فيروس إنفلونزا الخنازير.. وموسم الشتاء

لا يزال يهدد أرواح الآلاف من الأطفال والشبان والحوامل

TT

رغم انحسار جائحة العدوى العالمية لفيروس «إتش 1 إن1» (إنفلونزا الخنازير)، فإنه لا يزال موجودا حولنا، مهددا الأطفال الصغار والشبان الأصغر سنا والنساء الحوامل الذين يبدون الأكثر تعرضا للإصابة به.

عندما رصد فيروس «إتش 1 إن1» H1N1 لأول مرة في الولايات المتحدة في أبريل (نيسان) من عام 2009، دقت أجراس الخطر في كل مكان. وشغلت مراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها CDC على الفور مركزا لعمليات الطوارئ، بينما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار العدوى التي بدا أنها انطلقت قبل شهر من ذلك من المكسيك.

بحلول يونيو (حزيران) من ذلك العام، انتشر الفيروس إلى 70 دولة وأعلنت المنظمة أنه تحول إلى جائحة وبائية.

* وباء الإنفلونزا

* ويقدم تعبير «جائحة وبائية» pandemic صورة لمرض عارم ينشر الموت والمرض في إرجاء العالم. إلا أن هذا التعبير يحمل معنى محايدا تقريبا شبيه بكلمة «وباء» epidemic (التي تعني ازديادا غير معهود في المرض)، لكنه ينتشر في أصقاع جغرافية أكثر. وقد حدثت أربع من الجائحات الوبائية القرن العشرين الماضي وكانت جائحة «إتش 1 إن 1» الوبائية، هي الأولى في القرن الحالي.

وبالمقارنة مع فيروسات الإنفلونزا المعهودة التي تنتشر كل سنة خصوصا في الشتاء، فإن أي جائحة وبائية لفيروس جديد من الإنفلونزا تنحى باتجاه التسبب في إصابة أعداد أكثر من السكان ووفاتهم. وعندما تظهر سلالة متطورة من الإنفلونزا لا يتمتع الإنسان بأي مناعة ضدها، فإن البشرية تصبح مهددة بعدواها.

ويتفاوت عدد الوفيات الناجمة عن الإنفلونزا كثيرا بين سنة وأخرى، ولكن وفي المتوسط فإن العدد يبلغ 23 ألف وفاة في الولايات المتحدة خلال موسم الإنفلونزا، الذي يبدأ في نصف الكرة الشمالي بين شهري أكتوبر (تشرين الأول) وأبريل (نيسان). وفي الجائحة الوبائية لعام 1957 قضي نحو 79 ألف أميركي بسبب الإنفلونزا. وفي عام 1968، أدت جائحة «إنفلونزا هونغ كونغ» الوبائية إلى وفاة 34 ألف أميركي. إلا أن جائحة 1918 الوبائية كانت الأسوأ من نوعها، حيث قضت «الإنفلونزا الإسبانية» على مليون أميركي ونحو 50 مليون شخص في العالم.

* أسباب الحذر

* إن تاريخ الجائحات الوبائية يشير إلى ضرورة الاهتمام الجدي بأي فيروس جديد للإنفلونزا. وبعد أن بدأ فيروس «إتش 1 إن 1» انتشاره العالمي فعلا خلال أشهر الربيع من عام 2009، ظهرت مؤشرات مثيرة للقلق فقد استمر انتشار الفيروس هذا في النصف الشمالي للكرة الأرضية خلال موسم الصيف. ومن الناحية النموذجية، فإن فيروسات الإنفلونزا تنتشر بسهولة في الهواء البارد الجاف. إلا أن هذا النوع الجديد من الفيروسات كان ينتشر في ظروف الطقس الحار والرطب نسبيا - أي قبل مجيء موسم الشتاء الذي يشهد قمة الإصابات بالإنفلونزا.

كما ثارت المخاوف بسبب تردي حالة الحيوانات التي أصيبت بفيروس «إتش 1 إن 1» مقارنة بحالات إصابتها بفيروسات الإنفلونزا الموسمية المعهودة. وأظهرت إحدى الدراسات أن فيروس «إتش1 إن1» تسبب في إحداث أضرار في رئة الحيوانات المصابة تماثل الأضرار التي أحدثها فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5 إن1»H5N1. وبينما لم يتحور فيروس إنفلونزا الطيور حتى الآن إلى شكل ينقل العدوى بين البشر، إلا أن نصف الأشخاص الذين أصيبوا به، قضوا نحبهم بسببه.

* خفيف غير مخيف

* وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء جائحة «إتش1 إن1» الوبائية في أغسطس (آب) عام 2010. وبعد أن أصاب الفيروس ملايين الناس وقاد إلى وفاة الآلاف منهم، ظهر أنه - ولحسن الحظ - لم يكن من الآفات المدمرة.

وفي الولايات المتحدة، سجل نحو نصف متوسط عدد الوفيات المرتبطة بالإصابات في موسم الإنفلونزا. وتقدر مراكز CDC أن 12270 من الوفيات المرتبطة بفيروس «إتش1 إن1» قد وقعت بين أبريل (نيسان) 2009 وأواسط مارس (آذار) 2010.

