الاختبارات الجينية الشخصية.. هل تؤثر على سلوك الأفراد الصحي؟

نتائجها لا تدفع لتغيير نمط الحياة أو لإجراء المزيد من الفحوصات

TT

منذ أن أصبحت أطقم الاختبارات الجينية الشخصية - التي تقوم بتحليل مجموعة من العلامات الجينية داخل جينوم (الخريطة الوراثية أو الأطلس الوراثي) الشخص، من أجل الكشف عن احتمالية إصابته بمرض السكري أو أمراض القلب أو سرطان البروستاتا أو غيرها من الأمراض الشائعة - متاحة في عام 2007، والخبراء يناقشون تبعات ذلك.

وكانت الآمال معقودة على أن تساعد هذه الاختبارات الأفراد على اتخاذ إجراءات تهدف إلى تجنب الأمراض التي تبين أنه يحتمل بدرجة كبيرة إصابتهم بها. ولكن البعض شكك في أنه ستحصل لدى الأفراد استجابات مختلفة إزاء المعلومات التي تظهر من هذه الأطقم، بالمقارنة مع استجاباتهم تجاه المقاييس المعروفة القائمة، مثل قراءات ضغط الدم ومستويات الكولسترول.

* تأثيرات ضئيلة

* كما أثارت الاختبارات، التي يمكن طلبها عبر الإنترنت، مخاوف من أن المستهلكين الذين يعلمون أن لديهم احتمالية كبيرة للإصابة بمرض معين ربما ينتابهم قلق واضح إزاء النتائج. وهناك مبعث خوف آخر يتمثل في أن النتائج قد تدفع الأطباء إلى طلب اختبارات متابعة غير ضرورية، مما يمثل عبئا على نظام الرعاية الصحي المثقل بالفعل.

ويشير أول تحليل واسع النطاق للأثر النفسي والسلوكي لهذه الاختبارات إلى أن تأثيرها ضعيف إجمالا. وأجرى إريك توبول، مدير معهد «سكريبس ترانسليشنال ساينس»، وباحثون آخرون مسحا شمل 2000 شخص داخل الكثير من الشركات في منطقة سان دييغو عُرض عليهم اختبار جيني من طقم خاص من «نافيغينكس»، وهي من أوائل الشركات التي تعرض اختبارات واسعة للجينوم. ووجد الباحثون أن الأغلبية الواسعة لم يشعروا بقلق واضح بشأن النتائج ولم يغيروا من سلوكهم بأن يتجهوا إلى ممارسة المزيد من التمارين الرياضية أو تغيير عاداتهم الغذائية. ونشرت النتائج في دورية «نيو إنغلاند غورنال أوف ميديسن».

ويقول جيمس إيفانز، وهو اختصاصي في الجينات في جامعة نورث كارولينا شارك في الدراسة: «بالنسبة إلى من يأملون أن تكون النتائج الجينية بمثابة الأمر الذي سيدفع الناس إلى تغير أنماط حياتهم لتكون أفضل من الناحية الصحية، أعتقد أن ذلك واقعي بشكل واضح. نعلم بالفعل أن إعطاء الناس كل أنواع نتائج الاختبارات الطبية لا يعني وجود أثر سلوكي كبير. وأعتقد أنه من السذاجة الاعتقاد أنه سيكون ثمة شيء سحري بشأن المعلومات الجينية يدفع الناس إلى ممارسة المزيد من التمارين أو تقليل الوزن وتناول الطعام بشكل أفضل».

وعلى الجانب الآخر، يبدو الناس منسجمين بصورة جيدة مع المعلومات. ويقول توبول: «على الأقل نعرف للمرة الأولى أن الأفراد الذين يحصلون على هذا المقدار من البيانات يتعاملون معها أفضل مما توقع المجتمع الطبي. كان الكثير من الناس يشعرون بالقلق من أن (المستهلكين) سوف يذهبون ليجروا كافة الاختبارات التي عرفتها البشرية».

وينبه توبول إلى أن المجموعة التي تم تناولها بالدراسة لا تمثل الناس إجمالا، حيث إنهم يعملون في شركات تقنية وصحية داخل سان دييغو. ويقول: «إنها تمثل هؤلاء الذين سيشترون طقم الاختبار» لأنهم اختاروا الحصول عليه. «ولكن لا يمكن توقع أن يكون هذا هو سلوك الجميع»، كما نقلت عنه مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية. ويقول إيفانز: «هذه مجموعة منتقاة بدرجة كبيرة، والواقع أن الأعداد الكبيرة من الناس لا يسعون لتحقيق منفعة من ذلك، وأنا متأكد أنهم لا يمثلون الناس إجمالا».

