفتح الباب أمام إنتاج أسلحة بيولوجية، كما أن الخطأ (البشري الوارد حدوثه) قد يتسبب في مصيبة بيئية عبر تصنيع جرثومة قد تفتك بالبشرية.

لكن أفضل تعليق صدر عن عالم في هذا الصدد، هو ما قاله البروفسور ديفيد بالتيمور، باحث علوم الجينوم من جامعة كاليفورنيا، إذ قال: «أعتقد أن فنتر يبالغ (قليلا).. إنه لم يخلق حياة جديدة، فقد ركب قواعد من الأحماض النووية في خلية مخلوقة بالفعل، إذن فهو لم يهبها الحياة».

منجزات واعدة

* أما من حيث الأحداث الواعدة، فقد تمكن العلماء من تجربة البنكرياس الصناعي بنجاح مع نهاية العام وأوصت لجنة من الخبراء بالاستمرار في تلك التجارب لما أسفرت عنه من نتائج جيدة.

والبنكرياس الصناعي هو جهاز لديه القدرة على قياس نسبة السكر وضخ مقادير مناسبة لتلك القياسات من الإنسولين بالدم للحفاظ على مستوى الغلوكوز في معدله الطبيعي بطريقة آلية تماما، وقد نجحت الأجهزة في القيام بعملها في التجارب الخاصة بما يبشر بإمكان إنتاجها واستخدامها على نطاق موسع في وقت قريب.

كما توصل العلماء في خلال العام إلى نتائج جيدة فيما يخص أبحاثهم حول اللقاحات المضادة للسرطان، وقد اعتمدت وكالة الغذاء والدواء الأميركية بالفعل أحدها في أبريل (نيسان) الماضي، وهو لقاح Provenge الخاص بعلاج بعض حالات سرطان البروستاتا، الذي أسهم في منع انتشار الخلايا السرطانية بالجسم.

وفي ذات السياق، تمكن العلماء الصينيون من إنتاج لقاح مضاد لمرض الالتهاب الكبدي الوبائي إي E في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأظهرت التجارب نجاح اللقاح في الوقاية من المرض بنسبة تصل إلى 100 في المائة في مختلف الأعمار.

وخلال العام، تقدمت الأبحاث الخاصة بدراسة أسباب حدوث مرض عته الشيخوخة (ألزهايمر) بدرجة كبيرة. وعلى نفس المنوال، سارت الأبحاث الخاصة بمرض التوحد لدى الأطفال. ووصلت الأبحاث إلى نتائج جيدة، مقارنة بما سبقها، من حيث تحسين مهارات الأطفال المصابين اللغوية والاجتماعية ورفع معدلات ذكائهم، من خلال برامج تدريبية وأساليب علاجية مستحدثة.

وقبل أن ينتهي العام، زفت الأنباء بشرى جديدة إلى العالم من ألمانيا، حيث أعلن باحثو جامعة شاريت ببرلين عن تمكنهم من علاج مريض مصاب بفيروس نقص المناعة المكتسبة (الإيدز). وأفاد الباحثون بأن المريض، الذي كان يعاني أيضا من سرطان الدم النخاعي، عولج عن طريق ما أطلقوا عليه «محو النظام المناعي»، وذلك بأن خضع لجرعات عالية من العلاج الكيميائي والإشعاعي قبل أن يتم إجراء عملية زرع للخلايا الجذعية. ثم خضع المريض، الذي تعرض لانتكاسة في سرطان الدم بعد نحو عام، لعملية زرع خلايا نخاعية ثانية من ذات المتبرع.

واكتشف الباحثون بعد نحو ثلاث سنوات من العلاج أن المريض قد شفي تماما من مرضي سرطان الدم ونقص المناعة المكتسبة، وأن جهازه المناعي استعاد قدراته كاملة.

ومن الأحداث التي قد تعتبر مفصلا في تاريخ الطب وتحول الجراحات التقليدية إلى أثر تاريخي، مشهد تم بغرفة عمليات تابعة لجامعة ماك غيل الكندية، وكان في السابق من قبيل الخيال العلمي، حيث أعلنت الجامعة يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن نجاح الجراحة الروبوتية كليا، الأولى من نوعها في التاريخ، التي اشترك فيها جهازا الروبوت «دافنشي» الجراح الآلي و«ماك سليبي» المخدر الآلي لاستئصال غدة البروستاتا من أحد المرضى، دون تدخل بشري مباشر داخل غرفة العمليات.

