العلاج المناعي.. خيار جديد لحالات سرطان البـــروستاتا المتقدمة

يدرب جهاز المناعة لاستهداف الخلايا السرطانية

TT

ولأن الدراسات العلمية لم تعتمد حتى الآن علاجا محددا واحدا بوصفه الأفضل من بين العلاجات الأخرى، فإن الأطباء يطلبون من المصابين بحالات سرطان البروستاتا المبكر الاختيار بين تأخير العلاج (الانتظار بيقظة أو المتابعة النشطة)، وبين الجراحة (التقليدية، أو بجراحة المنظار، أو بمساعدة الروبوت)، أو العلاج الإشعاعي (الإشعاع الخارجي، حزمة البروتونات، أو العلاج الإشعاعي الداخلي brachytherapy، بزرع بذور مشعة، مع العلاج الهرموني أو من دونه).

ولجعل الأمور أكثر التباسا، فإن بعض الرجال يفكرون أيضا في التوجه إلى أنواع من العلاج التجريبي غير المعتمد، التي تتراوح بين العلاج بالتجميد والموجات فوق الصوتية بترددات عالية، وقص الورم بموجات الميكروويف أو الموجات الراديوية، إلى العلاج بتغيير نمط الحياة باستخدام الحمية الغذائية والمكملات الغذائية.

ويستجيب أغلب الرجال بشكل جيد لأنواع العلاج هذه، إلا أن البعض منهم يجابه حالات عودة السرطان مجددا، غالبا بعد سنوات من علاجه الأصلي. ويجابه هؤلاء الرجال وضعية أبسط، رغم أنها أقل جاذبية لهم، لأن خط الدفاع اللاحق لهم هو العلاج بالحرمان من الأندروجين (androgen-deprivation therapy). وعلى الرغم من أن وقت ووسائل تنفيذ الحرمان من الأندروجين تشمل خيارات كثيرة، فإن هدف كل طرق هذا العلاج هو التقليل بشكل حاد من مستوى «التيستوستيرون»، وهو الهرمون الذكري الذي يشجع بقوة على نمو سرطان البروستاتا.

وتستجيب غالبية حالات سرطان البروستاتا بشكل جيد إلى العلاج بالحرمان من الأندروجين، إذ ينخفض مولد المضادات الخاص بالبروستاتا prostate specific antigen (PSA)، وتتقلص الأورام، وتتحسن حالة المصاب. وتكون النتيجة دراماتيكية غالبا، وقد تظل كذلك لسنوات.

ولكن، ولسوء الحظ، فإن كل سرطان البروستاتا «يهرب» من كماشة العلاج بالحرمان من الأندروجين، لكي ينمو مجددا. وسوف يتوفى نحو 27 ألفا من الأميركيين بسبب سرطان البروستاتا هذا العام، ويكون المسؤول عن هذه الوفيات بالدرجة الأولى السرطان المعتمد على الأندروجين.

وهنا نصل إلى الحديث عن العلاج الجديد.

* منطلقات جديدة

* يسمى هذا العلاج الجديد «لقاح سرطان البروستاتا» (prostate cancer vaccine)، إلا أنه لا يعتبر لقاحا مثل لقاحات التطعيم من الأمراض المعدية التي يتم حقنها بواسطة الإبر، مثل الحصبة أو الإنفلونزا. وهذا العلاج الجديد لا يوجه لدرء حدوث سرطان البروستاتا بل لعلاج المرض المستوطن. وقبل أن تنتابك مشاعر الأمل عليك أن تعرف أن هذا العلاج لا يقدم الشفاء.

إن كل أنواع السرطان تحدث بسبب تشوهات تسمح للخلايا بالتكاثر والنمو، متحدية الضوابط الطبيعية الموجودة. ومثل هذه التشوهات شائعة جدا إلا أن الجسم يصحح غالبيتها ويستعيد توازنه قبل أن ينمو السرطان. ويعتبر جهاز المناعة هنا واحدا من أهم منظومات المراقبة والتحكم.

