جهاز يساعد المقعدين.. على الحركة

«جسر عصبي إلكتروني» لنقل النبضات بين جانبي الحبل الشوكي المصاب

TT

حتى وقت قريب، كان يجري تشخيص الإصابات الحادة في الحبل الشوكي باعتبارها حالة شلل، سواء كان جزئيا أو كليا. غير أن تطورات جديدة على صعيدي العلاج باستخدام الخلايا الجذعية وطرق التحفيز الإلكتروني بدأت في فتح نافذة جديدة من الأمل، وإن كان لا يزال بعيد المنال، في أن الشلل ربما لن يبقى عقوبة مدى الحياة.

وتوصل العلماء إلى تطوير أجهزة قادرة على تنفيذ عملية تنبيه معقدة للعضلات بحيث يمكنها المساعدة في تحقيق عملية وقوف أو سير محدودة. كما بدأت أولى المحاولات المعتمدة على خلايا جذعية جنينية العام الماضي. إلا أن وسائل أخرى ربما تطرح حلولا أبسط.

داخل مختبره في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، يعكف في. ريغي إدجرتون على تطوير جسر عصبي إلكتروني قادر على مساعدة النبضات من «القفز» من جانب ما من الحبل الشوكي المصاب إلى الجانب الآخر للاستفادة من «مجموعة من الدارات الكهربية» العصبية التي تبقى سليمة حتى بعد فصلها عن المخ. وفي إطار بحث تم تقديمه نهاية الشهر الماضي أمام اجتماع لجمعية علوم الأعصاب في سان دييغو، استخدم إدجرتون وطالب متخرج يدعى باراغ غاد هذا التوجه، بجانب التخطيط الكهربائي للعضلات، لمساعدة الفئران التي تعاني من انقطاع حبالها الشوكية، ولها أرجل خلفية مشلولة تماما، على الجري باستخدام أرجلها الأربعة مجددا. فعندما بدأت الرجلان الأماميتان في العدو، أثارت حركتهما تيارا صغيرا دفع الرجلين الخلفيتين لمسايرتهما.

عكف إدجرتون على العمل على نظام يوظف قدرات موجودة مسبقا داخل الحبل الشوكي، وهي ممرات عصبية ربما، بعد إصابة، تكون قد تعرضت لإعاقة، لكنها لم تختف. رغم أن المخ ربما يتحكم في النبضة التي توجه عملية السير، تبقى هناك حركة تتابعية من عضلة لأخرى لا تخضع لسيطرتنا الواعية. وشرح إدجرتون في حديث لمجلة: «تطكنولوجي ريفيو» الصادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن «الإشارة الصادرة عن المخ لا تنشط هذه العضلة، ثم تلك العضلة ثم أخرى، وإنما تنشط برنامجا قائما على دائرة. وتصدر رسالة من المخ بالتحرك. ويدرك الحبل الشوكي جيدا ماذا يعني الأمر بالتحرك، وكل ما يتعين عمله هو إصدار أمر إليه بذلك».

وبدلا من الربط بين الأقطاب الكهربية والخلايا العصبية، يربط إدجرتون الجسر العصبي بالأقطاب الكهربية على الجزء الخارجي من الحبل الشوكي المبتور. وتؤدي دفقات بطيئة من الكهرباء إلى تنشيط الدائرة الشوكية. وبمجرد أن تبدأ الأرجل في الشعور بالوزن، يدرك الحبل الشوكي المعلومات المرتبطة بذلك ويبدأ في تحفيز الحركة من تلقاء ذاته - من دون الحاجة إلى رابطة مع المخ.

ومن خلال نقرة خفيفة، تمكن إدجرتون وزملاؤه من دفع الأعضاء المشلولة للفأر للجري. وكانت النتيجة هي مشية متزنة ومتناغمة يسيطر عليها الباحثون - وهو أمر يتعذر على الباحثين الحصول عليه عند تحفيز العضلات المنفردة.

دفقات كهربائية

* وطور الباحث غاد النظام نحو مرتبة أعلى، حين استحدث آلية تراقب حركة الرجلين الأماميتين للحيوان ويستخدم المعلومات في توليد دفقات كهربية تدفع الرجلين الخلفيتين للتحرك. في البداية، طور غاد نظاما حسابيا بمقدوره التمييز بين نشاط المشي - وهي حركة ثابتة تجري بالتبادل بين الساقين الأماميتين. ثم وبعد ذلك، أخذ يزرع أسلاكا للتخطيط الكهربائي للعضلة في الساقين الأماميتين والخلفيتين، بغية رصد نشاط عضلات الهيكل العظمي. وترتبط أسلاك التخطيط الكهربائي للعضلة بجزء صغير خلفي يحتوي على جهاز تحكم بالغ الضآلة، يرسل بمجرد رصده السير على الطرفين الأماميين، دفقة مستمرة إلى الحبل الشوكي، مما يدفع الطرفين الخلفيين للانضمام للحركة.

من ناحيتها، قالت فيفيان موشاهوار، وهي مهندسة في الطب الحيوي بجامعة ألبرتا: «إنهم يثبتون على نحو عملي الكثير من الأفكار التي كان يجري تداولها لفترة.. إنه أمر جيد». ويذكر أن موشاهوار والعالم فيث الفيزيولوجيا ريتشارد ستين، وهو من جامعة ألبرتا أيضا، يعكفان من فترة على تصميم نظام آخر يعمد إلى الاستفادة من الدائرة الداخلية بالحبل الشوكي.

وقال ستين: «إن هذا العمل دقيق، ويؤتي نتائج جيدة مع الحيوانات، لكنني بحاجة لمزيد من الأدلة كي أقتنع بأنه سيكون مفيدا مع الأفراد».

وسيتعين على الباحثين بذل الكثير من الجهود قبل أن يتمكنوا من نقل تقنية التخطيط الكهربائي للعضلة إلى التطبيق على البشر. وقد جرت الاختبارات على الفئران على جهاز السير فقط، وليس على أرضية واسعة. ولن يكون من اليسير ترجمة الدائرة الكهربية المغلقة التي حققها الباحث غاد في الفئران إلى ساقي البشر، نظرا لأن البشر لا يستخدمون الطرفين الأماميين على نحو يجعل منهما عاملا محفزا على السير.

من جانبه، أشار إدجرتون إلى أن عملية الدفع اعتمادا على التخطيط الكهربائي للعضلة ليس سوى مجرد بداية تحديد كيفية إعادة سيطرة المريض على حركته. وأضاف: «نرغب في رؤية أي من أنماط الاستراتيجيات يمكن استخدامه من أجل تمكين المريض على السيطرة في بدء وإنهاء الحركة». ويجري بالفعل استخدام الأقطاب الكهربية للتخطيط الكهربائي للعضلة لمساعدة من تعرضوا لبتر في أعضائهم في السيطرة على الأعضاء الاصطناعية المكملة، حيث يمكن لتنشيط عضلة معينة، بالتعاون مع سلك يرتبط بالتخطيط الكهربي للعضلة، إرسال إشارة للطرف الاصطناعي للتحرك لأعلى وأسفل أو ليد اصطناعية بالفتح والانغلاق.

تطبيقات محتملة

* وقال إبرهارد فيتز، اختصاصي بمجال الفيزيولوجيا الحيوية بجامعة واشنطن: «لا يعد هذا الأمر تقدما كبيرا على نحو خاص بعد. إذ إن دفع الأطراف الخلفية للحركة باستخدام نشاط الأطراف الأمامية أمر جديد، ويساورني اهتمام بأن أعاين ما إذا كانوا سينجحون العام المقبل في خلق حركة أكثر ديناميكية وتفاعلية على نحو مستمر»، بمعنى دفع الإشارات الصادرة من الأقطاب الكهربية الخاصة بالتخطيط الكهربي للعضلة للأطراف الخلفية لخلق نظام عامل بصورة كاملة.

من ناحيته، يعتقد غاد إمكانية وجود سبل أخرى لدفع الأفراد نحو إصدار تحفيز، سواء كان ذلك عن طريق جهاز تحويل يسيطر عليه باليد أو أمر أشبه بالأطراف الصناعية التي تحفزها العضلات. وأضاف: «هذه الخطوة الأولى نحو خلق وسيط يتماشى مع التحفيز المرتبط بالحقن في العمود الفقري».

وقال إدجرتون: «لقد طور غاد نظاما وفر للفأر السيطرة من دون أن يعي بالضرورة أنه مسيطر، لكن عندما يحرك الطرفين الأماميين، يجري تحفيز الطرفين الخلفيين على العمل. وتدور الفكرة كلها حول جعل الحيوان أكثر سيطرة على ما يدور» حوله.