ورغم أن الجراح الآلي يتم التحكم به من داخل غرفة المراقبة عن طريق البشر، فإنه يتيح للجراحين أبعادا جديدة من القدرات الدقيقة لا تسمح بها اليد البشرية، في حين يقوم جهاز التخدير الآلي بتحديد جرعات المخدر بدقة متناهية تبعا للقياسات الحيوية اللحظية للمريض. ومثل هذه المشاركة قد تسفر عن تحول كلي قريب في مفاهيم الجراحات التقليدية.

ومن ضمن الإنجازات العلمية البارزة، وإن كانت تخص الكيمياء الحيوية بالأساس، ولكن تطبيقاتها في مجال الصحة قد يكون الحل المستقبلي لكثير من المشكلات التي لم يجد لها البشر حلا وافيا حتى الآن، نجاح البروفسورة الكندية هنادي سليمان، اللبنانية الأصل، وفريقها البحثي بجامعة ماك غيل من التوصل إلى إيجاد وسيلة لتحويل الأنابيب النانوية (Nanotubes) المصنوعة من المادة الوراثية، أسطوانية الشكل، إلى أشكال أخرى ثلاثية الأبعاد.

وتمتاز الأنابيب النانوية المصنعة من المادة الوراثية بقدرتها على الوصول إلى وجهات معينة بالجسم دون غيرها، بحسب الشفرة الوراثية المستخدمة في تصنيعها. وقبل إنجاز سليمان، لم يكن من الممكن ملء الأنابيب النانوية بمواد أخرى، مثل المضادات السرطانية أو العقاقير أو خلافه، نظرا لأنها مفتوحة من الطرفين، ولكن الابتكار سمح بأن تعمل الأشكال المستحدثة مثل العبوات، وهو ما يعني إمكانية استخدامها كقنابل موجهة للخلايا السرطانية وحدها أو لعلاج أمراض معينة دون الإضرار بباقي خلايا الجسم السليمة.

خلاف حول الأخلاقيات

* كما شهد منتصف العام أيضا اتهامات متبادلة بين هيئات صحية عالمية من جهة وبين منظمة الصحة العالمية وشركات عملاقة في تصنيع اللقاحات من جهة أخرى، فيما يخص الطرف الثاني من حيث المبالغة والتهويل الذي أثار ذعر العالم في العام السابق حول موضوع إنفلونزا H1N1، المعروفة إعلاميا باسم «إنفلونزا الخنازير».

واتهمت الكثير من الجهات الصحية منظمة الصحة العالمية بالوقوع تحت تأثير شركات إنتاج اللقاحات العملاقة، سواء كان بحسن نية أو نتيجة انحرافات أخلاقية داخل المنظمة، والتهويل من أثر الفيروس، مما تسبب في إثارة ذعر عالمي غير مبرر، كما أسفر عن إهدار مليارات الدولارات هباء.

خلاف أخلاقي آخر تعلق بالشركات الدوائية العملاقة حدث في نهاية العام، شهدت أروقة المنظمات العالمية اتهامات تحوم حول شبهات تخص شركات تصنيع اللقاحات العالمية، وتعويقها المتعمد لإنتاج لقاح مضاد للالتهاب السحائي الوبائي في أفريقيا لعدم وجود السيولة المادية المقررة له مسبقا.

ومن التجارب الخلافية التي أجريت هذا العام، ما يخص قرار ماليزيا بإطلاق 6 آلاف بعوضة مهندسة وراثيا في أجوائها خلال نهاية عام 2010، في مسعى للقضاء على الفيروس المسبب لمرض حمى الضنك الذي ينتقل للبشر عبر لدغات البعوض. وتمثل الخلاف العلمي في أمل العلماء من جهة في القضاء على المرض، مقابل مخاوف آخرين من التلاعب بالطبيعة.

مناقشات طبية

* إلى ذلك، شهدت الأروقة العلمية انقسامات حادة في الرأي حول عدة قضايا خلافية؛ منها الفوائد المطلقة لمضادات الأكسدة، حيث صدرت في هذا الصدد عدة تقارير تشير إلى ضرورة الاعتدال في استهلاك الأغذية والعقاقير المضادة للأكسدة، والتي تعمل على تخليص الجسم من الجذور (الشوارد) الحرة. وأوضحت تلك التقارير أن الأبحاث المختبرية أشارت إلى أهمية وجود نسب من تلك الشوارد بالجسم، حيث إنها تقوم بتنشيط عدة مسارات حيوية مهمة، وأن الحرمان التام منها يعوق تنشيط هذه المسارات.

وكذلك انقسم العلماء حول الفوائد الصحية لزيوت الأسماك أثناء الحمل، وما إذا كانت تسهم في تقليص فرص إصابة الأم باكتئاب ما بعد الولادة، وكذلك زيادة معدل الوعي الإدراكي لجنينها عقب الولادة.. كما أكدت دراسات متعددة في الأعوام السابقة.

ولكن دراسة نشرت في أكتوبر الماضي، شككت في صحة تلك النتائج، وأكدت أن مثل تلك التأثيرات لا أساس لها من الصحة، بل اتهمت القائمين على الدراسات السابقة بالتحايل لإخراج نتائجهم التي تتماشى مع مصالح شركات العقاقير.

كما شهد ختام العام تحذيرات متصاعدة من أثر استخدام الصابون المقاوم للجراثيم بصورة مطلقة، وذلك لما أظهرته التجارب من آثار جانبية لما يحتويه هذا الصابون من مواد تؤثر على هرمونات الجسم والخصوبة واحتمالية تسببها في الإصابة بالسرطان أو تشويه الأجنة.

كما أظهرت تقارير أخرى احتواء زجاجات الرضاعة المصنعة من البلاستيك، وزجاجات المياه المعدنية وعبوات المشروبات الغازية نفس المادة (بيسفينول إيه)، وحذرت من خطورتها على خصوبة الرجال بصفة خاصة.

وفي سياق متصل، أكدت دراسات أميركية زيف الادعاءات التي سبق وأن روج لها منتجو السجائر المستحدثة (الإلكترونية والعشبية)، من أن أضرارها أقل من السجائر المعتادة. وأشارت الأبحاث إلى أن تلك النوعيات المستحدثة من السجائر لا تقل خطورة عن لفائف التبغ القديمة، بل قد تفوقها خطورة فيما يخص حثها الخلايا الطبيعية على التحول السرطاني بصورة أكبر.

كما شهد العام تنبيهات متكررة حول الزيادة غير المبررة في معدلات إجراء الولادات القيصرية، التي أظهرت الإحصاءات العالمية تنامي معدلاتها إلى ضعف المستوى القياسي لأسباب لا تمت للطب بصلة.

لغز انتشار الكوليرا

* ومن ضمن الأحداث التي مثلت لغزا لم يتم حسمه حتى نهاية العام، كان وباء الكوليرا الذي اندلع في هايتي متسببا في وفاة ما لا يقل عن نحو 3 آلاف شخص، مع تحذيرات متكررة من أن مدى تفشيه قد يصل إلى نحو 400 ألف مصاب في أشهر قليلة.

وتحير العلماء في تحديد منشأ الفيروس وكيفية انتقاله إلى هايتي، رغم تتبعهم لبصمته الوراثية.. ولكن أرجح الفرضيات هو دخوله إلى هايتي، خلال عمليات الإنقاذ الدولية إبان زلزالها المدمر مطلع العام.

كما شهد عالم الإخصاب الصناعي جدلا كبيرا حول وسائله المختلفة والإسراف غير المبرر في استخدام تطبيقاته، لأن ابتكاره بالأساس كان موجها لعلاج الحالات التي يكون فيها العامل الذكري هو سبب العقم.

مراجعات علمية

* وكذلك شهد عام 2010 مراجعة علمية لما سبق وأن اتفق عليه لعدة عقود، من حيث المخاوف المتعلقة بتناول الوجبات الغذائية التي تحتوي على كميات من الدهون، إذ أكدت كثير من الأبحاث أهمية دور الدهون، المشبعة وغير المشبعة على السواء، في العمليات الحيوية الخاصة بالجسم البشري، وأن الحرمان التام منها قد يتسبب في مضار أكبر بكثير من تلك التي قد تحدث لمن يتناولها بمقادير معتدلة.