وتنفذ اللقاحات التقليدية عملها بتعريض جهاز المناعة لبروتين واحد، أو أكثر، تم إعداده خصيصا يسمى مولد المضاد (antigen) من الميكروب الذي يوجه ضده اللقاح. ويقوم مولد المضاد بالعمل على جعل جهاز المناعة متأهبا، فعندما يجابه الجسم الميكروب، فإن جهاز المناعة سيتعرف عليه، ويدمره، قبل أن يغزو الجسم مسببا المرض.

إلا أن «لقاح سرطان البروستاتا هنا مختلف، ولكنه يجعل الجسم أيضا متأهبا في دفاعاته المناعية بحيث توجه تلك الدفاعات ضد خلايا سرطان البروستاتا غير المعتمدة على الأندروجين (androgen-independent prostate cancer cells). ومهمة اللقاح معقدة».

* علاج جديد

* يسمى العلاج الجديد «بروفينج» (Provenge) («سبيوليوسيل - تي» sipuleucel-T). ويبدأ بتنفيذ مهمته بالعمل على خلايا مناعية خاصة تسمى «خلايا معالجة مولد المضادات» (antigen processing cells) أو اختصارا (APCs)، التي تعرف أيضا باسم «الخلايا التشعبية» (المتشجرة) dendritic cells و«الخلايا البلعمية» (macrophages). وتبدأ هذه الخلايا بردود فعل مناعية لدى شروعها في التهام مولد المضادات وتقديم هذه البروتينات إلى الخلايا اللمفاوية، وهي الخلايا المناعية التي تكافح المواد الضارة. كما تولد «خلايا معالجة مولد المضادات» تلك ما يسمى بجزيئات «costimulatory molecules» المحفزة التي تسمح للخلايا اللمفاوية بتنفيذ نشاطاتها المعقدة لتدمير مولد المضادات أو الخلايا التي تحمله.

ثم يأتي التحدي اللاحق وهو اختيار مولد المضاد المناسب. وهو حالة «بروفينج»، و«الفوسفاتاز الحمضي البروستاتي» prostatic acid phosphatase (PAP)، الذي هو بروتين تنتجه كل خلايا البروستاتا، ولكن لا تنتجه أي خلية أخرى في الجسم. وتنتج خلايا أورام البروستاتا الخبيثة هذا البروتين بكميات كبيرة. كما يوجد عنصر ثالث وهو البروتين المسمى «العامل المحفز لمستعمرات الخلايا البلعمية - الكريات المحببة granulocyte–macrophage colony stimulating factor (GM-CSF) الذي يغذي «خلايا معالجة مولد المضادات» لكي تنفذ مهمتها بشكل أفضل.

وتعتبر الآليات البيولوجية والميكانيكية لهذه العمليات معقدة. ويجري جمع «خلايا معالجة مولد المضادات» هذه من جسم المصاب عن طريق الدم بعملية تسمى «leukapheresis». وتجمد «خلايا معالجة مولد المضادات» وتختزن في المركز الطبي الذي يعالج فيه المريض ثم ترسل إلى مختبرات شركة «دندريون» (Dendreon) التي طورت علاج «بروفينج». وتضع الشركة «خلايا معالجة مولد المضادات» المستخلصة من المريض مع بروتين مصنوع بطرق الهندسة البيولوجية يتكون من «الفوسفاتاز الحمضي البروستاتي» (PAP)ومن عامل (GM-CSF) المذكورين آنفا. وبعد معالجة الخلايا، يتم إرسالها للخزن في المركز الطبي، لكي يمكن حقنها في جسم المريض. وتنفذ إجراءات الحقن ثلاث مرات في خلال أسبوعين. ويتطلب كل علاج فترة ساعة واحدة.

وإن مضى كل شيء على ما يرام، فإن «خلايا معالجة مولد المضادات» التي خضعت للعلاج سترسل المعلومات إلى جهاز المناعة بأن عليه البحث عن كل خلية تنتج «الفوسفاتاز الحمضي البروستاتي» (PAP) لتدميرها - أي لتدمير سرطان البروستاتا.