وظهر أن جائحة فيروس «إتش1 إن1» الوبائية كانت أخف شأنا وغير مخيفة في الشكل الذي قدمت به، وذلك لعدد من الأسباب، فقد أظهرت الاختبارات على الفيروس نفسه منذ البداية أنه قد لا يكون شديدا. كما وجد أن فيروس «إتش1 إن1» لديه تركيب جيني مختلف بشكل واضح عن فيروس عام 1918 القاتل، كما كان مختلفا عن فيروس إنفلونزا الطيور «إتش5 إن1».

وإضافة إلى ذلك، فقد بدا في الوهلة الأولى أن فيروس «إتش1 إن1» قد يكون فيروسا جديدا تماما، ولذا فإن أي شخص لن يمتلك مناعة لمقاومته. إلا أن هذا الأمر كان غير صحيح بشكل تام. فقد كانت البروتينات الموجود في الجانب الخارجي من غطاء هذا الفيروس مختلفة، أما البروتينات الموجودة داخل الفيروس فكانت متشابهة مع البروتينات الموجودة في فيروسات الإنفلونزا التي انتشرت في العالم في النصف الأول من القرن العشرين الماضي. ونتيجة لهذا، فقد كان أغلب الناس من أعمار تزيد على 50 سنة يتمتعون بمناعة ضد فيروس «إتش1 إن1».

ووفقا لبعض التقديرات، فإن 20% من الأميركيين كانوا يمتلكون أجساما مضادة لهذا الفيروس حتى قبل أن ينطلق وباؤه، ربما لأنهم تعرضوا لفيروسات مماثلة وطعموا بلقاحات مضادة لها. كما يمكن أن يكون بعض الناس قد تحصنوا ضد الفيروس إلى حد ما بعد حصولهم على لقاح إنفلونزا الخنازير عام 1976.

إلا أن هناك وسيلة أخرى للتدقيق في الوفيات التي نجمت عن الإصابة بالإنفلونزا في موسم 2009 - 2010 التي تضع فيروس «إتش1 إن1» في وضع أفضل! فلربما كانت فيروسات الإنفلونزا الموسمية المعهودة قد ضربت السكان الكبار بقوة. وفي الواقع، فإن أحد أسباب تدني عدد الوفيات في ذلك الموسم هو أن فيروس «إتش1 إن1» قد حل بشكل فعال محل فيروسات الإنفلونزا الموسمية التي تسبب المرض عادة لكبار السن. إلا أن الأطفال الصغار والنساء الحوامل كانوا من الفئات التي تأثرت بشكل غير متناسب مع الآخرين، بفيروس «إتش1 إن1».

ما التوقعات؟

يحتوي لقاح 2010 المضاد للإنفلونزا على لقاحات مضادة لفيروس «إتش1 إن1» إضافة إلى فيروسين آخرين. وقد أوصت السلطات الصحية الأميركية لأول مرة بتطعيم كل الأميركيين بهذا اللقاح: أي الأطفال بعد سن 6 أشهر فأكثر. وللتذكير، فإنه لم يمر زمن كثير على الوقت الذي كان فيه التطعيم يقتصر فقط على الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فأكثر. ويوجد شكل من اللقاح في هيئة جرعة رشاشة في الأنف للأشخاص بين أعمار سنتين و49 سنة.

وحتى وقبل انطلاق التطعيم لعام 2010، ظلت نسبة كبيرة (تصل ربما إلى 60%) من الأميركيين تتمتع بمناعة قوية إلى حد ما ضد فيروس «إتش1 إن1» نتيجة تعرضها له أو نتيجة التطعيم بلقاح ضده عام 2009 أو التعرض لفيروسات مشابهة له والتطعيم بلقاحاتها.

وفي هذه السنة، يتوقع أن تكون الهيمنة لفيروس «إتش1 إن1». ولهذا، ستعاد الكرة نفسها، إذ يتوقع أن يصاب الكبار في السن بعدوى خفيفة منه، بينما يصاب الصغار والشبان والحوامل بعدوى أشد، ولذا فإن على هذه الفئات الأخيرة التلقيح ضده.

وفي الماضي، كانت فيروسات الإنفلونزا المسؤولة عن حدوث جائحة، تنزل عن المسرح بعد هيمنتها في سنة ما كي تحتل الموقع الثانوي، باعتبارها من الفيروسات الموسمية، إما لأن الإنسان يطور مناعة ضدها أو لأنها تتحور بشكل جزئي. فلا تزال هناك نسخة منتشرة من فيروس إنفلونزا هونغ كونغ. إلا أن نسخة من فيروس 1918 التي تسببت في حدوث إصابات موسمية على مدى 40 عاما، انحسرت واختفت بعد حدوث جائحة عام 1957 الوبائية، إلا أنها عادت وظهرت عام 1977 - ولا تزال موجودة حتى الآن.

وقد يتتبع فيروس «إتش1 إن1» الجديد نفس آثار تلك الفيروسات التي سبقته ويتحول إلى فيروس موسمي. إلا أن أحدا لم يكن يتوقع انتشاره عام 2009، ولذلك فإن من السابق لأوانه التنبؤ بمصير مثل هذه الفيروسات.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا»