المصابون بالأمراض المزمنة.. وأهمية تغيير عاداتهم واهتماماتهم

طبيب لأمراض الكلى يعاني من السكري يتحدث عن التكيف مع المرض

TT

جوليان سيفتر، 61 عاما، هو طبيب أمراض الكلى في مستشفى بريغهام ومستشفى النساء في بوسطن وأستاذ أمراض الكلى بكلية الطب بجامعة هارفارد. وقد تحادثت معه في مكتبه بجامعة هارفارد لمدة ثلاث ساعات حول كتابه الجديد، «بعد التشخيص: تجاوز الأمراض المزمنة» الذي كتبه بالاشتراك مع زوجته، بيتسي سيفتر.

ويتناول هذا الكتاب كيف يتكيف مرضى الأمراض المزمنة مثل السكري والقلب والذئبة، بل وحتى الإيدز، مع مرضهم. وإليكم ما جرى في هذه المقابلة، إضافة إلى محتويات عدد من رسائل البريد الإلكتروني التي تم تبادلها لاحقا.

طبيب ومريض

* أنت طبيب تعالج مرضى الأمراض المزمنة، لكنك أيضا مريض تعاني من مرض مزمن وهو السكري. هل أنت مريض جيد؟

- ليس تماما. عندما تم تشخيصي بمرض السكري - منذ 30 عاما - كنت أريد الهروب من هذا المرض. وكنت في مقتبل حياتي العملية والأسرية ولم أرغب في أن أكون مقيدا بسبب بعض مشكلات في الهضم. نعم، كنت أتناول الأنسولين. لكن الالتزام بنظام غذائي حازم ومراقبة مستوى السكر في الدم كان أمرا صعبا. وتظاهرت أمام نفسي وأمام الآخرين بأنني لا أعاني من أي مرض.

وأنا الآن أعاني من بعض المضاعفات الناتجة عن الحياة لثلاثة عقود مع مرض السكري، وهي نزيف في العين واعتلال بالأعصاب. ومع مرور الوقت، حاولت السيطرة على مستوى السكر في الدم، ولكن جهودي في هذا الإطار لم تكن ناجحة تماما. وتعني السيطرة الجيدة محاولة القيام بما يقوم به البنكرياس، ولم أكن أرغب فعلا أن أصبح بنكرياسا!

* هل كونك مريضا ساعدك على أن تصبح طبيبا؟

- لقد تعلمت أشياء كثيرة بالتأكيد استفدت منها في عملي. وعلى سبيل المثال، أنا أعاني من بعض المشكلات في شبكية العين، وقد تكون ناتجة واحدة من مضاعفات مرض السكري، لذلك لا أرى جيدا بعيني اليمنى. وعندما حدث هذا، قلت لطبيب العيون، «لا أريد أن أفقد بصري. أنا بحاجة إلى القراءة»، ورد على الطبيب قائلا: «رؤية ضعيفة أفضل من عدم وجود رؤية».

وهذا أمر مهم. بدأت أفكر «في التركيز على الأشياء التي يمكنني القيام بها وأحاول تطوير بعض المهارات الجديدة». لقد بدأت في زراعة النباتات، وهذا أمر لا يتطلب رؤية حادة وما كنت لأفعله في ظروف غير هذه. وأنصح مرضاي بأن يقوم باستبدال أشياء جديدة بما فقدوه.

المرض وتغيير العادات

* هل لك أن تعطينا مثالا على ذلك؟

- كان لدي مريض في الكلى يحب الغطس والاستكشاف. وكان يتعين على أن أبلغه بأن هواية الغوص ليست آمنة بالنسبة له، لذلك شجعته على المشاركة في أعمال التنقيب عن آثار الأميركيين الأصليين في صحراء جنوب غربي الولايات المتحدة، وهو أمر كان يحبه أيضا ويجعله مستكشفا أيضا، ولكن دون أن يعرض حياته للخطر.

* ذكرت في كتابك أن الأمراض المزمنة يمكن أن تكون تعطي المصابين بها فرصة للنمو وتطور شخصيتهم، وهذا أمر من الصعب تخيله.

- إن هذه الأمراض قد تضطر المرضى إلى تغيير عاداتهم وأنماط حياتهم القديمة. وتقضي على ما كان بعض هؤلاء المرضى يعتبرونه في السابق من المسلمات. لذلك فأنت مدعو، أو قل مضطر، إلى البحث عن خيارات جديدة وعن الإمكانات غير المستكشفة بداخلك.

كان لدي مريضة اسمها كاساندرا تعمل مغنية في الأوبرا وقد جاءت إلى أول مرة لأنها كانت تعتقد أن لديها مشكلة في الكلى، لكن تبين أنها تعاني من التهاب شديد في الرأس والرقبة - الحنجرة، التي هي أداة عملها. ولم تعد قادرة على أن تغني كما كانت في السابق. ولم يكن لدي كاساندرا خلفية علمية، لكنها بدأت في قراءة بعض المقالات التي تتعلق بالمرض الذي تعاني منه وكيفية علاجه وأبدت اهتماما بهذا المجال. وفي النهاية قامت بدراسة بعض المقررات العملية وتمكنت من الالتحاق بكلية الطب، وهي على وشك أن تصبح طبيبة في أمراض الكلى.