* نتائج العلاج

* تفترض النتائج الأولى للتجارب على «بروفينج» وجود فوائد له، إلا أن وكالة الدواء والغذاء الأميركية طالبت بإجراء المزيد من الأبحاث قبل إجازته للعلاج. وقد منحت الإجازة له عام 2010 عند إعلان نتائج دراسة «IMPACT».

وقد انخرط في دراسة «IMPACT»، منذ عام 2003، 512 من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا غير المعتمد على الأندروجين، الذي انتشر إلى باقي أنحاء أجسامهم، إلا أنه لم يولد الآلام الشديدة أو أعراضا رئيسية أخرى. وقد قسم المتطوعون إلى مجموعتين تناول أفراد الأولى ثلاث حقنات من «بروفينج» بينما تناول أفراد المجموعة الثانية حقنا وهمية. وقد نجا الأشخاص الذين حقنوا بحفن «بروفينج» لفترة أطول بنسبة 21 في المائة من الآخرين الذين حقنوا بحقن وهمية. وعلى الرغم من أن هذه النتائج النسبية كانت ممتازة، فإن النتائج المطلقة لم تكن كذلك، إذ زاد «بروفينج» فترة النجاة بمدة 4.1 شهر فقط (25.8 شهر مقارنة بـ21.7 شهر). وعانى أغلب الذين حقنوا بحقنة «بروفينج» من أعراض سيئة، كان أغلبها خفيفا ومنها الحمى، والقشعريرة، وآلام في المفاصل، والصداع. إلا أن 3.5 في المائة من المصابين الذين خضعوا لهذا العلاج (و2.5 في المائة من متناولي الحقن الوهمية) تعرضوا لسكتة دماغية. ومع هذا، وبعد ثلاث سنوات من المتابعة، ظل 32 في المائة من المعالجين بحقن «بروفينج» على قيد الحياة، مقارنة بـ23 في المائة من الذين حقنوا بحقن وهمية.

* آفاق المستقبل

* لقد أجيز استخدام «بروفينج» للرجال المعانين من سرطان البروستاتا غير المعتمد على الأندروجين المنتشر، الذي لم يقد حتى الآن إلى ظهور آلام شديدة أو أي أعراض رئيسية. وهذا العلاج هو خيار مرحب به لهؤلاء الرجال، إلا أن فوائده قليلة، كما يقل توافره في البداية. ويجب أيضا الأخذ بعين الاعتبار أعراضه الجانبية وتردي جودة الحياة بالإضافة إلى ثمنه. وتقدر شركة «دندريون» تكلفة العلاج بـ«بروفينج» بمبلغ 93 ألف دولار لكل مريض.

وعلى الرغم من أن تجارب «IMPACT» كانت مهمة، إلا أنها لم تقارن «بروفينج» مع عقار «دوسيتاكسيل» (docetaxel) («تاكسوتير» (Taxotere، وهو من العقاقير الكيميائية التي أجيز استخدامها أيضا لعلاج سرطان البروستاتا المنتشر.

وقد أفادت الأبحاث السابقة بأن عقار «دوسيتاكسيل» له فوائد محدودة لعلاج سرطان البروستاتا، إذ يزيد فترة النجاة لعدة شهور فقط، بينما يؤدي إلى آثار جانبية خطيرة. إلا أن مقارنة تأثير هذا العقار مع «بروفينج» في تجارب عشوائية هو الطريق الوحيد للتعرف على العقار الأقوى في فاعليته والأقل في سمومه. وعلينا أيضا أن نعرف أن العلماء يطورون أنواعا أخرى من الوسائل لعلاج سرطان البروستاتا الذي يظهر مجددا بعد علاجه الأول.

وعقار «بروفينج» سيساعد بعض المرضى، إلا أنه سيخيب آمال آخرين. وعلى المدى البعيد فإن الطريقة التي يعمل بها ربما تكون أهم من وظيفته. وتظهر لنا هذه الطريقة أنه في الإمكان تدريب جهاز المناعة لدى الإنسان لاستهداف خلايا البروستاتا السرطانية. وهو يمنح الباحثين آمالا بتطوير وسائل أفضل لتوظيف جهاز المناعة لرصد الأورام الخبيثة وتدميرها.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»