* نتائج معتدلة

* وتكون البيانات بشأن احتمالية التعرض للمخاطر التي ترصدها هذه الاختبارات في معظم الحالات معتدلة على أفضل تصور، وربما يساعد ذلك على توضيح عدم الشعور بالقلق بشأن النتائج وعدم تغير نمط الحياة إلى نهج أكثر محافظة على الصحة. (من بين أهم الانتقادات الخاصة بهذه الاختبارات هي أنها تقدم القليل من المعلومات المفيدة). ويقول مايكل كريستمان، رئيس معهد كوريل للأبحاث الطبية غير الربحي الذي أجرى دراسة مماثلة: «لم أندهش لعدم وجود أثر واضح على السلوك. لا نتعرف إلا على جزء بسيط من احتمالية التعرض لأمراض معقدة. ولكن سيتغير ذلك مع وجود التسلسل الكامل للجينوم. وقريبا سنكون قادرين على أن نقول للناس ما هو مقدار احتمالية التعرض لمرض بعينه وسيكون لذلك أثر أكثر أهمية. وأتوقع أن يكون لذلك أثر أكبر على السلوك أيضا».

وتبين أن ربع المشاركين في المسح عرضوا نتائج الاختبارات على أطبائهم، ومارست هذه الفئة المزيد من التمارين الرياضية ونظموا عاداتهم الغذائية بوتيرة أعلى مما قامت به المجموعة إجمالا. ولكن من غير الواضح ما إذا كان لدى هذه المجموعة محفزات للاهتمام بحالتهم الصحية من الأساس وهو ما دفعهم إلى الذهاب للأطباء، أو أن التغيير كان بسبب نصائح وجهها الأطباء.

* الأطباء والاختبارات

* أهمية إطلاع الطبيب على الأمر، حسب ما يقوله فانس فانير، رئيس «نافيجينكس». وعلى عكس الاختبارات الأخرى، لا تتاح اختبارات «نافيجينكس» إلا من خلال الأطباء أو برامج المحافظة على الصحة داخل المؤسسات ولا تعرض مباشرة على شبكة الإنترنت. ولكن ليس لدى معظم الأطباء الاستعدادات اللازمة للتعامل مع نتائج الاختبار الجيني. ويقول توبول: «تظهر عمليات المسح أن 90 في المائة من الأطباء غير مرتاحين للاعتماد على البيانات الجينية في تحديد العلاج».

ويستفيد 10 في المائة فقط من المشاركين من الاستشارات الجينية المجانية، التي عرضت مع الاختبار. وعلى عكس الحال مع أطباء الطب العام فقد من يقدمون استشارات جينية على تدريبات خاصة من أجل مساعدة المرضى على فهم واستخدام الاختبارات الجينية. ويقول فانير إن «نافيجينكس» غيرت منحاها إزاء تقديم الاستشارات نتيجة لهذه النتائج. وتقوم الشركة حاليا بمتابعة المستخدمين لعرض تقديم نصائح بدلا من انتظارهم ليطلبوها.

وعلى ضوء حالة نظام الرعاية الصحية، فإن من بين المخاوف الكبرى بشأن الاختبارات الشخصية أنها سترهق نظام الرعاية الصحية. ولكن لم يرد أن الأفراد أجروا المزيد من الإجراءات الطبية نتيجة لهذه الاختبارات، وهي نتيجة أكدتها دراسة معهد كوريل. ويقول إرين غوردن، مدير الاستشارات الجينية داخل كوريل: «يشير ذلك إلى أن المخاوف بشأن إجهاد المنظومة الطبية قد تكون سابقة لأوانها. ولا أعتقد أنه يوجد لدى أحد بيانات كافية في هذه المرحلة تقول إن السؤال تم الإجابة عنه. ولكن توجد مخاوف أكثر من أدلة تدعم فكرة أن هناك مشكلة».

وورد أن الأفراد الذين توجد احتمالية أكبر بإصابتهم بسرطانات معينة يرغبون في الذهاب لاختبارات فحص ومتابعة، مثل تنظير القولون وتصوير الثدي بالأشعة السينية. ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانوا سيتجهون إلى الفحص لدوافع لديهم. ويقول توبول إن فريقه لا يزال مستمرا في متابعة ما يقوم به المشاركون في الدراسة وسيحاول الإجابة عن هذا السؤال.

ويخطط فريق توبول ومجموعة كوريل حاليا إلى دراسة آثار المعلومات الخاصة باستجابة الجينات للأدوية والتحولات الجينية التي تقدم المعلومات حول أثر بعض الأدوية مثل «بلافيكس»، على الفرد ومدى تعرضه لآثار جانبية. وحيث إن هذه المعلومات لها أثر واضح بدرجة أكبر - إذ ربما يختار الأطباء عقارا مختلفا أو يوصون بجرعة أقل - فإن من المحتمل أن يكون لهذه الاختبارات أثر أكبر من تلك التي تذكر احتمالية الإصابة بمرض معين. ويقول كريستمان: «يجب أن يتعامل الناس مع هذه المعلومة بجدية أكبر حاليا. وعلى سبيل المثال يعد (بلافيكس) ثاني أكثر دواء يتم وصفه في مختلف أنحاء العام ولكنه لا يفيد ربع الأفراد الذين يحصلون عليه».