مرضى يقاومون العلاج

* وهذا يعني أن تشخيص الإصابة بالأمراض المزمنة يجب ألا ينظر إليه على أنه النهاية؟

- يجب ألا يكون كذلك. لكن في بعض الأحيان قد تكون النهاية بالفعل. كان لدي مريض آخر، وهو رجل شرطة، وكان بدينا للغاية، ويعاني من مرض السكري. وكان باستطاعته أن يتناول صندوقا من البيرة في مرة واحدة. وكان مستمتعا تماما بحياته الاجتماعية. وعندما وصل إلى سن الستين، كان يحتاج إلى عملية لبتر الأطراف وغسيل الكلى. وقال: «أنا لا أريد ذلك». لم أستطع أقناعه بأن يتخلى عن هذه الفكرة. ووضع في دار لرعاية المسنين وتوفي في هدوء.

وإذا كان المريض يرفض غسيل الكلى، يجب أن أتأكد أن قرره هذا ليس ناتجا عن حالة اكتئاب. وإذا كان المريض مترددا، أقول له: «على الأقل حاول. يمكنك دائما التوقف». كان لدي مريض رفض، في البداية، غسيل الكلى، ولكنه وافق على المحاولة وبعد ذلك أدرك أن هذا الإجراء يجعله يشعر بتحسن كبير فواظب عليه. وكان يأتي ثلاث مرات في الأسبوع، ليرى كيف أنه من الممكن أن يجعل هذا الإجراء جزءا من حياته.

* هل من الصعب إقناع المرضى بالموافقة على علاج صعب مثل الغسيل الكلوي؟

- البديل هو الموت. أحاول أن أجلس مع مرضاي أينما وجدوا حتى يتسنى لي إقناعهم بالقيام بذلك.

وكان لدي مريض يريد الذهاب إلى فلوريدا قبل البدء في الغسيل الكلوي. وكنت قلقا بشأنه، وكانت حالته تشير إلى أنه قد يصاب بسكتة قلبية إذا قام بهذه الرحلة. لكنني أعلم أيضا أنه عنيد ولن يبدأ العلاج بالغسيل الكلوي قبل القيام بهذه الرحلة، قلت له: «حسنا، اتصل بي عندما تهبط في ميامي». قال لي: «يا دكتور، ألا تفهم، أنا أقوم بقيادة السيارة».

وكان هذا أمرا خطيرا حقا، فقلت: «اتصل بي في كل ولاية وسأعطيك عنوان شخص يمكنك الرجوع إليه في حالة الطوارئ».

وجاءت المكالمات الهاتفية بصورة منتظمة حتى اليوم الأخير من الرحلة. وكنت قلقا واتصلت بمنزله في جنوب فلوريدا، وكان هناك ضجيج لا يصدق في الخلفية وكنت بالكاد أسمع زوجته فسألتها: «ما الذي يحدث؟» قالت: «هذه مروحية إنقاذ في الحديقة الأمامية». وقد قام بإجراء غسيل الكلى في الطائرة، ولكن حالته كانت حرجة وتطلبت نقله جوا إلى المستشفى!

* هل تأسف لأنك سمحت له بهذه الرحلة؟

- لا، من واقع تجربتي الخاصة، فهمت لماذا يقاوم بعض المرضى العلاج. فكرة أن أربط نفسي بالإبرة الطبية كل يوم طوال حياتي: هذا أمر لم يكن من السهل قبوله. لقد كرهت حقيقة أن علي أن أتذكر كل صباح أنني مصاب بالسكري. لذا أنا لست متشددا مع مرضاي. وأسمح لهم بالقيام بما هو ممكن.

* في كتابك، اقترحت فكرة مبدعة، وهي أن على مرضى الأمراض المزمنة أن يحاولوا نسيان مرضهم ولو قليلا. هل من الممكن أن توضح لنا هذه النصيحة؟

- يجب أن يقوموا بذلك في حدود المعقول. الجميع بحاجة إلى نسيان المرض لفترة من الوقت والتفكير في أشياء أخرى، وإلا لتمكن المرض منهم. لذلك فأنا أقول لنفسي أنت لست مريض سكري، بل أنت طبيب يعاني من مرض السكري.

بطبيعة الحال، يتعين على المرضى القيام بكل ما يقدمه الطب الحديث. أنا دائما أقول لهم إن الأمر صعب، لكنه ليس نهاية كل شيء، أنت على قيد الحياة حتى توافيك المنية. «الأمر لم ينته حتى تنتهي».

* خدمة «نيويورك تايمز».